ارشيف من :آراء وتحليلات

هل تراجع السعودية موقفها من الإخوان المسلمين؟

هل تراجع السعودية موقفها من الإخوان المسلمين؟
منذ خطابه الشهير في الخامس عشر من آب عام 2006 اليوم التالي لانتهاء حرب تموز الاسرائيلية على لبنان وانتصار المقاومة وقوله إن هذه الحرب "فرزت المواقف بشكل كامل ولم يكن هناك من إمكان لحلول وسط في مثل هذه الحرب التي أسقطت اصحاب أنصاف المواقف او أنصاف الرجال"، حنقت وحقدت الزعامات العربية على الرئيس السوري بشار الاسد التي شعرت أن توصيفه يمسها في كينونتها الشخصية ويوجه إليها إهانة لا تغتفر، وقررت الانتقام منه في الوقت المناسب الذي حان أوانه مع الحرب الدولية التي شنت على سوريا منذ ربيع العام 2011 لأسباب باتت معروفة. وحتى الان لا تزال بعض الدول المتواطئة ترفض الحل السياسي وتحول بينه وبين السوريين مشترطة رحيل الرئيس الاسد الذي كرهه "أنصاف الرجال".

تبدو مصر البوم ووفقاً للوقائع المتتالية  وكانها في طريقها لتكرار التجربة السورية من حيث التشظي ودفعها نحو مشروع تدميري جديد بأدوات دموية تستهدف تقويض الدولة من الداخل وإغراقها في حروب طائفية ومناطقية، بطلها "داعش" ومتفرعاته أو سواقيه الاقليمية والدولية. والسؤال: هل سيدفع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ثمن توصيفه بعض دول الخليج بانها "انصاف دول" وأن ثروات قادتها أكبر من ميزانيات بلدانهم، وان الطريقة الأنسب للتعامل معها هي "خذ وهات"  وفقا لما بث له من تسجيلات مع مجلسه العسكري يوم كان وزيرًا للدفاع يستعد للترشح للرئاسة؟

من الطبيعي أن يستثمر بعض الاطراف الداخلية المصرية والخارجية (قطر) في هذا الكلام المهين لبعض الخليجيات في حربهم المفتوحة ضد حكم السيسي، لكن تواتر بعض الوقائع السلبية في العلاقات المصرية _ الخليجية يدفع نحو محاولة فحص ما اذا كان شهر العسل بين بعض دول الخليج ومصر قد شارف على الانتهاء، ام ان مؤتمر الدعم الاقتصادي الذي يفترض ان ينعقد في القاهرة في شهر اذار المقبل سيضع حداً لمحاولة استثمار البعض في تأجيج هذه التباينات ومعرفة ما اذا كانت تباينات ظرفية او ربما تؤشر إلى مسار مختلف، أو أن الأمور لم تنضج بعد الى حد توقع ما ستذهب اليه الاحداث. لكن معطىً مثل بيان الامين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني على موقع الامانة العامة لمجلس التعاون والذي تضامن فيه مع قطر في وجه الاتهامات المصرية لها بدعم الارهاب من قبل المندوب المصري في الجامعة العربية طارق عادل بسبب تحفظ الدوحة على الغارات التي شنها الطيران الحربي المصري على اهداف في ليبيا بعيد الجريمة المروعة بحق 21 قبطيا مصريا على الساحل الليبي، ثم نفي الزياني في بيان آخر ما كتبه، واعلانه تضامن دول الخليج مع مصر في مواجهة الارهاب، ودعم الاجراءات التي تقوم بها، قد يقع في نطاق تاجيل تظهير الخلاف الى العلن مع استحقاقات اهم مطلوبة من مصر.

