ارشيف من :آراء وتحليلات
مقاييس مقلوبة في التعبير عن الشكر لسويد ’أولف بالمه’ و’أنّا ليند’
عجيب أمر العرب، ما تركوا صاحباً لقضيتهم في أقطار الأرض إلا وهمّشوه وهشّموه وقطعوا علاقتهم به. كأنهم أعداء أنفسهم، لا بل كأنهم ـ كأنظمة ـ أعداء شعوبهم وقضاياها المحقة.
عندما قطعت فنزويلا علاقتها بالكيان الصهويني، قطعت المغرب علاقاتها مع فنزويلا، في ذروة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ما أثار ألف سؤال وسؤال حول الأولويات التي تحكم العلاقات الخارجية للدول العربية مع دول العالم الأخرى.
اليوم، تشهد الساحة حادثة أخرى، حادثة فيها كل العجب والاستغراب، لا بل هي مجال لكل رفض واستنكار:
السويد، الدولة الأوروبية، التي كانت رائدة في فتح المجال أمام الدول الغربية للاعتراف بالدولة الفلسطينية، تتعرض للعقاب وللتأنيب وللمنع من التحدث أمام جامعة الدول العربية، بأمر من "الشقيقة الكبرى"، السعودية.
القضية مثيرة للضحك، وربما هو ضحك حتى الغثيان، إذ يبدو أن العرب محترفون فعلاً في تنفير الأصدقاء، وفي قتل كل تعاطف مع قضاياهم، وفي إثارة المشاكل في وجه كل من يرغب في التقرّب منهم.
السويد
لقد صدرت التعليقات من أعلى المسؤولين في السعودية، تنتقد السويد وتدين تصريحات وزيرة الخارجية السويدية، وضغطت الحكومة السعودية على جامعة الدول العربية لمنع وزيرة الخارجية السويدية من إلقاء كلمة أمام مجلس الجامعة الذي انعقد في القاهرة، وذلك بعد أن دعاها الأمين العام للجامعة العربية للحديث أمام المجلس تكريماً لبلادها، بعد أن فتحت الطريق أمام الدول الأوروبية للانطلاق في حملة الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة.
لم تكتفِ السعودية بذلك، بل إنها دفعت مجلس الجامعة إلى استصدار إدانة عربية شاملة، من مجلس الجامعة، للتصريحات السويدية، في خطوة مستهجنة وغير مألوفة، ثم دفعت بالعلاقات بين البلدين إلى مزيد من التدهور من خلال سحب السفير السعودي من استوكهولم.. والأمور متجهة إلى المزيد من التصعيد.
وللمراقب أن يسأل: هل تستحق انتقادات عادية من وزيرة خارجية لملف حقوق الإنسان في بلد عربي كلَّ هذه الإجراءات والعقوبات، وهل من المقبول أن تصل الأمور إلى هذا الحد من الانتقام؟
إن ما نشهده من انفعال سعودي في مواجهة التصريحات السويدية يجعل المراقبين يبحثون عن طريقة أخرى لمقاربة الموضوع.
إن هذه "الانتفاضة السعودية" في وجه السويد وتصريحات وزيرة خارجيتها تدفع إلى التساؤل عمّا إذا كانت الخطوة السويدية باتجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية هي السبب العميق للغضب الذي يحيط بالسويد من غير جانب على مستوى العالم، وعما إذا كانت الغضبة السعودية مجرّد جزء من هذه الحملة التي لم تعد تقتصر على دولة أو جهة في الغرب وفي العالم العربي على حدٍّ سواء.
هذه السويد، سويد "أولف بالمه" و"أنّا ليند"، التي كانت من أولى الدول الغربية التي تعترف ببعض الحق العربي في فلسطين، تُكافأ بهذه الطريقة، وتُعامَل بهذه الإهانة، في حين أن ملوك وأمراء الدول العربية يسعون لرضا دول غربية لا تتحرك بأي اتجاه إلا إذا كانت هذه الحركة تخدم الكيان الصهيوني وتنتقص من حقوق العرب في أرضهم وحقوقهم وممتلكاتهم، وتهدد حاضرهم ومستقبلهم.
أي مقاييس مقلوبة يستعملها العرب للتعاطي مع العالم، وكيف يمكن تبرير هذا الانقلاب على كل ما يمكن أن يكون مفيداً لقضايانا، وأي عقول متحجرة تدير إمكانات هذه الأمة وترسم خياراتها وتحددّ مساراتها؟
يشار إلى أن أولف بالمه - رئيس الحكومة السويدية- قتل بطلقات نارية عند خروجه من السينما بصحبة زوجته في 28 شباط/ فبراير 1986، أما أنّا ليند - وزيرة الخارجية السويدية- فقد توفيت في 11 ايلول/ سبتمبر 2003 بعد تأثرها بعدة طعنات في ظهرها أثناء تسوقها مع صديقتها في وضح النهار. وكان الطرفان من أبرز المناهضين لواشنطن و"تل أبيب".