ارشيف من :آراء وتحليلات
خلط الاوراق بعد تحرير تكريت
ربما كان متوقعا ان تأخذ الحملات الاعلامية والسياسة التحريضية ضد قوات الحشد الشعبي بعد تحرير مدينة تكريت من عصابات داعش أبعادا أوسع وأشمل، كردة فعل على تلك الانتصارات ومن كان وراءها، وكتعبير عن هواجس الخوف والقلق مما يطلق عليه اسم "التمدد الشيعي" الى المحافظات والمناطق ذات الهوية السنية، وأكثر من ذلك تمهيد الارضيات والنفوس لدى أبناء محافظات الأنبار ونينوى ودفعهم إلى رفض مشاركة قوات الحشد الشعبي في تحرير محافظاتهم من داعش، كما حصل في محافظة صلاح الدين.
وفي المرحلة الاولى لهذه الحملات التي بدأت مع تحقق الانتصارات في امرلي وجرف النصر وبلد وسامراء والضلوعية وبلغت ذورتها مع انطلاق معركة تحرير تكريت، لم يتحقق المراد، رغم ضخامة وتعدد الوسائل الإعلامية والمنابر السياسية العالمية والعربية والاقليمية التي شاركت بتلك الحملات، لذلك كان لا بدَّ من مرحلة أخرى علها تحقق المطلوب، وبالفعل فإن المرحلة الثانية انطلقت مع بزوغ فجر الانتصارات في تكريت.
وأبرز عناوين المرحلة الثانية للحملات ضدَّ الحشد الشعبي، كانت السلب والنهب والحرق، وقد تبنت تلك المرحلة الأطراف والجهات نفسها التي تبنت المرحلة الاولى.
فهناك أشخاص يشغلون مواقع تنفيذية أو تشريعية في السلطات الحكومية، سواء الاتحادية في بغداد، أو المحلية في بعض المحافظات، وتحديدا صلاح الدين ونينوى، راحوا يسردون قصصا ووقائع عن جرائم وتجاوزات ارتكبها الحشد الشعبي في المناطق المحررة من داعش دون ان يتمكنوا من اثبات ادعاءاتهم بأدلة وأرقام وشواهد يعتد بها، وحينما توجه إليهم أسئلة واستيضاحات بهذا الخصوص، يقولون أن القنوات الفضائية الفلانية عرضت تقارير مصورة عن عمليات السلب والنهب والحرق.
الجيش العراقي
واللافت في هذا الخصوص، أن تلك القنوات، كانت من أبرز المساهمين في هذه الحملات، وهي ذاتها لا يمكن أن تثبت أن قوات الحشد الشعبي هي التي كانت تحرق وتسلب وتنهب في التقارير التلفزيونية والصور التي بثتها ونشرتها.
فقنوات الجزيرة والعربية والشرقية والـ cnn وغيرها، لم تكن حاضرة في ميادين المعارك من جانب، ومن جانب اخر كانت - ولا تزال - تقوم بشراء مقاطع فيديو تم تسجيلها عبر الهواتف الذكية من مدنيين لقاء مبالغ مالية كبيرة، ناهيك عن كونها تلجأ الى فبركة مقاطع لانتهاكات وتجاوزات في دول اخرى غير العراق، وتبثها على انها تجاوزات لقوات الحشد الشعبي على ابناء المناطق المحررة.
في وقت لم تكلف تلك القنوات نفسها لبث ولو القليل القليل مما ارتكبته الجماعات الارهابية المسلحة من جرائم فظيعة، لعل ابرزها واوضحها للعيان جريمة قاعدة سبايكر الجوية التي راح ضحيتها ألف وسبعمائة شخص من طلبة كلية القوة الجوية، ومعظمهم من محافظات الجنوب والفرات الاوسط.
المفارقة ان الساسة العراقيين، والعرب، وغيرهم من الأجانب، يستندون في ادعاءاتهم على ما تبثه القنوات المشار إليها ومن يتبنى النهج نفسه من قنوات أخرى وصحف ووكالات ومواقع الكترونية، وبدورها تعمد الاخيرة الى تسويق واجترار ما يقال على لسان هؤلاء، حتى ليبدو للمتتبع ان القضية منسقة، وان هناك من يدير ويوجِّه لتلك الأمور من خلف الستار.
