ارشيف من :ترجمات ودراسات
الوضع الدولي عام 2015: خطر الحرب النووية يطل مجدداً في الأفق (2/2)
الكاتب Jules Dufour (جول ديفور هو مختص في الجغرافيا ورئيس الجمعية الكندية للأمم المتحدة وأستاذ في جامعة كيبك في شيكوتيمي، وعضو في الحلقة الجامعية لسفراء السلام، وعضو برتبة فارس في جمعية كيبك الوطنية).
الموقع Mondialisation.ca
18 شباط/ فبراير 2015
الشيطنة
وفي غضون العام المنصرم، شددت وسائل الإعلام التابعة للغرب من هجماتها على روسيا ورئيسها، ولم توفر وسيلة إلا واستخدمتها في هذا السبيل. فقد عرضت تقارير عديدة صورت عنجهية بوتين وأشكال "السلوك العدواني" الروسي تجاه الغرب. أما العنصر الأساسي وراء إطلاق هذه الحملة فهو ضم القرم من قبل روسيا وما أعقب ذلك من انفجار طائرة تابعة للخطوط الجوية الماليزية فوق أوكرانيا. وقد وجهت التهم غير المستندة إلى أي أساس إلى الرئيس الروسي بخصوص تلك الطائرة، وكذلك في ما يتعلق بالدور الذي لعبه في تفجر واستمرار الصراع في الدونباس.
وقد ذكرت صحيفة "لاتريبون" الفرنسية في عددها الصادر في 7 شباط/ فبراير 2015 أن بوتين يتصرف "كطاغية من القرن العشرين".
وبالمعنى ذاته، تحدث وزير الخارجية البريطاني، فيليب هاموند، وشبّه سلوك الرئيس بوتين في أوكرانيا بسلوك "ديكتاتور ينتمي إلى القرن الماضي".
أما رؤساء الدول المشاركون في قمة العشرين في بريسبن في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، فقد استقبلوا الرئيس الروسي بفتور واضح. وبالمناسبة، أطلق دايفد كاميرون تصريحاً قال فيه إن روسيا "تتصرف كدولة كبيرة تعتدي على دول أصغر في أوروبا". كما أدان مسؤولون آخرون نشر القوات البحرية الروسية في شمال أستراليا وفي جنوب المحيط الباسيفيكي.
رقصة العقوبات
وكرد على إجراءات مفترضة قام بها الكرملين، أعلنت الولايات المتحدة عن فرض سلسلة من العقوبات على روسيا. وتبعها في ذلك الاتحاد الأوروبي وسائر البلدان الحليفة للغرب. وفي 17 تموز/ يوليو الماضي، تم الإعلان من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن دفعة جديدة من العقوبات الانتقامية ضد روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية وتبعتها في ذلك بقية البلدان الحليفة.
وقد شملت العقوبات الأوروبية شخصيات من القرم وعدداً من كبار السياسيين ورجال الأعمال الروس والأوكرانيين، إضافة إلى العديد من الشركات.
وبحسب وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل غارسيا-ماغالو، بلغ حجم الخسائر التي لحقت بالاتحاد الأوروبي من جراء هذه العقوبات حتى تاريخ 9 شباط فبراير 2015 ما يقرب من 21 مليار يورو. وحذر الوزير من أن فرض أي عقوبات جديدة "سيكلف العالم كله ثمناً باهظاً".
وباختصار، فإن معظم العقوبات الدولية التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا قد جرى تطبيقها في مجالات الاقتصاد والدفاع (حظر تصدير واستيراد الأسلحة والأعتدة) والتكنولوجيا والطاقة. كما اشتملت العقوبات على القرم ومدينة سيباستوبول. ثم توسعت اللائحة بهدف زيادة الضغط على الكرملين. أما عقوبات واشنطن فقد طالت "قطاعات أساسية في الاقتصاد الروسي" كقطاع الطاقة والدفاع والمال، إضافة إلى تجميد الصادرات واشتمال العقوبات على مصارف وشركات جديدة في قطاع الدفاع، والوقف الكامل لأشكال الإقراض الخاصة بأعمال التصدير وبتمويل التنمية الاقتصادية الروسية.
