ارشيف من :آراء وتحليلات

انتخابات الكنيست: تأكيد على التطرف والعنصرية

انتخابات الكنيست: تأكيد على التطرف والعنصرية

خلافاً لما توقعت بعض استطلاعات الرأي، لم تؤدِّ الانتخابات الاسرائيلية الى قلب المشهد السياسي والحزبي في الساحة الاسرائيلية، بل تعززت مكانة حزب الليكود، وعلى رأسه بنيامين نتنياهو. وأتت الانتخابات لتعكس الواقع الجماهيري اليهودي بما يكرس حقيقة تفوق اليمين على المستويين السياسي والاجتماعي. اذ حصل حزب الليكود على 30 مقعدا، بعد أن نال في انتخابات العام 2013م عشرين مقعداً. ونال معسكر اليمين ويمين الوسط، ومن ضمنهم الاحزاب الحريدية 67 مقعدا من اصل 120.


حول هذه الانتخابات ينبغي تسجيل مجموعة من الملاحظات:

منذ العام 1977 تفوق حزب العمل على الليكود في محطتين انتخابيتين فقط، هما انتخابات عامي 1992 عندما فاز إسحاق رابين برئاسة الحكومة، وفي العام 1999عندما فاز إيهود باراك برئاسة الحكومة (ولمدة سنتين تولى شمعون بيريز رئاسة الحكومة ضمن اتفاق تناوب مع الليكود (84 -86)). في المقابل، حافظ معسكر اليمين والمتدينين على الأغلبية بشكل عام منذ السبعينات.

انتخابات الكنيست: تأكيد على التطرف والعنصرية
انتخابات الكنيست

وحسب استطلاعات الرأي، ربما لاحت فرصة ما لتبديل المشهدين السياسي والحكومي، خلال الحملة الانتخابية. لكن نتنياهو نجح في استفزاز غرائز جمهور اليمين، عبر إخافته من امكانية تشكيل حكومة بقيادة رئيس المعسكر الصهيوني يتسحاق هرتسوغ، قد توافق على إقامة دولة فلسطينية. ونجح ايضا في تخويف الناخب اليميني من نسبة المشاركة لدى العرب الامر الذي ادى الى إقبال جمهور اليمين الى صناديق الاقتراع تصويتا لحزب الليكود.

مع ذلك، ينبغي الالتفات الى أن المجتمع الاسرائيلي مؤلف من قطاعات تصوت في العديد منها لصالح معسكر اليمين. وهو ما ينطبق على الجمهور الحريدي، الذي يشارك في التصويت بالانتخابات بنسب مرتفعة لصالح الاحزاب الحريدية، وينسحب الامر نفسه على المستوطنين وغالبية الجمهور الروسي واليهود الشرقيين منذ العام 1977 الذين بدورهم يصوتون لصالح معسكر اليمين.

انتصار معسكر اليمين

عليه، لا بد من التأكيد على حقيقة أن ما جرى لم يكن انتقال أصوات من معسكر الى آخر، بل داخل المعسكرات نفسها. وفيما يتعلق بمعسكر اليمين، انتقال الناخب اليميني من التصويت لأحزاب صغيرة لصالح حزب الليكود. وتبين الأرقام، ان مجموع مقاعد الكتلة اليمينية الاساسية، "الليكود (20) واسرائيل بيتنا (11) والبيت اليهودي (12)" كانت في انتخابات العام 2013، 43 مقعدا. وبعد الانتخابات اليوم، باتت 44 مقعدا، لكن بتوزيع مختلف. الليكود 30 مقعدا، فيما نال "اسرائيل بيتنا" ستة مقاعد، و"البيت اليهودي" ثماني مقاعد. وبالتالي فإن ما جرى هو انتقال مراكز الثقل داخل معسكر اليمين نفسه، لصالح حزب الليكود، ونتنياهو.

كما ينبغي التأكيد على حقيقة إضافية أنه ما دام الجمهور الاسرائيلي لا يدفع أثمانا مؤلمة لاستمرار احتلاله، في أمنه واقتصاده، سيبقى يجدد انتخاب قيادات متطرفة في مواقفها السياسية والامنية. وبالتالي فإن ما جرى هو اولا نتيجة للاستقرار الذي يتمتع به الاحتلال في الضفة الغربية، وثانيا ما يجري في المحيط العربي لفلسطين من تطورات أمنية وسياسية.. ثم يأتي دور الحديث عن سياقات داخلية أخرى.

أظهرت الانتخابات فشل محاولة استخدام الخطاب الاقتصادي الاجتماعي، في مواجهة نتنياهو. وانطلق هذا الخطاب من تقدير أنه قد يجذب ناخبين مستائين من سياسات نتنياهو الاقتصادية. وثانيا لأن الاحزاب المعارضة لنتنياهو ، أساساً، لا تختلف كثيرا عن البرنامج السياسي لحزب الليكود، وتحديداً لجهة الموقف من القضية الفلسطينية.

وهكذا يثبت مرة أخرى، أن الخطاب الاقتصادي والاجتماعي، لم يصل الى مرحلة تسمح له بحسم الانتخابات الاسرائيلية. بل ما زالت القضايا السياسية الاساس مثل السياسات الخارجية والامنية، والقضية الفلسطينية أكثر حضورا في بلورة وجهة الناخب الاسرائيلي. وبما أن غالبية الأحزاب السياسية المتنافسة، لا تتناقض برامجها السياسية، فهي عزفت عن تظهير هذه القضايا في صدارة الحملات الانتخابية.

لكن فيما يتعلق بنجاح موشيه كحلون، رئيس حزب "كولانو"، في جذب ناخبين على أساس خطابه الاقتصادي، فهو يعود ايضا الى أنه تلقائيا ينتمي الى معسكر اليمين، وبالتالي فإن الناخب الذي صوَّت له، احتجاجا على السياسات الاقتصادية يدرك بأن صوته سيصب في النهاية لصالح معسكر اليمين.

في الخلاصة، يمكن التقدير بأن الانتخابات الاسرائيلية، لم تؤد الى تغيير جذري سياسياً وحزبياً. كما أنها أكدت عدم وجود تحولات في القناعات السياسية للمجتمع الاسرائيلي. وهنا يصح القول إن جل ما حققته هذه الانتخابات هو تكريس التوجهات الايديولوجية والسياسية القائمة، وتعزيز سيطرة احزاب اليمين على الكنيست. وهو ما قد يسمح لنتنياهو بتشكيل حكومة أكثر تناغما من الحكومة السابقة. وستكون سياسات هذه الحكومة اكثر انسجاما في مواجهة القضية الفلسطينية، وأكثر عنصرية ازاء المجتمع الفلسطيني في الداخل الاسرائيلي.
2015-03-23