الى جانب ذلك، فإن "الماكينة" الإعلامية والسياسية التي تصدت للحملات، تعمل جاهدة على تغييب الرأي الاخر، وكل ما يتعلق به من ارقام وحقائق ومعطيات، واذا قررت عرضه واظهاره، فأنها تقوم بذلك بصورة فيها مغالطات وتشويه وتحريف.
وعندما يندد ساسة ومسؤولون حكوميون ووجهاء عشائر في صلاح الدين بالحملات ضد الحشد الشعبي، فإن ذلك امر يستحق التوقف، لا سيما حين تغيب مثل تلك الادانات عن شاشات وصفحات القنوات الفضائية والمواقع الالكترونية والصحف الورقية.
فرئيس مجلس محافظة صلاح الدين احمد عبد الجبار الجبوري، يرى أن "الأخبار عن عمليات السلب والحرق مبالغ فيها، وان اتهام الحشد الشعبي بارتكابها شيء غير صحيح، لا سيما في ظل غياب الارقام والادلة التي تثبت ذلك".
في حين يندد نائب محافظ صلاح الدين عمار البلداوي بـ"الهجمة الشرسة ضد الحشد الشعبي"، معتبرا اياها إساءة لكل عناصر ذلك التشكيل، ويقول "قد تكون هناك بعض التصرفات المسيئة من قبل المندسين في الحشد الشعبي، لكن بعض القنوات تعمل على إظهار أن تلك التصرفات هي منهج الحشد، في حين أن الاخير بريء من كل ذلك".
وتربط بعض الجهات بين الحملات وجريمة سبايكر التي اتاحت عملية تحرير مدينة تكريت الكشف عن الكثير من ملابساتها، وتقول، إن مناصري "داعش" قاموا بالحرق والنهب في تكريت وهم من المناطق نفسها، وهي عبارة عن استعدادات دفاعية من قبل منفذي جريمة سبايكر، من اجل خلط الاوراق وتضييع معالم الجريمة، وصرف انظار الرأي العام عنها.
والمسألة المهمة التي ربما تتعمد بعض الجهات التغاضي عنها، هو ان سيطرة داعش على بعض المناطق وتعاون بعض ابناء العشائر معها ضد عشائر اخرى رفضت نهج وسلوكيات داعش، ومن ثم اندحار داعش، ولّد مشاعر حقد وانتقام وكراهية، ونزعة للانتقام والثأر وتصفية الحسابات وفق المنطق العشائري، الذي غالبا ما ترافقه اساءات وتجاوزات، وهو مانبهت اليه وحذرت منه المرجعيات الدينية في النجف الاشرف وفاعليات سياسية وعشائرية من كلا المكونين السني والشيعي على السواء.
ويتساءل البعض قائلا، هل يعقل أن يقوم من ترك أهله وعائلته وضحى بكل شيء وتحمل الصعاب والمخاطر، وواجه الموت بكل شجاعة وصلابة، ان يقوم بسرقة اسطوانات الغاز السائل وأجهزة التلفاز وسلع منزلية قد لا يعني ثمنها شيئا؟.
كما يتساءل البعض هل يعقل ان يسلب وينهب ويحرق، من يوزع المساعدات الانسانية على النازحين، ويهيئ الظروف المناسبة للعوائل النازحة من اجل العودة الى مناطقها وبيوتها لتجد ممتلكاتها من أثاث ومواشي وسيارات كما تركتها دون نقص؟.
وتتضح حقيقة الحملات حينما تعثر الاجهزة الأمنية على وثائق في اوكار داعش التي هربوا منها بعد هزيمتهم في تكريت، تؤكد ان صدور تعليمات مشددة من قيادات التنظيم الى عناصره تقضي بتخريب وتدمير ما يمكن تخريبه وتدميره من المناطق التي يتم الانسحاب منها، وحسب المعلومات، فإن الاجهزة الامنية حولت بعضا من تلك الوثائق الى قنوات فضائية لعرضها، الا ان تلك القنوات رفضت وتمنعت بحجج وذرائع واهية.
ومن غير المتوقع أن تنتهي وتتوقف تلك الحملات، بل علينا التحسب لمراحل أخرى، خصوصا عندما تنطلق عمليات تحرير الأنبار وبعدها نينوى، فكلما زادت انكسارات داعش، وتفاقمت هزائمه، كلما اتسعت الحملات البائسة ضد الحشد الشعبي.