ارشيف من :آراء وتحليلات

ماذا في الاجتماع العربي ؟

ماذا في الاجتماع العربي ؟
"يستطيع جيش روما أن يحتل أي مدينةٍ في العالم، فهو يجتمع في أقل من ثلاثة أسابيع؛ ندفع للحيثيين والسلتيين والآريسيين ونستجر الأحباش والأفارقة، فيتشكل الجيش.. نحن بسهولة: نربح الحرب، ولا تخسر روما أي من أبنائها".
بيراكليطس (مؤرخ روماني)


لا يحتاج المرء إلى كثيرٍ من "خيال" كي يفهم ما كان سيحدث في القمّة العربية في القاهرة. كان الأمر بسيطاً إلى حدٍ كبير، فمن يقرأ السياسة في الوطن العربي المترامي يقدر بسهولةٍ بالغة أن يعرف النتيجة التي سيخرج منها المجتمعون: فالقاعدة العقلية واضحةٌ للغاية: طبيعة المجتمعين تحدد طبيعة اللغة المستخدمة والنتيجة التي سينتهون إليها. فكيفما كانت نتيجة اجتماع السعودية (ودول الخليج خلفها) مع دولٍ تدور في فلكها على أرض مصر السيسي فهي حتماً ليست في صالح العرب أينما كانوا أو حلّوا.

ماذا في الاجتماع العربي ؟
العدوان السعودي على اليمن الى اين ؟

ماذا في الاجتماع؟
يجتمع العرب اليوم لا لأنّهم اختاروا أن يجتمعوا، بل لأن "أميراً مترفاً يجلس في قصره" قرر أن دولةً "فقيرة" مجاورة له، لا تطيعه، وعليه أن يؤدبها. أجل، لهذا يجتمع العرب اليوم. قد لا يصدق متابعٌ غربي أن هذا ما يحدث - فعلاً - في الوطن العربي في القرن الحادي والعشرين، وفي العام 2015. في هذا العام لا يزال هناك "أميرٌ" في مكانٍ ما، في دولةٍ تحكمها الصحراء يعتقد بفكرة "المملوك والمالك"، فيقرر لا أن يحارب من "تجرأ" عليه فحسب، بل يجمع كل "حلفائه" كي يفعل ذلك. يجلس ذلك الأمير في شرفة قصره، يأخذ صوراً توحي بأهمية ما يحدث، يصوّر أولاده يتحدثون مع ضباطٍ في جيشٍ لم يحارب أبداً منذ عشرات السنين. يأمر أن تدور طائراتٌ حول قصره وينشر "جنوده" جيئةً وذهاباً حول المكان ليؤكد أن لديه جيشاً قادراً وفاعلاً على الدفاع عنه وتحقيق ما يريده. لا يدرك ذلك الأمير/الملك - لكثيرٍ من أسباب - أنَّ الحروب لا تخاض هكذا، وأن الجيوش لا تبنى بهذا الشكل، فهي تحتاج إلى تدريبٍ عالٍ وأن العتاد مهما كان "منمقاً" ومتطوراً وحديثاً لا يكفي كي تفوز بالحرب، حتى إنه لم يتنبه أبداً لحكايا التاريخ: هل ينسى أنَّ اليمن - فعلياً - هزم غزاة عتاةً كثيرين من قبله؟ لا يهم، فهو لن يحارب أصلاً، هو سيكون "أذكى" من كل هذا، هو سيجعل "الحلفاء" - المدفوعين الأجر- يفعلون ذلك عنه.

