ارشيف من :آراء وتحليلات
هل يقدم نتنياهو على مغامرة عسكرية؟
"لا يفيد الخراف أن يمرروا قرارات داعمة للامتناع عن أكل اللحوم إذا ظل الذئب على رأي آخر"
- وليم رالف إنغ(كاتب انكليزي)-
انتصر اليمين في "إسرائيل" .. فماذا لو انتصر اليسار.. يتبرع بالإجابة سلفاً "أبراهام بورغ" رئيس الكنيست الأسبق، في شرح الفرق، جاء ذلك في برنامج "تحت المجهر" قبل قرابة الشهر على قناة "الجزيرة": "اليسار يدعم الأفكار دائما ولكن اليمين هو الذي ينفذها". هذه شهادة واحدٍ منهم. فيما التاريخ يشكل أكبر شاهد، فقد اغتصبت فلسطين على يد عصابات "ماباي"، ويعني بالعبرية "حزب عمال أرض إسرائيل"، وهو مُصنف في خانة اليسار لأنه نادى بالصهيونية الاشتراكية؛ وعلى يد "الماباي" جرى ترحيل الفلسطينيين بعد نكبة 48. وفي سنوات حكمه الطويلة فرض الحكم العسكري القمعي على ما تبقى منهم. ومع هذا اليسار تم التوسع في عدوان حزيران/يونيو 67 باحتلال المزيد من الأراضي العربية .. فلا فرق بين اليسار واليمين من حيث الجوهر فكلاهما مصرٌّ على الاءات الثلاث :لا لحق العودة ، لا للعودة إلى حدود 1967 ، ولا لتقسيم القدس. بوصفها "العاصمة الأبدية لدولة أسرائيل"!!.
لمــاذا فاز اليمين وخسـر اليســار؟...
ينشغل الباحثون بالسؤال عن الأسباب التي أدت إلى فوز ما يسمى باليمين. مع أن كل الإحصاءات تشير إلى توسع الفوارق الطبقية في "المجتمع الإسرائيلي" مع انتشار الفقر في صفوف اليهود أنفسهم بسبب السياسات الاقتصادية التي أنتهجتها حكومات الليكود. وهذه المفارقة دفعت بعض المتحمسين لليسار ليطالبوا بوقف دعم الجمعيات الخيرية بداعي أن نسبة الذين أعطوا لليكود كانوا من الفقراء !. يحاول عدد من الباحثين الإسرائيلين الأجابة على السؤال.
من بين هؤلاء "شلومو بن عامي" الذي يردها لعجز اليسار عن اختراق التجمعات للسكانية للمهاجرين، وهي بطبيعتها وتكوينها متطرفة، البرفسور "سامي ساموحا"، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة حيفا يتفق مع بن عامي ويرى أن "تبني المواقف المتطرفة هي الماركة الوطنية المسجلة في إسرائيل بالنسبة للمهاجرين الجدد " !! ؛ ويلاحظ "ساموحا" أن السبب في اندفاع المهاجرين نحو اليمين، واتخاذ مواقف عنصرية من العرب جاء تأكيداً على إخلاصهم لـ " الوطن الجديد "، باعتبار أن المواقف العدائية من العرب ينظر إليها كدليل على "الوطنية "!، مشيراً إلى أن الذي يدلل على الرغبة في التمايز هو حرص المهاجرين الجدد على التطوع للخدمة في الوحدات المختارة والخاصة في الجيش الإسرائيلي عندما يحين موعد خدمتهم العسكرية الإلزامية.
أما البرفسور "يهودا شنهاف" - رئيس جميعة "قوس قزح شرقي "، التي تدافع عن حقوق اليهود الشرقيين - فيرى أن معظم الشرقيين يرون أن الأحزاب اليمينية هي الكفيلة بالدفاع عن حقوقهم ومصالحهم و" إنصافهم من الغبن الطائفي " الذي يعانون منه منذ الإعلان عن "الدولة"، منوهاً أن استلاب هذه القناعة دفع اليهود الشرقيين لمنح ولائهم بشكل أساس إما لحزب الليكود، أو لحركة " شاس " الأرثوذكسية ذات التوجهات المتطرفة التي رفعت راية رفع الغبن ومواجهة التميز ضد الشرقيين.
بنيامين نتنياهو
سيجد المدقق فيما سبق من أسباب وردت على لسان باحثين صهاينه أنها تنبع بمجملها من جذور تكوينية صنيعة "اليسار الإسرائيلي" نفسه، إلا أن الفارق هو في أن اليمين استطاع استثمارها بطريقة افضل!... فمن جهة المستوطنات يعتبر اليسار بمثابة الأب والأم لها، فقد قامت في كنفه بدايةً على أراضي الـ 1948 ثم في الضفة الغربية ونتذكر أنه بعد أيام من احتلالها تم وبتاريخ 28 حزيران/ يونيو 1967 وفي ظل حكومة أشكول العمالية تمت مصادرة الأراضي العربية لإقامة الأحياء اليهودية حول القدس بعد سرقة 40% من مساحة القدس العربية ؛ فضلا عن بناء 15 مستوطنة تحيط بالمدينة المقدسة من جميع الجهات آنذاك.
