ارشيف من :نقاط على الحروف
الاعلام الحربي...بين القهر والنصر
نور الحيدر أيوب
يُحدّثُنا أحد الخبراء العسكريين، عن أركان الأربعة للجيوش النظامية. يعددّها تباعاً، من العمليات، إلى الاستعلام، فعديد القوات، والدعم اللوجستي. هذه الأركان هي قوام الجيوش الكلاسيكية في التاريخ الحديث. لكنّ الخبير، يتبنى ركناً خامساً. ركناً لا يمكن تجاهلهُ، يفرضُ نفسه بقوة، يُثبّت نصراً، أو يصنعُ نصراً مزيفاً.
الإعلام.. الركن الخامس
للوهلةِ الأولى، قد يظن المتابع أن مساري الإعلام والعسكر، لا يلتقيان، بل يتوازيان مع بعضهما. إلا أن الخبير يُعبّر عن الالتقاء، ومن ثم الالتحام، بين هذين المسارين، ليُشكلا دعامةً لتثبيت الإنجاز. فالإعلام بمفهومه الكُلّي، وبأذرعه واختصاصاته المختلفة، أصبح فرداً مرافقاً للألوية العسكرية إن لم يكن جزءاً منها، يعمل على تصوير الحدث، وتحويله إلى مادة إعلاميةٍ دسمة، تؤكّد الإنجاز، أو تفبركه. هذه وظيفة الإعلام بالمفهوم العسكري، أداء الوظيفة، وتحقيق الهدف. أما خطوطه الحمراء، فتجاوز الحدود المرسومة من قِبل القيادة العسكرية، وتسليط الضوء على ما هو خافٍ عن العيان.
نماذج الإعلام الحربي
بالحديثِ عن الإعلام، عند الجيوش و الحركات التحررية، أو حتى العصابات والمليشيات، في منطقتنا، يُستحضر مباشرةً مدرستين مختلفتين. قدّما نموذجين متناقضين، لهما خصائصٌ ورؤى تخدم أهدافهما. ولا يمكن فهم هذه الرؤى، إلا بعد معرفة وفهم الأسس النظرية، وأيديولوجية كل مدرسة. هاتان المدرستان، يُستدل على رؤيتهما من أسميهما، المدرسة الإيرانية في الإعلام الحربي، وأنموذج "حزب الله"، مدرسة قاعدة "الجهاد" العالمي، المتمثلة بالنموذج "الداعشي".
مدرسة القهرية .. وإتقان "داعش" للعبة
لم يعد مخفياً أن تنظيم "داعش"، قد أتقن جيّداً اللعبة الإعلامية. عَرف كيف يطوّع الإعلام لمصلحته. لم يكتفِ التنظيم بجعل الإعلام وسيلةً لتحقيق أهدافه، بل جعله هدفاً بحد ذاته. للتسويق والترويج للتنظيم، للإبهار وجذب الباحثين عن هوية، لإستعراض القوّة والقدرة على الصعيدين التنظيمي الإداري، والعسكري-الأمني. هذا على مستوى النموذج، أما المدرسة فهي مدرسة قاعدة "الجهاد العالمي"، التي أسسها بن لادن. حيث أن هذه المدرسة رأت في "الإعلام" بشكلٍ عام وبـ"الكاميرا" بشكلٍ خاص، الوسيلة الوحيدة لإيصال رسالتها إلى العالم.
لنعد بالذاكرة قليلاً، للقاعدة، مؤسسات إعلامية بمثابة واجهة الإعلام "الجهادي" عندهم. منها "السحاب"، إضافةً "للملاحم"، وغيرهم.. وقد أرتكز الصحافي المصري يسري فودة، عند إعداده لحلقات سرّي للغابة على قناة الجزيرة، على فيديوهات، وبيانات، صادرة عن مؤسسة "السحاب" للإنتاج الإعلامي، إضافةً للمعلومات التي قُدّمت إليه وقتها عبرَ عدد من قياديي القاعدة أبرزهم "رمزي أبن الشيبة"، و"خالد الشيخ محمد".. يرسم الخبير العسكري، ملامح هذه المدرسة، بسمتها الأساسية. "القهر، قهر الآخر، وإستنزافه، على الصعيد النفسي، للتسليم بقوّتهم". فاللغة "البليغة" التي تُكتب بها بياناتهم، وتكون نصّاً لأفلامهم تنعكس خوفاً عند المتلقي" على حد تعبيره، مضيفاً "أن الهدف من البيان أو الفيلم، أو أي أصدار يُنشر هو قهر عدوّهم.