صحيح ان الجامعة العربية "تفهمت" ما تقوم به مصر في ليبيا رغم التحفظ القطري الرافض لعدم التنسيق المسبق، لكن يبدو ان اتفاق الرياض الذي رعاه الملك السعودي السابق عبد الله بن عبد العزيز قد تعرض لاهتزاز كبير ستظهر ارتداته لاحقاً. فهذا الاتفاق بُني على اساس التوافق المصري السعودي الاماراتي البحريني بشكل اساس على اعتبار تنظيم "الاخوان المسلمين" جماعة ارهابية، وعلى أساس أن تبتعد قطر من هذه الجماعة كشرط لإعادتها الى البيت الخليجي بعدما سحبت الرياض وابو ظبي والمنامة سفراءها من الدوحة لعدة اشهر في عملية رفع عصا كبيرة ضد قطر آنذاك التي كانت في موضع المتهم فيما كانت الدول الخليجية الثلاث تنتصر لمصر التي ترى في الدوحة (وتركيا طبعاً) حاضناً اساسياً لتنظيم "الاخوان" وناطقاً رسمياً باسمهم من خلال وسائلها الاعلامية (الجزيرة بجميع فروعها فضلا عن تأسيس قنوات وصحف ومواقع الكترونية عديدة في لندن واسطنبول بمال قطري مسال). وقد كان شرط اعادة السفراء تخلي الدوحة عن دعم الاخوان واخراج بعض قياداتهم واسكات يوسف القرضاوي الذي يوصف بانه شيخ الفتن المذهبية المتنقلة.

لكن وبعد وفاة الملك عبد الله بدا على الفور وكأن هناك انقلاباً ليس فقط على تركيبة السلطة الداخلية التي جهد الملك عبد الله لترتيبها بعد وفاته لصالح ابنائه، انما ايضاً انقلاب على السياسة الخارجية السعودية التي وضعها لصالح سياسة جديدة يكثر الحديث عنها هذه الايام.

هل تراجع السعودية موقفها من الإخوان المسلمين؟
السعودية & مصر

وبمعزل عن ملامح هذه السياسة التي سيكون من المغامرة الجزم في عناصرها وملامحها مبكراً، لكن علً الأقل هناك عنوان مطروح يتعلق بالموقف من تنظيم الاخوان المسلمين. وهذا ربما يعد النقطة الاشكالية الاساسية في العلاقات بين الخليجيين ومصر التي اخذت جرعة دعم قوية من تصنيف الجماعة تنظيماً ارهابياً قد يكون بالنسبة للرئيس السيسي اهم من جرعات الدعم الاقتصادي السعودي تحديدا التي يقال انها احد اسباب استقرار حكم السيسي. لكن الأخير ذهب بعيداً في حربه ضد تنظيم "الاخوان" الى درجة بات من الصعب عليه العودة الى الوراء مع تحميل هذه الجماعة مسؤولية جميع الاحداث العنيفة التي حصلت في سيناء وغيرها، وبالتالي فان التحسن الذي قد يطرأ في العلاقة الاخوانية _ السعودية ربما يكون نقطة خلاف بعدما كان التصلب ضدها من قبل الرياض وابو ظبي نقطة اجماع.

 القاهرة قامت
بخطوة
جس نبض عندما
ارسلت سفيرها
 الجديد يوسف
 الشرقاوي
 الى صنعاء
في ظل تولي
انصار الله
إدارة
المشهد السياسي

والكلام عن مقاربة سعودية جديدة لموضوع "الاخوان المسلمين" ليس من باب الترف، بل ثمة وقائع وتقارير عديدة أبرزها الحديث عن لقاءات جمعت قيادات اخوانية مع امراء "سديريين" في الرياض، ثم التسريب المقصود لموقف لوزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل عبر احدى الصحافيات في صحيفة «الجزيرة» السعودية (تجانس مع "الجزيرة" القطرية) انه «ليس لنا أي مشكلة مع الإخوان المسلمين، مشكلتنا فقط مع فئة قليلة تنتمي إلى هذه الجماعة، هذه الفئة هم من في رقبتهم بيعة للمرشد»، وهو موقف يناقض أدبيات العهد السابق. وهناك ايضا مواقف ايجابية نقلتها وكالة "رويترز" في تقرير لمراسلتها آمنة بكر من الدوحة في 5 شباط الجاري خلاصتها ان لدى أعضاء الإخوان المسلمين في قطر أملاً في العاهل السعودي الجديد  الذي يعتبره محللون كثر أكثر تعاطفا مع التيار المحافظ من سلفه عبد الله وأقل تشدد تجاه الاخوان المسلمين، فيما نقلت الوكالة عن  محلل سياسي قطري إنه "ليس على الملك الجديد أن يرفع الإخوان من قائمة الإرهاب لكن بوسعه أن يختار تجاهل القرار الذي اتخذ فقط لإرضاء القيادة المصرية"، كما ان مصدرًا قطريًا وثيق الصلة بالحكومة  يعتبر ان القيادة السعودية الجديدة تتفهم أنه "لا يمكنك عزل الإخوان. فالايديولوجية لا يمكن إزالتها بالقوة.

