ارشيف من :ترجمات ودراسات

الاتفاق حول النووي الإيراني : الولايات المتحدة تقوم بالتحضير لحروب جديدة

الاتفاق حول النووي الإيراني : الولايات المتحدة تقوم بالتحضير لحروب جديدة

الكاتب  :  Peter Symonds
عن موقع  World Socialist Web Site
7 نيسلن / أبريل 2015

إن الاتفاق- الإطار الذي تم التوصل إليه يوم الخميس الماضي بين الولايات المتحدة وشركائها في مفاوضاتهم مع إيران يشكل تحولاً استراتيجياً  ذا دلالة في السياسة الأميركية، على الرغم من أنه لا يزال يواجه العديد من العراقيل.

فخلال الفترة المنصرمة منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979 وإسقاط شاه إيران المدعوم من قبل الولايات المتحدة، أي منذ 36 عاماً، حافظت الولايات المتحدة على عدائية لا هوادة فيها تجاه النظام الإيراني. وقد شكل ذلك ثابتة من ثوابت السياسة الأميركية في المنطقة وعلى الصعيد الدولي. أما الآن، فقد توصلت الولايات المتحدة إلى اتفاق يسمح باستشفاف إمكانية تقارب أكبر بين واشنطن وطهران.

ومع المعارضة التي واجهها الرئيس أوباما من قبل المؤسسة السياسية - العسكرية في الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، ولكنه وصف الاتفاق بأنه البديل الوحيد "عن حرب جديدة في الشرق الأوسط". ولكن الجهود الديبلوماسية المبذولة لا تعني بالضرورة تحولاً نحو السلام. فهي تهدف، على العكس من ذلك، إلى تعزيز مواقع الإمبريالية الأميركية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الوقت الذي تخطط فيه الولايات المتحدة لحرب ضد خصوم أقوى هم روسيا والصين.

وكانت حكومة بوش قد حددت إيران كبلد مستهدف في سياق مخططات الهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط. كما صرحت في العام 2002، بأن إيران تشكل مع العراق وكوريا الشمالية جزءاً من "محور الشر". وفي ظروف إحساسه بالنصر في العراق عام 2003، كشف أحد كبار المسؤولين في الحكومة عن نوايا واشنطن الحقيقية عندما أطلق تصريحات انتشرت على نطاق واسع مفادها أن "الذهاب إلى بغداد ممكن لأي كان. لكن الرجال الحقيقيين هم الذين يذهبون إلى طهران".

وفي الوقت الذي بدأ الاحتلال الأميركي للعراق بالتحول إلى ورطة حقيقية، لجأت حكومة بوش إلى استخدام البرنامج النووي الإيراني كذريعة للضغط والتحريض على طهران. ووصل الأمر، في العام 2007، إلى حد القيام باستعدادات متقدمة لشن هجوم عسكري أميركي على إيران.
ولكن تصاعد الانتقادات الصادرة عن المؤسسة السياسية الأميركية بسبب الكوارث العسكرية التي مني بها الجيش الأميركي في أفغانستان والعراق، أجبر بوش على التراجع عن شن حرب شاملة على إيران. وخلال حملته الانتخابية عام 2008، صرح باراك أوباما أن بوش لم يكن قادراً على مواجهة النفوذ الصيني المتعاظم في آسيا بوجه خاص بسبب زجه الجيش الأميركي في عش دبابير في الشرق الأوسط.
وفي أواسط العام 2009، وضعت حكومة أوباما استراتيجية ديبلوماسية واقتصادية وعسكرية عدوانية، أخذت فيما بعد شكلها المعروف تحت اسم "المحور الآسيوي" أو "إعادة التوازن" إلى التعامل الأميركي مع آسيا، وكان هدفها إخضاع الصين وكامل منطقة الهند-الباسيفيكي للولايات المتحدة، عن طريق الحرب إذا لزم الأمر.

الاتفاق حول النووي الإيراني : الولايات المتحدة تقوم بالتحضير لحروب جديدة
الملف النووي الايراني

وفي الوقت نفسه، بدأ أوباما باستخدام "الجزرة والعصا" مع إيران. فلوَّح بإمكانية التوصل إلى مخرج تفاوضي لمشكلة النووي وقام بتعزيز العقوبات الاقتصادية على إيران إلى حد كبير ومؤلم، مع محافظته على التهديد بتوجيه ضربات عسكرية.

