ارشيف من :آراء وتحليلات

جزر ومضائق ’تيران’ الاستراتيجية - تحت المجهر- (الجزء الثاني)

جزر ومضائق ’تيران’ الاستراتيجية - تحت المجهر- (الجزء الثاني)
نيكول يونس
مما لا شك فيه ان الرئيس المصري جمال عبد الناصر حاول استثمار مضائق تيران و الجزر الاستراتيجية - بعد تخلّي الملك فيصل عنها لصالح العدو - من خلال استخدامها كنقطة تهديد جوهرية في حصار الكيان الصهيوني عسكرياً . فقد شرع في أيلول 1955 بتطبيق "سياسة الخنق الاستراتيجي" ضد الكيان الصهيوني بإصداره قوانين تنظيم الملاحة عبر هذه المضائق، ما أجبر " كل السفن التي تريد دخول المضائق على إبلاغ المكتب المصري المكلف بالإشراف على الحصار الاقتصادي لـ"اسرائيل" قبل 96 ساعة ".

وقد اعتبرت مصر المضائق مياهاً مصرية إقليمية يحق لها تطبيق ما يعرف بالمرور البريء للآخرين. وبموجب ذلك ركزت مصر بطارية مدفعية ساحلية وكتيبة مشاة في رأس نصراني المشرف على المضائق ونشرت بطارية مدافع م/ط في منطقتي شرم الشيخ ورأس نصراني ونشرت وحدات من حرس الحدود في جزيرتي تيران وصنافير.
هذا الزمن الجميل الذي لم يدم إلا أشهرا قليلة قبل عدوان الـ 1956 ، حيث طُمست آثاره بسياسة السادات "الكامبديفيدية" . فأصبحت هذه الجزر والمضائق العربية الاستراتيجية، طريقَ "السلام" (الاستسلام دون قتال) الأقدم مع كيان العدو.

جزر ومضائق ’تيران’ الاستراتيجية - تحت المجهر- (الجزء الثاني)
ارض الحجاز تحت الرقابة الاسرائيلية

من حكم آل سعود إلى الشرع الـ"كامبديفديّ" وما بينهما : طريق السلام الأقدم السعودي - المصري مع الكيان الصهيوني:
بقيت الجزر ومضائقها الاستراتيجية خاضعتين شكلياً للسيادة السعودية حتى حرب 1967، حيث استعملها الكيان الصهيوني حجة لإشعال حرب الأيام الستة؛ فقد بدا واضحاً في بعض المراجع أن  الرئيس المصري جمال عبد الناصر طلب إلى المملكة السعودية "استعارة" الجزر واستخدمها لإغلاق مضائق "تيران" من جديد. 
سيطرة مصر على  هذه المضائق كانت السبب المباشر، حسب العدو، لقيام حرب السويس (العدوان الثلاثي) عام 1956 أيضاً.  لكن بعد نكسة  الـ 67 كانت الجزيرتان قد احتلتا من قبل العدو الصهيوني. واختفى مع الاحتلال أي ذكر لها أو لمضائقها على مختلف الصعد. حتى أصبح يخيّل للعربي أنها كانت جزراً من الملح فذابت في البحر لقدرها المحتوم.
تخلى الجميع مجدداً عن الجزر السبية ، فتم إنكارها على كل المنابر، و نبذت في كل الاتفاقات السياسية، وأُقصيت عن كل كتب الجغرافيا، وحتى عن معاجم اللغة، ولفظها العرب وتقاذفوها كتهمة عار.

