ارشيف من :آراء وتحليلات

هل فكر فلسطينيو الـ 48 بالمقاطعة ؟


هل فكر فلسطينيو الـ 48 بالمقاطعة ؟
"تشرق الشمس. يقول أحدهم أنّها لم تكن يوماً هنا. هل يؤثر ذلك في الشمس؟ أبداً".
جون ميلتون (شاعر إنكليزي)

لم يربح الفلسطينيون كما كل العرب في الوطن العربي (من أقصاه إلى أقصاه) بدخول القائمة العربية الموحّدة ولا بفوزها بـ14 صوتاً في الكنيست الصهيوني. فلننسَ كل "التطبيل" و"البهرجة" الإعلامية على القنوات الأرضية والفضائية والجرائد الكلاسيكية(والإعلام الافتراضي والحديث) التي أشعرتنا في لحظةٍ ما بأنه من خلال عدم المشاركة في تلك الانتخابات ستضيع فلسطين مرة أخرى. إلا أنَّ ما فات كل هؤلاء هو الأمر الواضح البائن للعيان بشكلٍ بالغ: لا تزال فلسطين ترزح تحت الاحتلال، فالمشاركون في الانتخابات أنفسهم لا يزالون يرزحون تحت الاحتلال، لا بل إنهم يشرّعون الاحتلال نفسه من خلال المشاركة في أنظمته وقوانينه ودساتيره وصناعتها وتأييدها (أليسوا هم من مشاركين فعلياً في صناعة قوانين هذا النظام العنصري المحتل؟).


في سبيل الانتخابات:
لم يكن هناك التباس في الأمر بالنسبة لأي محللٍ سياسي - حتى ولو كان ناشئاً - في أسباب إنشاء القائمة العربية الموحّدة، فالدخول في خضمها لم يكن خياراً مرتبطاً أبداً بشعور "الأحزاب الفلسطينية" في أراضي الـ 1948 بالضرورة للوحدة، والعمل من أجل "حزبٍ واحدٍ ذي فكرٍ واحدٍ أو ذي برنامجٍ واحد" بل إن ما حصل كان أمراً ضرورياً وإجبارياً إلى حدٍ كبير. فقانون "رفع نسبة الحسم" إلى 3.25% من أصوات الناخبين والذي أقره الكنيست قبيل الانتخابات كان سيقصي هذه الأحزاب وبشكلٍ نهائي عن "حلمها" بمقاعد النيابة. في الإطار عينه، بدا أن هذه الأحزاب باتت تفكر وبشكلٍ فعلي في ماهية قدرتها على الحركة، فهل تستطيع مثلاً أن تتَّحد مع أحزاب أخرى غير عربية، كالحزب اليساري ميريتس مثلاً؟ بالتأكيد كان هناك مشاورات قبيل الانتخابات، لكنها كلّها لم تؤدِ أياً من المطلوب منها، ولم تصل إلى نتيجةٍ مهمة. إذاً كان الحل في "توحيد" الجهود العربية في سبيل التوصُّل إلى نتيجةٍ مرضية، وبالفعل كانت القائمة المشتركة. هنا يمكن القول أن كل المشروع كان مشروعاً انتخابياً بحتاً، كان المهم والرئيس بالنسبة لهذه الأحزاب يتمثل بوصول مرشحيها إلى قبة البرلمان، لا أكثر ولا أقل. هل كان الهدف هو تحقيق مكاسب لفلسطينيي الظظت 48 أم لهذه الأحزاب ومحازبيها؟ لا إجابة بشكلٍ مباشر، لكنه يبدو من الواضح أنَّ هذه الأحزاب لا تهتم إلا بنفسها.


هل فكر فلسطينيو الـ 48 بالمقاطعة ؟
من المستفيد من المشاركة العربية في الانتخابات ؟

في تحقيق الفائدة:
"غردت" كثيرٌ من وسائل الإعلام العربية خلال الأيام التي سبقت الانتخابات العبرية عن ضرورة "دعم" ومساندة القائمة العربية المشتركة، حتى إن كاتباً كبيراً كتب في صحيفةٍ لبنانية شهيرة مقالاً حض فيه على المشاركة وبقوة لدعم تلك القائمة قائلاً في عنوانه: "صوتوا وبكثافة". بدا ذلك الأمر أشبه بالتحضير لمعركةٍ حاسمة منه لجولةٍ انتخابية سيربح منها العدو أكثر من الفلسطيني. بدا أن معارك "الدونكيشوت" الشهير عادت لتطل برأسها في الأفق. ماذا لو انتصرت القائمة العربية؟ (تقريباً هي فعلت ذلك بحصولها على 14 من أصل 15 كانت متوقعة)، ما هي النتائج التي يُنتظر أن تحققها والمكاسب التي ستعطيها لأصحاب الأرض الأصليين، للفلسطينيين الذين لم يغادروا أرضهم، وصبروا وصمدوا فيها. ألا يستحق هؤلاء مكانةً أكبر من مجرد الـمقاعد الخمسة عشر التي تقاتل هذه الأحزاب لأجلها؟ هذا بافتراض أن الكنيست هو المكان الأفضل والأمثل لرفع الصوت والاعتراض على هذا العدو.
إذا –فعلياً- ومنطقياً ما هي الفوائد التي يجنيها "النواب" العرب وأحزابهم من دخولهم "قفص الكنيست الذهبي"؟ لا يخفى على أحدٍ أن "القائمة" ستكون خارج أي ائتلافٍ حكومي من أي نوع، فهي وحسب تصريحات بنيامين نتنياهو وتحالف هيرتزوغ-ليفني قبل الانتخابات لن تكون ضمن اي تحالف ، بالتالي فإنّها لن تكون قادرةً على منع أي قرارٍ يضر بالفلسطينيين كقرارات الحرب والاستيطان وبناء المغتصبات وسواها من القرارات المهمة. أما فكرة أنّها ستكون "قائدة" المعارضة، مما سيجبر رئيس الوزراء(أياً يكن) على مشاركتها كل القرارات ومشاورتها بها قبيل تطبيقها فليست إلا فكرة مضحكة لن تحدث إلا في "مسلسلٍ خيالي" حين يجتمع "نتنياهو وهرتزوغ-ليفني" في تحالفٍ واحد، عندها فقط يمكن القول بأن القائمة العربية ستتزعم المعارضة.

