ارشيف من :آراء وتحليلات
اليمن: مغامرة سعودية أخرى..
بالإستناد الى سياق سياسات واشنطن وحلفائها في المنطقة، يمكن القول إن ما يشهده اليمن لا يمكن إلا أن يكون متوقّعاً. كلّ بلد يخرج عن سيطرة السعودية يجب دفعه الى حرب أهلية طاحنة كثمنٍ لتمرده على الوصاية السعودية أو رفضها.
بدايةً، يجري تأطير الصراع إما كخروج على حكومة شرعية (فلسطين – لبنان – اليمن) وإما كثورة مهمّشين (سوريا – العراق)، كل حكومة موالية للسعودية هي حكومة شرعية، وكل خروج على حكومة مخالفة للسعودية هو ثورة مهمّشين.
ثانياً، يجري حشد التأييد الدولي حول هذه السردية، لإصباغها بشرعية متعالية، فتظهر المملكة كظهير للحريات وخيارات الشعوب.
ثالثاً، وضع الصراع ضمن إطار مذهبي بالكامل، تنعدم كل العوامل الداخلية وتعقيداتها ويصبح المشهد شديد البساطة: "مؤامرة شيعية فارسية على أهل السنة"، ثم تتفرغ الإمبراطورية الإعلامية لترسيخ هذه السردية، تلاعب بالمفردات، إنتقاء الأحداث، تكثيف الشبهات، تمرير الأكاذيب، إثارة الغرائز، تكرار الصور العاطفية، وفجأة يخرج الإنتحاريون.
كل خروج على عصا الطاعة السعودية هو "إحتلال إيراني"، وكل رضوخ للأجندة السعودية هو مدخل الى "جنة عدن". كان اليمن سعيداً، إستقلال ورفاه وحريات وديموقراطية ودور ومواطنة الى أن دخل "الحوثيون" على المشهد، فخرج اليمنيون من "جنة عدن" الى "الإحتلال الإيراني"، بهذه السذاجة يجب أن ترتوي عقولنا.
ستة حروب وعشرات العمليات الإنتحارية لم تزد "الحوثيين" إلا قوة وإصراراً، رغم ذلك بقي جلّ طموحهم المشاركة في إدارة بلادهم، دعوا لتطبيق إتفاق السلم والشراكة، نسجوا التحالفات تظاهروا فتعرضوا للقمع، إنتفضوا ودعوا للحوار، أصبحوا شركاء، غضبت السعودية، أصبحوا إنقلابيين، ثم "روافض مجوس"، فرّ الرئيس المستقيل مقدماً فروض الطاعة للرياض، عاد شرعياً، ثم ممثل "أهل السنة" بوجه "الغزو الفارسي"، وبدأت ترتسم معالم التفسخ القبلي – المذهبي – المناطقي.
منذ وصول "الحوثيين" وحلفائهم للعاصمة وفرار حلفاء الرياض بدأ الإعداد للمرحلة الحالية: ضخّ المال لتجميع المتضررين، خليط من القاعدة وحزب الإصلاح والنظام القائم، حين إكتمل الجمع.. بدأت الحملة الإعلامية، المعزوفة المذهبية المعتادة. يختار حلفاء السعودية الرواية الأكثر جبناً وأقل وطأةً على إعمال العقل بدل السعي للغوص في جذور الأزمة وبناء مسار لحلّ يحفظ أوطانهم وأنفسهم ويفتح لهم المستقبل. أليس الأولى البحث في نظام يضمن مشاركة الجميع في اليمن بعيداً عن تعليمات "المفوض السامي" الأممي، نظام يبحث عن المصالح المشتركة من الإقتصاد الى الأمن الى العلاقات الخارجية.
على الآرجح أن أغلب اليمنيين لا يدركون الفارق بين السنة والشيعة، ولا بين الزيدي والشافعي، إلا أن الحملة السعودية الحالية في اليمن ستجعل شرائح من بسطاء اليمن يخضعون لهذه الثنائيات ويرسمون العالم من خلالها.
في المقابل، يقف تحالف "الحوثيين" أمام تحدي بناء شراكات وتحالفات مستندة على البحث في مصالح مشتركة ورؤية لمستقبل اليمن. كما يواجههم تحدي الإنضباط أمام حجم الهمجية التي تطالهم كما في هجمات الجمعة الإنتحارية. وعليه، لا بدّ من موقف متوازن ومنفتح على القوى الخارجية التي يمكن العمل معها لتأمين مصالح اليمنيين، وهو ما بدأ بالفعل. لا مانع من أن تكون السعودية إحدى هذه الدول بطبيعة الحال، ولكن ذلك يقتضي بداية أن تراجع الرياض موقفها مما يجري في اليمن. يجب فتح قناة إتصال مع الحكومة المصرية لتبديد أي شكوك حول سلامة الملاحة في باب المندب.
المقلق أن السعودية تتعامل بشكل هيستيري مع إحتمال التسوية الدولية بخصوص النووي الإيراني، وهذا ما قد يدفعها لمزيد من التشدد والعدائية في الملف اليمني وسواه. هي اعتادت التعامل بإستخفاف وفوقية مع اليمنيين، متسلحة بمواردها النفطية، ولذا يستفزها لهذا الحد هذا الإقتدار والإباء الذي يقدمه "الحوثيون" وشركاؤهم رغم ضآلة مواردهم.
إشكالية السعودية ومن معها هي البطىء في التكيّف.. يبددون الكثير من الوقت قبل التفاعل مع التحولات، ولذا مثلاً تراهم يكملون نحو الحائط حتى عندما ينعطف الأميركي أمامهم. تتغيّر المنطقة بأسرع مما يحتمل حلفاء واشنطن، المؤسف أن مغامرات الوقت الضائع هذه، لا يدفع ثمنها بالإجمال إلا البسطاء من عامة شعوبنا.
