ارشيف من :آراء وتحليلات
ما هي الابعاد الجيوسياسية للتوغل التركي داخل سوريا؟
لا تخفي الحكومة التركية رغبتها في بسط نفوذها خارج النطاق الجغرافي التركي، وهي تعمل على تحقيق هذا الهدف سرا وعلانية، وما دعمها للجماعات المسلحة التي تقاتل الجيش السوري سوى واحدة من هذه الوسائل المستخدمة في هذا المجال.
لكن الحكومة التركية قررت القفز فوق هذه الادوات واتخذت من قبر سليمان شاه جد مؤسس السلطنة العثمانية ذريعة للتدخل مباشرة والدخول الى الاراضي السورية، في انتهاك واضح لسيادة هذه الدولة، وعملت انقرة على نقل ضريح الجد العثماني الى منطقة أخرى داخل الاراضي السورية وليس الى داخل الاراضي التركية، ما يرسم علامات إستفهام عديدة حول نوايا الحكومة التركية تجاه سوريا، وما إذا كانت هذه العملية تمهيدا لما هو اعظم، بعدما غض المجتمع الدولي الطرف عمّا أقدمت عليه أنقرة، وخاصة ان العملية العسكرية تأتي بعد توقيع الولايات المتحدة وتركيا اتفاقية لتدريب مسلحين سوريين معارضين للحكومة السورية.
قبر سليمان شاه
وعليه، هل بدأت تركيا تقطف ثمار هذه الاتفاقية؟، وما هو الثمن الذي تطالب به أنقرة، بعد سماحها أيضا لقوات البيشمركة بعبور أراضيها لمساندة أكراد كوباني ضد "داعش"؟، وهل تحتاج عملية نقل ضريح سليمان شاه من مكان الى آخر الى هذه القوة العسكرية المؤلفة من عشرات الآليات العسكرية منها دبابات ومروحيات وطائرات تجسس بالاضافة الى مئات الجنود؟ ألم يكن من الاسهل على تركيا التعاون مع الحكومة السورية في هذا المجال من دون الدخول خلسة تحت جنح الظلام ؟
لكن ما هي أبعاد العملية العسكرية؟
من الناحية السياسية تعتبر العملية التي قامت بها تركيا بسحب رفاة الضريح العثماني استباحة لسيادة وطنية لدولة مستقلة الا وهي سوريا، ولو أن هذه الدولة تشهد حاليا إضطرابات داخلية، وتعتبر تركيا اليوم احدى الدول المسببة لهذه الاضطرابات عبر مساندتها بطريقة غير مباشرة "لداعش، وفق ما يرى متابعون للسياسة التركية.
قانونيا قامت تركيا باختراق القانون الدولي، ولم تحترم قانون الدول المتجاورة التي تقيم معها علاقات دبلوماسية.
العملية العسكرية التركية لا تخلو من بعد جيوسياسي، إذ ان تركيا واقعة تحت ما يسمى الكماشة الكردية "الداعشية"، اي انه إذا انتصر الاكراد على "داعش"في تلك المنطقة من الممكن ان يسببوا إزعاجا لتركيا، والأمر نفسه يمكن ان يحصل لتركيا إذا انتصرت "داعش" على الاكراد. من خلال هذا الاعتبار جاءت العملية العسكرية بعمق 7 كلم متر في محاولة من انقرة لإيجاد منطقة عازلة لكي تحفظ دورها في المستقبل مع الاكراد. ولا يُستبعد أن تكون العملية جس نبض المجتمع الدولي، لأجل رؤية رد فعل الرأي العام الدولي حول العملية، كما انها تشير الى إمكانية ان تقوم تركيا بعملية عسكرية أخرى داخل الاراضي السورية من دون أن يكون لها أي ردود فعل. لكن لإيران رؤية مغايرة إذ جاء الموقف الايراني ليؤكد أن سوريا ليست لوحدها وهي حليفة رئيسة لإيران وتقف دائما الى جانب سوريا.
ويستدل من خلال هذه العملية ان هناك تغييرا في الخريطة الجغرافية، والدخول الى المنطقة السورية وتغيير موقع الضريح يعني سقوط اتفاقية العام 1921 الموقعة بين تركيا وسلطات الاحتلال الفرنسي لسوريا. وتعطي الاتفاقية الحكومة التركية صلاحية وجودها في المنطقة ، ووفق الاتفاقية فإن الضريح يحظى بحراسة قوة تتألف من أكثر من أربعين جنديا تركيا ويتم تغييرهم بانتظام. ووفقا للمعاهدة فان الضريح يخضع للسيادة التركية.
على المدى المتوسط يخفي هذا التوغل وراءه نيات للتدخل عسكريا، بل محاولة لتغيير الخريطة الجغرافية، حيث ان العملية تمت بالاتفاق مع الاكراد. واتت العملية بعدما ترددت معلومات عن تحركات أميركية ـ فرنسية تجاه تركيا لتغيير موقفها من المسألة الكردية لتكسب فيما بعد في الملف العراقي والسوري والكردي، ما يعني توسيع نطاقها الاقليمي تعويضا عن عدم إسقاط سوريا. وفي رأي المطلعين على السياسة التركية هذا يعني أن المنطقة قادمة على قلاقل إقليمية.