ارشيف من :ترجمات ودراسات
إمبراطورية الخراب تتوسع نحو أوروبا: الولايات المتحدة وداعش جنباً إلى جنب في أوكرانيا
الكاتب : Justin Raimondo
موقع Mondialisation.ca الالكتروني
11 آذار / مارس 2015
في الوقت الذي نحارب فيه تنظيم "داعش" في العراق وسوريا، وفي حين يشدد المسؤولون الأميركيون على ما يزعمون أنه خطر هجوم على الأراضي الأميركية، تقف واشنطن والخلافة جنباً إلى جنب في أوكرانيا. ففي سلسلة من المقالات المميزة على موقع "lntercept"، توقف مارسين مامون (Marcin Mamon) عند جانب من جوانب الصراع في أوكرانيا لم يسبق لأحد أن انتبه إليه. إنه الدور الذي تلعبه كتيبة دوداييف. والكتيبة المذكورة هي مجموعة قتالية تضم إسلاميين متطرفين من الشيشان، إضافة إلى مقاتلين من بلدان القفقاس الأخرى وعدد من الأوكرانيين.
وكان "مامون" قد حصل على مفاتيح التنظيمات السرية الإسلامية في أوكرانيا عن طريق عميل في اسطنبول اسمه "خالد" ويضطلع بقيادة فرع داعش المحلي. قال خالد لمامون :"إخواننا هناك". فذهب هذا الأخير، وهو صحافي، إلى أوكرانيا، حيث رتب له اتصالا مع عميل يدعى "رسلان". وهذا الأخير رافقه إلى معسكر موناييف السري.
وكان عيسى موناييف الذي قتل مؤخراً في شرق أوكرانيا هو من يقود كتيبة دوداييف المساة باسم، جوهر دوداييف، أول رئيس للشيشان بعد انفصالها [المؤقت] عن روسيا. ويعتبر رجال موناييف الذين يحقدون على الروس الذين يساندون متمردي شرق أوكرانيا، أنهم يسددون ديناً لأن كتائب القطاع الأيمن القومية المتطرفة التي تعمل حالياً في خدمة سلطات كييف كانت، فيما يبدو، قد ساعدت الشيشانيين في الماضي. والقطاع الأيمن هو جماعة شبه عسكرية تعلن صراحة عن طبيعتها النيوفاشية، كما أنه جند القسم الأكبر من القوات التي جعلت من الممكن قيام الانقلاب على فيكتور يانوكوفيتش، الرئيس الأوكراني السابق. هذا ويضم القطاع الأيمن عدداً من الكتائب أشهرها كتيبة آزوف، كما أنه يمجد الأوكرانيين الذين تعاملوا مع النازيين خلال الحرب العالمية الثانية وحاربوا القوات الروسية : اتهم القوميون المتعصبون بارتكاب فظاعات في الدونباس، كما اتهموا بترويع خصومهم السياسيين في الجبهة الداخلية. ويؤكد مامون أنهم شاركوا في الصراع ضد الروس في الشيشان رغم بعدها عن أوكرانيا. وهناك قاتل المسؤول الأكبر عن القطاع الأيمن، أولكسندر موزيشكو، إلى جانب موناييف وجماعته ضد القوات الروسية.
تنظيم "داعش" الارهابي
وينقل مامون عن رسلان أنه قال له : "أنا هنا اليوم [في أوكرانيا] لأن أخي عيسى [موناييف]، دعانا وقال لنا : ’’لقد آن الأوان لكي تسددوا دينكم. لقد سبق للإخوة أن جاؤوا من أوكرانيا وقاتلوا ضد [الروسي] العدو المشترك المعتدي والمحتل‘‘".
إلى جانب ما يتمتع به المحارب من أخلاقيات رفيعة المستوى، يشير مامون إلى سبب آخر يرجح أنه يفسر مساندة داعش لكييف. وهذا السبب هو تمكين الإرهابيين من ضرب أهداف غربية.
ويؤكد مامون أن "أوكرانيا هي بصدد التحول إلى محطة هامة لإخوة آخرين من نوع رسلان. ففي أوكرانيا، يمكنكم شراء جواز سفر وهوية جديدة. فمقابل 15 ألف دولار، يمكن للمقاتل أن يحصل على اسم جديد وعلى وثيقة حقوقية تثبت أنه مواطن أوكراني. أوكرانيا ليست جزءاً من الاتحاد الأوروبي، لكنها نقطة عبور تسهل الهجرة منها إلى الغرب. كما أن الأوكرانيين لا يواجهون صعوبات كبيرة في الحصول على تأشيرة دخول إلى بولندة المجاورة حيث يمكنهم أن يعملوا في الورش والمطاعم وغيرها من المجالات التي هجرها ملايين البولنديين الذين هاجروا للبحث عن عمل في بريطانيا وألمانيا".