شرعنة الاحتلال
يعلم الجميع أن الاحتلال الصهيوني لفلسطين قام على دماء الشعب الفلسطيني لا على أرضه فحسب، حيث إن أكثر من مليون إنسان تم تشريده، وعشرات الآلاف تم ذبحهم وقتلهم بشكلٍ وحشي، فضلاً عن أكثر من 400 قرية تم تدميرها بشكلٍ كامل وبناء مغتصباتٍ صهيونية فوقها. لذلك، فإن أية "مشاركة" لهذا النظام الوحشي القاتل والعنصري في مؤسساته الدستورية هو "حكماً" نوعٌ من إضفاء الشرعية عليه، فضلاً عن إعطائه نوعاً من المسحة الديمقراطية التي يحتاجها لتلميع صورته في الغرب. تحتاج الدولة العبرية إلى الأحزاب العربية ومشاركتهم في الكنيست أكثر من حاجاتهم هم لذلك . فقد عمدت وسائل إعلام العدو خلال الانتخابات إلى التحدّث مطولاً عن مشاركة الفلسطينيين في هذه الانتخابات، مؤكدةً على "ديمقراطية" هذه الانتخابات، وبأنّها فعلياً "تعطي كل ذي حقٍ حقه". كانت هذه المشاركة هي حبة الكرز التي توضع فوق كعكة الديمقراطية الصهيونية . ولأن الأمر يستحق أن ينظر إليه من زاويةٍ أخرى، فلنفكر في الأمر معاً: ماذا لو قررت الأحزاب العربية مجتمعة ألا تشارك في الانتخابات العبرية بشكلٍ قاطع. كان "العالم" بأسره سيتحدث عن "المقاومة" السلمية واللاعنفية في أسمى صورها: نحنُ أصحاب هذه الأرض الأصليين، لا نريد أن نكون جزءاً من نظام القتلة. يحق لنا – كأخلاقيين قبل أي شيء آخر- أن نرفض هذا النظام العنصري وأن لا نشاركه في الحكم، بل أن نحكم أرضنا بأنفسنا ونعيد أبناءنا المهجرين قسراً منها، إليها.
لنترك التاريخ جانباً بعض الشيء، هل انتهت الانتهاكات الصهيونية داخل أراضي الـ48؟ ماذا عن حرق الطفل محمد أبو خضير قبل أشهرٍ قليلة العام الفائت؟ ماذا عن المواجهات التي تحدث في غير مكانٍ في تلك الأراضي؟ ماذا عن العدوان الأخير على غزة والذي خلّف آلاف الشهداء والجرحى؟ أليس من المنطق الأخلاقي –على الأقل- ألا تشارك تلك الأحزاب في هذه الانتخابات؟ أليس من الطبيعي أن "تنظر" هذه الأحزاب إلى مشاكل "إخوتها" في مناطق أخرى من فلسطين المحتلة؟ كلها أسئلةٌ ما زالت تنتظر إجاباتٍ ربما لن تأتي أبداً.

باختصار: كان المطلوب من القائمة العربية سواء أكانت "مجتمعة" أم كل حزبٍ على حدة ألا تشارك في الانتخابات الصهيونية أبداً. إن عدم مشاركة الفلسطينيين وبشكلٍ نهائي وكلّي في الانتخابات الصهيونية كان أمراً واجباً وضرورياً. وحجة أن بعض الناخبين العرب كان سيعطي صوته للأحزاب الصهيونية حجة مردودٌ عليها، فلو تمَّ تفعيل "المقاطعة"(كما فعلت حركتي كفاح وأبناء البلد اللتين بذلتا جهداً كبيراً ومشهوداً في القيام بذلك)، لكانت النتيجة مقاطعةً شاملةً كاملة تعري المجتمع والدولة والكيان العنصري الصهيوني وإظهار وجهه الحقيقي بشكلٍ علني أمام العالم بأسره. ولن تكون تجربة المقاطعة أمراً جديدا على الوسط الفلسطيني فمدينة القدس مثلاً (احتلت العام 1967) رفض سكانها المشاركة في الانتخابات البلدية وبشكلٍ قاطع، فمن أصل 155 ألفاً لم يشارك إلا قرابة 2 بالمئة منهم (وقد كانوا موظفين رسميين في البلديات وسواها)، حسب إحصائية للكاتب داني روبنشتاين من صحيفة يديعوت أحرونوت.
هل كانت مقاطعة الانتخابات أمراً يستحق المجازفة؟ بالتأكيد. هل فكّرت به الأحزاب العربية في الداخل الفلسطيني؟ لا أظن.
2015-03-23