ارشيف من :ترجمات ودراسات
الوضع الدولي عام 2015: خطر الحرب النووية يطل مجدداً في الأفق (1/2)
الكاتب Jules Dufour (جول ديفور هو مختص في الجغرافيا ورئيس الجمعية الكندية للأمم المتحدة وأستاذ في جامعة كيبك في شيكوتيمي، وعضو في الحلقة الجامعية لسفراء السلام، وعضو برتبة فارس في جمعية كيبك الوطنية).
الموقع Mondialisation.ca
18 شباط/ فبراير 2015
خلال العقود المنصرمة، استعرت حرب عالمية اقتصادية تسببت بإضعاف البشرية والبيئة وأثخنتهما بالجراح والعذابات. أسياد العالم يطلقون على هذه الحرب اسم الأزمة الاقتصادية الناشئة عن عوامل ظرفية. لكنها في الواقع أزمة بنيوية ومبرمجة تقودها شركات عابرة للقارات بالتواطؤ مع حكومات عميلة. وفي هذا السياق، نلاحظ أن القوى التي تعمل على استمرار هيمنتها على الاقتصاد العالمي والتي تقود هذه الحرب تتمثل بمكونات ثلاثة أساسية هي : المنظمات السياسية-الاقتصادية العالمية، قوى الأمن، والحكومات المحلية.
هذا، وتسهر المنظمات الدولية أمثال البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على حسن سير عملية الهيمنة وتوسيع نطاقها.
ومن جهتها، تعنى قوى الأمن المتمثلة بالجيوش -الدولية والمحلية- والوكالات الأمنية وقوى الشرطة بصيانة الأوضاع القائمة.
أما الحكومات المحلية فمهمتها تجسيد التوجهات العامة على المستويين المحلي والإقليمي.
وكل ذلك يشكل قوام الحراك الإمبريالي على جميع المستويات لتتكون من ذلك "إمبراطورية الرأسمال"، على حد تعبير عالم الاجتماع كلوديو كاتز، أو "عولمة الحرب"، على حد تعبير ميشيل شوسودوفسكي.
أما ضحايا هذه "الحرب" فيعدون بالملايين حيث يخضعون لوضع من الإفقار الأقصى الذي يؤدي بهم إلى الموت المبكر بفعل ما تعيشه مرافق العيش من تدهور وتدمير. ففي كل يوم، يموت حوالي 30 ألف بشري من الجوع حول العالم. إنها مجزرة الجوع بحسب تعبير جان زيغلر.
الحرب النووية
وفي قلب هذا المشهد، نلاحظ منذ سنوات وجود علائم وإشارات ووقائع تسمح بالخشية من أن يكون هنالك إعداد لصراع مسلح عالمي يسهر على رعايته حلف الناتو بهدف ضمان استمرار هيمنة الاقتصاد الغربي على العالم. وقد وقع حادثان يثيران الخوف من وقوع ما هو أسوأ من ذلك. الأول هو الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت عام 2008 في ظل التراجع المتواصل للاقتصادات الغربية. أما الثاني فهو التهديد الغربي، في العام 2010، بتدمير إيران، بعد أن صرح دايفد بترايوس، قائد القوات الأميركية في العراق وأفغانستان، بأن واشنطن قد وضعت خططاً عسكرية بخصوص المواقع النووية الإيرانية تتضمن قصفاً لهذه المواقع.
وخلال السنوات الأخيرة، مرت على العالم أعداد كبيرة من المشكلات المثيرة للقلق. وقد تكلم العديد من المراقبين عن خطر نشوب حرب عالمية نووية. والأكيد أن مجرد التفكير بهذا الاحتمال هو أمر تقشعر له الأبدان، لكن ذلك لم يمنع حضوره في تصريحات وكتابات العديد من مراقبي المشهد الجيوسياسي الدولي.