الحلفاء؟

ماذا عن الحلفاء إذاً؟ يأتي الحلفاء لهذه الحرب لا لأنهم يرغبون في أن يكونوا فيها، بل لأن المال "النفطي" مغمسٌ بالعرق والدم وقلة الكرامة. هكذا هو المال السعودي بكل بساطةٍ ووضوح. يأتي الأمير فيأمر، فيطيعه "الموظفون"/"المستكتبون"/المسترزقون، هكذا هي الصورة على شكلها المباشر. ولمن فاته شيءٌ من أحداثٍ خلت، يمكنه تذكّر دور "الدرك" الأردنيين في الأزمة البحرينية حيث شاركت كثيرٌ من وحداتها في قمع الثورة هناك، حتى وإنهم لعبوا دوراً كبيراً في "ضبط" الأحوال والأحداث. هل كان ذلك "مجانياً"؟ كلا لم يكن، هل كان ذلك الأمر مفيداً للحاكم/الملك؟ بالتأكيد. ماذا عن البقية؟ لا يكتنف دور بقية الحلفاء كثيراً من السرية: تحتاج السعودية فعلياً إلى رأس حربة يقاتل على الأراضي اليمنية إذا ما دخلت مرحلة الحرب البرية. تكمن مشكلة الحرب البرية أن اليمنيين مقاتلون أشداء، يعرفون أرضهم جيداً، فضلاً عن كونهم يستعملون السلاح منذ حداثتهم، بالتالي ليس من السهل دخول مناطقهم دون خسائر في العدد والعديد، والعدة والعتاد من الجانب السعودي. إذاً ماذا عن استجلاب مقاتلين "مرتزقة" كما كان يفعل أمراء العصور القديمة؟ يسعى السعوديُّ إلى استحضار مقاتلين باكستانيين وعرب (مصريين، أردنيين، وسواهم) والأهم ألا يكونوا خليجيين كي يحلوا له تلك المشكلة المستعصية، فأبناء الآخرين - غير السعوديين - رخيصو الثمن، ترميهم حكوماتهم مقابل بعض الفتات. هل سيسأل أحدٌ عنهم إذا ما سقطوا؟ هل سيقول رئيسهم ذات مرة أن "حذاءهم أغلى من رأس الملك سعود" كما فعل الرئيس المصري جمال عبدالناصر يوماً؟ تبدو الإجابة واضحةً للغاية.

النتيجة؟
يحتاج المتابع هنا إلى بعض الشرح كي يقدر على استخلاص النتائج من المعركة القادمة. يعرف الجميع أن الضربات الجوية مهما "قست" واستفحلت لن تحقق نتيجةً من أي نوع، وأنّها ببساطة تستطيع الإيذاء لكنها لا تحسم حرب أو معركة حتى. إذا باختصار يجب الولوج إلى المرحلة البرية خصوصاً إذا ما قررت السعودية أن ضرباتها الجوية لم تحقق ما هو المطلوب، مع العلم أنّها عبر وسائل اعلامها (كالعربية مثالاً) تقول بأنها قد حققت قرابة 50 بالمئة من أهدافها (ولا يعرف حتى ماهية تلك الأهداف التي تحققت حتى اللحظة). فهل تتوقف السعودية بعد مرحلة الضربات الجوية؟ في هذا الأمر هناك احتمالان أساسيان: الأول يقوم على فكرة أنها لم تستطع تأمين "مرتزقةٍ" يقاتلون في ظروف اليمن الجغرافية الصعبة، ولأنها تعرف تماماً أن الجيش السعودي وحده لا يستطيع "حسم" تلك المعركة، حيث يبدو أن الباكستان ترفض المشاركة في عملياتٍ عسكرية باليمن، ومصر تريد المساعدة لكن ليس بالمشاركة في حربٍ كاملة وحدها، أما الأردن فهو لايمتلك هذا العديد الذي يؤهله للدفع باتجاه "معركة فصلٍ" يمنياً، أما بقية دول الخليج فتقتصر بالتأكيد مشاركتها على الدعم اللوجستي والمعنوي وبعض الجنود غير "المختبرين" في ساحات القتال. وإذا لم يحل هذا الأمر، ستبدأ وسائل الإعلام المحسوبة "سعودياً" (تقريباً 80 بالمئة من الإعلام العربي) "بالتطبيل والتهليل" بأن الحسم قد حدث وعملية "عاصفة الحزم" قد حققت مقتضاها، ويخرج علينا أحد الأمراء السعوديين شارحاً لنا كيف حدث النصر وهكذا. يبدو هذا الاحتمال عملياً هو الأقرب.
يأتي الاحتمال الآخر هو أن تستطيع السعودية تأمين "يد" عاملة محاربة، هنا سنكون أمام سيناريو مختلف وجدير بدراسة مطولة إذ أن المعارك ستأخذ طابعاً "شرساً" وحاداً للغاية. تغدو المعركة آنذاك حرب حياة أو موت بالنسبة لأنصار الله، والمرتزقة مهما "دفع" لهم غير مستعدين للموت "بسهولة" إذا ما احتدم وطيس المعارك، ومن يقرأ التاريخ يعلم تماماً أنه حتى أكثر "المرتزقة" احترافاً لا يخوض معركة يعرف أنه لن يخرج منها حياً كي "يصرف" المال الذي جناه (يمكن مراجعة تجارب منظمة بلاك ووتر مثلاً في العراق).
في الختام، تبدو الأمور واضحةً للغاية لمن يقرأ اليمن وحركته السياسية جيداً: إنها معركة يريد "الملك" إثبات أنه لا صوت فوق صوته، ولكن ما يفوت هذا الملك أن هذا العصر قد انتهى، وأن عصر "الشاهات" و"الملوك" والأباطرة قد غاب إلى غير رجعة.
2015-03-30