أما الغبن الطائفي الذي يعاني منه اليهود الشرقين –السفرديم - فهو صناعة اليسار الذي على يديه تأسس الكيان الصهيوني، فقد شكل الأشكناز(وهم نصف سكان الكيان الغاصب)- يهود أوروبا وروسيا وأمريكا - البناء الأساس ( للمجتع الأسرائيلي) عند ولادة الكيان، ومارسوا تمييزاً ضد نظرائهم من اليهود الشرقين- سفارديم - ويبدو هذا جلياً في مجالات الصحة والتعليم ومواقع القرار أو إدارة المؤسسات إلا من استثناءات محدودة.
وبناء عليه، وبعد مرور 67 عاماً على الاحتلال ما زال اليهود الغربيون - الأشكناز- يتحكمون بمفاصل الحياة لديهم. غير أن كل ما سبق لا يشكل أسباباً جوهرية للميل نحو اليمين . وبالرغم من كل ما سبق فإن باحثين إسرائيلين من أمثال "عكيفا إلدار" الذي يرى أن الخوف على المصير هو وراء تحول "الجمهور الإسرائيلي" إلى اليمين وهذا على خلفية رواج " نظرية عدم وجود شريك فلسطيني أو عربي" ؛ المفارقة أن المقولة أطلقها "ايهود باراك" زعيم حزب العمل، والذي يصف نفسه بـ " زعيم معسكر السلام"!!... لكن اليمين استثمرها بشكل أفضل فقد استطاع أن يضرب على الأوتار الحساسة في مجتمع مفعم بالعنصرية والقلق على المصير لدرجة أنه لم يعد يقبل ارتداء اليسار قناع "السلام" ومن غير ان يشفع له دوره التاريخي في بناء الكيان!.
هذه العنصرية تتجلى بقول عكيفا الدار المذكر، وعلى طريقته الصهيونية : "الجمهور الإسرائيلي جمهور ذكي وفطن وهو يلحظ معالم نفاق اليسار، فيبتعد عنه لتأييد اليمين بسبب وضوحه وصراحته ". .وهنا ومن باب الاستطراد تلفتنا نظرية "عدم وجود شريك عربي" لنسأل :اي عرب ما عادوا شركاء لإسرائيل! إلا من رحمه الله .
يبدو أن مفهوم الشراكة له تعريف آخر في العقل الصهيوني! ..وخلاصة الخلاصات أن اليسار الصهيوني هو أستاذ اليمين! وما الأخير إلا تلميذه المتمرد!!. وقد بدا ذلك جلياً في إحدى المرات عندما اختلف بيريز مع نتنياهو حول "قانون القومية" حيث قال نتنياهو فيما قال:
" كان بن غوريون رسولا من التاريخ. لم يكن إعلان الاستقلال نهاية الطريق، ولكنه كان مرحلة في الطريق لتحقيق حلم الصهيونية. وقد شدد بن غوريون كثيرا على كون إسرائيل مدينة يهودية." !!. يا له من تلميذ نجيب من اليمين لزعيم صهيوني من اليسار!!.
الرابحــون والخاســرون
يمكننا القول أن فوز اليمين كان أمراً مفاجئاً ومزعجاً لواشنطن كما عواصم اوروبية أخرى، ولعل السبب الأساس يكمن في نتنياهو الذي تحول إلى "صبي مغرور" ومزعج كونه لم يعد يعرف حدوده، محاولاً الخروج عن المتاح له ضمن قواعد اللعبة الكبيرة التي ترسمها المؤسسات الحاكمة في أمريكا!... وهذا بالطبع من غير أن تتخلى واشنطن عن التزاماتها حيال إسرائيل، ولكن مع المحافظة على حيِّز لها تحرص عليه للمناورة، وغالباً ما تكون مناوراتها خداعية كسراب الحل السلمي أو أكذوبة الدولتين... وغيرهما.
وفي عملية مكياج سياسي لعدم إحراج "أصدقائها" العرب!!.فيما معظمهم رضخ عملياً وبات بين مطبع او منسق مع "اسرائيل" سراً !!.. المفارقة ان عرباننا المتصهينين باتوا يعتبرون وصول نتنياهو على رأس حكومة يمينية في هذا الظرف مكسباً لهم، لأنه يحيي الأمل لديهم في إمكانية استدراج "إسرائيل" لضرب ايران، وفي دعمها الآن لعملية "عاصفة الحزم" ضد اليمن، وقد أعلنها الإعلام الإسرائيلي على كل حال صراحة: "إننا والسعودية في خندق واحد".
أما الاخرون، ممن تبقى من العرب فهم مصدومون من فوز اليمين وفي طليعتهم السلطة الفلسطينية لأن اليمين الإسرائيلي –"الواضح وغير المنافق" بنظر الإسرائيلين!!- لن يكترث بمسألة حفظ ماء وجه الأنظمة، ما سيضعهم في زوايا لا مجال فيها لخداع شعوبهم أو بيعها وهم السلام !.. أما عند الذين لم يضيعوا البوصلة فيرون أن اليمين الإسرائيلي بما هو عليه من حماقة وغرور سيحشر أصدقاءه الغرب بما لا يمكِّنهم - في هذا الظرف - من أن يفعلوا شيئاً يذكر إذا اقدم على مغامرة عسكرية ..مغامرة ينتظرها المقاومون ويتوقونها لتصبح فرصةً لتغير وجه المنطقة.
هنا التوثب، وهناك العرب الأخرون بين الوهم و الصدمة.!! .. يا للمفارقة!!!.
(*)عضو الأمانة العامة للحركة الوطنية للتغير الديمقراطي