وبهذا الصدد، وضع إبرهارد هامر العنوان التالي لإحدى مقالاته التحليلية : "تزايد المؤشرات على احتمال اندلاع حرب عالمية ثالثة". وقد أحصى الكاتب، في العام 2010، أربعة من هذه المؤشرات في معرض كلامه عن احتمال شن هجوم على إيران من قبل القوى الغربية. وأكد أن تلك المؤشرات واضحة في المواقف الحربية التي يتخذها رئيس الوزراء الإسرائيلي، وفي قيام الإسرائيليين بنشر غواصات نووية قبالة الشواطئ الإيرانية، وفي عملية شيطنة إيران في الصحافة الغربية، وفي الاحتشاد الأكبر من نوعه في العالم للجيوش في منطقة الخليج الفارسي.
وفي أيامنا هذه، يأتي سيناريو من النوع نفسه ليعزز المخاوف التي يثيرها النزاع المسلح في أوكرانيا.
وفي هذه المقالة التي نريد لها أن تقدم صورة جامعة عن الأوضاع البالغة الأهمية بالنسبة للبشرية، يمكننا أن نحصي خمسة عناصر رئيسية يبدو أنها ذات دلالة كبيرة. ويمكن تلخيص هذه العناصر بالشكل التالي :
- اشتداد الحرب الاقتصادية،
- النزاع المسلح في أوكرانيا، أو حرب الدونباس،
- توسع الناتو في أوروبا الشرقية،
- الحصار الاقتصادي المفروض على روسيا،
- كلام العديد من القادة الدوليين عن احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة.
وسنتوقف أمام كل واحد من هذه العناصر مع أخذ المسائل التالية بعين الاعتبار :
- الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية التي لا تنحسر، بل تذهب نحو المزيد من التفاقم في ظل دول ترزح تحت ثقل مديونيات ضخمة وتعمد إلى فرض إجراءات تقشفية،
- تدخل الناتو في أوكرانيا بهدف ضم هذا البلد بشكل فعلي إلى الغرب،
- فرض عقوبات اقتصادية وسياسية من قبل الغرب على روسيا،
- شيطنة فلاديمير بوتين وحكومته على جميع المنابر،
- تصعيد مبرمج ضد العالم الإسلامي،
- تعزيز الوجود العسكري الغربي في خمسة بلدان محاذية لروسيا،
- تشكيل قيادة صغرى بريطانية للناتو في أوروبا الشرقية،
- تشكيل قوة تدخل سريع من قبل الناتو في أوروبا الشرقية،
- نشر الناتو لقوة رد سريع في بلدان البلطيق،
- تزايد حدة النزاع المسلح بين كييف والانفصاليين المؤيدين لروسيا،
- نشر الناتو لأجهزة قيادة في أوروبا الشرقية بهدف تزويد المنظمة بقدرة أكبر على الرد،
- قيام الولايات المتحدة بوضع خطة للحرب العالمية الثالثة تحمل عنوان "مفهوم تحريك الجيش"،
- مخاوف العديد من قادة الدول إزاء التحضير للحرب العالمية وإزاء اندلاعها بالفعل.
1- تفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية
الحرب التي يشنها الرأسمال العالمي على العالم تعبر عن نفسها من خلال إفقار أكثرية الناس وإثراء أقلية من أصحاب الامتيازات. وتتم هذه العملية بطريقة منظمة بغية ضمان استمرار تراكم الرساميل بين أيدي القلة القليلة من الأغنياء. وعلى هذا الأساس، تتم صياغة السياسات الاقتصادية الكبرى. فالشركات التي تمتلك الرساميل تضع استراتيجيات من أجل تراكم لهذه الرساميل بلا حدود، وذلك بالتعاون مع السلطات الحاكمة للدول. وهكذا، يصبح النفوذ الاقتصادي والمالي قوياً إلى حد يسمح له برسم سياسات الدول ووضعها في خدمة مصالحه. وفي هذا السياق، لا تفعل الشعوب غير تحمل الارتدادات الضارة والسامة لعملية التركيز الكبير لتراكم الرساميل عبر معاناة الفقر والتهميش والنزوح الإجباري والبطالة والأمراض والجوع.
