ارشيف من :نقاط على الحروف

كرار ... وسرية العشق

كرار ... وسرية العشق

لن أدّعي مجداً لم أحظَ به...ما أعرفه عنك، أنك كنت السبّاق دائماً بالسلام، تحية الإسلام مترافقة مع ابتسامة خجولة وخطواتٍ سريعة لعمل كثير كنت مشغولاً به....عن المقاومة والشهداء هذا كل ما يعنيك كمجاهد زاوج ما بين البندقية والكاميرا....أذكر جسدك النحيل وكلامك القليل وقبعتك المميزة....وأذكر مقالات تحدثت عن أعمالك النوعية على شاشة المنار...وهكذا حفظت اسمك" المخرج حسن عبد الله"...


دائماً يقال لنا: أنتم تبالغون في كلامكم ووصفكم للشهداء فهم بشر مثلنا وليسوا معصومين...فعلاً هم ليسوا معصومين وهم بشر، وهنا قمة التميز والتأكيد على انهم ليسوا مثلنا....الشهداء ليسوا ملائكة، لكن البعد الملائكي والطهر الانساني طاغ في شخصياتهم....عندما استشهد الاخ الزميل حمزة الحاج حسن، تفاجأ البعض، أي مجد هذا لحمزة!!! مرور سريع في هذه الدنيا انتهى بأحسن خاتمة....لماذا حمزة ما الذي كان يميزه عنا؟...عصفت الذكريات الكثيرة في رأسي، توقفت عند بعض التفاصيل التي لا يمكن تخطيها، حمزة لم يتحدث بسوء عن أحد أمامي أو أمام أي من الزملاء على الرغم  من صعوبة المهنة، لقد كان مميزاً بطيبته وإيمانه العميق على الرغم من شبابه المتّقد وحيويته وحبِّه للحياة...الشهيد حمزة كان افضل منا، الشهيد حمزة كان يصوم لأيام طويلة، شهري رجب وشعبان غالباً قبل شهر رمضان....

  ما سأرويه عن الشهيد حسن شاركني به مقرب منه.... فهو كان جزءًا من مجموعة من الشباب المميزين، أصدقاء بل أخوة، يجمعهم الكثير...ولعل كلمة المقاومة تختصر كماً هائلاً من الكلمات في معرض توصيف هذا الكثير...في العالم الافتراضي وتحديداً الواتس اب، كان منتدى البوصلة مساحة تواصل لحظوي بينهم...السياسة والمقاومة والشهداء، الحزن والمزاح، الضحك والدموع....كل ما يمكن للأصدقاء أن يتشاركوه...مع ميزة ملحوظة للوعي والاحساس العالي بالمسؤولية.

كرار ... وسرية العشق
وعدنا ... حسن


الشهيد حسن معروف لرفاقه باسمه العسكري كرار...كرار رحل وترك أيتاماً هم ليسوا فقط أولاده الثلاثة (بتول ومحمد وعباس)، ترك: ساجد، جاد، بدران، ابو ساجد، طه، موسى، سيد ابراهيم، ابو هاشم، موستي، فلحة، ابو علي غازي، الحاج يوسف، بدر، علي ارسلان، غانم، علاء....كتبت اسماءهم  كما ينادون بعضهم البعض...

أعود  إلى الحديث  عن كرار الشهيد حسن، في اليوم الذي استشهد فيه...كتب عند الساعة 6:12 "هذا اليوم يوم صاحب الزمان"، كان حديث صلاة الصبح بين مجموعة البوصلة، لم يقبل نقاشاً عندما سأله جاد لماذا؟ عاد وكرّر :"هذا اليوم يوم صاحب الزمان". بأمرك. جاوبه الأصدقاء المشتاقون للقاء كرار الغائب منذ مدة طويلة..