لم تكن فقط حدود إصدارات مدرسة "القهر"، على أفغانستان، بل وصلت إلى الشيشان، وكل المناطق التي دخلتها القاعدة، و"جاهدت" فيها. يُذكر أن "القاعدة" صنعت أيقونة "جهادية" لها في الشيشان، وهو شاب سعودي، أسمه العسكري "خطّاب"، تمتّع بكايريزما قيادية، وبخطابٍ جماهيري تعبوي. قُتل "خطاب" في أحدى المعارك، وأستثمرته "القاعدة" ومحبيّها جيّداً في إستقطاب شبابٍ باحثين عن هوية، وحالمين بقضية، الفاقدين لأي إنتماء في بلادان الخليج العربي.
هذا الرصيد الذي بنته "القاعدة" منذ الثمانينات، بدأ بالتحوّل النوعي والكمّي، بعد غزو العراق، وبعد تأسيس مجلس شورى المجاهدين، و"دولة العراق الإسلامية". وبعد الأزمة السورية، بدأ التحوّل الأكبر في كيفية العمل، والأسلوب، والتكتيك. فتكاثرت المؤسسات الإعلامية الخاصة بـ"داعش"، أشهرها "الفرقان"، و"الحياة" و"الإعتصام"، وأصبح لكُلٍّ منها جمهوره الخاص، ورسالته، وطريفة تقديمه للموضوع.
ف"الفرقان" تخاطب الرأي العام العربي، أما "الحياة" الرأي العام الغربي، بينما "الإعتصام" للبيئة "الداعشية". هذا بالشكل العام. أما بالشكل الخاص، يعبّر الخبير، عن نجاح "الدواعش" بعد تمددهم، على ترويج نفسه بالفيديو، وإرهاب جميع خصومه، وقد حاربت "داعش" بالكاميرا خصومها عند مفترقات أساسية، فإصدار "كسر الحدود"، كان إعلان التمدد، بينما "لهيب الحرب"، كان ناقوس خطر لإرعاب التحالف الدولي، و"لو كره المشركون"، هو لإثبات القوّة وتحدّي الجيش السوري، أما الفيديو الأخير "رسالة بالدم"، فهو رسالة واضحة على توسيع رقة المواجهة مع العالم، ورغبة قهر الآخر، بحسب الخبير.
قهرياً، نجحت داعش. استثمرت الرصيد، والإرث، وطوّرته، وهي تُحارب بالكاميرا، والإنتحاريين ليس إلا، يقول الخبير.. ولهذا فالقهر أضحى سمة المدرسة، وعنوان النموذج، ولكن هل يهزم العقل الإدراك؟
مدرسة النصر .. فن السر، وقوّة الموقف
يقول الصحافي "غي شور"، في صحيفة هآرتس الإسرائيلية، بتاريخ 15/2/1999:
"يعتبر إظهار فيلم قام بتصويره وإعداده حزب الله على شاشة التلفزيون الإسرائيلي نصراً عظيماً، ويدخل هذا الفيلم في كل منزل تقريباً في إسرائيل، حيث يتساءل العديدد من المواطنين عن مدى حاجة جيشهم إلى البقاء عالقاً في الوحل اللبناني".
يستند الخبير إلى هذه الوثيقة، عند التكلم عن "مدرسة النصر"، المدرسة التي أعترف الإسرائيلي بقدرتها على تغيير الرأي العام لديه، ومعرفتها في كيفية ضرب مفاصل قوّته، وتهشيم صورته. يقول الخبير بأن هذه المدرسة لم تكن وليدة المقاومة في لبنان، بل هي إنتقال التجربة الإعلامية "الجهادية" للحرس الثوري الإيراني، إلى حزب الله، وتوسّع حزب الله فيها، ليترك بصمةً خاصّة به في هذا المجال.
المتابع للمدرسة "الجهادية" الإيرانية، ومؤسسات الحرس الثوري الإعلامي، يكتشف أنهم، يسعون في إصداراتهم المختلفة إلى إبراز الروحية التي تمتع بها مقاتليه، والتعلّق بـ"الميتافيزيق" الديني المحرّك للعواطف والمشاعر عند مقاتلي "الباسيج" أي التعبئة بالفارسية أو "السيباه" أي الحرس الثوري. لتنتج حالة من التحشيد والمعنويات عند المتلقين، والإلتحاق بالجبهة. يضيف الخبير، أن "الإيراني"، عمل بشكلٍ متواصل على نقل الأحداث والوقائع في الجبهة والحفاظ عليها كأرشيفٍ وطني يحكي قصّة حربهم "المفروضة".