ويمكن وضع تصور لما ستكون عليه أوضاع العالم في العام 2015 من زاوية تمركز الثروة. وبهذا الصدد، تعتبر منظمة أوكسفام أن الجهات الأكثر ثراءً ستضع يدها قريباً على نصف ثروات العالم. وتشير الوقائع إلى أن 1 % من سكان العالم كانوا يمتلكون 48 % من الثروات. وقدرت ثروات أسرة دايفد روكفلر وجاكوب روتشيلد بما يتراوح بين 340 و 350 مليار دولار. ووفقاً لتصنيفات "فوربز" الخاصة بأعداد أصحاب المليارات، يتبين أن الـ 80 شخصاً الأكثر ثراءً في العالم (ومنهم بيل غيتز وكارلوس سليم وآمانسيو أورتيغا والإخوة كوش) يمتلكون ثروات تفوق ثروات 50 % من الأشخاص الأكثر فقراً في العالم، أي ثروات 3،5 مليارات بشري.
إن الهوة الفاصلة بين الأكثر ثراءً والأكثر فقراً قد اتسعت بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية. ففي العام 2010، كان 388 شخصاً من أصحاب المليارات يمتلكون ثروات توازي ثروات 50 % من سكان العالم الأكثر فقراً. وفي العام 2014، تضاءل عدد أصحاب المليارات إلى مستوى الربع. وقد تعزز هذا الوضع بسبب قدرة الأكثر ثراءً على التهرب من دفع الضرائب وتحويل ثرواتهم إلى الفراديس المالية، ما يعني أن قسماً كبيراً من ثرواتهم لا يخضع لقوانين الدول.
ويشير مرصد اللامساواة في الثروات إلى أن "الفقر يتراجع على مستوى العالم. ومع هذا، فإن مليار إنسان بينهم 15 مليوناً من سكان البلدان الغنية يعيشون بأقل من دولار وربع في اليوم، أي أمام عتبة الفقر القصوى. وإذا ما انطلقنا من عتبة أعلى تصل إلى دولارين في اليوم، يرتفع عدد الفقراء إلى مليارين ومئة مليون شخص، أي ما يوازي أكثر من ثلث سكان العالم في العام 2011، في حين كانت نسبة الفقراء تصل إلى 70 بالمئة عام 1981".
إنها إذاً حرب استنزاف لخيرات العالم من قبل المراكز الكبرى التي لا تتردد عن الاستغلال المكثف للأيدي العاملة وعن تدمير البيئة بهدف تحقيق المزيد من الأرباح واكتساب المزيد من القوة. إن هذا السعي إلى التملك يجعل سلوك الرأسماليين مهووساً بالكسب فيلجأون بشكل محموم ومفاجئ إلى نقل استثماراتهم إلى حيث يجدون المزيد من الأرباح، ويتعاطون الفساد والتهرب الضريبي والمضاربات العقارية والمالية وأشكال الخداع وما إلى ذلك.
في العام 2008، اعتبر البروفسور شوسودوفسكي أن الأزمة المالية العالمية هي " الأشد خطورة منذ انهيار وول ستريت في العام 1929". كما اعتبر أن وضع هذه الأزمة في سياقها العام وأخذ عدم الاستقرار المتولد عن المضاربات بعين الاعتبار يظهر أن تداعياتها هي أكبر بكثير من ذلك الانهيار. وعلى كل حال، فإن الأزمة لم تصل بعد إلى ذروتها. إن من شأنها أن تزعزع الأسس التي يقوم عليها النظام المالي العالمي. أما انعكاساتها على حياة الناس في أميركا والعالم فهي مأساوية حقاً. فالأزمة لا تتوقف عند حدود انهيار الأسواق المالية، لأن الخطر محيق أيضاً بالاقتصاد الفعلي على المستويات الوطنية والدولية، ومؤسساته وبناه الإنتاجية كلها في دائرة الخطر. فعندما تنهار مؤشرات البورصة تنهار مدخرات الأسر وصناديق الإعالة. ومن الطبيعي أن يؤثر الانهيار المالي على أسواق الاستهلاك والسكن، وفي نطاق أوسع على عملية الاستثمار في مجالات السلع والخدمات.
