ارشيف من :ترجمات ودراسات
إسرائيل عدوة اليهود
الكاتب : Pierre STAMBUL (رئيس الاتحاد اليهودي الفرنسي من أجل السلام)
عن موقع Le Grand soir الالكتروني
24 شباط / فبراير 2015
أنت تنتقد إسرائيل والصهيونية؟ إذن أنت معاد للسامية!... إنها اللازمة التي تكرر نفسها على الدوام.
إذا كان هناك يهودي فرنسي يرغب في أن يعيش يهوديته، فإنهم يدعونه إلى "الصعود" [إلى إسرائيل] ووضع حجر في عملية الاستيطان في فلسطين.
ويقرعون أسماعنا بالقول أن تاريخ اليهود قد انتهى، وأن إسرائيل هي منتهى هذا التاريخ. إسرائيل تتصرف كممحاة للتاريخ والذاكرة واللغات والتقاليد والهويات اليهودية. السياسة الإسرائيلية ليست إجرامية بحق الشعب الفلسطيني وحده. إنها تزعم أنها وارثة التاريخ اليهودي، في حين أنها تشوه هذا التاريخ وتخونه. إنها تصر على أن الخطر محدق باليهود أينما وجدوا. وبهذا، تحولهم إلى كائنات آلية عليها أن تبرر ما لا يمكن تبريره.
عودة إلى التاريخ الراهن
لا علاقة البتة بين تاريخ اليهود الفرنسيين وإسرائيل. كان اليهود يتعرضون للنهب والقتل والتشريد على أيدي مختلف ملوك [أوروبا] من المسيحيين الأتقياء جداً، لكنهم أصبحوا مواطنين فرنسيين بتدخل من القس غريغوار خلال الثورة الفرنسية. وقد تميز القرنان المنصرمان [من تاريخ اليهود الفرنسيين] بعملهما من أجل المواطنة والمساواة في الحقوق.
وقد كشفت قضية درايفوس * عن كون قسم من المجتمع الفرنسي معادياً للسامية. لكن القسم الآخر، وهو الأغلبية، كان يعتبر أن تبرئة درايفوس وإعادة الاعتبار إليه شكلا هدفاً لكل التواقين إلى الحرية ورافضي العنصرية. ويشهد تاريخ اليهود الفرنسيين على مشاركتهم الهامة في المقاومة ضد النازية ونظام فيشي، وبعدها على إسهام الكثيرين منهم في النضالات التقدمية والمناهضة للاستعمار. ريموند أوبراك، مارك بلوخ، لوران شوارتز، بيار فيدال ناكيه، ستيفان هيسيل. تلك هي أسماء لمثقفين يهود في تلك الفترة. كثيرون من اليهود كانوا يعتقدون في تلك الفترة بأن تحررهم يمر عبر تحرر الجميع. في تلك الفترة، كان ينظر إلى العنصرية والفاشية وكره الآخر بوصفها حقارات ينبغي محاربتها. كان الأطفال اليهود يذهبون إلى المدرسة الرسمية. لم تكن ترد على ذهنهم مطلقاً فكرة الانفصال عن الآخرين في مدارس طائفية.
والسعي حثيث اليوم في إسرائيل لمحو تاريخ اليهود في مختلف البلدان التي عاشوا فيها. وإذا كان اليهود قد اعتبروا خلال فترة طويلة من قبل المعادين للسامية كمنبوذين من غير الممكن استيعابهم، وإذا كانوا قد اضطهدوا لأنهم كانوا يشكلون عائقاً أمام القوميات المجنونة التي كان أصحابها يحلمون بمجتمعات نقية من الناحية الإتنية، فإنهم لم يسعوا أبداً إلى الانفصال بل سعوا دائماً إلى الاندماج في المجتمعات التي يعيشون فيها.
الهجرة الإجبارية
لننظر الآن إلى ما جرى بعد سنين. مظاهرة باريسية ضخمة يفترض أنها لإدانة الإرهاب. على رأسها ثلاثة من مجرمي الحرب. نتنياهو وليبرمان وبينيت الذين لمعت اسماؤهم مؤخراً في مجزرة قضى فيها أكثر من ألفي فلسطيني (غالبيتهم من المدنيين) في غزة خلال صيف العام 2014. وقد استفاد نتنياهو من الحالة العاطفية التي سادت بعد العملية المعادية للسامية في بورت دو فنسان، وحصل على ترخيص من الحكومة الفرنسية سمح له بأن يعلن لليهود الفرنسيين بأنهم غير آمنين في فرنسا وأن عليهم أن يغادروها إلى بلدهم "الحقيقي"، إسرائيل.