تقول المزاعم إن داعش تنوي تنفيذ أعمال إرهابية في أوروبا، وإن قوى الأمن [الأوروبية] منهمكة في وضع لوائح بأسماء جميع المشتبه بهم في أنحاء القارة. ومع هذا، نجد أنفسنا أمام هذه الثغرة الواسعة في دفاعات الغرب والتي يتسلل منها "الإخوة" بكل ارتياح من دون أن تقوم وسائل الإعلام الغربية بكشف ذلك على الملأ. إذاً، بالتعاون مع جماعات قومية متطرفة كالقطاع الأيمن ممن شكلت كتائب عسكرية شبه مستقلة، فتح إسلاميو أوكرانيا ممراً نحو الغرب بفضل ما يحملونه من جوازات سفر أوكرانية.
إن الطلبات التي ترفع في واشنطن من قبل المشبوهين المعروفين بالإلحاح على الإدارة الأميركية بفتح قنوات التسلح، من أجل تزويد النظام الأوكراني بأسلحة فتاكة، باتت تشكل اليوم جزءاً من النقاش حول سياسة واشنطن الخارجية. لكن الأوكرانيين يقولون، على ما يؤكده العضو الرسمي في مجلس الأمن القومي الأوكراني، أوليغ غلادوفسكي، انهم قد حصلوا فعلاً على أسلحة فتاكة من بلدان يمتنعون عن التصريح بأسمائها. وبهذا الصدد، يقول غلادوفسكي :
"المساعدات تصلنا من أماكن لا نتمتع فيها بأي نفوذ ولا يثير فيها هذا الموضوع أي ضجة (لكننا أسهمنا، نحن أنفسنا، للأسف بإثارة الضجة في بعض الأماكن). أجل نحن نحصل الآن على مساعدة فتاكة من تلك البلدان".
ولكن، من اين تأتي هذه المساعدة ؟
يقول مامون : "هنالك في شرق أوكرانيا قواعد يرفرف فوقها علم الجهاديين". هل هي قواعد خاصة ؟ ولكن كيف تكون هذه المجموعات القتالية مجموعات خاصة ؟
الجيش الأوكراني هو جيش ضعيف مكون من جنود احتياط سيئي التسلح وضعيفي الاندفاع. وبالتالي، فإنه لا يشكل وزناً في مقابل "الانفصاليين" الذين يقاتلون فوق أرضهم ضد اجتياح قادم من الخارج. من هنا، يعتمد نظام كييف على هذه الجيوش الخاصة ليشكل من خلالها عموداً فقرياً لقوته القتالية. ويبدو أن هنالك صعوبات تعترض إقامة علاقة وثيقة بين الجيش الأوكراني النظامي وهؤلاء المتطوعين، إضافة إلى سياسة عدم تدخل تعتمدها كييف إزاءهم. وإذا كان النظام الأوكراني يعترف بشكل صريح بأنه يحصل على المساعدة من بلدان لا يفصح عن أسمائها، يصبح طرح السؤال التالي أمراً طبيعياً : هل تحصل كتيبة دوداييف على مساعدة مباشرة من المصادر ذاتها التي تقدم الأسلحة إلى المتمردين الإسلاميين المتطرفين في سوريا، أي من قطر والكويت والإمارات العربية المتحدة والمملكة السعودية ؟
وكما أن المتمردين المعتدلين في سوريا الذين يحصلون على التمويل والدعم من الولايات المتحدة يتسابقون بأعداد كبيرة إلى الانضمام لداعش، فإن الشبكة الجهادية الدولية تمد مخالبها إلى أوكرانيا لتفتح المعركة من جديد باسم إخوانها.
كان أولكسندر موزيشكو أحد عناصر الارتباط الرئيسيين بين الإسلاميين وفصائل القوميين الأوكرانيين المتطرفين. وقد قاتل موزيشكو إلى جانب الزعيم الإرهابي الشيشاني شامل باساييف الذي كان الرأس المدبر للمجزرة التي ارتكبت في بسلان خلال فترة الحروب الشيشانية.
وقد قتل موزيشكو العام الماضي في اشتباك مع الشرطة الأوكرانية، لكنه كان يشكل قبل مقتله الوجه الذي يطل منه المتطرفون الأوكرانيون على عموم الناس.
