ارشيف من :آراء وتحليلات

صيغ دستورية همايونية لآلية عمل الحكومة..فهل من حل قريب؟

صيغ دستورية همايونية لآلية عمل الحكومة..فهل من حل قريب؟

ما بين التعطيل والتعديل، دخل مجلس الوزراء إجازة قسرية، بعد تعليق جلساته. فلا جلسة قبل بت آلية جديدة لاتخاذ القرارات الحكومية، ازمة الحكومة الجديدة طرحت تساؤلات حول المشكلة الفعلية، هل هي بالآلية أم بالعقلية؟. ظاهر الازمة تفعيل الانتاجية، اما باطنها فيكمن في "الصلاحية"، بين من يسعى للحفاظ على موقع الرئاسة بغياب الرئيس، يقابله، من يشعر بأن هيبة رئاسته ضعفت، بعدما أضحى كل "وزير ملك" داخل مجلس الوزراء، واصبح قرار المجلس بيد 24 رئيساً فعلياً، تحت عنوان ممارسة المجلس صلاحيات رئيس الجمهورية بالوكالة في حال خلو سدة الرئاسة. لكن ما هي هذه الصلاحيات؟.  

*صلاحيات الرئيس الموكلة لمجلس الوزراء

اناط الدستور السلطة الاجرائية بمجلس الوزراء، وحدد آلية اتخاذ القرارات داخل المجلس في المادة (65)، ثم اناط به وكالة صلاحيات رئيس الجمهورية بحال الشغور في موقع الرئاسة. وبالعودة الى نصوص الدستور يتبين انها تحدد صلاحيات الرئيس المتعلقة بمجلس الوزراء، وهي ترؤس الجلسات بحال حضورها، دون أن يشارك في التصويت. المشاركة في وضع جدول أعمال الجلسات مع رئيس الحكومة، واقتراح بنود من خارج جدول الأعمال، وتوقيع المراسيم والقوانين.

انطلاقاً من ذلك، فان جوهر المشكلة التي وقعت بها الحكومة بعد اشهر من استلامها بالوكالة صلاحيات الرئيس، لم يكن في موضوع جدول الأعمال فهذا الامر تم تجاوزه من خلال عرض الجدول على كل الوزراء قبل عدة أيام من جلسات الحكومة للموافقة عليه واقتراح ما يلزم من بنود، لكن بقيت قضية التوقيع على المراسيم والقوانين موضع نقاش. فالحكومة التي تمارس صلاحيات الرئاسة منذ انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال سليمان تصدر قراراتها بتوقيع وزرائها الاربع والعشرين. هذا العرف تكرس خلال الاشهر الفائتة وبات عبئاً على رئيس الحكومة وسط تباين في آراء الكتل الوزارية من هذا العرف.

لم يتطرق الدستور بالتفصيل لكيفية استخدام مجلس الوزراء لصلاحيات الرئيس رغم تحديده لها، فلم يوضح ما إذا كان يقصد جميع صلاحيّات الرئيس أم فقط تلك المتعلقة بتسيير المرفق العام. كما لم يبيّن كيفيّة تولي مجلس الوزراء لهذه الوكالة، وما إذا كان يحتاج إلى إجماع في القرارات التي يتّخذها بالوكالة عن الرئيس، أم تكفيه أكثرية الحضور بنصاب الثلثين المحدّدة لقراراته العاديّة بحسب المادّة 65 من الدستور أم تلزمه أكثرية الثلثين قياساً على الأكثرية المطلوبة للمواضيع الأساسية المحدّدة في الفقرة الأخيرة من المادّة إيّاها، وهل يتعيّن أن يوقّع جميع الوزراء على المراسيم التي يُصدرها مجلس الوزراء بوكالته عن رئيس الجمهورية أم يُكتفى بتوقيع رئيس الحكومة والوزير المختصّ؟.

 

* صيغ الحل المقترحة لآلية عمل الحكومة

وبالعودة الى الوضع الحكومي الحالي، ومع اضاءة الحكومة السلامية شمعتها الاولى، فان مسار سنة كاملة من عمرها، كان كفيلاً بايصال الامور الى طريق مسدود، عنوانه التخبط بـ"الفيتوات الوزارية"، ما دفع برئيسها للبحث عن صيغ جديدة تساعد في ايجاد طريقة عمل أكثر مرونة تحصر نطاق استخدام "الفيتو" في أضيق مجال ممكن. وتخرج البعض من اطار توظيف التوافق للتعطيل او تحويل التوافق الى عرف.

