ارشيف من :نقاط على الحروف
داعش والفيلم الأميركي الطويل
شخصان ، كل واحد منهما في زنزانة منفصلة ، وعلى بابهما ميزان من خارج القضبان، واحد منهما فقط لديه الامل بالنجاة اذا ما نجح في مسابقة دموية، فمن يقطع وزناً اكبر من جسده هو الفائز، اما الثاني فمصيره القتل.
هذه أحد المشاهد الأكثر دموية واشمئزازًا من سلسلة الافلام السينمائية «منشار ( saw).
تعود فكرة هذه المقالة إى ما يزيد عن شهر ونصف، بحثت خلالها عن مجموعة من أفلام الرعب، عاينت عشرات منها، بعضها كنت على علم باسمها فقط، فيما البعض الآخر كنت قد شاهدت مقاطع منها. وبين هذه وتلك، أعترف بأنني في بعض ما عاينته خلال البحث، مشاهد لم أستطع الاستمرار في متابعتها.
ومهما يكن من أمر، فإنّ الأرشيف السينمائي لا يقتصر على فيلم «منشار» . فتاريخ الإنتاج في هوليوود حافل بهذا النوع من الأفلام من قبيل : «صرخة» ( scream ) و«أعلم ماذا فعلت في الصيف الماضي» ( I know what you did last summer ) و« مرايا» ( mirrors) و« الوجهة الأخيرة» ( final destination )، ، وغيرها الكثير، وإن حاولت السلسلة الاخيرة إضفاء رؤية «فلسفية»، عبر الزعم أن الفيلم يسعى لملاحقة كيفية عمل «القدر» على اعتبار أنّ عمليات القتل لا يقوم بها أناس بأيديهم، بل يتولى «القدر» ذلك.
final destination
يغلب على هذه الأفلام جميعها الطابع الدموي، والتفنن بأساليب القتل والتعذيب. قد يصعب على كثيرٍ من الناس تحمّل مشاهدتها، ومع ذلك لا تُحجب هذه الأفلام عن شبكة الانترنت، ولن تعترضك رسالة تشير بأنّ «هذه المشاهد قد تم حجبها» كما يحصل ذلك عندما يقوم داعش بنشر أفلامه.
تقارب هذه الأفلام جرائم داعش، فالمشهدية التي يقدّمها التنظيم على الرغم من فظاعتها، ليست فريدة، ولا هي جديدة على ما يعرض على شاشات التلفزة أو مواقع الإنترنت.
صحيح أنّ البعض قد يجادل بالقول : إنّ إنتاجات هوليوود تمثيليّة، فيما إنتاجات داعش واقعية، لكنّ الصحيح أيضا أنّ اللاوعي الإنساني يخزّن كليهما في ذاكرته، وكلاهما، وفق دراسات علم النفس ، يترك أثرًا سلوكيًا عدوانيًا، سواءً عند الناشئة، أم عند الكبار ممّن يملكون ميولًا عنفية. ويمكن ملاحظة أثر هذه الأفلام من خلال الدراسات والتحقيقات التي ذكرت أنّ معظم مرتكبي الجرائم الكبيرة التي وقعت في الولايات المتحدة الأميركية كانت بايحاءات ومحاكاة لهذا النوع من الأفلام، وأنّ سلوكياتهم العنفية وقعت تحت تأثيرها.
هوليوود وداعش : البطل والشرير
والواقع أنّ داعش لا يحتاج إلى «مبدعين» يبتكرون له أساليب القتل، بقدر ما يحتاج إلى متابعين لصناعة الأفلام في هوليوود ليستوحوا منها أفكارًا إجرامية، ويختاروا من «متحفها» الأكثر جذبًا، والأعنف إرهابًا، والأعظم وحشيةً لتنفيذ جرائمهم. ولا تقتصر المحاكاة الاجرامية لداعش على الانتاج السينمائي وحسب، بل تتعلق أيضًا بسلوكيات العسكريتاريا الأميركية، ابتداءً من اللون البرتقالي للباس السجناء، والذي يشابه لباس معتقلي «غونتنامو» وصولا إلى ما تسرّب من سجن أبو غريب، مما سمحت به لعبة الديمقراطيين والجمهوريين ضمن الخطوط الخضراء المعمول بها في الإدارات الأميركية.