لم يحدث للصهيونية مطلقاً أن حاربت اللاسامية. بل إنها تغذت دائماً عليها بهدف واحد وحيد هو حمل أقصى ما يمكن من اليهود على الهجرة إلى إسرائيل. من هنا، لا يتردد نتنياهو في تعريض اليهود للخطر وفي جعلهم أجانب في بلدهم، "سياحاً" لم يدركوا أن "وطنـ" هم ليس هنا بل هناك. وعليه، فإنه يجبرهم على أن يكونوا "خونة" (تجاه القضية الواحدة الوحيدة، قضية إسرائيل الكبرى من النهر إلى البحر) أو متواطئين في التخلي عنها. لقد كانت فرنسا على الدوام عبارة عن فشل بالنسبة لإسرائيل : بالكاد هاجر منها إلى إسرائيل ثمانون ألفاً، ونصفهم عادوا وغادروها من حيث أتوا. من هنا، كل هذه البروباغندا الني تصم الآذان. ومع هذا، إذا كان هنالك بلد في العالم لا يشعر فيه اليهود بالأمان، فإن هذا البلد هو إسرائيل، وهم سيظلون كذلك طالما استمرت عملية تدمير فلسطين.
وإلى "صعود" الأحياء إلى إسرائيل، يضاف الآن صعود الموتى. فالسلطات الإسرائيلية تحث اليهود الفرنسيين بشدة شديدة على دفن موتاهم في إسرائيل. ومن هنا، جرى دفن ضحايا مجزرة بورت دو فنسان في غيفات شاؤول. أي في ذلك "الحي" من أحياء القدس الذي كانت تقوم فوقه دير ياسين، تلك القرية التي استشهدت خلال حرب العام 1948، حيث قامت ميليشيات إرغون تحت قيادة ميناحيم بيغين بقتل جميع سكانها قبل أن تمحى تلك القرية، كالكثير من القرى الأخرى، من الخارطة !
إسرائيل هي رأس الإسلاموفوبيا
عاش اليهود لمئات السنين في العالم الإسلامي. واستقبلتهم الإمبراطورية العثمانية بعد طردهم من إسبانيا عام 1492. واليوم تشارك إسرائيل في شيطنة العرب والمسلمين وتتصرف كتلميذ نجيب لنظرية "صدام الحضارات".
علم اسرائيل يحترق
العنصرية المعادية للعرب والإسلاموفوبيا يتم التعبير عنهما بشكل صريح، وهنالك سياسيون يجعلون منهما مادة للتجارة. وهم غالباً ما يترجمون مواقفهم إلى أفعال. فالجرائم التي تقترف على نطاق واسع في غزة وتواتر الخطابات العنصرية (كما في حالة الحاخام روزين الذي اعتبر أن الفلسطينيين هم من العماليق، وأن التوراة تدعو إلى قتلهم مع نسائهم وأطفالهم وأنعامهم) كل ذلك يترك تأثيراً كبيراً. إذ كيف يمكننا أن نتصور أن أية تداعيات لن تنشأ عن الجرائم المقترفة بحق الفلسطينيين؟
في إسرائيل، يتنافس القائمون على البروباغندا في ترداد القول بأن حياة اليهود كانت جحيماً في العالم الإسلامي. وبذلك، يقومون بإخفاء الواقع المتمثل في كون العداء للسامية كان قبل كل شيء اختراعاً من قبل أوروبا والكنيسة. ثم إن اليهود الشرقيين يعانون في إسرائيل من التمييز العنصري. وهم غالباً ما يتعرضون للإذلال والإقصاء منذ لحظة وصولهم. إنهم يفصلون عن جذورهم ويدفعون إلى إنكار هويتهم. أما طرد فلسطينيي الـ 48 فيقدم على أنه عملية "تبادل سكان"، في حين أن الصهيونية هي المسؤول الأول عن النكبة، ولكن ايضاً عن رحيل اليهود الشرقيين عن بلدانهم الأصلية.
ما الذي يمكن اعتباره يهودياً في إسرائيل ؟
لقد وضع الصهاينة نظرية مفادها أن اليهود وغير اليهود لا يمكنهم أن يعيشوا معاً. ذلك مخالف لما جرى خلال مئات السنين، وهو يتنافى مع طموح اليهود إلى الخروج من الغيتو واشكال العزلة المشابهة والتحول إلى مواطنين طبيعيين.