ومن الأمور ذات الدلالة أن زبيغنيو بريجنسكي، المستشار السابق للأمن القومي، كان أحد مستشاري أوباما للسياسة الخارجية. وكان بريجنسكي يدافع منذ مدة طويلة عن فكرة إقامة محور واشنطن- طهران، كما كان يصر على القول أن الهيمنة الأميركية على العالم تتوقف على مدى سيطرة واشنطن على الكتلة القارية الأوراسية الواسعة الممتدة من أوروبا الشرقية إلى الصين مروراً بروسيا. والواقع أن إيران تقع من الناحية الاستراتيجية على مفترق الطرق بين آسيا الوسطى والشرق الأوسط وشبه القارة الهندية.

ومع تسارع انهيار الرأسمالية العالمية وتصاعد التوترات الجيوسياسية منذ العام 2008، أصبحت مخططات واشنطن أمام أمور ملحة وخيارات غير مسؤولة جديدة. فبين آب /أغسطس وأيلول / سبتمبر 2013، وجدت واشنطن نفسها قاب قوسين أو أدنى من شن حرب على سوريا، ولم تتراجع إلا في اللحظة الأخيرة بسبب الخلافات داخل النخبة الأميركية الحاكمة حول أهداف الحرب، ولأسباب أخرى كعدم حصول الحكومة البريطانية على دعم مجلس العموم وكالمعارضة الشديدة من قبل روسيا وإيران. فقد قامت طهران يومها بإخطار واشنطن بأن التدخل العسكري في سوريا يمكن أن يؤدي إلى حرب بين الولايات المتحدة وإيران.

وقد ردت حكومة أوباما على هذا الوضع المتدهور باعتماد استراتيجية عدوانية من شقين : فمع التوجه نحو مواجهة مع موسكو تأكدت في ظل التدخل المكشوف من قبل واشنطن في أوكرانيا في أواخر العام 2013، قام أوباما بتسريع المفاوضات النووية مع طهران، وهي المفاوضات التي كانت قد بدأت قبل ذلك بشكل سري.

وكان أوباما قد أجرى - خلال الاجتماع السنوي لهيئة الأمم المتحدة في ايلول / سبتمبر 2013  - مكالمة هاتفية مع الرئيس الإيراني المنتخب حديثاً، حسن روحاني. وكانت هذه المكالمة أول اتصال معترف به بين رئيسي البلدين منذ أكثر من ثلاثة عقود. وفي تشرين الثاني / نوفمبر 2013، تم التوصل إلى اتفاق أولي حول النووي، ودخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ في أواخر كانون الثاني / يناير 2014، أي في اللحظة التي تكثفت فيها ألاعيب واشنطن التي أفضت في شباط / فبراير 2014 إلى الانقلاب الذي نفذه الفاشيون في كييف.

(...) من غير المؤكد أن يصار إلى وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق الحالي في غضون الأشهر الثلاثة القادمة. فحكومة أوباما تصطدم بمعارضة قوية من قبل الجمهوريين في الكونغرس وبعض أقسام الجهاز العسكري والاستخباراتي والعديد من حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وتحديداً من قبل الإسرائيليين، وبصورة غير معلنة بما يكفي من قبل المملكة السعودية وبلدان الخليج الأخرى ومصر.
وإذا كان بنيامين نتنياهو يواصل التحذير على جري عادته منذ ما لا يقل عن عشر سنوات من الخطر الداهم للقنبلة النووية الإيرانية، فإن مصدر القلق الرئيس لشركاء الولايات المتحدة في المنطقة هو إمكانية أن يؤدي أي تحول من قبل واشنطن نحو إيران إلى تقليص دورهم ونفوذهم في المفاوضات مع الولايات المتحدة. فبعيداً عن أن يدفع التوقيع النهائي للاتفاق باتجاه الاستقرار في الشرق الأوسط، فإن من الممكن له أن يؤجج التواترات في الوقت الذي يسعى فيه خصوم إيران إلى تعزيز مواقعهم.

وبمعنى أوسع من الناحية التاريخية، فإن الاتفاق لا يشكل أي تقدم. إذ كما حدث أكثر من مرة في الماضي، فإن الولايات المتحدة ستجد اللحظة المناسبة للتراجع عن الاتفاق. ألم يوقِّع نظام القذافي في ليبيا عام 2003 اتفاقاً يقضي بتخليه عن برامجه الخاصة بأسلحة الدمار الشامل، قبل أن تستهدفه في العام 2011 حرب شنها الناتو؟ ففي ظروف انهيارها الاقتصادي، لن تتورع الإمبريالية الأميركية عن فعل أي شيء في مغامراتها غير المسؤولة من أجل الهيمنة على العالم.
2015-04-15