بهذا المعنى تصبح أميركا «الأنموذج» الذي يحتذي به داعش بكل تفاصيل المشهدية الدموية وصناعتها، من لون اللباس، وصولًا إلى أساليب القتل مروراً بتقنيات التصوير والمونتاج والإخراج.
لذا، فانّ ما يجمع بين داعش والولايات المتحدة( بعيدًا من السياسة ومصالحها) مشتركات كثيرة، يتبادل فيها الطرفان الأدوار: يغتصب داعش التاريخ الاسلامي ويشوّه الجغرافيا، ويمسخ الدين، فيما تغتصب أميركا الذاكرة، وتشوّه القيم وتمسخ الإنسان. تتولى الولايات المتحدة كتابة السيناريو وتقديم الرؤية الإخراجية، وتخترع الأفلام، فيما يتولى داعش تنفيذ الفكرة بتحويلها الى «أفلام الواقع».
يقدّم الأميركي جرائمه على أنها تمثيل هوليوودي يخفي وراءها جرائمه الحقيقية غير المصورّة في طول العالم العربي والإسلامي وعرضه، فيما يصوّر داعش جرائمه متباهيًا بها على أنها حكم الله في الارض.
لكن الأكثر أهمية في كل هذا «السيناريو» أنّ داعش يؤدي دور الشرير، فيما الأميركي يؤدي دائمًا دور البطولة. وفي بطولات هوليوود غالبًا ما يكون منقذ العالم والجنس البشري يهوديًا، إن لم نعرفه من اسمه، فسنعرفه من «الكيباه» التي يرتديها (اسم عبري للقلنسوة التي يرتديها اليهود). وهكذا يظهر اليهودي دائًما كبطل في هوليوود. أليس هو من أنقذ العالم من غزو الكائنات الفضائية في الفيلم الذي كتبه وأخرجه «رولاند اميريتش» والمسمى «يوم الاستقلال» (Independence Day)؟؟!!
وفي خضّم هذا كلّه ، لا يظهر داعش سوى أنه ممثّل في «فيلم أميركي طويل».
هذه أحد المشاهد الأكثر دموية واشمئزازًا من سلسلة الافلام السينمائية «منشار ( saw).
تعود فكرة هذه المقالة إى ما يزيد عن شهر ونصف، بحثت خلالها عن مجموعة من أفلام الرعب، عاينت عشرات منها، بعضها كنت على علم باسمها فقط، فيما البعض الآخر كنت قد شاهدت مقاطع منها. وبين هذه وتلك، أعترف بأنني في بعض ما عاينته خلال البحث، مشاهد لم أستطع الاستمرار في متابعتها.
ومهما يكن من أمر، فإنّ الأرشيف السينمائي لا يقتصر على فيلم «منشار» . فتاريخ الإنتاج في هوليوود حافل بهذا النوع من الأفلام من قبيل : «صرخة» ( scream ) و«أعلم ماذا فعلت في الصيف الماضي» ( I know what you did last summer ) و« مرايا» ( mirrors) و« الوجهة الأخيرة» ( final destination )، ، وغيرها الكثير، وإن حاولت السلسلة الاخيرة إضفاء رؤية «فلسفية»، عبر الزعم أن الفيلم يسعى لملاحقة كيفية عمل «القدر» على اعتبار أنّ عمليات القتل لا يقوم بها أناس بأيديهم، بل يتولى «القدر» ذلك.
final destination
يغلب على هذه الأفلام جميعها الطابع الدموي، والتفنن بأساليب القتل والتعذيب. قد يصعب على كثيرٍ من الناس تحمّل مشاهدتها، ومع ذلك لا تُحجب هذه الأفلام عن شبكة الانترنت، ولن تعترضك رسالة تشير بأنّ «هذه المشاهد قد تم حجبها» كما يحصل ذلك عندما يقوم داعش بنشر أفلامه.