اليهود المتدينون الذين يهاجرون إلى إسرائيل غالباً ما لا يجدون الدين بالشكل الذي كان يمارس به خلال قرون وقرون. ما يجري في الحقيقة هو فرض التيار القومي-الديني. وهذا التيار الأصولي قام بتحريف الدين بشكل كامل. فـ "الشعب المختار" لم يكن يعني مطلقاً أن له حقوقاً أكثر من الآخرين، بل أن عليه واجبات أكثر من الآخرين. من تعاليم الدين : "لا تعامل الآخرين بشكل لا ترضى أن يعاملوك به" و "أحب لغيرك ما تحبه لنفسك". أما شعار "العام القادم في القدس" فلا يعني أن من الضروري تطبيق التطهير العرقي الذي يطبق الآن، بل هو دعاء من أجل خروج المسيح. اللغة العبرية كانت على الدوام لغة دينية يمنع استخدامها في الشأن غير الديني، والدين اليهودي هو دين "منفى"، أما الاستقرار على هذه الأرض (إسرائيل/فلسطين) وإقامة دولة يهودية قبل خروج المسيح فهو أمر محرم. ثم إن اليهود الذين طردوا من إسبانيا عام 1492 لم يذهبوا إلى القدس. وقد قوبل هرتزل برفض شبه جماعي من قبل الحاخامات منذ أن طرح مشروعه الصهيوني القاضي بإقامة دولة يهودية في فلسطين.
القيم السائدة في إسرائيل هي، بالنسبة لليهود العلمانيين، متناقضة تماماً مع القيم اليهودية. لا وجود في التقاليد اليهودية للعنصرية والشوفينية والنزعة العسكرية وإنكار وجود الآخرين وكرامتهم. ولا شيء يجمع بين ما يمثله كبار المثقفين اليهود (إنشتاين، فرويد، آرندت، كافكا، بنجامين...) وبين مجرمي الحرب الذين يقودون إسرائيل. أين اصبحت، بالنسبة لإسرائيل، ذكرى أولئك اليهود الذين ناضلوا ضد الفاشية والحركة الاستعمارية (ماريك أديلمان، إبراهيم سرفاتي، هنري كورييل...) ؟ وبأي إرث يهودي يمكن أن يتباهى المستوطنون والعسكريون الذين يبررون مسبقاً أشكال العنف والجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين ؟
وعلى ما كتبه المؤرخ الإسرائيلي شلومو ساند بخصوص كتاب ياكوف رابكين بعنوان "لمعرفة دولة إسرائيل"، فإن "من المستحسن لمن يعتبر الصهيونية كاستمرار لليهودية أن يقرأ هذا الكتاب. ولكن من الإجباري لمن يعتبر أن دولة إسرائيل هي دولة يهودية أن يقرأ هذا الكتاب".
بعض اليهود يظنون أن إسرائيل هي ملجؤهم النهائي بعد المحرقة. ولكن باسم ماذا يلجأ القادة الإسرائيليون إلى الكلام في كل مكان عن العداء للسامية وعن المحرقة؟ فالصهاينة لم يلعبوا غير دور هامشي في مكافحة العداء للسامية وفي مقاومة النازية. فالعديد من القادة الصهاينة تصرفوا بشكل مخجل خلال صعود الفاشية (بن غوريون واتفاقيات هاآفارا، 1933) وخلال فترة التصفيات، عمدت جماعة شتيرن إلى قتل جنود ومسؤولين بريطانيين [يوم كانت بريطانيا في حرب ضد ألمانيا النازية]. كيف يمكننا ألا نفهم أن ذكرى المحرقة تعني "لا ينبغي لهذا أن يتكرر على الإطلاق" وليس "لا ينبغي لهذا أن يتكرر بحقنا على الإطلاق"، لأن هذه الصيغة الأخيرة تعكس رؤية قبلية للبشرية، وهي رؤية تتنافى مع جميع أشكال التراث اليهودي.
رفض الإكراه والخوف، رفض جميع أشكال العنصرية والتمييز
هنالك مواجهات ذات معنى كالنضال في وجه الاضطهاد والهيمنة والاستعمار ومن أجل المساواة في الحقوق. لكنهم يبيعوننا الآن حرباً هي ليست بحربنا : حرب العالم الذي يطلقون عليه اسم "المتحضر" على "الإرهاب الإسلامي". وفي هذه الحرب ينظرون إلى المسلمين على أنهم إرهابيون بالقوة وعليهم أن "يثبتوا" أنهم غير متواطئين مع داعش. أما اليهود فيجبرونهم على دعم سياسة إجرامية بحق الفلسطينيين وانتحارية بحق اليهود.