ولم تكن العقوبات عقابية وحسب على ما تقوله المزاعم الغربية. فقد اعتبر بول غريغ روبرتز أن "الهدف الحقيقي للعقوبات الغربية هو قطع العلاقات الاقتصادية والسياسية بين أوروبا وروسيا"، وذلك في إطار عملية عزل روسيا بشكل كامل.
تأثيرات العقوبات على الاقتصاد الروسي
وفقاً للمعطيات المقدمة، في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، من جاك هوبير-رودييه، وهو كاتب افتتاحيات في مجال الديبلوماسية في صحيفة ليزيكو الفرنسية، "لا يمكن لروسيا إلا وأن تلحظ عزلتها على المسرح الدولي، خصوصاً من الناحية الاقتصادية حيث لا يمكن للثمن الذي لا بد من دفعه إلا وأن يكون باهظاً. فقد أشارت تقديرات مركز التحليل التابع لغرفة التجارة والصناعة الفرنسية ـ الروسية إلى أن الصراع الأوكراني وحده قد كلف روسيا أكثر من 3 بالمئة من نقاط ناتجها الداخلي الخام، أي ما يعادل 60 مليار دولار، خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني/ يناير إلى تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي. وإلى هذه الخسارة، لا بد من إضافة تداعيات هبوط سعر الروبل، وهبوط أسعار الأسهم في بورصة موسكو وتراجع أسعار النفط. ثم إن النتائج الأشد إيلاماً للعقوبات والتي ستظهر لاحقاً، هي تلك المتعلقة بتسارع هروب الرساميل إلى خارج روسيا.
الرد الروسي
أما العقوبات التي فرضتها روسيا على الكتلة الغربية فقد تمثلت بإجراءات منها المنع الكامل لاستيراد معظم المنتجات الغذائية القادمة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأستراليا وكندا والنروج. وإلى هذا تضاف الردود المتمثلة بالتضييق على استيراد العديد من المنتجات الصناعية.
وبهذا الصدد، يقول بول غريغ روبرتز: "إن الاعتدال الحالي في الرد الروسي على العقوبات الأوروبية إنما يعود إلى أن روسيا ما تزال منفتحة على علاقات التكافؤ مع الغرب ولا تشكل تهديداً له، وذلك على العكس من واشنطن التي تواصل الضغط على روسيا على حساب مصالح شركائها الغربيين".
وخلال الأسبوع الماضي، وجه الرئيس الروسي رسالة إلى أوباما هدده فيها بنشر صور مأخوذة عن طريق الأقمار الصناعية تثبت ضلوع الولايات المتحدة في تفجيرات 11/9. وبهذه المناسبة، جرى الحديث عن أن التوترات بين البلدين، وهي الأشد خطورة منذ نهاية الحرب الباردة، تشبه الهدوء الذي يسبق العاصفة.
مخاوف العديد من قادة العالم من نشوب حرب عالمية ثالثة والدعوات إلى تجنب هذه الحرب
إن اشتداد الأزمة الاقتصادية العالمية التي تفاقمت بفعل برامج التقشف، والصراع المسلح في أوكرانيا، وعملية العزل المتصاعدة بحق روسيا، وعملية التسلح المكثفة في أوروبا الشرقية من قبل حلف الناتو، هي التهديدات الرئيسية التي تحدق بالسلم الدولي. وقد حصلنا على أربع شهادات تبين مخاوف البشرية إزاء هذه التهديدات. وهذه الشهادات هي استعادة لبيان راسل ـ إنشتاين، ونداء فيدل كاسترو، وعدد من الاستنتاجات المستخلصة في مؤتمر المكسيك الثاني الذي انعقد في 13 و14 شباط/ فبراير 2014 حول تأثيرات الأسلحة النووية على حياة البشرية، وأخيراً المخاوف التي أبداها ميخائيل غورباتشوف.
