ارشيف من :نقاط على الحروف
بوتين ... والصفعات الاعلامية للغرب
"ستصفعني وسيتورَّم وجهي، لكنني سأحضر ألف شاهدٍ يقول أنني كسرت أضلاعك. وحتى ولو كنت صحيحاً، سيصدّق الناس ما قلته، ويرجمونك بالحجارة"
الكسندر بوشكين(كاتب روسي)
البارحة، ضجت وسائل الإعلام العالمية بخبرٍ مفاده أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيشاهد فيلم عن شبه جزيرة القرم اسمه "القرم الطريق إلى الأمة" على قناة روسيا الأولى، شأنه شأن المواطنين الروس جميعاً. يتناول الفيلم محطاتٍ ومواقف عن شبه الجزيرة وعودتها إلى وطنها الأم "روسيا". لم يكن بالتأكيد خبر عودة شبه الجزيرة إلى روسيا وحده هو الأساس في الفيلم، بل إن امتزاج ثلاثة أمورٍ ببعضها أدى إلى جعل الحدث واحداً من أهم الصفعات الإعلامية التي وجهتها موسكو للغرب عموماً. كانت "الاحتفالات" والبهرجة بعودة القرم العام الفائت(2014) كبيرةً للغاية، وإعادة نكء هذا الجرح لأوكرانيا وللغرب وحلف الناتو اليوم (2015) مناسبةً لإظهار القوة الروسية، هذا من جهة، من جهةٍ ثانية كان إظهار الرئيس الروسي وهو يشاهد مع شعبه ذلك الفيلم ضربة "معلم" إذ بدا مواطناً قبل أن يكون رئيساً، أما الثالثة فهي أن الفيلم أصلاً كان يتحدّث عن عودة "روسيا" الكبرى وحلمها قبل أي شيءٍ آخر، وهو ما يخيف الأميركيين قبل غيرهم، إنها عودة "الميزان" إلى الساحة العالمية.
في صناعة الأسطورة
قبل مدةٍ ليس بقليلة لجأت وسائل الإعلام الروسية إلى تأطير شكل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من خلال الكتابة وبشكلٍ كبير عن نشاطاته وماضيه كضابط أمني كبير في المخابرات السوفياتية(الكي جي بي)، والتحدّث عن سلوكه المعتاد في تفاصيل حياته اليومية. من هنا تم خلق "نمط" (pattern) يمكن للجماهير توقعه والتعوّد عليه: كأن يستيقظ الرئيس الروسي في الصباح الباكر مثلاً، ولا ينام لوقتٍ متأخر أبداً، هذا يوحي بالتأكيد بالنشاط الشديد، أو أن نشير إلى أنه يسبح عاري الصدر في المياه المثلجة في أحد الأنهار البعيدة (الخبران صحيحان ومنقولان من فيديو تعريفي عن الرئيس الروسي بثته روسيا اليوم). بعد أن تم خلق هذا النمط باتت الجماهير سواء الروسية منها أو غيرها (المحبة والمبغضة) تعتبر أن هذا الرئيس أي بوتين لديه عدّة ميزات لا يمكن التغاضي عنها، وأيضاً من خلال "فيديوهات" تم تسريبها أو عرضها لبوتين يمارس مهامه الرئاسية. فكان الفيديو الشهير الذي يتحدّث به مع مدراء مصانع وشركات يصرون على طرد عمّالهم (بحجة إفلاسهم وعدم تحقيقهم للأرباح) بينما هو "يأمرهم" بأن يُبقوا على أعمالهم وعمّالهم وبأنه لن يسمح لهم بطردهم تحت طائلة منعهم من العمل في روسيا مرةً أخرى. إذاً باختصار بدت شخصية الرجل "شخصية قائدٍ كبير" ومصنوعةً بحرفةٍ بالغة الدّقة.
قد يشير البعض هنا إلى نقطةٍ بالغة الأهمية، أن صناعة "البروباغندا" - كما اعتدنا في كثيرٍ من الأحيان - تقوم على "الكذب"، لكن هذا الأمر يمكن أن يرد عليه بسهولة، يمكن للأمر أن يقوم على الصدق أيضاً. فالصفات التي أعطيت للرئيس الروسي هي صفاتٌ حقيقية ومشهودٌ له بها. تطمح روسيا الإتحادية -كدولةٍ- العودة إلى دورها الإقليمي كدولة عظمى بالتأكيد، وهي تعرف بالتأكيد أنّ عليها أن تبني "مجدها" لتعيده إلى الواجهة، ولهذا فهي تحتاج لقائدٍ يساوي هذه الطموحات. هنا لا بد من استعمال الإعلام لتكوين تلك الصورة، لأنه إن لم يعرف "الناس" قوتك الحقيقية وتأثيرك وأهميتك، لن يكون لكل "فعلك" على الأرض أية أهمية. إنَّ أي عملٍ "عسكري" ومهما بلغت قوته ما لم يترافق مع "تغطية" إعلامية مميزة ومناسبة فإنه لا يمتلك أي تأثيرٍ فعليٍّ على الرأي أو حتى على ما تريده لتأسيس "قوتك" الناعمة بين خصومك وأحبائك.