هذا الهروب الإجرامي إلى الأمام يجري تأمينه عن طريق الخوف. هذه الحالة المرضية تحوز على القبول إلى درجة حملت أحد المفاوضين الفلسطينيين (البروفسور آلبرت آغازاريان) على القول أن الإسرائيليين يخافون من أن يجدوا أنفسهم غير خائفين. هذا الخوف اللاعقلاني يسيطر الآن على الكثيرين من اليهود الفرنسيين.
وفي سياق "صدام الحضارات" الذي يتخذ كذريعة من أجل إغراق العالم في بحر من الدم، نشهد في فرنسا تصاعداً عاماً لكل أشكال العنصرية. وخلافاً للصورة التي تفبركها وسائل الإعلام الرئيسية، فإن العنصرية تطال بشكل أساسي "المغلوبين على أمرهم"، أي جميع ضحايا التمييز الاجتماعي : العرب، السود، الغجر. وهي ترتدي وجهاً جديداً من خلال التستر خلف الإسلاموفوبيا. وبما أن التلفظ بعبارة من نوع "عربي قذر" لم يعد لائقاً بحسب قاموس السياسة المهذبة، فإنهم يعمدون اليوم إلى شيطنة الإسلام.
وهنالك أيضاً تصاعد أكيد ومقيت لمعاداة السامية. غير أن التعامل مع مختلف أنواع العنصرية لا يتم بالطريقة نفسها.
إن القادة الإسرائيليين و "المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا" يشاركون بشكل نشط في الإساءة للمسلمين. فهم يقولون بشكل مناف للبديهيات بعدم وجود عنصرية غير العداء للسامية، وبأن اليهود أصبحوا على وشك التعرض لمحرقة جديدة. إنهم يظهرون اليهود بمظهر من تحميهم السلطات في حين أن الإيديولوجيا الأمنية، وتصريحا كبار القادة [الغربيين]، والنشاط العفن الذي يقوم به المثقفون الكذبة لا يستهدف غير الشريحة السكانية المنظور إليها على أنها خطرة : [اليهود].
إن أشكال السلوك المعادي للسامية يتغذى أيضاً على تواطؤ "المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا" مع السياسة الإسرائيلية، وعلى التحيز الواضح من قبل السلطات الفرنسية. وفي ظل اختلاط الأمور حالياً، فإن الاستياء المشروع من الجرائم الإسرائيلية يسهم في رفع منسوب العداء للسامية ويدفع ببعض المضللين الذين تستهويهم ممارسات داعش المرعبة إلى ارتكاب أعمال إجرامية بحق اليهود لا لشيء إلا لأنهم يهود.
إن الفصل غير ممكن بين أشكال النضال ضد العنصرية. وتفضيل قسم من الضحايا على القسم الآخر هو نقيض النضال ضد العنصرية. فالسياسة الإسرائيلية والنفي الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني لا يمكنهما مطلقاً أن يحمييا اليهود. وعلى العكس من ذلك، فإن ما يجري هو خلق الإسرائيلي الجديد عن طريق "قتل اليهودي" الذي يعتقد أن تحرره يمر عبر تحرر البشرية. وعلى ما يقوله المناضل الإسرائيلي ضد الاستيطان، إيتان برونشتاين، فإن "من غير الممكن لنا أن نتحرر إذا لم يتحرر الفلسطينيون". على اليهود الفرنسيين أن يرفضوا العشائرية، فبهذا يثبتون أن لهم تاريخاً يمكنهم أن يفخروا به.
علينا جميعاً أن نحارب كل أشكال العنصرية وكل اشكال العداء والتمييز. علينا جميعاً أن ندافع عن الحقوق، في فلسطين وفي فرنسا على حد سواء.
** ألفرد درايفوس، ضابط فرنسي يهودي اتهم بالتجسس لصالح ألمانيا في أواخر القرن التاسع عشر وحكم عليه بالسجن المؤبد، ثم أعيد إليه الاعتبار بعد أن أثارت قضيته جدلاً واسعاً شغل المجتمع الفرنسي لسنوات عديدة