وباختصار، فإن الأزمة تتواصل وتعبر عن نفسها من خلال الإفلاسات المالية الكبيرة وارتفاع مديونيات الدول التي يؤدي ضعفها التدريجي إلى سلسلة من النتائج المميتة على مستوى الاقتصاد الفعلي والمجتمع، وذلك من خلال ارتفاع مؤشرات البطالة خصوصاً في صفوف الشباب. وقد ارتفعت البطالة إلى 53 % في إسبانيا، وهي أعلى نسبة سجلت في أوروبا عام 2014...
استمرار الأزمة وتأثيراتها السلبية على المجتمعات
ذكر "مرصد الفقر والتهميش" في تقريره الصادر في تموز/ يوليو 2014، أن "استمرار الأزمة يعزز أخطار التمزق الاجتماعي عند بعض الفئات في المجتمع. ومنذ العام 2008، تسارع تزايد أعداد الأشخاص الذين كانوا يعانون في أواسط العام 2000 من العوز المالي... كما أدت الأزمة إلى اشتداد الفقر وتزايد خطر استحالة الخروج من حالة الفقر. ففي فرنسا وغيرها من البلدان الأوروبية، يشكل الأشخاص المحرومون من العمل، والأسر ذات المعيل الواحد، والفئات الشابة، طليعة ضحايا الأزمة المستديمة، بقدر ما يجدون أنفسهم مهددين أكثر من غيرهم بخطر الفقر والتهميش الاجتماعي".
خطر الانهيار
يعتبر الاقتصادي رودريك ترومبلي أن خطر نشوب أزمة مالية واقتصادية كبرى ما يزال قائماً. وقد كتب بهذا الصدد "أن المصارف الأميركية الكبرى ما زالت تمارس المضاربة بالودائع الحكومية. وأنه من المستحيل التنبؤ بتوقيت حدوث انهيار جديد لقصر الكرتون المالي، إلا أنه من المؤكد أن هذا الانهيار سيحدث خصوصاً في حال حدوث صدمة سياسية أو اقتصادية". ويمكننا أن نضيف هنا حالة الاتحاد الأوروبي الذي يشكل أكبر اقتصاد في العالم والذي يجد نفسه، مع ذلك، على حافة الانكماش الاقتصادي. أو حالة الصين التي تشكل ثالث قوة اقتصادية في العالم وتعاني، مع ذلك، من التباطؤ الاقتصادي.
ويختم ترومبلي بقوله: "هنالك مؤشر مقلق آخر يتمثل بتباطؤ سرعة السيولة النقدية في الولايات المتحدة، وهذا التباطؤ شبيه بذاك الذي حدث في أواخر عشرينيات القرن العشرين، أي مباشرة قبل بداية الركود الكبير. والواقع أن سرعة السيولة النقدية هي اليوم في مستواها الأشد انخفاضاً في العشرين عاماً المنصرمة. كما إن من شأن الضعف الذي أصاب القطاعين الحكومي والمالي في الولايات المتحدة أن يثير المخاوف بخصوص الأوضاع في السنوات القادمة".
