ارشيف من :نقاط على الحروف
هل يبايع مركز كارنيغي للشرق الاوسط داعش؟!
كانت اللاموضوعية هي السمة الأبرز للمقالة التي كتبتها مديرة مركز كارنيغي للشرق الاوسط"لينا الخطيب" والذي نشر على موقع المركز إضافة إلى صحيفة الحياة وكان بعنوان «عن الحياة في ظل داعش» في الرابع من الشهر الجاري (اذار/مارس 2015).
في الواقع، لا يُطلب من الصحفي أو الباحث أن يكون محايداً، لكن بالطبع ينبغي أن يكون موضوعيًا، فعدم الحيادية لا تتعارض مع الموضوعية لأن الأولى تعني أن يكون للباحث أو الصحفي موقفًا أو مبادئ يؤمن بها وينتمي إليها فيما الموضوعية تعني نقل الوقائع كما هي من دون تحريف أو تلاعب أو تشويه، حتى لو كانت تتعارض مع ما يؤمن به. بهذا المعنى يمكن للإنسان أن يكون منحازًا من دون ان يخل بالموضوعية.
وفيما يتعلق بمقالة الكاتبة، فأن تكون معارضة لـ «النظام السوري» لا ينبغي أن يتعارض مع أن تكون موضوعية، فتقول ما له وما عليه.
مركز كارنيغي للشرق الاوسط
لقد سعت الكاتبة إلى محاولة تسليط الضوء على جانب آخر عند تنظيم داعش، بعيدًا من الجانب العسكري فقط، وهو الجانب المتعلق بسبب التحاق جمهور واسع به على الرغم من معارضتهم لأفكاره وأسلوبه حسب زعمها. وقد أرجعت الكاتبة الأسباب إلى فشل المعارضة السورية في اسقاط النظام من جهة، وفشل المجتمع الدولي في ما سمته «انقاذ سورية من طغيان بشار الاسد» من جهة اخرى. لتعمد بعد ذلك الى إجراء نوع من المقارنة بين داعش والنظام في سوريا لتثبت نظريتها القاضية بأن سبب التحاق الناس بداعش، كان رد فعل.
بالطبع، لا ينبغي أن يغيب عن ذهن الباحث أو القارئ أن القاعدة الأساس في إجراء المقارنات تكون عبر اختيار واحدة من الدراسات الأقل ضرراً، وهي قاعدة ينساق اليها الفرد بشكل لاشعوري. ولأن الامر كذلك عمدت الكاتبة الى تشويه الحقائق وإخفاء الوقائع بمثل هذه المقارنات كي يتسنى لها إيصال القارئ الى النتيجة التي ترجوها. ولكي نقترب اكثر من الموضوع، فلنأخذ النص التالي من مقالتها : « لكن الناس اعتبروه (اي تنظيم داعش) أقل وحشية من نظام الاسد، فعلى الرغم من كل المجازر التي ارتكبها التنظيم، إلا انه لم يمارس القتل الجماعي على النطاق نفسه كنظام الاسد»، على حد زعمها.
وعلى الرغم من امكانية التشكيك بمقولة « لكن الناس اعتبروه اقل وحشية» عبر التساؤل عن كيفية معرفة رأي الناس وهل هم يعيشون في كنف التنظيم ام لا، فان ما اعتبرته الكاتبة واقعًا وتعاملت معه تعامل المسلمات هو أمر مجاف للحقيقة، بل الواقع هو عكس ذلك تماما، لأن القتل الجماعي، كما هو معروف، يمثل استراتيجية عند التنظيم يهدف من خلالها بث الرعب في صفوف أعدائه فيما نجد أن الجيش السوري يؤجل عمليات عسكرية، ويلغي أخرى بسبب تحصن المجموعات المسلحة في مناطق مأهولة سكانيًا. ولا أعتقد أن الكاتبة تجهل المجازر الجماعية في قاعدة سبايكر العراقية وإبادات قرى وأقليات، وإعمال القتل ببعض العشائر كعشيرة البونمر في العراق والشويط في سوريا وغيرها الكثير من عمليات القتل الجماعي. وفي الوقت الذي نجد فيه لائحة الجرائم الجماعية التي ارتكبها داعش لائحة طويلة؛ فمن المؤكد ان الكاتبة ستقف عاجزة عن الإتيان بجريمة جماعية واحدة ارتكبها الجيش السوري .
وينطبق الأمر أيضا على ادعاءاتها ان الغالبية الساحقة من ضحايا الصراع السوري لقوا حتفهم على يد النظام .
مقارنات عشوائية وادعاءات فارغة
من هنا نجد أن الكاتبة من خلال مجمل مقارناتها، بدت كحاطبة ليل لا تعرف الغثّ من السمين، ولذلك نراها تقول : « ورغم وحشيته نجح التنظيم في فرض نوع من الاستقرار ..ما نال قبول اولئك الذين كانوا يعيشون، إما في فوضى الحرب، أو ظل سلطوية نظام». فهل حقًا أن الحريات في ظل داعش أفضل من الحريات في ظل النظام السوري؟ وهل وضع النساء في ظل حكم التنظيم أفضل من وضعهن في ظل النظام؟ وما رأي الكاتبة في حرية الإعلام والاعلاميين؟ وماذا عن حرية العبادة؟ ولا أدري ما رأي الكاتبة في الدولة التي تدعم الصحيفة التي تكتب لها ( الحياة) وعن مدى مرونة الحريات فيها ؟ وهل ستقول الكلام نفسه فيما لو دخل داعش الى تلك الدولة وتقدم التبريرات للناس اذا ما التحقوا به؟
وعلى اي حال فان من يقرأ مقالة «مديرة مركز كارنيغي للشرق الاوسط» يشعر ان كاتبته، وان قدمت نقدًا بدا انه خجول لتنظيم داعش، الا انها تسعى إلى تبرير الالتحاق به، إلا أنه انتقادٌ بناءٌ لإصلاح التنظيم أكثر منه اظهار لوحشية مفرطة وهمجية مطلقة.
وربما يمكن القول :إنه لولا هذه الملاحظات التي دونتها الكاتبة ،لما تأخرت عن الالتحاق بالتنظيم ومبايعة أميره، وتقديم فروض الطاعة والولاء، لا لشيئ، الا تشفياً من النظام السوري، واغضاباً له.