بدايةً، يجري تأطير الصراع إما كخروج على حكومة شرعية (فلسطين – لبنان – اليمن) وإما كثورة مهمّشين (سوريا – العراق)، كل حكومة موالية للسعودية هي حكومة شرعية، وكل خروج على حكومة مخالفة للسعودية هو ثورة مهمّشين.
ثانياً، يجري حشد التأييد الدولي حول هذه السردية، لإصباغها بشرعية متعالية، فتظهر المملكة كظهير للحريات وخيارات الشعوب.
ثالثاً، وضع الصراع ضمن إطار مذهبي بالكامل، تنعدم كل العوامل الداخلية وتعقيداتها ويصبح المشهد شديد البساطة: "مؤامرة شيعية فارسية على أهل السنة"، ثم تتفرغ الإمبراطورية الإعلامية لترسيخ هذه السردية، تلاعب بالمفردات، إنتقاء الأحداث، تكثيف الشبهات، تمرير الأكاذيب، إثارة الغرائز، تكرار الصور العاطفية، وفجأة يخرج الإنتحاريون.
كل خروج على عصا الطاعة السعودية هو "إحتلال إيراني"، وكل رضوخ للأجندة السعودية هو مدخل الى "جنة عدن". كان اليمن سعيداً، إستقلال ورفاه وحريات وديموقراطية ودور ومواطنة الى أن دخل "الحوثيون" على المشهد، فخرج اليمنيون من "جنة عدن" الى "الإحتلال الإيراني"، بهذه السذاجة يجب أن ترتوي عقولنا.
" كلّ بلد يخرج عن سيطرة السعودية يجب دفعه الى حرب أهلية طاحنة"
ستة حروب وعشرات العمليات الإنتحارية لم تزد "الحوثيين" إلا قوة وإصراراً، رغم ذلك بقي جلّ طموحهم المشاركة في إدارة بلادهم، دعوا لتطبيق إتفاق السلم والشراكة، نسجوا التحالفات تظاهروا فتعرضوا للقمع، إنتفضوا ودعوا للحوار، أصبحوا شركاء، غضبت السعودية، أصبحوا إنقلابيين، ثم "روافض مجوس"، فرّ الرئيس المستقيل مقدماً فروض الطاعة للرياض، عاد شرعياً، ثم ممثل "أهل السنة" بوجه "الغزو الفارسي"، وبدأت ترتسم معالم التفسخ القبلي – المذهبي – المناطقي.
منذ وصول "الحوثيين" وحلفائهم للعاصمة وفرار حلفاء الرياض بدأ الإعداد للمرحلة الحالية: ضخّ المال لتجميع المتضررين، خليط من القاعدة وحزب الإصلاح والنظام القائم، حين إكتمل الجمع.. بدأت الحملة الإعلامية، المعزوفة المذهبية المعتادة. يختار حلفاء السعودية الرواية الأكثر جبناً وأقل وطأةً على إعمال العقل بدل السعي للغوص في جذور الأزمة وبناء مسار لحلّ يحفظ أوطانهم وأنفسهم ويفتح لهم المستقبل. أليس الأولى البحث في نظام يضمن مشاركة الجميع في اليمن بعيداً عن تعليمات "المفوض السامي" الأممي، نظام يبحث عن المصالح المشتركة من الإقتصاد الى الأمن الى العلاقات الخارجية.
على الآرجح أن أغلب اليمنيين لا يدركون الفارق بين السنة والشيعة، ولا بين الزيدي والشافعي، إلا أن الحملة السعودية الحالية في اليمن ستجعل شرائح من بسطاء اليمن يخضعون لهذه الثنائيات ويرسمون العالم من خلالها.
في المقابل، يقف تحالف "الحوثيين" أمام تحدي بناء شراكات وتحالفات مستندة على البحث في مصالح مشتركة ورؤية لمستقبل اليمن. كما يواجههم تحدي الإنضباط أمام حجم الهمجية التي تطالهم كما في هجمات الجمعة الإنتحارية. وعليه، لا بدّ من موقف متوازن ومنفتح على القوى الخارجية التي يمكن العمل معها لتأمين مصالح اليمنيين، وهو ما بدأ بالفعل. لا مانع من أن تكون السعودية إحدى هذه الدول بطبيعة الحال، ولكن ذلك يقتضي بداية أن تراجع الرياض موقفها مما يجري في اليمن. يجب فتح قناة إتصال مع الحكومة المصرية لتبديد أي شكوك حول سلامة الملاحة في باب المندب.
المقلق أن السعودية تتعامل بشكل هيستيري مع إحتمال التسوية الدولية بخصوص النووي الإيراني، وهذا ما قد يدفعها لمزيد من التشدد والعدائية في الملف اليمني وسواه. هي اعتادت التعامل بإستخفاف وفوقية مع اليمنيين، متسلحة بمواردها النفطية، ولذا يستفزها لهذا الحد هذا الإقتدار والإباء الذي يقدمه "الحوثيون" وشركاؤهم رغم ضآلة مواردهم.
إشكالية السعودية ومن معها هي البطىء في التكيّف.. يبددون الكثير من الوقت قبل التفاعل مع التحولات، ولذا مثلاً تراهم يكملون نحو الحائط حتى عندما ينعطف الأميركي أمامهم. تتغيّر المنطقة بأسرع مما يحتمل حلفاء واشنطن، المؤسف أن مغامرات الوقت الضائع هذه، لا يدفع ثمنها بالإجمال إلا البسطاء من عامة شعوبنا.