ينتقل الخبير للحديث عن حزب الله. يشير إلى أن الحزب، تعاطى مع الإعلام بحذر شديد. لم تفارق "الكاميرا" المقاومين، بل كانت معهم، لإدراكهم أهميتها، إلا أن حجم التسريب للمادة الموجودة كان مرهوناً بعامل الإستفادة السياسية، لتثبيت أي "نصر" أو "إنجازٍ" لديهم، ولكن بحدود الزمان والمكان المناسبين. وثّقت المقاومة حسب مصادر الخبير، جميع أنشطتها، وحافظت على سريّة المواد، وعرفت كيف تفرج عنها، وأين، وكيف..
يضيف المصدر بحسب معرفته بالمقاومة،أنها صبّت إهتمامها في التصوير والإنتاج، ولكن ترهن ذلك بالعامل السياسي المحيط بها، وكيفية الإستفادة منه، ومدى التأثير. هذه الضوابط جعلت من إعلام المقاومة إعلاماً للنصر فقط. وقد عرفت كيف تصنع المقاومة رموزاً جهاديةً كبيرة لها، واستفادت من تلفزيون المنار في ذلك، وبنت منظومة "نصر" متكاملة، تخاطب الشرائح المختلفة، وتخدم مصلحتها.
يؤكّد الخبير، أن المقاومة صوّرت كل معاركها، خصوصاً في سوريا، ووثقتها جيّداً، وأنها حضّرت منظومة إعلامية متكاملة للحرب المقبلة مع إسرائيل. منظومة نصرٍ جديدة، وستكون صاعقة عليهم. مستذكراً أحدى القصص عن الحاج "عماد"، كيف أنه أراد أن يكون على كل قبضة دبابة كاميرا تصوّر ما سيحصل لها.
بين العقل والإدراك
يدرك البشر من خلال حواسهم ما يلمسونه ويرونه. ولكن العقل هو المحرك الدائم للحواس. أستطاعت مدرسة القهر أن تحرك الحواس للقهر، وأستطاعت مدرسة النصر التحكم والسيطرة وإقناعك بالنصر. للمدرستان منظومتان.. ولكن الضبط ينتصر على ردة الفعل.. فهل سيفرج العقل يوماً عما سجّله في ذهنه؟ ويرينا ما خبأته الحواس؟
يُحدّثُنا أحد الخبراء العسكريين، عن أركان الأربعة للجيوش النظامية. يعددّها تباعاً، من العمليات، إلى الاستعلام، فعديد القوات، والدعم اللوجستي. هذه الأركان هي قوام الجيوش الكلاسيكية في التاريخ الحديث. لكنّ الخبير، يتبنى ركناً خامساً. ركناً لا يمكن تجاهلهُ، يفرضُ نفسه بقوة، يُثبّت نصراً، أو يصنعُ نصراً مزيفاً.
الإعلام.. الركن الخامس
للوهلةِ الأولى، قد يظن المتابع أن مساري الإعلام والعسكر، لا يلتقيان، بل يتوازيان مع بعضهما. إلا أن الخبير يُعبّر عن الالتقاء، ومن ثم الالتحام، بين هذين المسارين، ليُشكلا دعامةً لتثبيت الإنجاز. فالإعلام بمفهومه الكُلّي، وبأذرعه واختصاصاته المختلفة، أصبح فرداً مرافقاً للألوية العسكرية إن لم يكن جزءاً منها، يعمل على تصوير الحدث، وتحويله إلى مادة إعلاميةٍ دسمة، تؤكّد الإنجاز، أو تفبركه. هذه وظيفة الإعلام بالمفهوم العسكري، أداء الوظيفة، وتحقيق الهدف. أما خطوطه الحمراء، فتجاوز الحدود المرسومة من قِبل القيادة العسكرية، وتسليط الضوء على ما هو خافٍ عن العيان.
نماذج الإعلام الحربي
بالحديثِ عن الإعلام، عند الجيوش و الحركات التحررية، أو حتى العصابات والمليشيات، في منطقتنا، يُستحضر مباشرةً مدرستين مختلفتين. قدّما نموذجين متناقضين، لهما خصائصٌ ورؤى تخدم أهدافهما. ولا يمكن فهم هذه الرؤى، إلا بعد معرفة وفهم الأسس النظرية، وأيديولوجية كل مدرسة. هاتان المدرستان، يُستدل على رؤيتهما من أسميهما، المدرسة الإيرانية في الإعلام الحربي، وأنموذج "حزب الله"، مدرسة قاعدة "الجهاد" العالمي، المتمثلة بالنموذج "الداعشي".