"لا يا عم الجزر دي مش بتاعتنا...دول تبع أرض الحجاز"!
هذا تصريح للرئيس المصري أنور السادات في إحدى خطبه العلنية فيما يخص جزر ومضائق "تيران" الاستراتيجية "السبية".
موقف بديهي من السياسة "الكامبديفيدية". التي ضمنت للصهاينة عبر الاتفاقية المشؤومة عام 1978 ، حرية مرور سفنه عبر قناة السويس، واعتبار مضائق "تيران " وخليج العقبة ممراً دولياً، أو بالمعنى الأصح أصبح "ممراً آمناً للكيان الغاصب".كما سمحت الاتفاقية بـ" تمركز قوات الأمم المتحدة في شرم الشيخ لضمان حرية المرور في مضائق "تيران".
 كل ذلك جاء مقابل استبدال صوري بين جنود الاحتلال والجنود الامريكيين المكلفين من قبل القوات متعددة الجنسيات لضمان أمن الممر باتجاه خليج العقبة / خليج "إيلات" . وبالتالي تحقيق ما كان قد صرح به "أبا إيبان" وزير خارجية الكِيان الإسرائيلي الأسبق : "نحن قلنا إن الوضع الطبيعي لـ"إسرائيل" هو الانسجام الإقليمي، ولكن إذا تعذَّر ذلك، فسنعمل على زرع العلم الإسرائيلي في عشرات العواصم ونعمل على خلق وجود دولي."
هكذا أصبح أي تحرك على الأرض أو في الماء العربية مقابل الجزر سواء في جمهورية مصر العربية أو المملكة العربية السعودية يعتبر تهديدا مباشراً و"إعلانا فوريا للحرب".  آخر المحطات كان في العام المنصرم حيث  اعترض الكيان الصهيوني بشدة على المشروع  المصري - السعودي الساعي لإقامة جسر يربط  البلدين مروراً بـ"تيران" . وحسب الاذاعة الاسرائيلية: " إن "إسرائيل" تعتبر بناء جسر فوق جزيرتي تيران و صنافير تهديدا استراتيجيا عليها كونه يعرض حرية الملاحة من وإلى منفذها البحري الجنوبي للخطر". وتضيف الإذاعة العبرية أن المملكة الأردنية الهاشمية تشارك الصهاينة خوفهم وتعترض بدورها أيضاً على بناء الجسر المذكور.
هكذا تتسع بقعة الأنظمة المؤازرة للعدو بعد الاتفاق السري (الذي أصبح علنيا لاحقا) بين الملك السعودي الراحل فيصل بن عبد العزيز والكيان الغاصب لتشمل مصر "السادات" عبر اتفاقية كامب دايفد المشؤومة، المملكة الأردنية  الهامشية .

(أرض الحجاز تحت الرقابة الإسرائيلية): "27 ش"، فضيحة شركة الأمن البحري "سيغال" الإسرائيلية:
ليس " 27 ش " رمزاً لإحداثية بسيطة عابرة. بل لمنطقة استراتيجية تهدد أمن الكيان الصهيوني. و للمفارقة هي تابعة لأرض الحجاز. ولكنها في الوقت عينه تحت السيطرة الأمنية للكيان الغاصب.
" 27 N " او "27 ش"، هي إحداثية موقع جزيرة "تيران" الاستراتيجية،  كما يورد موقع شركة "سيغال" الاسرائيلية.  الشركة هذه متخصصة بالأمن البحري، وتقدم  خدماتها العسكرية  والأمنية في خليج العقبة و على جزرنا العربية على وجه التحديد. لم تكتف اسرائيل بوضع الجزر تحت الرقابة الامنية الامريكية المتمثلة بقاعدة مراقبة دولية "ظاهراً" - أمريكية "فعليا" يتواجد فيها 1900 جندي أمريكي مكلفين حماية الممر الأمني المائي باتجاه الكيان الغاصب،  أصرت اسرائيل على ضمان أمنها عبر شركاتها الخاصة.

وها هي شركة "سيغال" الإسرائيلية تنشر قواتها على الجزيرة السبية. والفضيحة تكمن في مجاهرة شركة الأمن البحري هذه على موقعها منذ سنوات أيضاً دون أن يرفّ لأصحاب الأرض والماء جفن. بل يحاولون طمس القضية إعلامياً، والتعتيم كلياً على وثائق "التخلّي" من قبل الملك السعودي سابقاً.
وبنقرة بسيطة على موقع (www.seagullsecurity.com  سيظهر للقارئ توصيفات الشركة. حيث تقوم بتحديد مختلف مراكزها على البحر الأحمر. أهمها، "ذو الخاصية الفريدة"، مركزها على المياه  والأرض العربية. تحت معطى "27 ش"  - 27N- وبحسب التعريف الواضح الوارد في الموقع :

"- إنَّ شركة سيغال للأمن البحري هي من بين الشركات القليلة القادرة على انزال وتحميل حراس مسلحين في جزيرة تيران.

- الشركة تملك مركز تخزين للسلاح في مرفأ ايلات، بأمكانه مع زوارقنا السريعة أن يسمح لنا بتأمين، خدمة انزال وتحميل مرنة وفريدة لفرقنا الأمنية على امتداد خليج العقبة و البحر الاحمر (27 درجة شمال الابحر الاحمر، مرفأ إيلات و مرفأ العقبة)  .
- هذه الأفضلية تسمح لنا بتخفيض الكلفة وإبقاء بديل راسخ للسويس ، مصر، لمصلحة عملائنا (زبائننا).
2015-03-28