الصراع المسلح في أوكرانيا أو حرب الدونباس
إن سبب الصراع المسلح في أوكرانيا المعروف أيضاً باسم حرب الدونباس هو التدخل الغربي في الشأن الداخلي الأوكراني. وقد اعترف الرئيس الأميركي نفسه بالتحرك الذي انطلق من ساحة "ميدان". أما هدف التدخل فهو التمهيد لتأمين وجود عسكري متزايد لقوات الناتو بالقرب من الحدود الروسية. وقد بدأ الصراع مع ولادة حركة "يوروميدان" وانقلاب شباط/ فبراير 2014 الذي أدى إلى إسقاط حكومة فيكتور يانوكوفيتش واستلام السلطة من قبل حكومة مؤيدة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وفي ظل هذا الوضع، أبدى سكان المقاطعات الشرقية في أوكرانيا رفضهم للحكومة المؤقتة الجديدة وعبروا عن ذلك في سلسلة من التظاهرات التي خرجت في جميع أنحاء الدونباس. وبذلك، نشأت حركة رافضة لتحرك "ميدان" وتم الإعلان عن قيام جمهورية دونتسك الشعبية في 7 نيسان/ أبريل 2014. ثم عن قيام جمهورية لوغانسك الشعبية في 11 أيار/ مايو، وعن اتحاد هاتين الجمهوريتين في 23 من الشهر نفسه.
واعتباراً من 2 أيار/ مايو، تدخل الجيش الأوكراني في المناطق الشرقية، وتواصلت المعارك بعد ذلك بالرغم من توقيع المجموعة الأولى من اتفاقيات مينسك في 5 كانون الأول/ ديسمبر الماضي. وفي كانون الثاني/ يناير 2015، اشتدت المعارك وحقق الجيش الأوكراني تقدماً لافتاً على الأرض. وفي السادس والحادي عشر من شباط فبراير توجه كل من فرنسوا هولاند وأنغيلا ميركل إلى روسيا لعقد مفاوضات مع بوتين حول خطة سلام جديدة في إطار تسوية شاملة. لكن مثل هذه الخطة تظل هشة جداً حتى لو تم الاتفاق على وقف لإطلاق النار، شأنها في ذلك شأن الاتفاق الأول لأنه لم يحل دون استمرار المعارك حتى بعد دخول وقف النار حيز التنفيذ.
وجاء ماراتون المفاوضات الذي استغرق 17 ساعة بين ألمانيا وفرنسا وروسيا وأوكرانيا ليسمح بالتوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار يدخل حيز التنفيذ في 15 شباط/ فبراير. ويبدو أن هذه النتيجة قد جاءت استجابة لطلب الكرملين. وقد أظهر الاتفاق ضعفاً متزايداً في الموقف التفاوضي الأوكراني، كما أظهر رغبة ألمانيا في تجنب المواجهة مع روسيا وفي السعي من أجل إنقاذ منطقة اليورو من الانهيار. هذا، ونجد في الاتفاق عدداً من البنود المتعلقة بوقف إطلاق النار وسحب الأسلحة والتغييرات التي ينبغي على أوكرانيا أن تقوم بها في سياق منح الكرملين حق تقرير محتوى عدد من البنود العامة في الاتفاق. وجاء توقيع الاتفاق من قبل الرئيس الروسي إضافة إلى مشاركته المباشرة في المفاوضات ليؤكد تصميم موسكو على الحد ولو جزئياً ومؤقتاً من التصعيد العسكري.
وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قد أهاب في 21 كانون الثاني/ يناير بالشركاء الغربيين أن يحضّوا السلطات الأوكرانية على منع العودة مجدداً إلى السيناريو العسكري، على أساس أن ذلك هو ما يشكل الهدف الأكبر.
على هذا، نعتقد بأن خطتين للتسوية قد تم رسمهما في المفاوضات. الأولى هي المشاركة الفعلية من قبل أوكرانيا، وهو الأمر الذي لا يمكن قبوله من قبل الغرب الذي يبني تدخلاته على أساس سيادة أوكرانيا ووحدتها الترابية الكاملة. أما الثانية، وهي المنصوص عليها في اتفاق مينسك الأخير، فضرورة أن تبادر أوكرانيا إلى وضع قانون خاص حول صفة مقاطعتي دونتسك ولوغانسك يسمح لهما بتشكيل ميليشيا محلية وبالعمل بشكل منسق مع الحكومة المركزية في مجال تعيين الموظفين وفي مجال صياغة الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية في المقاطعتين. كما تم البحث أيضاً في تشكيل هيئة يشارك فيعا الروس والغربيون لمراقبة الحدود تحت إشراف منظمة الأمن والتعاون الأوروبي. وحتى لو طبقت الخطة الثانية، فإن الخلافات بين الكتل المتصارعة ستتواصل في إطار التوجه نحو مواجهة عسكرية على نطاق أوسع. إن غالبية الأوكرانيين ينظرون إلى الصراع على أنه صراع داخلي وليس حرباً للدفاع عن البلاد ضد عدو خارجي. ومن هنا يتساءلون حول الأسباب التي تدفع النظام القائم في كييف إلى رفض كل حوار مع الانفصاليين وإعطاء الأولوية للمواجهة العنيفة مع مواطنيها.