وقعت "ذبيحة" الحكومة فكثر ذباحيها، فجأة تحول الجميع الى فقهاء وجهابذة، راحو يسترسلون بمطالعاتهم، القانونية "الهمايونية" حول الآلية، فكانت صيغ "المهزلة العصرية"، اقتراحات ما انزل الله بها من سلطان، جلها لا يقارب الدستور لا من قريب ولا من بعيد، فيما بعضها الآخر يعتبر بمثابة انقلاب حقيقي عليه، ففي معرض النص لا اجتهاد، ولا تأويل، قاعدة لم يألفها المجتهدون، فكل يغني على ليلاه، والحل يضيع في "معمعة" جدال وتناقض عقيم.

اولى الصيغ المطروحة، ترتبط جذرياً بمدى صلاحيات مجلس الوزراء بحال شغور الموقع الرئاسي؟، فهل يجوز له اعتماد آلية التصويت والتوقيع الدستورية العادية في حال خلو سدة الرئاسة، وكأن شيئاً لم يحصل؟. وبمعنى آخر هل يمكنه الاستمرار بتطبيق الآلية الدستورية الطبيعية لعمله الواردة في (المادة 65 ) والتي تطبق في حال حضور رئيس الجمهورية، وهي اعتماد التوافق واذا تعذر التصويت باكثرية النصف زائدا واحدا في القرارات العادية ونصاب الثلثين في اتخاذ القرارات الاساسية والميثاقية والوطنية الكبرى.


صيغ دستورية همايونية لآلية عمل الحكومة..فهل من حل قريب؟
هل من حل قريب للالية الحكومية؟

 

ثمة شبه اجماع بان هذه الصيغة تطبيقها محصور بوجود رئيس للجمهورية، فهي تصطدم بالنص الدستوري الذي ينقل صلاحيات الرئيس وكالة الى مجلس الوزراء، فلو كانت الامور غير ذلك وكان عمل مجلس الوزراء بوجود الرئيس هو ذاته مع عدم وجوده لما كان المشترع بحاجة لتخصيص نص لذلك، كما ان هناك رأياً دستورياً وضعه الخبير الدستوري ادمون رباط في دراسة مؤرخة 14/12/1987، بناء على طلب رئيس مجلس النواب آنذاك حسين الحسيني، خلص فيها الى ان مجلس الوزراء هو الذي تتجسد في "كامل هيئته"، السلطة التنفيذية، في حال خلو رئاسة الجمهورية، “لاية علّة كانت”، ومنها عدم انتخاب خلف له. هذا دستورياً اما سياسياً فان العودة الى الآلية العادية لعمل مجلس الوزراء تلقى اعتراضاً من كتل الأحزاب المسيحية التي ترفض التراجع عن الآلية المتبعة، أي "الفيتو الوزاري" من باب التمسك بصلاحيات الرئيس، وتعتبر ان العودة إلى تطبيق الدستور كما لو أن رئيس الجمهورية موجود يعطي انطباعاً بأنه لا مشكلة في استمرار الفراغ.

مع استبعاد تطبيق الآلية العادية لسير عمل مجلس الوزراء لان المجلس بظل وجود الرئيس ليس كما في ظل غيابه، تفتحت قريحة المجتهدين، فمنهم من دعا الحكومة للاكتفاء بتصريف الاعمال طالما الشغور قائماً، وللاسراع بانتخاب الرئيس، ومنهم من راح يبحث عن صيغ بديلة، فكان من ضمن الصيغ المتداولة للالية، أن القرار الذي كان يحتاج إلى النصف زائداً واحداً في ظلّ رئيس الجمهورية، يصبح بحاجة إلى ثلثي أصوات الوزراء، فيما القرار الذي كان يحتاج إلى ثلثي الأصوات، يصبح بحاجة إلى موافقة الـ24 وزيراً مجتمعين"، أي "التوافق بالاجماع" لكن هذه الصيغة ايضاً لا تخلو من مشاكل قانونية فهي تخلق اعرافاً غير دستورية، ومن شأن اعتمادها تكريس سابقة دستورية، بحيث تعتبر بمثابة تعديل للدستور دون المرور بالآليات المكرسة لتعديله.