لا تمتلك الكرملين(أي روسيا الإتحادية) "هوليوود" الأميركية ولا صنعة الأفلام الهائلة التي تنتجها عاصمة السينما في العالم، لذا كان لا بد من إيجاد وسائل بديلةٍ لتغطية الأمر. ولأن الإعلام هو ذكاء قبل أي شيء، كان لا بدَّ من "أسطرة" البطل.
يقدّم الإعلام الأميركي الرئيس الحالي باراك أوباما على أنّه رجل "سلامٍ" وعلم، وفوق كل هذا أنه رجل من لونٍ مختلف حقق "الحلم الأميركي" فهو ليس أميركياً مئة بالمئة وليس إيرلندي الأصل (كما جرت عادة الرؤساء الأميركيين)، ومع هذا فهو "الرئيس". هذه الدغدغة لعواطف الناس وعقولهم تجعلهم يتعاطفون مع هذا الرئيس المختلف وغير المعتاد. هذا باختصار "قوة" ناعمةٌ دون أدنى شك، في الإطار نفسه تظهر الأفلام الأميركية الرئيس "قوياً"، "شامخاً" وفوق كل هذا قادراً على إتيان فعل "العنف والقوة" بسهولةٍ بالغة (كمثال air force one مع النجم هاريسون فورد، إلى Olympus has fallen مع النجم جيرارد باتلر وكلا الفيلمين يتحدثان عن الرئاسة والرئيس الأميركيين) وهذا أيضاً قوةٌ ناعمة. تكون الرسالة هنا: رئيسنا قويٌ ولطيف، اختاروا الجانب الذي تريدون أن تشاهدوه منا؛ وهذه الرسالةٌ موجهة لكل صديقٍ أو عدو. ولأن الأمر كذلك كان من الطبيعي أن يتنبه ويفهم الإعلام الروسي الحدث، فإدراك أهمية "البروباغندا" وصناعتها هو في غاية الدقة وخصوصاً في هذه المرحلة من الوقت. فروسيا تحاول حل مشاكلٍ باتت تقترب منها وبحدّة، كالقضية الأوكرانية مثلاً، وما اختيار 80 بالمئة من الشعب في "القرم" الانضمام إلى روسيا إلا دليلاً دامغاً على قوة ونجاح هذه البروباغندا. فالرئيس بوتين يتصدّر غالبية وسائل الإعلام العالمية حتى ولو قام بأمرٍ شديد البساطة والسهولة، كما حدث حين استضاف المستشارة الألمانية وتعمد اللعب مع كلبه أمامها. يومها تناقلت كل وسائل الإعلام الكلاسيكية وحتى الحديثة (التواصل الاجتماعي) الصورة وجرت نقاشاتٌ هائلةٌ حولها وكيف أنّه يستخدم "ضعف آنجيلا ميركل النفسي تجاه الكلاب" كي يرغمها على الرضوخ "لمشيئته". إلا أنه ورغم ذلك يبدو، ومن خلال المتابعة أن نتيجة "الصنعة" الإعلامية باتت واضحة، إذ يحقق "الروس" النجاح الذي عملوا عليه طويلاً.
مباشرة في الهدف:
ان مشاهدة الرئيس الروسي الفيلم عن عودة القرم، بالتزامن مع إطلاقه لتصريحات عن "قراراته" المصيرية تجاه منطقةٍ من بلاده لن يتركها تحت "نير الأعداء" يمكن اعتبارها لإصابة اكثر من عصفور بضربة واحدة: يعاود إطلالته المتلفزة، يقرّب صورته المرجوة والمنشودة من محبيه، ويعيد "أرجحة" صورته المخيفة أمام خصومه. "إننا دولةٌ قوية، نستطيع أن نكون الدب الروسي المخيف في الوقت الذي نشاء، ونستطيع أن نكون محبين ولطيفين متى أردنا" هكذا كانت الرسالة البارحة، وهي بالتأكيد صفعةٌ مهمة لواشنطن التي بذلت مالاً وجهداً كبيرين "لشيطنة" بوتين وروسيا من خلفه، وخصوصاً في أوكرانيا، التي من الممكن وبسهولةٍ بالغة أن يعود إليها "بوتين" غداً عبر انتخاباتها القادمة: فالإعلام لم يجعله نجماً فحسب، بل جعل منه المنقذ أيضاً.