وفي شريط فيديو حظي بانتشار واسع، يظهر موزيشكو مع مجموعة من رفاقه في القوات الخاصة التابعة للقطاع الأيمن وهم يدخلون [قبل الانقلاب الأخير] إلى مكتب محافظ مدينة ريفن الواقعة في الشمال الغربي من أوكرانيا، وهناك قاموا بصفعه لأنه لم يقم بعمله بشكل يعجب موزيشكو. كما اقتحم موزيشكو اجتماعاً لمجلس مدينة ريفن وقال وهو يشهر بندقيته إن القطاع الأيمن لن يلقي السلاح على الإطلاق. صحيح أن السلطات قد ضاقت ذرعاً بـعنتريات موزيشكو المزعجة، لكن هذا النوع من التصرفات أصبح أمراً طبيعياً في أوكرانيا الجديدة. ومن المرجح أن تعامله السري مع تنظيم داعش قد أسهم أكثر من عنترياته في إثارة غضب السلطات التي نصبت له كميناً أدى إلى مقتله في 24 آذار / مارس من العام الماضي. ولكن هل كان تعامله مع خلية داعش في أوكرانيا قد أصبح معروفاً أكثر فأكثر من قبل الغربيين الذين كانوا يكتفون بالنظر من الجهة الأخرى وحسب ؟
إن تعامل سلطات كييف مع موقع متقدم لداعش في أوكرانيا ماثل ضمناً في مقالة مامون. فعندما ذهب هذا الأخير إلى معسكر موناييف بصحبة رسلان، لم يواجه الرجلان أية صعوبات على حواجز الجيش الأوكراني التي اخترقوها بفضل الرشوة. ومن أول مقالة مامون إلى آخرها، نسمع موناييف وهو يشتكي من الفقر : لقد علمنا أن كتيبة دوداييف تقوم بتمويل الجهاد من أعمال إجرامية. ومع هذا، فإن أحد صغار الهيئة الحاكمة في أوكرانيا، وهو معروف باسم "ديما"، يقدم لهم 20 ألف دولار. كما أنهم يبيعون العنبر في السوق السوداء "لأشخاص من الخليج الفارسي بينهم اغنياء من مشايخ الخليج" وهؤلاء هم على الأرجح من يؤمنون تمويلاً سخياً لداعش.
إن العلاقات متعددة وظاهرة نسبياً بين نظام كييف والجيب المخصص لداعش في أوكرانيا. فعندما وصل مامون إلى معسكر موناييف وجد بانتظاره سيارة مصفحة قدمها، على ما يقال، إيهور كولومواسكي، وهو أحد كبار الأثرياء في أوكرانيا والذي عين مؤخراً حاكماً على دنيبروبتروفسك. فعلى الرغم من اصله اليهودي، لا يجد كولومواسكي أي حرج في التعاون مع جماعات معادية للسامية بشكل مكشوف كالقطاع الأيمن وفي تمويل هذه الجماعات : فهو -شأنه شأن جهاديي داعش الذين قدم لهم سيارة مصفحة- يكره فلاديمير بوتين ولا هم له غير العمل من اجل مقاتلته.
دليل آخر على التحالف بين داعش وكييف نجده في عملية فرار آدم عثماييف، القائد المساعد لكتيبة دوداييف من أحد السجون الأوكرانية حيث كان يمضي فترة عقوبته بتهمة التخطيط لاغتيال بوتين. وبهذا الصدد، يقول مامون : بعد الانقلاب الذي جرى في كييف، قام موناييف ورفاقه بإخراج عثماييف من السجن، وعندما وصلوا إلى أحد حواجز الشرطة الأوكرانية، سمح لهم بالمرور مع كل ما في الأمر من غرابة... وفي خريف العام 2014، صرحت محكمة أوديسا فجأة بأن عثماييف قد أخلي سبيله بعد أن أمضى فترة عقوبته. وبعدها عاد عثماييف وموناييف إلى كييف وظهرت كتيبة دوداييف إلى الوجود.
ويؤكد مامون أن موناييف يلتقي بين حين وآخر عناصر من جهاز الأمن الأوكراني المعروف باسم "SBU".
وتضم كتيبة دوداييف حوالي 500 مقاتل، كما أن مجموعات جهادية أخرى تعمل في أوكرانيا بإشراف كتيبة "الشيخ منصور" الذي انفصل عن كتيبة دوداييف "واستقر بالقرب من ماريوبول في جنوب شرق أوكرانيا". وهنالك ايضاً مجموعتان من تتار شبه جزيرة القرم تضم كل منهما حوالي 500 جهادي.
وبالنظر إلى كون المساعدات القادمة من الولايات المتحدة تصل كالأمواج إلى أوكرانيا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو عن مقدار ما يصل منها إلى حلفائها الداعشيين، وعن الاستخدامات المستقبلية لهذه المساعدات. وإذا ما تمكن جون ماكين وليندسي غراهام من تحقيق مآربهما، فإن الأسلحة الأميركية ستصل قريباً إلى أيدي هؤلاء الإرهابيين. ومن المؤكد أن جهاد هؤلاء ضد روسيا سيغير وجهته نحو الغرب وسيضرب في العواصم الأوروبية.
إنه السلاح الذي يعود ويصوب نحو صدورنا مع رغبة بالثأر : نحن نخلق أعداءنا ونزودهم بأسلحة ليقتلونا بها، وكل ذلك في وقت نؤكد فيه الحاجة إلى جهد عالمي من أجل محاربتهم. إن العلماء المجانين الذي يصوغون السياسة الخارجية الأميركية يخلقون جيش وحوش من طراز فرانكشتاين، وهذا الجيش لن يتردد في ضرب منشئيه ممن تهدهدهم الأوهام.