ارشيف من :أخبار لبنانية
خطوط أميركية ممسوحة
قيس قاسم العجرش - صحيفة المدى العراقية
ماطلت الولايات المتحدة في ما يتوجب عليها فعله تجاه بناء الجيش العراقي، وهي الآن تبدي تذمراً من اضطلاع الحشد الشعبي بمهام الجيش، بل إنها لا تحبذ القوى السياسية التي انخرطت بهذا الأداء، رغم أنها ذات القوى التي تشكل الحكومة العراقية، التي تدعي الولايات المتحدة مساندتها في حربها على داعش.
لا أحد في الولايات المتحدة سبق له أن تحدّث عن ستراتيجية طويلة الأمد مع العراق، فقط هناك اتفاق الإطار الستراتيجي والاتفاقية التي عرفت باسم(صوفا) والموقعة عام 2008.
ووفقاً لهذه الاتفاقية فقد التزمت الولايات المتحدة بمهام تدريب القوات العراقية وتأهيلها ورفع كفاءتها وفقاً لحاجة العراق وتقديرات حكومته المُنتخبة حصراً.
لكنها،كأي التزام في السياسة بين طرفين، ستخضعه للضغط في التنفيذ طالما إن الإرادة السياسية التي تقف خلفه تخبّئ أغراضاً أخرى غير المذكورة في النصّ المُتفق عليه.
الاتفاقية تنص صراحة على"التعاون الوثيق في تعزيز وإدامة المؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات السياسية والديمقراطية في العراق"..هذا يعني أن للولايات المتحدة دوراً محورياً في بناء الجيش العراقي وبناء المؤسسات التشريعية العراقية، وفوق هذا، فإن عليها (مسؤولية) الحرص على الديمقراطية في العراق.
لكنّ المُتعارف عليه أن الحكومة الأميركية عادة ما تغضّ الطرف عن إساءات حلفائها في مجال حقوق الإنسان وتتعمد صم الآذان والعيون حين تنحرف حكومات هؤلاء الحلفاء عن السير على سكة الديمقراطية، والبعض من حلفائها لم يسمعوا بالديمقراطية أصلاً والأمثلة أكثر من أن تحصى.
فما الذي فعلته الولايات المتحدة في العراق وفقاً لـ"صوفا" هذه؟
في الحقيقة هي فعلت أسوأ السيناريوهات المتوقعة في النتائج، فقد قايضت التنفيذ مع مدى التزام العراق السياسي بالقرب من الموقف الأميركي السياسي..على الأقل هذا ما تبيّنه الشواهد اليومية.
مثال ذلك، المُماطلة في تكوين القوة الجوية العراقية، وتعطيل صفقات الطائرات النفاثة والمروحية نتيجة موقف العراق من الأزمة في سوريا الذي عدّته واشنطن مطابقاً لموقف إيران، خصيمتها الإقليمية.
وفي المقابل، سكتت الإدارة الاميركية عن انحراف الديمقراطية في العراق دون أن يكون لها موقف وفقاً لمنطوق التزاماتها الموصوفة في "صوفا" وتركت الحكومة السابقة تكسر الحدود الواحد تلو الآخر لغاية أن تحركت دبابات وقطعات مسلحة مؤتمرة بأمر رئيس الوزراء لتحاصر البرلمان والمقار السياسية المهمة، بعد أن ضاعت فرصة الولاية الثالثة في أيلول 2014.
وقبلها وقفت الحكومة الاميركية موقفاً متفرجاً لا يتفق مع منطوق الاتفاقية في تكرار القصف التركي لحدود العراق حتى قبل أن تظهر سيطرة داعش الى العلن.
باختصار، وضعت الولايات المتحدة مسؤولياتها في الاتفاقية على مدى ستة أعوام في كفة مقابل طبيعة أداء الحكومة العراقية، وياليتها تابعت الأداء على طريق الديمقراطية، إنما اقتصرت على التقييم بمدى قرب أو بعد الموقف العراقي من مشاكل أميركا الإقليمية وحروبها.
الولايات المتحدة، كانت مهتمة بإيجاد حكومة عراقية بعيدة عن تأثير إيران، لكنها لم تسأل نفسها لماذا على هذه الحكومة أن تعادي إيران؟..هل يمكن ان تعتمد مثلاً على الدعم الأميركي؟..لم تشعل الولايات المتحدة الحطب تحت قدور طبيخها أبداً..حتى ولو على سبيل الوعد.
ما زلت أسال نفسي هنا، لماذا على الحكومة العراقية ان تعادي إيران مقابل أن تفعل الحكومة الأميركية(لا شيء)!!..مع حلفائها الذين يستمرون بابتزاز العراق؟
على الولايات المتحدة ان تجيب بصراحة عن أسئلة مستحقة تماماً.
ما الذي فعلته مع حليفتها(الناتوية)تركيا لتصد شيئاً من سيل الإرهابيين تجاه العراق؟...هل تصوّرت فعلاً أن إرهاب داعش سيتـّجه تجاه الجيش العراقي ولن يتعرض لإقليم كردستان؟.
وقبل كل شيء، هل يمكن التوقع بأن تنظيماً إرهابياً عالمياً ألّا يكون قد فهم اللعبة وصار يستخدمها لصالحه بعد أن استخدم هو كتنظيم على شكل وسيلة ضغط؟
إن التعامل مع ملفات بهذا الحجم باعتبار ان جميع اللاعبين هم لاعبون مبتدئون وغير محترفين هو أمر يقوّض أي معنى لكلمة (ستراتيجي) في أي سياسة تتبعها الولايات المتحدة في المنطقة. فهل سيكون تغيير الطريقة الأميركية في التعاطي مع اخطار المنطقة هو المفتاح أم أن هنالك مفاتيح أخرى ومازالت ضائعة؟