ارشيف من :آراء وتحليلات
هل يستغل الغرب الازمة الليبية تمهيدا لاحتلالها؟
لم تنجح مصر في استمالة القوى الغربية في طلبها الداعي الى تشكيل تحالف دولي لمحاربة "داعش" في ليبيا بعدما ذبح التنظيم 21 قبطيا مصريا، ولم تنفع التحذيرات المصرية لأوروبا من خطر "داعش" الدموي عليها، في التسويق لنظرتها، فاضطرت الى تخفيض سقف مطالبها والاكتفاء بالدعوة الى دعم الحكومة الشرعية ورفع الحظر المفروض على تسليح الجيش الليبي وفرض حصار بحري لمنع إيصال الأسلحة لجماعات غير حكومية في ليبيا.
إعتقدت القاهرة أن الغرب سيوافق على طلبها بعدما سمح لها بقصف مواقع التنظيم في مدينة درنة، لكن خاب ظنها بعدما ردت الدول الغربية سلبا عل دعوتها وفضلت الحل السلمي بين أطرافها.
لماذا لم تلب الدول الغربية الطلب المصري، وخاصة انها تعتبر من الدول المحسوبة عليهم؟
النفط الليبي يدغدغ مصالح الغرب
برأي الخبير العسكري الفلسطيني يوسف الشرقاوي فإن ليبيا تمثل موقعا هاما في المنطقة العربية، لما تملكه من ثروة نفطية، والغرب في هذه الحالة لا يريد شريكا عربيا في النفط الليبي. وما جرى من ذبح للأقباط بليبيا على يد "داعش" وصفه الشرقاوي بانه تمهيد لتدخل غربي لاحتلال ليبيا، من دون السماح بتدخل عربي، طمعا في النفط.
وفي قراءته للسياسة الغربية يعتبر الشرقاوي بأن مهمة الغرب هي جعل مصر دولة ضعيفة، وهي مرشحة للصوملة من أجل تفكيكها، والعيش في كنف السعودية.
ليبيا
إذا كانت هذه إستراتيجية الغرب تجاه ليبيا، لماذا وافق بأن تشن مصر غارات على قواعد التنظيم في ليبيا؟ لا يستبعد الخبير الفلسطيني بأن يكون ما حصل "سيناريو" غربياً للتغطية على ما هو آت، لأن الغارة وفق تحليله حصلت بأمر غربي، وهذه مقدمة للتدخل في ليبيا من دون العرب، على أن التدخل سيكون بطلب من الحكومة الليبية التي يعترف بها الغرب.
ومن هذا السيناريو يُفهم لماذا يرفض المجتمع الدولي إعطاء ليبيا السلاح، لأن الغرب يريد أن تكون الحكومة الليبية عاجزة عن الدفاع عن نفسها، ومن أجل تنفيذ هذا المخطط سيعمد الغرب الى إشاعة الفوضى في البلاد، وتقسيمها الى قبائل متناحرة، ما سيدفع ليبيا الى الى طلب التدخل.
وينظر الغرب بعين الاهمية الى ليبيا بسبب ثروتها النفطية، وموقعها الاستراتيجي، إذ يمتد شاطئها البحري بطول 1200 كلم، وهي كما يطلق عليها الغرب بانها حاملة طائرات طبيعية للغرب، لما تملكه من سهول واسعة ومحاذية للشاطئ. ومن شأن هذا المخطط إن حصل وفق رؤية الشرقاوي إضعاف الدول العربية، خاصة في شمال أفريقيا، لأن عينه على نفط الجزائر، كما أن عينه لن تغفل عن تونس كونها تقع جنوب القارة الأوربية، فضلا عن أن كل المغرب العربي يشكل مواقع إستراتيجية للغرب.
الازمة الليبية تحت المجهر الغربي
لكن المفارقة أن إيطاليا أعلنت أنها مستعدة لقيادة تحالف دولي لمحاربة "داعش" في ليبيا، وفي تفسيره لهذا الإعلان فإن إيطاليا تاريخيا كانت تستعمر ليبيا، وهي تعتقد ان لها إرثا في ليبيا، وتعتبر أن لها الأولوية فيها.
إذا كان هذا حال إيطاليا، كيف تُفسر مسارعة روسيا الى الاستعداد للمشاركة في تحالف دولي ضد "داعش" في ليبيا؟
روسيا تعيش تأنيب ضمير لقبولها بشن غارات دولية على قوات معمر القذافي إبان الثورة، ويعتبرون أنهم يخسرون في ليبيا وشمال أفريقيا، وبالتالي فهم يريدون تثبيت وجودهم في مصر وشمال أفريقيا.
وحيث إنه لا يمكن فصل الأمن في شمال أفريقيا فعليا عن الأمن القومي الأوروبي، لذلك وضعت الازمة الليبية تحت المجهر الغربي، مع تصارع القبائل الليبية على السلطة. وبرأي المحلل السياسي وأستاذ العلاقات العامة بالجامعة اللبنانية د. وليد عربيد فإنه بعد توقيع مصر إتفاقية بيع طائرات "رافال" الفرنسية، يرفض الغرب إعطاء مصر الضوء الأحمر لمصر لضرب الإرهاب في ليبيا ، لذلك من الناحية الاستراتيجية للغرب فإن رفضه للطلب المصري بتشكيل تحالف دولي، مرتبط بمستقبل ليبيا، لأن ليبيا تغذي أوروبا بالنفط ، وقريبة جغرافيا من الشواطئ الأوروبية.
وفي قراءته للموقف الغربي يشير عربيد الى أن المجتمع الدولي يرفض الوصاية المصرية على ليبيا، او ان تكون اللاعب الأساسي على ساحتها، لأن المطلوب هو أن تبقى مصر تحت إطارهم، لذلك يرفض مجلس الأمن التدخل المصري، علما ان الحكومة الليبية المؤيدة للغرب هي من طلب التدخل المصري.
وربما تفاجأ الغرب بالموقف الروسي المؤيد للمشاركة ضمن تحالف دولي ضد الارهاب، وخاصة أن التصريح أتى بعد زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى مصر. التصريح الروسي أزعج الأميركي لأنه يفصل بين أزمة سوريا والعراق وبين أزمة ليبيا.
ويخلص الدكتور عربيد إلى أن "داعش" أداة بيد الغرب، واتت الى ليبيا لتؤدي وظيفة جديدة تنتهي بتقسيم ليبيا الى منطقتين او ثلاث خدمة للمصالح الغربية.
نجم "داعش" نحو الأفول
مهما كانت الأمور التي ستؤول اليها الأزمة في ليبيا، فإن نشوء "داعش" كان على غرار منظمة "بلاك ووتر" الاميركية بدعم من السعودية وخاصة بندر بن سلطان، والهدف الأساسي التي أنشئت من أجله "داعش" هو إضعاف محور المقاومة وخاصة سورية كونها حلقة وصل بين إيران وحزب الله. لذلك عندما احتلت العراق قالت "داعش" إنها أنهت حلقة التواصل ما بين العراق وإيران وسوريا وحزب الله.
لكن مهما كانت الغاية التي انشئ من أجلها "داعش" فإن نجمه متجه نحو الأفول مع بداية تراجعه في العراق وسوريا، وربما لهذا السبب أراد الغرب ان يستعمله في مكان آخر وخاصة على الساحة الليبية، قبل نفاد وقوده.