ارشيف من :آراء وتحليلات
داعش في ليبيا: العين على مصر وشمال إفريقيا
أعدم تنظيم داعش في ليبيا واحداً وعشرين عاملًا مصريًا وقدّمه في مشهدية اعتاد التنظيم على تقديمها في فيلم مصوّر.
لم يكن هذا الإعدام الأوّل من نوعه، فقد سبق أن أعدم جنودًا عراقيين وسوريين، إضافة الى مدنيين من مختلف الجنسيات العربية، شاهدنا جزءًا منها على وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي، ومع ذلك يبدو السؤال ملحًّا عن أهداف داعش وراء عملية الإعدام هذه، إن من ناحية مكان تنفيذها، أو من ناحية جنسية ضحاياها.
داعش
بعض أهداف الإعدام
أولًا: كانت عمليات الإعدام الجماعي السابقة تتم والضحايا إما بلباسهم العسكري أو المدني، لكنهم في العملية الأخيرة كانوا يرتدون اللباس البرتقالي الذي دأبت داعش على إلباسه للرهائن الأجانب ، وربما في ذلك إشارة إلى تركيز ما يسمى عندهم « الدولة الاسلامية» وأنها موجودة في ليبيا وتمارس عملها بحق «السجناء».
ثانيا :كان الضحايا من الأقباط على وجه الخصوص. فلم تختر داعش مصريين مسلمين، وهذا أمر يدغدغ مشاعر القيادات السلفية والجماعات التي سبق لها أن اصطدمت مع الأقباط في أعمال عنفية. وربما تهدف من خلال ذلك إلى محاولات نشر الفتنة، والدفع نحو الصدام من جديد.
ثالثًا : إن عملية الإعدام هذه تساعد، بنظرهم، على استقطاب هذه التيارات داخل المجتمع المصري، ولا سيما القاعدة الإخوانية التي تشعر أنها مهمّشة، وقد تم إقصاؤها من الحياة السياسية.
رابعًا : إنّ هذه العملية يمكن أن ترفع من معنويات ما يسمى « ولاية سيناء» التابعة للتنظيم، ويجعلها تشعر بقوة أكبر بسبب وجود « أخوة الجهاد» على حدود قريبة.
خامسًا : عمد "داعش" هذه المرة إلى التصوير على شاطئ بحري لا صحراوي كما اعتدنا عليه، وفي ذلك إشارة إلى أنّه بات يمتلك إطلالة بحرية. وإن كنت أعتقد شخصيًا أنّ المنفذ البحري لا يفيده كثيرًا . اذ من المستبعد أن نرى بواخر وسفنًا ترسو هناك ، وأنّ اقصى ما يمكن الاستفادة منه هو عمليات تهريب محدودة بوساطة قوارب صغيرة.
سادسًا : تقع ليبيا على حدود تونس، ما يشكّل إرباكًا إضافيًا للسلطات التونسية، بحيث إنّ التهديد الداعشي لم يعد يقتصر على جبال الشعانبة أو على بعض المناطق الجبلية بين تونس والجزائر.
سابعًا : ينبغي ألا ننسى أنّ ليبيا عنصر مهم في منظومة داعش الإفريقية، فهي تقع على حدود النيجر حيث ينشط تنظيم بوكو حرام أيضا، كما أن حدودها مع الجزائر، ولا سيما الجنوب الشرقي منها، ستشكّل مستقبلًا، تحديًّا أمنيًا للسلطات الجزائرية، من دون أن ننسى أن داعش سيسعى حتمًا إلى فتح خطٍّ عبر الجنوب الجزائري الصحراوي، ليربط بين ليبيا ومالي. وهذا يعني أنّ المثلث (ليبيا النيجر والجزائر) مرشح لأن يكون مثلثًا مشتعلًا ، خاصة إذا استطاع داعش أن يثبّت أقدامه في الجنوب الليبي، على الرغم من أنّ الاهتمام الداعشي في الوقت الراهن يتمثّل بالجبهة الساحلية ،حيث يسعى التنظيم إلى التوسع نحو بنغازي، انطلاقا من درنة، فيما العين الأخرى على مصراته، انطلاقا من سرت ( المدينة التي من المفترض أنّ اعدام العمال المصريين قد نفّذت فيها).
ومهما يكن من أمر، فإنّ عملية الإعدام هذه لن تكون الاخيرة، ومن المؤكد أنها لن تقتصر على المصريين، بل ستطال كلَّ جنسية تسعى داعش إلى نقل الحرب إليها واستقطاب مواطنيها، وربما أيضا كلّ دولة تبُدي تردّداً في الالتحاق بحلف محاربة الارهاب، وهنا تحديدًا تبدو المفارقة الكبرى.