تقارب هذه الأفلام جرائم داعش، فالمشهدية التي يقدّمها التنظيم على الرغم من فظاعتها، ليست فريدة، ولا هي جديدة على ما يعرض على شاشات التلفزة أو مواقع الإنترنت.
صحيح أنّ البعض قد يجادل بالقول : إنّ إنتاجات هوليوود تمثيليّة، فيما إنتاجات داعش واقعية، لكنّ الصحيح أيضا أنّ اللاوعي الإنساني يخزّن كليهما في ذاكرته، وكلاهما، وفق دراسات علم النفس ، يترك أثرًا سلوكيًا عدوانيًا، سواءً عند الناشئة، أم عند الكبار ممّن يملكون ميولًا عنفية. ويمكن ملاحظة أثر هذه الأفلام من خلال الدراسات والتحقيقات التي ذكرت أنّ معظم مرتكبي الجرائم الكبيرة التي وقعت في الولايات المتحدة الأميركية كانت بايحاءات ومحاكاة لهذا النوع من الأفلام، وأنّ سلوكياتهم العنفية وقعت تحت تأثيرها.
هوليوود وداعش : البطل والشرير
والواقع أنّ داعش لا يحتاج إلى «مبدعين» يبتكرون له أساليب القتل، بقدر ما يحتاج إلى متابعين لصناعة الأفلام في هوليوود ليستوحوا منها أفكارًا إجرامية، ويختاروا من «متحفها» الأكثر جذبًا، والأعنف إرهابًا، والأعظم وحشيةً لتنفيذ جرائمهم. ولا تقتصر المحاكاة الاجرامية لداعش على الانتاج السينمائي وحسب، بل تتعلق أيضًا بسلوكيات العسكريتاريا الأميركية، ابتداءً من اللون البرتقالي للباس السجناء، والذي يشابه لباس معتقلي «غونتنامو» وصولا إلى ما تسرّب من سجن أبو غريب، مما سمحت به لعبة الديمقراطيين والجمهوريين ضمن الخطوط الخضراء المعمول بها في الإدارات الأميركية.
بهذا المعنى تصبح أميركا «الأنموذج» الذي يحتذي به داعش بكل تفاصيل المشهدية الدموية وصناعتها، من لون اللباس، وصولًا إلى أساليب القتل مروراً بتقنيات التصوير والمونتاج والإخراج.
لذا، فانّ ما يجمع بين داعش والولايات المتحدة( بعيدًا من السياسة ومصالحها) مشتركات كثيرة، يتبادل فيها الطرفان الأدوار: يغتصب داعش التاريخ الاسلامي ويشوّه الجغرافيا، ويمسخ الدين، فيما تغتصب أميركا الذاكرة، وتشوّه القيم وتمسخ الإنسان. تتولى الولايات المتحدة كتابة السيناريو وتقديم الرؤية الإخراجية، وتخترع الأفلام، فيما يتولى داعش تنفيذ الفكرة بتحويلها الى «أفلام الواقع».
يقدّم الأميركي جرائمه على أنها تمثيل هوليوودي يخفي وراءها جرائمه الحقيقية غير المصورّة في طول العالم العربي والإسلامي وعرضه، فيما يصوّر داعش جرائمه متباهيًا بها على أنها حكم الله في الارض.
لكن الأكثر أهمية في كل هذا «السيناريو» أنّ داعش يؤدي دور الشرير، فيما الأميركي يؤدي دائمًا دور البطولة. وفي بطولات هوليوود غالبًا ما يكون منقذ العالم والجنس البشري يهوديًا، إن لم نعرفه من اسمه، فسنعرفه من «الكيباه» التي يرتديها (اسم عبري للقلنسوة التي يرتديها اليهود). وهكذا يظهر اليهودي دائًما كبطل في هوليوود. أليس هو من أنقذ العالم من غزو الكائنات الفضائية في الفيلم الذي كتبه وأخرجه «رولاند اميريتش» والمسمى «يوم الاستقلال» (Independence Day)؟؟!!
وفي خضّم هذا كلّه ، لا يظهر داعش سوى أنه ممثّل في «فيلم أميركي طويل».