توسع الناتو في أوروبا الشرقية
لقد انخرط الناتو في عملية تسلح مكثفة في أوروبا الشرقية بهدف عزل روسيا بشكل تدريجي، وكل ذلك بحجة الصراع المسلح في أوكرانيا والموقف الموصوف بأنه عدائي من قبل موسكو تجاه أوكرانيا والغرب. وقد تواصلت عملية التسلح هذه منذ ضم القرم إلى روسيا وتعززت خلال الأشهر الأخيرة. فالواقع أن الناتو قد قرر في 5 شباط/ فبراير الماضي "تعزيز الدفاع عن خاصرته الشرقية" وشكل، لهذه الغاية، قوة جديدة من 5000 رجل يمكن نشرهم بشكل سريع، إضافة إلى إقامة 6 مراكز قيادة في أوروبا الشرقية. وقد وافقت كل من إيطاليا وبولندة وإسبانيا وبريطانيا وفرنسا على أن تكون البادئة في المشاركة بهذه القوة الجديدة التي أطلق عليها اسم "رأس الرمح" والتي ستكون جاهزة للعمل عام 2016.
وقد قرر الناتو أن هذه القوة ستحظى بوجود دائم. وبهذا الصدد، أكد جينس ستولنبرغ [الأمين العام الجديد لحلف الناتو]: "اتفقنا على الشروع فوراً بإقامة 6 مراكز قيادة ومراقبة في بلغاريا وإستونيا وليتوانيا وبولندة ورومانيا. وإذا ما حدثت أزمة جديدة، فإن هذه المراكز ستضمن، منذ البداية، جهوزية جيوش تلك البلدان وجيوش حلف الناتو القادمة من مختلف البلدان الأعضاء للعمل بشكل منسق... كما ستستخدم هذه المراكز في تسهيل نشر الجيوش إذا لزم الأمر وفي وضع خطط الدفاع الجماعي، وكذلك في تنسيق التدريبات العسكرية. وقد وافقت كل من ألمانيا والدانمارك على إقامة مركز للقيادة في غربي بولندة تكون مهمته تنسيق العمل بين مراكز القيادة الستة".
وقد اعتبر الأمين العام للناتو أن هذه الإجراءات هي أضخم تعزيز لدفاعه الجماعي منذ نهاية الحرب الباردة. وأضاف قائلاً إنها تأتي "رداً على الأعمال العدائية التي تقوم بها روسيا التي انتهكت القانون الدولي بضمها للقرم". كما ركز على الصفة الدفاعية لهذه القرارات... وتم اتخاذ القرار بشأن هذه الترتيبات خلال قمة رؤساء دول وحكومات بلدان الناتو التي انعقدت في بريطانيا في أيلول/ سبتمبر الماضي في أعقاب ضم القرم إلى روسيا وما تبع ذلك من تدخل روسيا في المقاطعات الشرقية من أوكرانيا".
العزل السياسي والاقتصادي المفروض على روسيا
منذ سنوات، بدأ السلوك الغربي تجاه روسيا يتميز بالميل نحو تقليص قوتها ونفوذها في العالم. وقد تجسد ذلك بشكل ملموس خلال العام الماضي مع إخضاعها لعقوبات سياسية واقتصادية.
للاطلاع على الجزء الثاني