الكسندر بوشكين(كاتب روسي)
البارحة، ضجت وسائل الإعلام العالمية بخبرٍ مفاده أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيشاهد فيلم عن شبه جزيرة القرم اسمه "القرم الطريق إلى الأمة" على قناة روسيا الأولى، شأنه شأن المواطنين الروس جميعاً. يتناول الفيلم محطاتٍ ومواقف عن شبه الجزيرة وعودتها إلى وطنها الأم "روسيا". لم يكن بالتأكيد خبر عودة شبه الجزيرة إلى روسيا وحده هو الأساس في الفيلم، بل إن امتزاج ثلاثة أمورٍ ببعضها أدى إلى جعل الحدث واحداً من أهم الصفعات الإعلامية التي وجهتها موسكو للغرب عموماً. كانت "الاحتفالات" والبهرجة بعودة القرم العام الفائت(2014) كبيرةً للغاية، وإعادة نكء هذا الجرح لأوكرانيا وللغرب وحلف الناتو اليوم (2015) مناسبةً لإظهار القوة الروسية، هذا من جهة، من جهةٍ ثانية كان إظهار الرئيس الروسي وهو يشاهد مع شعبه ذلك الفيلم ضربة "معلم" إذ بدا مواطناً قبل أن يكون رئيساً، أما الثالثة فهي أن الفيلم أصلاً كان يتحدّث عن عودة "روسيا" الكبرى وحلمها قبل أي شيءٍ آخر، وهو ما يخيف الأميركيين قبل غيرهم، إنها عودة "الميزان" إلى الساحة العالمية.
في صناعة الأسطورة
قبل مدةٍ ليس بقليلة لجأت وسائل الإعلام الروسية إلى تأطير شكل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من خلال الكتابة وبشكلٍ كبير عن نشاطاته وماضيه كضابط أمني كبير في المخابرات السوفياتية(الكي جي بي)، والتحدّث عن سلوكه المعتاد في تفاصيل حياته اليومية. من هنا تم خلق "نمط" (pattern) يمكن للجماهير توقعه والتعوّد عليه: كأن يستيقظ الرئيس الروسي في الصباح الباكر مثلاً، ولا ينام لوقتٍ متأخر أبداً، هذا يوحي بالتأكيد بالنشاط الشديد، أو أن نشير إلى أنه يسبح عاري الصدر في المياه المثلجة في أحد الأنهار البعيدة (الخبران صحيحان ومنقولان من فيديو تعريفي عن الرئيس الروسي بثته روسيا اليوم). بعد أن تم خلق هذا النمط باتت الجماهير سواء الروسية منها أو غيرها (المحبة والمبغضة) تعتبر أن هذا الرئيس أي بوتين لديه عدّة ميزات لا يمكن التغاضي عنها، وأيضاً من خلال "فيديوهات" تم تسريبها أو عرضها لبوتين يمارس مهامه الرئاسية. فكان الفيديو الشهير الذي يتحدّث به مع مدراء مصانع وشركات يصرون على طرد عمّالهم (بحجة إفلاسهم وعدم تحقيقهم للأرباح) بينما هو "يأمرهم" بأن يُبقوا على أعمالهم وعمّالهم وبأنه لن يسمح لهم بطردهم تحت طائلة منعهم من العمل في روسيا مرةً أخرى. إذاً باختصار بدت شخصية الرجل "شخصية قائدٍ كبير" ومصنوعةً بحرفةٍ بالغة الدّقة.
قد يشير البعض هنا إلى نقطةٍ بالغة الأهمية، أن صناعة "البروباغندا" - كما اعتدنا في كثيرٍ من الأحيان - تقوم على "الكذب"، لكن هذا الأمر يمكن أن يرد عليه بسهولة، يمكن للأمر أن يقوم على الصدق أيضاً. فالصفات التي أعطيت للرئيس الروسي هي صفاتٌ حقيقية ومشهودٌ له بها. تطمح روسيا الإتحادية -كدولةٍ- العودة إلى دورها الإقليمي كدولة عظمى بالتأكيد، وهي تعرف بالتأكيد أنّ عليها أن تبني "مجدها" لتعيده إلى الواجهة، ولهذا فهي تحتاج لقائدٍ يساوي هذه الطموحات. هنا لا بد من استعمال الإعلام لتكوين تلك الصورة، لأنه إن لم يعرف "الناس" قوتك الحقيقية وتأثيرك وأهميتك، لن يكون لكل "فعلك" على الأرض أية أهمية. إنَّ أي عملٍ "عسكري" ومهما بلغت قوته ما لم يترافق مع "تغطية" إعلامية مميزة ومناسبة فإنه لا يمتلك أي تأثيرٍ فعليٍّ على الرأي أو حتى على ما تريده لتأسيس "قوتك" الناعمة بين خصومك وأحبائك.