ولهذا من المهم التواصل". حتى الاسرائيليين دخلوا على الخط في سياق تحليل هذا المسار من باب رصد المصالحة بين حماس وإيران وتحت عنوان ان هذه المصالحة تتعثر. ورد في مقال لـ"يونتان توسيه-كوهين" في موقع "المصدر" الاسرائيلي ان من العوامل الأخرى الذي ينبغي أخذها في حسبان حماس لاعادة علاقتها مع إيران، هو موت ملك السعودية عبد الله ومعرفة كيف سيتأثر الشرق الأوسط من الواقع الجديد، لافتا الى ان "حماس معنية بأن تفحص إذا ما تغيرت وجهة السعودية في التعامل معها بعد انتقال السلطة، فربما تُفتتح قناة جديدة للتعاون بين حماس والسعودية" التي تبدو كأنها الدولة الوحيدة القادرة على جعل مصر تخفف من وطأة الحياة في قطاع غزة". ولأن ثلاثي "الاخوان_ قطر_ تركيا" يُعتبر مسارًاواحدًا. تحدثت ايضا مجلة «فورين بوليسي» الأميركية عن توقعات بأن يضع الملك سلمان العلاقات مع أنقرة في مقدمة أولوياته، خصوصاً أن من شأن هذه العلاقات أن تكون مؤثرة في قضايا مهمة للمملكة في دول عديدة، مع الاشارة الى ان سلمان عندما كان وليا للعهد عام 2013 هو الذي دفع باتجاه تعزيز العلاقات التركية _ السعودية وتوقيع الاتفاقيات معها، حيث يعتبر من اهم المتحمسين لها، وهذا ربما ما دفع  مركز أبحاث «سيتا» التابع لرئاسة الوزراء التركية في دراسة نشرها بعنوان «المملكة العربية السعودية بعد الملك عبد الله: عودة السديريين» للحديث عن وجود توجه لدى الحكومة التركية «لتوظيف التغيرات الداخلية التي تشهدها السعودية لأجل دعم محاولات إصلاح العلاقات بين البلدين". طبعاً يضاف الى هذه التوقعات بعض الوقائع مثل الزيارة المرتقبة للرئيس التركي رجب طيب اردوغان الى الرياض بعد ان زارها للمشاركة في تشييع الملك عبد الله، ثم زيارة وزير داخليته افكان ألأ ثم رئيس اركان الجيش التركي نجدت ازال الى الرياض والتي مثلت شبه قطيعة مع حالة الجفاء السابقة التي ترجمت صراعات سعودية_ تركية في سوريا وفي ليبيا على الاقل.

لكن الاخطر من ذلك ما ذهب اليه الباحث المصري في الشؤون السعودية مصطفى اللباد في مقالة نشرها في صحيفة السفير اللبنانية بعيد وفاة الملك عبد الله وتحدث فيها عن "ترتيب جديد للتحالفات، بهدف حشد الكتلة السنية الأوسع في المنطقة لرفد السعودية في مواجهتها مع إيران ومحورها". ويخلص اللباد  الى ان "الأولوية الإقليمية الجديدة للسعودية عملياً تصديع «محور الاعتدال» الذي كان والنظام المصري في القلب منه، إذ سيصبح الأخير مطالباً بدفع الفاتورة السياسية للأولوية السعودية الجديدة: تشكيل «محور سني كبير» يضمها إلى تركيا."؟