هذه الصيغة لم تقنع البعض وجوبهت بأنها مخالفة للدستور، ما اضطر مبتكريها الى سحبها من التداول، وطرحها مجدداً بصورة منقحة ومعدلة، وهو ما حصل فعلاً، حيث طرحت صيغة أخرى مشابهة، في شقها الاول (اعتماد التوافق في الامور التي تحتاج الى تصويت بالثلثين في مجلس الوزراء)، فيما عاد شقها الثاني ليلتزم سقف الدستور (المادة 65) مع تعديل طفيف يقضي بان البنود العادية التي تحتاج عادة الى التصويت بالنصف زائد واحد يتم التصويت عليها، وتمرر ما لم تعترض عليها كتلتان من الحكومة.

وتكر سبحة الصيغ مروراً بصيغة اخرى تقضي بتوافق ممثلي الكتل الأساسية في مجلس الوزراء على المواضيع المطروحة على جلسة مجلس الوزراء، لتسهيل عمل الحكومة. ويقتصر بذلك الاتفاق على ممثل عن كل تكتل أو حزب أو تيار، ومن يرغب لاحقاً في توقيع القرارات والمراسيم، ايضاً، هذه الصيغة لا تخلو من الانتقادات فمن شأنها اذا ما اعتمدت ان تخلق مجلس ظل رديف لمجلس الوزراء وتجعل القرارات تتخذ خارج اطار المؤسسات وتطبق فيه، وتهمش الوزراء غير المنتمين الى كتل وزارية.

ومن الصيغ المتدوالة ايضاً منح صلاحية التوقيع على المراسيم والقوانين المنقولة وكالة الى مجلس الوزراء للوزير المختص ورئيس الحكومة ووزير المال، لكن هذه الصيغة من شأنها ان تثير جملة اشكالات تتعلق بالميثاقية من جهة، وتقزيم صلاحيات الرئيس من جهة اخرى، وان كانت تسهل عمل الحكومة من الناحية العملية.  

بالموازاة، ثمة من يتشبث باستمرار الآلية المتبعة والتي اتفق عليها الأفرقاء السياسيون، فيتم إبعاد المواضيع الخلافية وعدم اتخاذ أي قرار إذا لم يحصل على الموافقة بالإجماع من قبل الـ24 وزيراً، والمستفيدون من هذه الصيغة هم بعض الوزراء المستقلين الذين منحوا أدواراً أكبر من حجم تمثيلهم الطبيعي، ما سمح لهم بالتسلح بـ«الفيتو» الذي اعطاهم الحق بعدم التوقيع على أي قرار تتخذه الحكومة حتى لو وافق عليه زملاؤه الـ23 في الحكومة.

*توجهات الحل للآلية الحكومية

خلاصة الامر يبدو ان ما يجري اليوم لا يعدو كونه "زوبعة" في فنجان الحكومة، فهو يسير بين حدي التفعيل وعدم التعطيل، مع ادراك جميع الافرقاء لاهمية الحفاظ على مجلس الوزراء في ظل الظروف الحالية، لذا لا يمكن الاستمرار بتعليق جلسات مجلس الوزراء طويلاً تحت عنوان محاربة "التعطيل"، لانه لا يمكن معالجة التعطيل الجزئي بالتعطيل الكلي، لذا فان كل المؤشرات توحي بأن الامور تسير نحو عودة انعقاد مجلس الوزراء في وقت قريب مع تعديلات طفيفة وغير جوهرية، تقضي بالإبقاء على آلية العمل الحالية مع ضمانات بعدم التعطيل، توفق بين امكانية حصر استعمال "الفيتو" في حالات استثنائية لتفادي استعمال هذا السلاح في أمور عادية، وعدم التقليل من قيمة وقدرة القرار المسيحي في الحكومة في ظل استمرار الشغور في الموقع المسيحي الاول في الدولة.

2015-02-27