غالباً ما ينادي كرار بدران فجراً: ابعتلي عناوين الصحف ناطر....يناديهم لصلاة الصبح...وأي صلاة هي صلاة العاشقين، وكرار عشقه مفضوح من المجموعة فرداً فرداً....معشوقته المدللة التي أقسم أن يفعل ما بوسعه للحصول عليها، معشوقته التي بكى كثيراً لأجلها، سأل نفسه ورفاقه لماذا تجافنيي ؟ لماذا تأبى الوصال وأنا عشقي لها كعشق عابس للحسين عليه السلام...لقد جرح جراحًا بالغة خلفت ندوبها على جسده. كما قال في وصيته...ولكنها بقيت تجافيه حتى الأمس القريب...

عمله الطويل في الإعلام الحربي منذ كان فتياً....معاصرته لإنجازات المقاومين، توثيق كاميرته لانتصاراتهم، وإحساسه الحيّ بالأنفاس الأخيرة لشهداء عرجوا الى الملكوت الأعلى أمامه....كل هذا زاد من عشقه لمعشوقته....

كان بالمناسبة، كثير الحديث عنها، كانت شغله الشاغل....كرار، إن وضع هدفاً نصب عينه لا بدّ وأن يحصل عليه....قال لطه: انا يلي بحاجة لدعاء حتى تظبط الله حارمني الاستجابة يا طه بس بالدعاء بتتغير الأمور عشان هيك ادعيلي. حبي أنت...الله كريم قال كرار لطه الذي نبهه بالقول: إذا استشهدت حكون بحاجة الك اكتر...ما تتركني لحالي....مسكين طه، قال ما هو متأكد أنه غير كاف بالنسبة إلى كرار ليتخلّى عن معشوقته المدللة.

كرار، ما اعتدنا عليك قاسياً...نحن أخوتك....لكن كرار فضّل معشقوته على الجميع...مع أنه ذاق طعم اليتم منذ أن كان عمره أربع سنوات، إلا أنه لم يخشَ على ابنه محمد  ذي الثماني سنوات من تذوّق مرارة فقد الأب....أتحدّث عن محمد  حصراً ،لأنني عندما شاهدته مرتدياً بزة المقاومة العسكرية في مقدّمة المشيعين، لم استطع إلا أن أرى والده أمامي، أحسست فوراً أنه استلم الراية من والده الشهيد...نحن أمة ولّادة للمقاومين والشهداء...

كرار ببساطة عشق الشهادة...ولم يشغله عنها عالم الإخراج والفنانين الذين قاموا تحت إشرافه وتوجيهاته بتمثيل الأدوار الأحب الى قلبه.. المقاومون العاشقون كحاله....

كان بإمكان شهيدنا الكرار حسن، أن يمارس عنجهية ذاك المستند الى رصيد هائل في الإعلام الحربي، الرجل وثّق عمليات نوعية، صوّر القائد الشهيد عماد مغنية وغيره من القادة الأحياء والشهداء... بإمكانه أن يكون مغروراً بأفلامه التي كتب عنها عندما عرضت على شاشة المنار، كان بإمكانه أن يفكر بمشاريع تجارية فنية، بإمكانه ان يسارع الى التأسيس لشركة انتاج، أن يستفيد من علاقته مع فنانين تعرف إليهم من خلال أعماله المقاومة...كان بإمكانه ان يكون مثلنا طامعاً بالدنيا....لكن اسمحوا لي...لم يكن مثلنا كان ملائكياً عاشقاً للشهادة....نعم الشهداء صنف آخر من البشر....وكرار كان منهم....

وعدنا حسن قال اصدقاؤه في البوصلة....استشهد حسن...وبشهادته ثبّت اتجاه البوصلة جيداً....فداءُ العشق تملك من رفاقك يا حسن...من التالي يا حسن وأنت الذي كتبت يوماً على صفحتك على الفايسبوك: تهامس المنتظرون، لقد نجا من عاد من المعركة، فهمس العائدون، لقد نجا من لم يعد...
2015-02-20