ارشيف من :نقاط على الحروف

العربية درع النظام السعودي

 العربية درع النظام السعودي
"ليس كثيراً أن نحلم بالتغيير، الكثير أن نطلب ذلك ممن استوطنوا صناعة الكذب"
أورهان باموق – كاتب تركي

ولدت العربية كمنافسٍ لقناة الجزيرة القطرية، تلك هي القصة الحقيقية لولادة القناة الفضائية الإخبارية السعودية؛ لا أكثر ولا أقل. جاءت القناة التي أسست في العام 2003 (تحديداً بثت أول مرة في 3 آذار 2003) كردة فعلٍ على أنَّ الخطوط الحمراء "الواهية" التي تحمي الملوك والأمراء والعائلات المالكة والحاكمة باتت عرضةً "للهجوم" من القناة القطرية (خصوصاً في أيامها الأولى). شكل هذا الأمر هاجساً مخيفاً للزعامات العربية الخليجية التقليدية، فدفعها باتجاه خلق "بديلٍ" مناسب - على الأقل سعودياً - وليس أبلغ من دليلٍ على مدى تأثيرها محلياً (داخل السعودية) ما وصلت إليه دراسة قامت بها مؤسسة إبسوس ستات (المتخصصة في أبحاث الإعلام المرئي) على عينةٍ من المواطنين السعوديين (العام 2006) فأتت القناة في المركز الأول كالمصدر الأوّل للأخبار هناك.


دورٌ مرسومٌ بدقة
إذاً وباختصار، تأتي العربية كدرعٍ إخباري واقٍ للمملكة السعودية، هكذا بلا مواربةٍ ولا إخفاء. حاولت القناة خلال سني وجودها أن ترسم إطاراً مختلفاً عن ذاك الذي تنتهجه الجزيرة فهي (أي الجزيرة) وبحسب مدير العربية السابق(استقال في العام 2014) عبد الرحمن الراشد - والذي خلف وزير الإعلام الأردني الأسبق صالح القلاب أول رئيس للقناة - "لا تسير فقط في الاتجاه الخاطئ وإنما هي خطيرة أيضا".  مؤكداً  "إن المنطقة مليئة بمعلومات خطيرة غير دقيقة وحقائق جزئية"؛ من هنا جاءت القناة كمحاولة لإعطاء "فرصة" لأخبارٍ تقدم على صعيد الشكل "بإحترافية" إنما مع "دمغة الخبر الرسمي" الذي دأبت قنوات التلفزة الرسمية على تقديمها.

فلا ملاحظات أو شتائم توجّه للملك السعودي أو الزعماء الخليجيين ولا أي هجوم على أي نظامٍ "خليجي" رسمي (أو أي نظامٍ مؤيدٍ لتلك الأنظمة)، مهما حدث ومهما فعل. بدا هذا الدور أكثر من واضحٍ خصوصاً خلال أحداث الثورة المصرية (2011) فأخذت العربية جانب النظام المصري للرئيس المخلوع حسني مبارك، وأيدته قلباً وقالباً، مما دفع الناشط وائل غنيم آنذاك إلى الحديث عن القناة ودورها "التحريضي" المخرّب والمؤذي للثورة المصرية. أشعل - في ذات الوقت - موقف الصحافي المصري - وأحد مذيعي القناة - حافظ الميرازي من برنامجه "من القاهرة" النار على الهواء مباشرةً  حينما أشار إلى أنَّ الإعلام السعودي لا يهاجم الملك السعودي أو ينتقده لأي سبب بينما يبيح لنفسه انتقاد بقية الرؤساء؛ واعداً الجمهور بأنه سيخصص الحلقة القادمة من برنامجه لنقاش أثر تنحي مبارك على السعودية؛ مؤكداً أنه في حال منع من الحلقة فإنه سيقدم استقالته، وهو ما كان. أثرت هذه الضربات القاسية على قناة العربية ومصداقيتها، فأظهرت وجهها المباشر والواضح من حيث كونها قناةً موجهةً توجيهاً بحتاً محدداً: قناةٌ "رسمية" إنما بإطار وغلاف جميل بعيد عن "كليشيه" الإعلام الرسمي.

قتلى مقابل شهداء:
كانت قناة العربية سباقةً في "إهانة" الناس وقناعاتهم. استبدلت القناة كلمة "شهداء" بكلمة قتلى وخصوصاً في الحديث عن الشهداء في لبنان وفلسطين، وعلل ذلك مدير القناة - آنذاك - عبد الرحمن الراشد بقوله: " المحطة ليست وظيفتها منح الناس الشهادة فذلك حق رباني"، وإنه "عندما يقتل إرهابي بريئا أو مجاهدا سواء في السعودية أو مصر أو اليمن أو المغرب أو غيرها، نقول عنه قتيل، فلماذا نسميه في لبنان أو فلسطين شهيدا؟". ذلك الموقف خلق نوعاً من "العداء" بين الجمهور في هذين البلدين (وغالبية من يؤيد القضية الفلسطينية عربياً)؛ فمجرد تحويل "الشهداء" إلى "قتلى" اكتسب بعداً مهيناً وليس مجرّد خلافٍ على "تسمية" كما حاولت القناة تصديره.