مدرسة القهرية .. وإتقان "داعش" للعبة
لم يعد مخفياً أن تنظيم "داعش"، قد أتقن جيّداً اللعبة الإعلامية. عَرف كيف يطوّع الإعلام لمصلحته. لم يكتفِ التنظيم بجعل الإعلام وسيلةً لتحقيق أهدافه، بل جعله هدفاً بحد ذاته. للتسويق والترويج للتنظيم، للإبهار وجذب الباحثين عن هوية، لإستعراض القوّة والقدرة على الصعيدين التنظيمي الإداري، والعسكري-الأمني. هذا على مستوى النموذج، أما المدرسة فهي مدرسة قاعدة "الجهاد العالمي"، التي أسسها بن لادن. حيث أن هذه المدرسة رأت في "الإعلام" بشكلٍ عام وبـ"الكاميرا" بشكلٍ خاص، الوسيلة الوحيدة لإيصال رسالتها إلى العالم.
لنعد بالذاكرة قليلاً، للقاعدة، مؤسسات إعلامية بمثابة واجهة الإعلام "الجهادي" عندهم. منها "السحاب"، إضافةً "للملاحم"، وغيرهم.. وقد أرتكز الصحافي المصري يسري فودة، عند إعداده لحلقات سرّي للغابة على قناة الجزيرة، على فيديوهات، وبيانات، صادرة عن مؤسسة "السحاب" للإنتاج الإعلامي، إضافةً للمعلومات التي قُدّمت إليه وقتها عبرَ عدد من قياديي القاعدة أبرزهم "رمزي أبن الشيبة"، و"خالد الشيخ محمد".. يرسم الخبير العسكري، ملامح هذه المدرسة، بسمتها الأساسية. "القهر، قهر الآخر، وإستنزافه، على الصعيد النفسي، للتسليم بقوّتهم". فاللغة "البليغة" التي تُكتب بها بياناتهم، وتكون نصّاً لأفلامهم تنعكس خوفاً عند المتلقي" على حد تعبيره، مضيفاً "أن الهدف من البيان أو الفيلم، أو أي أصدار يُنشر هو قهر عدوّهم.
لم تكن فقط حدود إصدارات مدرسة "القهر"، على أفغانستان، بل وصلت إلى الشيشان، وكل المناطق التي دخلتها القاعدة، و"جاهدت" فيها. يُذكر أن "القاعدة" صنعت أيقونة "جهادية" لها في الشيشان، وهو شاب سعودي، أسمه العسكري "خطّاب"، تمتّع بكايريزما قيادية، وبخطابٍ جماهيري تعبوي. قُتل "خطاب" في أحدى المعارك، وأستثمرته "القاعدة" ومحبيّها جيّداً في إستقطاب شبابٍ باحثين عن هوية، وحالمين بقضية، الفاقدين لأي إنتماء في بلادان الخليج العربي.
هذا الرصيد الذي بنته "القاعدة" منذ الثمانينات، بدأ بالتحوّل النوعي والكمّي، بعد غزو العراق، وبعد تأسيس مجلس شورى المجاهدين، و"دولة العراق الإسلامية". وبعد الأزمة السورية، بدأ التحوّل الأكبر في كيفية العمل، والأسلوب، والتكتيك. فتكاثرت المؤسسات الإعلامية الخاصة بـ"داعش"، أشهرها "الفرقان"، و"الحياة" و"الإعتصام"، وأصبح لكُلٍّ منها جمهوره الخاص، ورسالته، وطريفة تقديمه للموضوع.
ف"الفرقان" تخاطب الرأي العام العربي، أما "الحياة" الرأي العام الغربي، بينما "الإعتصام" للبيئة "الداعشية". هذا بالشكل العام. أما بالشكل الخاص، يعبّر الخبير، عن نجاح "الدواعش" بعد تمددهم، على ترويج نفسه بالفيديو، وإرهاب جميع خصومه، وقد حاربت "داعش" بالكاميرا خصومها عند مفترقات أساسية، فإصدار "كسر الحدود"، كان إعلان التمدد، بينما "لهيب الحرب"، كان ناقوس خطر لإرعاب التحالف الدولي، و"لو كره المشركون"، هو لإثبات القوّة وتحدّي الجيش السوري، أما الفيديو الأخير "رسالة بالدم"، فهو رسالة واضحة على توسيع رقة المواجهة مع العالم، ورغبة قهر الآخر، بحسب الخبير.