بيان راسل ـ إنشتاين (9 تموز/ يوليو 1955)
"بالنظر إلى أن الأسلحة النووية سوف تستخدم بالتأكيد في أي حرب عالمية مستقبلية، وإلى أن هذه الأسلحة تعرّض استمرار الوجود البشري للخطر، فإننا نطلب إلى حكومات العالم أن تفهم وأن تصرح علناً أن أهدافها لا يمكن أن تتحقق عن طريق حرب عالمية. وبالتالي، فنحن نطالب هذه الحكومات بإيجاد وسائل سلمية لمعالجة جميع المشكلات التي تختلف حولها".
الحرب النووية
نداء فيدل كاسترو (تشرين الأول/ أكتوبر 2010)
"الحياة الإنسانية والوجود البشري نفسه، هما ما يشكل الخسارة الجانبية في أي حرب نووية... لنتسلح بالشجاعة اللازمة لكي نعلن أن جميع الأسلحة، النووية والتقليدية، وكل ما يستخدم في الحروب يجب أن يختفي".
بعض الاستنتاجات المستخلصة في مؤتمر المكسيك الثاني الذي انعقد في 13 و14 شباط/ فبراير 2014 حول تأثيرات الأسلحة النووية على حياة البشرية
"إن تأثيرات أي انفجار نووي تتجاوب في ما يتجاوز الحدود الوطنية. ذلك يشكل موضوعاً لمخاوف عميقة يتشاطرها الجميع".
"زيادة على الدمار والموت الفوري اللذين يتسبب بهما الانفجار [النووي]، فإن تأثيرات ذلك ستطال النمو الاجتماعي والاقتصادي وستلحق الضرر بالبيئة الطبيعية. الألم سيكون معمماً والأشخاص الذين لا يمتلكون غير القليل من الإمكانات والذين تعاني أوضاعهم من هشاشة أكبر سيكونون الأكثر تأثراً بالأضرار. وستكون هنالك حاجة إلى عقود من الزمن لإعادة بناء البنى التحتية ولإطلاق جديد للأنشطة الاقتصادية والتجارية وللاتصالات والخدمات في مجالات الصحة والتعليم، ما يشكل ضرراً اجتماعياً وسياسياً عميقاً".
مخاوف ميخائيل غورباتشوف (كانون الثاني/ يناير 2015)
"بصراحة، جرتنا الولايات المتحدة إلى حرب باردة جديدة من خلال سعيها المكشوف إلى مواصلة الانقياد لفكرتها عن تحقيق الانتصارات. ما الذي سيحدث الآن؟ للأسف، لا يمكنني أن أكون على ثقة بأن الحرب الباردة لن تتحول إلى حرب حقيقية. وأخشى أن تجازف [الولايات المتحدة] بالإقدام على ذلك".
الخلاصة
إن المؤتمرات العالمية حول البيئة والتنمية منذ مؤتمر ستوكهولم للعام 1972، ومروراً بمؤتمرات ريو دو جانيرو للعام 1992، وبمؤتمر الألفية للعام 2000، وانتهاءً بمؤتمر جوهانسبورغ للعام 2002 قد ركزت جميعها على ضرورة إعادة تغيير مسار الاقتصاد العالمي من خلال وضعه في إطار تنظيمي وسياسي قادر على احترام المحيط الطبيعي الذي يجدد الحياة في البر والبحر، ويمنح الاقتصادات الاقليمية والمحلية حقها بالوجود وباستقلالها التنموي.
إن هذا الاستعراض المختصر للوضع الجيوسياسي الدولي الحالي يجعلنا ندرك مرة أخرى مدى عجز الشعوب عن مواجهة الرأسمال الكبير والمعولم، ومدى معاناتها من ارتكابات الرأسمالية المدمرة. إن الانتفاضات تندلع هنا وهناك أمام المصير غير العادل الذي يعيشه وينتظره المليارات من البشر. ولكن الرأسمال يحرص على التفرقة بينهم وعلى احتوائهم بالقوة والعنف المسلح.
لقد تكررت الدعوات في العالم لمرات ومرات من أجل سلام قائم على العدل الاجتماعي والتضامن، لا على الردع وفرض النظام القائم بالقوة. ومن هذه الدعوات تلك التي أطلقتها المنتديات الاجتماعية العالمية تحت عنوان "هنالك إمكانية لعالم مختلف".