المطبّلون أولاً:
بعد أحداث الثورة المصرية وتغطية القناة لها، بدا جلياً لكثيرين أن القناة ليست أكثر من "بوقٍ" للنظام السعودي وسياساته في الشرق الأوسط، وأنها "لا تنطق عن الهوى" بل إنّ كلامها دقيقٌ ومحدد في كثيرٍ من الأمور، وأن من يريد أن يعرف "رأي" السعودية في شيءٍ ما عليه "متابعة" القناة وبرامجها. لكن؛ وكما هو معروف لم "يمتلك" الخليج حتى اللحظة "طاقماً" من "المطبلين" الكافين كي "يقنعوا" العالم العربي بأحقية "آرائهم" وصدقها، فحتى اللحظة لا يزال "مثقفو" الخليج وكتّابه يستعملون خطاباً "قاسياً" وللغاية في تعاملهم مع "الجمهور العربي"؛ فمن تذكير "الناس" بأفضال "الخليج" وحكوماته وأهله، مروراً بـ"التمنين" بتلك "الأعطيات" التي يوزعونها على "الشعوب"، وصولاً إلى "التحقير" المتعمد والمقصود عبر التذكير بأن "لديهم يداً عاملةً من ذاك البلد أو سواه".
فمثلاً يقول إدريس الإدريس في صحيفة الوطن في مقاله: "الإعلام اللبناني بدكن ما تآخذونا" : "من هؤلاء الذين فتحنا لهم بلادنا وخزائن أموالنا ندعمهم"  أو في مكانٍ آخر: "ثم على كل إخواننا "الفينيقيين" أن يعلموا أنهم كانوا مجموعة من الهمج خلال الحرب الأهلية اللبنانية التي دامت ستة عشر عاما ذهب ضحيتها أكثر من 150 ألف لبناني قتلوا بيد اللبنانيين أنفسهم الذين كانوا خلال الحرب ينزلون إلى الشوارع من الصباح وحتى المساء، حالهم كحال القاعدة وحزب الله وداعش يحملون أسلحتهم ويتقاتلون بالكلاشنكوف والآر بي جي. وهكذا تقسموا شيعاً وأحزابا وطوائف".

 العربية درع النظام السعودي
العربية ... درع ال سعود

من هنا كان اهتمام القناة "واضحاً" بطبقةٍ خاصة من المثقفين العرب: الليبراليين. امتاز هؤلاء الكتاب - ولن أذكر أسماء هنا، يمكن فقط الدخول إلى موقع العربية فتطالع القارئ أسماء هؤلاء - بقدرتهم العالية على التلّون بحسب الحاجة، اللافت في الأمر أنَّ غالبيتهم يأتون من أفكارٍ "تقدمية" و"تحررية" وحتى يسارية وشيوعية، أي أنَّه من المفروض أن تكون علاقتهم مع نظامٍ "ملكي/رجعي" مثل مملكة آل سعود سيئاً للغاية، لا بل و"معادياً" حتى لكن يبدو أنَّ "صرة الدنانير" تحل جميع المشاكل والعقد. تستخدم "القناة" هذا النوع من "الإعلاميين"/"المثقفين" بحرفةٍ بالغة، فتستضيفهم لإضفاء مصداقيةٍ ورأي "موافق" لأرائها وأفكارها، وتبلغ "الحرفة" مؤداها في هذا الأمر حينما نجد صحافياً "مغموراً" يحلم ببعضٍ من "شهرة" وكثيرٍ من مال، فيلجأ إلى "شتم" معارضي السعودية وأعدائها بكل ما أوتي من قوة، الأمر الذي يجعل "باب" القناة يفتح له(كما خزائن السعودية)، ليصبح "ذا رأي" وقيمةٍ وفوق كل هذا "إعلاميٌ كبير".


إلا عبدالله
من "مآثر" حرية الرأي و"سعة السماحة" لدى قناة العربية أن وثائقياً أنتجته القناة في العام 2007 لمديح ملك السعودية - آنذاك - الملك عبد الله بن عبد العزيز تم منعه لا لسبب إلا لأنه –بحسب الظاهر- لم يؤدِ "المديح" المطلوب منه. كان الوثائقي "الضخم" مخصصاً "للتهليل والتطبيل والمديح المتسع الأرجاء" للملك السعودي الذي لم يكن يجيد القراءة والكتابة (بشكلٍ جيد) فضلاً عن تصويره بمثابة "القديس" و"صاحب الرأي والسلطان"(مع العلم أنّه كان الأضعف بين أشقائه والأقل تأثيراً بين الملوك السعوديين). بثت القناة الجزء الأول لتأتي الأوامر العليا بإيقافه نهائياً لأنه "يخالف" الكثير من "الضوابط" مع العلم أنه صوّر وانتج تحت إشراف العائلة المالكة ومتابعتها بشكلٍ مباشر ودقيق؛ فماذا حدث؟ لا تفاصيل كثيرة حول الأمر، لكن أي متابعٍ يمكنه ملاحظة أن الموضوع تفوح منه بالتأكيد رائحة "حرية الرأي" و"حرية التعبير" في أبهى صورها.
2015-04-20