قهرياً، نجحت داعش. استثمرت الرصيد، والإرث، وطوّرته، وهي تُحارب بالكاميرا، والإنتحاريين ليس إلا، يقول الخبير.. ولهذا فالقهر أضحى سمة المدرسة، وعنوان النموذج، ولكن هل يهزم العقل الإدراك؟
مدرسة النصر .. فن السر، وقوّة الموقف
يقول الصحافي "غي شور"، في صحيفة هآرتس الإسرائيلية، بتاريخ 15/2/1999:
"يعتبر إظهار فيلم قام بتصويره وإعداده حزب الله على شاشة التلفزيون الإسرائيلي نصراً عظيماً، ويدخل هذا الفيلم في كل منزل تقريباً في إسرائيل، حيث يتساءل العديدد من المواطنين عن مدى حاجة جيشهم إلى البقاء عالقاً في الوحل اللبناني".
يستند الخبير إلى هذه الوثيقة، عند التكلم عن "مدرسة النصر"، المدرسة التي أعترف الإسرائيلي بقدرتها على تغيير الرأي العام لديه، ومعرفتها في كيفية ضرب مفاصل قوّته، وتهشيم صورته. يقول الخبير بأن هذه المدرسة لم تكن وليدة المقاومة في لبنان، بل هي إنتقال التجربة الإعلامية "الجهادية" للحرس الثوري الإيراني، إلى حزب الله، وتوسّع حزب الله فيها، ليترك بصمةً خاصّة به في هذا المجال.
المتابع للمدرسة "الجهادية" الإيرانية، ومؤسسات الحرس الثوري الإعلامي، يكتشف أنهم، يسعون في إصداراتهم المختلفة إلى إبراز الروحية التي تمتع بها مقاتليه، والتعلّق بـ"الميتافيزيق" الديني المحرّك للعواطف والمشاعر عند مقاتلي "الباسيج" أي التعبئة بالفارسية أو "السيباه" أي الحرس الثوري. لتنتج حالة من التحشيد والمعنويات عند المتلقين، والإلتحاق بالجبهة. يضيف الخبير، أن "الإيراني"، عمل بشكلٍ متواصل على نقل الأحداث والوقائع في الجبهة والحفاظ عليها كأرشيفٍ وطني يحكي قصّة حربهم "المفروضة".
ينتقل الخبير للحديث عن حزب الله. يشير إلى أن الحزب، تعاطى مع الإعلام بحذر شديد. لم تفارق "الكاميرا" المقاومين، بل كانت معهم، لإدراكهم أهميتها، إلا أن حجم التسريب للمادة الموجودة كان مرهوناً بعامل الإستفادة السياسية، لتثبيت أي "نصر" أو "إنجازٍ" لديهم، ولكن بحدود الزمان والمكان المناسبين. وثّقت المقاومة حسب مصادر الخبير، جميع أنشطتها، وحافظت على سريّة المواد، وعرفت كيف تفرج عنها، وأين، وكيف..
يضيف المصدر بحسب معرفته بالمقاومة،أنها صبّت إهتمامها في التصوير والإنتاج، ولكن ترهن ذلك بالعامل السياسي المحيط بها، وكيفية الإستفادة منه، ومدى التأثير. هذه الضوابط جعلت من إعلام المقاومة إعلاماً للنصر فقط. وقد عرفت كيف تصنع المقاومة رموزاً جهاديةً كبيرة لها، واستفادت من تلفزيون المنار في ذلك، وبنت منظومة "نصر" متكاملة، تخاطب الشرائح المختلفة، وتخدم مصلحتها.
يؤكّد الخبير، أن المقاومة صوّرت كل معاركها، خصوصاً في سوريا، ووثقتها جيّداً، وأنها حضّرت منظومة إعلامية متكاملة للحرب المقبلة مع إسرائيل. منظومة نصرٍ جديدة، وستكون صاعقة عليهم. مستذكراً أحدى القصص عن الحاج "عماد"، كيف أنه أراد أن يكون على كل قبضة دبابة كاميرا تصوّر ما سيحصل لها.
بين العقل والإدراك
يدرك البشر من خلال حواسهم ما يلمسونه ويرونه. ولكن العقل هو المحرك الدائم للحواس. أستطاعت مدرسة القهر أن تحرك الحواس للقهر، وأستطاعت مدرسة النصر التحكم والسيطرة وإقناعك بالنصر. للمدرستان منظومتان.. ولكن الضبط ينتصر على ردة الفعل.. فهل سيفرج العقل يوماً عما سجّله في ذهنه؟ ويرينا ما خبأته الحواس؟