لا يمكننا إلا أن نشعر بالكثير من القلق إزاء أعمال التسلح على الصعيد العالمي، بما فيه التسلح النووي الذي لا يتوقف عن تأجيج التوترات بين المجموعات الجيوسياسية الكبرى، وبالتالي بين الأمم نفسها. وعن هذه التوترات، تنجم صراعات مسلحة بلغت مستوى غير مقبول من الشدة، على ما نلاحظه في الصراعات المسلحة التي تدور في أفغانستان والعراق وسوريا وساحل العاج وليبيا وإفريقيا الوسطى ومالي وغزة ونيجيريا. وضحايا هذه الصراعات تعد بمئات الآلاف من القتلى وبملايين المشردين وبأمم مدمرة بكل المقاييس.
إن تأمل هذا المشهد من دون تحرك مقابل ومن دون اهتمام بالمستقبل لا يشكل موقفاً مسؤولاً. من المهم أن نفهم أولاً الأسباب التي تقود النظام السياسي والاقتصادي إلى ما هو عليه وتعرض بقاء البشرية للخطر. إن من الممكن ممارسة الضغوط على المسؤولين السياسيين لدفعهم إلى اتخاذ القرارات الخيّرة، أي تلك التي تقف في وجه قوى الرأسمال الشمولي، تلك التي تقف إلى جانب حوكمة تعطي الأولوية من الآن فصاعداً لاحتياجات الشعوب. ولتأمين ذلك، فإنه من الأساسي أن نعرف كيفية استخراج المعلومة الجيدة من خطابات البروباغندا التي تروج لنظام السيطرة القائم. ذلكم أن الوقائع التي يتم عرضها في الإعلام تهدف في أكثر الأحيان إلى خدمة أصحاب الرساميل الكبرى. لذا، فإنه من المهم إدراك المقاصد العميقة التي تكمن وراء ذلك.
والآن، يمكننا أن نختم بعبارة لشمس الدين شيطور، البروفسور في المدرسة الوطنية للبوليتكنيك في الجزائر، من مقالة كتبها في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014: "لقد وصل العالم إلى منعطف كبير وميخائيل غورباتشوف محق عندما ينبهنا إلى إمكانية نشوب حرب عالمية وشيكة ومبرمجة، والتي يمكن اعتبار نشوبها أمراً مرجحاً بالنظر إلى ندرة مصادر الطاقة والمواد الأولية والأضرار الناشئة عن التغيرات المناخية...". وبالمناسبة نفسها، يقول دايفد نورث وآليكس لانتييه: "لا مجال لوقف هذا التقدم نحو الحرب إلا عن طريق تدخل سياسي واعٍ من قبل الطبقة العاملة. وواهم كل من يعتقد بأن الحرب النووية مستحيلة لأن الحكومات الحديثة، خلافاً لما كانت عليه الحكومات في العام 1914، لا يمكن أن تجازف بتعريض العالم للكارثة. فالأنظمة القائمة اليوم ربما تكون أكثر افتقاراً للمسؤولية من أنظمة تلك الفترة. فحكومات اليوم التي تحاصرها المشكلات الاقتصادية والاجتماعية ولا تجد لها حلولاً تقدمية تميل بشكل متزايد إلى الحرب على أنها مجازفة تستحق عناء الإقدام عليها".
وأخيراً من المهم أن نتذكر هذه الكلمات التي تلفّظ بها آلبرت إنشتاين: "لا أعرف كيف ستكون الحرب العالمية الثالثة، لكنني أعرف أنه لن يبقى بعدها كثيرون من البشر ليشاهدوا الحرب العالمية الرابعة". هذه الفكرة البسيطة يجب أن تحملنا على تكريس جميع طاقاتنا الممكنة لكي لا تبقى أكثر من كابوس ينبغي تجنبه بأي ثمن.
يشار إلى أن المقالة إستكمال للجزء الأول الذي نشر سابقاً