بوتين ... والصفعات الاعلامية
الإعلام الذكيلا تمتلك الكرملين(أي روسيا الإتحادية) "هوليوود" الأميركية ولا صنعة الأفلام الهائلة التي تنتجها عاصمة السينما في العالم، لذا كان لا بد من إيجاد وسائل بديلةٍ لتغطية الأمر. ولأن الإعلام هو ذكاء قبل أي شيء، كان لا بدَّ من "أسطرة" البطل.
يقدّم الإعلام الأميركي الرئيس الحالي باراك أوباما على أنّه رجل "سلامٍ" وعلم، وفوق كل هذا أنه رجل من لونٍ مختلف حقق "الحلم الأميركي" فهو ليس أميركياً مئة بالمئة وليس إيرلندي الأصل (كما جرت عادة الرؤساء الأميركيين)، ومع هذا فهو "الرئيس". هذه الدغدغة لعواطف الناس وعقولهم تجعلهم يتعاطفون مع هذا الرئيس المختلف وغير المعتاد. هذا باختصار "قوة" ناعمةٌ دون أدنى شك، في الإطار نفسه تظهر الأفلام الأميركية الرئيس "قوياً"، "شامخاً" وفوق كل هذا قادراً على إتيان فعل "العنف والقوة" بسهولةٍ بالغة (كمثال air force one مع النجم هاريسون فورد، إلى Olympus has fallen مع النجم جيرارد باتلر وكلا الفيلمين يتحدثان عن الرئاسة والرئيس الأميركيين) وهذا أيضاً قوةٌ ناعمة. تكون الرسالة هنا: رئيسنا قويٌ ولطيف، اختاروا الجانب الذي تريدون أن تشاهدوه منا؛ وهذه الرسالةٌ موجهة لكل صديقٍ أو عدو. ولأن الأمر كذلك كان من الطبيعي أن يتنبه ويفهم الإعلام الروسي الحدث، فإدراك أهمية "البروباغندا" وصناعتها هو في غاية الدقة وخصوصاً في هذه المرحلة من الوقت. فروسيا تحاول حل مشاكلٍ باتت تقترب منها وبحدّة، كالقضية الأوكرانية مثلاً، وما اختيار 80 بالمئة من الشعب في "القرم" الانضمام إلى روسيا إلا دليلاً دامغاً على قوة ونجاح هذه البروباغندا. فالرئيس بوتين يتصدّر غالبية وسائل الإعلام العالمية حتى ولو قام بأمرٍ شديد البساطة والسهولة، كما حدث حين استضاف المستشارة الألمانية وتعمد اللعب مع كلبه أمامها. يومها تناقلت كل وسائل الإعلام الكلاسيكية وحتى الحديثة (التواصل الاجتماعي) الصورة وجرت نقاشاتٌ هائلةٌ حولها وكيف أنّه يستخدم "ضعف آنجيلا ميركل النفسي تجاه الكلاب" كي يرغمها على الرضوخ "لمشيئته". إلا أنه ورغم ذلك يبدو، ومن خلال المتابعة أن نتيجة "الصنعة" الإعلامية باتت واضحة، إذ يحقق "الروس" النجاح الذي عملوا عليه طويلاً.
مباشرة في الهدف:
ان مشاهدة الرئيس الروسي الفيلم عن عودة القرم، بالتزامن مع إطلاقه لتصريحات عن "قراراته" المصيرية تجاه منطقةٍ من بلاده لن يتركها تحت "نير الأعداء" يمكن اعتبارها لإصابة اكثر من عصفور بضربة واحدة: يعاود إطلالته المتلفزة، يقرّب صورته المرجوة والمنشودة من محبيه، ويعيد "أرجحة" صورته المخيفة أمام خصومه. "إننا دولةٌ قوية، نستطيع أن نكون الدب الروسي المخيف في الوقت الذي نشاء، ونستطيع أن نكون محبين ولطيفين متى أردنا" هكذا كانت الرسالة البارحة، وهي بالتأكيد صفعةٌ مهمة لواشنطن التي بذلت مالاً وجهداً كبيرين "لشيطنة" بوتين وروسيا من خلفه، وخصوصاً في أوكرانيا، التي من الممكن وبسهولةٍ بالغة أن يعود إليها "بوتين" غداً عبر انتخاباتها القادمة: فالإعلام لم يجعله نجماً فحسب، بل جعل منه المنقذ أيضاً.