اذا كانت هذه فعلا ملامح السياسة الخارجية السعودية الجديدة، واذا كان الطوق سيفك عن عنق الاخوان المسلمين خليجياً على الاقل، واذا كانت مصر بحاجة الى المال الخليجي لضمان استقراها النقدي والاقتصادي؛ فكيف ستتصرف القاهرة في ضوء ما يمكن اعتباره تسديد ثمن فاتورة الدعم؟ هل لديها المقدرة على ذلك؟ وهل يمكن ان يفتح السيسي صفحة جديدة في العلاقات مع "الاخوان المسلمين"؟

هناك معطيات تشير الى ان السعودية تريد بالدرجة الاولى موقفاً مصرياً مما يجري في اليمن وتحديداً ضد انصار الله يعتبر ما يقومون به انقلاباً، ثم انخراط مصر في أي عملية تدخل عسكري في اليمن تحرض الرياض عليه لاحتواء ما تسميه تمدداً ايرانياً في خاصرتها الرخوة على حدودها الجنوبية. ويقع في نطاق التحريض عملية التخويف التي يقوم بها الاعلام الخليجي فيما يتعلق بما يسمونه "خطر الحوثيين" على باب المندب وتاثيرهم على الملاحة في البحر الاحمر وقناة السويس حكماً، ولاسيما وأن مصر تراهن على القناة الثانية لزيادة مواردها المالية؟ وثمة معلومات تتحدث عن أن بعض الدول الخليجية تحاول اجراء مقايضة مع مصر تقوم على تخفيف العبء الأمني عنها في سيناء وربما على الحدود الليبية مقابل انخراطها في الحرب على الحوثيين؟ كما ان هناك فرضية تتحدث عن احتمال مقايضة الاطراف الخليجية موقفهم المتحفظ من الضربات الجوية المصرية في ليبيا مقابل انخراط القاهرة أكثر في الساحة اليمنية؟

"ليس على الملك الجديد
 أن يرفع الإخوان من قائمة الإرهاب لكن بوسعه أن يختار تجاهل القرار الذي اتخذ فقط لارضاء القيادة المصرية"


من الواضح ان خيارات مصر السيسي صعبة، فلا هي قادرة على هضم الاخوان المسلمين، ولديها تجربة تاريخية سلبية في اليمن، وهي بحاجة للمال الخليجي لكن يبدو ان ثمنه السياسي بات مرتفعًا على شكل تورط مصري في اليمن وايضا  على شكل موقف سلبي من الازمة السورية، او ان كرة النار قد تتدحرج من ليبيا باتجاه الداخل المصري لتتعدد الجبهات المشتعلة التي تغرق الجيش المصري في مواجهات متنقلة تستنزفه على الطريقة السورية فلا يسمح له بادارة الدولة كما فعل بعدما قاد السيسي الى السلطة متكئا على حاضنة شعبية.

يبدو ان القاهرة قامت بخطوة جس نبض عندما ارسلت سفيرها الجديد يوسف الشرقاوي الى صنعاء في ظل تولي انصار الله ادارة المشهد السياسي ثم اطلق الشرقاوي تصريحات اعتبر أن الأوضاع في صنعاء هادئة وآمنة ولا مشاكل على الإطلاق تواجه البعثات الدبلوماسية، وقال ان "الوقت قد حان لإقامة شراكة استراتيجية بين مصر واليمن"، الامر الذي اثار حفيظة الدول الخليجية التي اغلقت سفاراتها في صنعاء وقامت بعملية تهويل امني وسياسي، وترجم هذا الانزعاج في مقالة للصحافي المصري وائل قنديل رئيس تحرير صحيفة «العربي الجديد» الممولة من قطر معتبرا إن إرسال السفير المصري الجديد نوع من المكايدة والابتزاز من جانب عبد الفتاح السيسي، للدول الخليجية التي بدأت تراجع مواقفها على ضوء التسريبات الأخيرة والتي أخذت عناوين من نوعية السيسي يحتقر الخليج ثم السيسي يحلب الخليج».

قد يكون من المبكر الكلام عن تأزم في العلاقات المصرية _ السعودية لكن هذه المؤشرات تهز على الاقل عن المسار الذي ارساه الملك عبد الله مع السيسي لهذه العلاقات وتفتحها على احتمالات عديدة، سيظهر ارجحها في وقت قريب بسبب دينامية النزاعات التي تتسم بالسرعة في المنطقة.

 

2015-02-27