ارشيف من :ترجمات ودراسات
قصف إيران ؟ فيما بعد. لنبدأ باليمن
الكاتب : Pepe Escobar
عن موقع : Russia Today
8 نيسان / أبريل 2015
عملية "عاصفة الحزم"، أي هذا القصف المريع الذي تتعرض له اليمن على طريقة البنتاغون والذي يتباهى به آل سعود يمكن تلخيصها بهذه العبارة:
بمعية آخرين من سارقي النفط الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، وكذلك بمعية الغرب الثري بدوره، أطلق البلد العربي الأكثر ثراءً، أي مزرعة النفط التي يمتلكها آل سعود، باسم الديموقراطية قصفاً، حرباً، عملية صاعقة تستهدف البلد العربي الأكثر فقراً. وكل ذلك دون الاستناد إلى أية شرعية.
والأسوأ من ذلك أن هذه الفظاظة المتعنتة ليست غير البداية.
المسؤولة العليا عن الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فدريكا موغيريني، وهي ايضاً وديعة كقطعة من حلوى الكانولي تبدو قلقة بعض الشيء. أشارت إلى أن قصف المستشفيات من قبل السعوديين، والاستهداف المتعمد للبيوت ومؤسسات التعليم والبنى التحتية... أمور لا يمكن السكوت عنها.
لكن ذلك لا يمنع السكوت عن الأمر نفسه عندما يقترفه أوباش كييف في الدونباس. فتصنُّع الاستياء من قبل موغيريني يظل إذن بلا فائدة.
الصليب الأحمر والاتحاد الروسي يدعوان من جهتهما، وعلى الأقل، إلى وقف مؤقت لإطلاق النار بهدف إيصال مساعدة إنسانية. لكن ذلك هو آخر ما يهم آل سعود. ما يعني، بعد أسبوعين من الصدمة والذهول (بالصلصة السعودية)، أن العدد الحالي للضحايا (والذي سيزداد حكماً) قد بلغ ما لا يقل عن 560 قتيلاً مدنياً و1700 جريح، وبين القتلى والجرحى عشرات الأطفال.
إنه باب المندب، يا سيدتي!
قصف إيران؟ فيما بعد. قصف اليمن هو المعطى الجديد. لكن قصف إيران يمكنه أن يطرح على بساط البحث بأسرع من البرق. آش كارتر، سيد البنتاغون الكبير، أكد، الأسبوع الماضي، أن جميع الخيارات مطروحة حتى ولو انتهت إيران ومجموعة الـ 5+1 إلى عقد اتفاق حول النووي في حزيران / يونيو. على هذا، ولكي يكون كل شيء واضحاً، يؤكد البنتاغون أن المفاوضات حول النووي ليست بالأمر المهم الذي يمكنه أن يسد الآفاق أمام حرب يسيل لها اللعاب في الشرق الأوسط.
العدوان السعودي على اليمن
ومن غير المفيد أن نقول إن الغرب (المتحضر طبعاً) لم يحرك ساكناً عندما قام عملاؤه آل سعود بغزو اليمن وفرض عاصفة الصدمة والذهول عليه. ولم يصدر اي قرار عن مجلس الأمن. ولا عن الجامعة العربية الفاقدة تماماً للمصداقية. فالجميع غير معنيين بالموضوع، وإمبراطورية الخراب لم تفعل شيئاً غير ما تفعله في العادة دون أن تتعرض للملاحقة.
لا ينبغي التوقف طويلاً أمام كل هذه الهستيريا التي أفلتت من عقالها بصدد الحوثيين الذين باتوا قاب قوسين أو أدنى من السيطرة على باب المندب، أحد الممرات التي تمسك استراتيجياً، شأنه في ذلك شأن مضيق هرمز، بخناق نقل الطاقة في العالم، والذي يتمتع بأهمية لا تقل عن أهمية قناة السويس. ولا أمام ما يفعله آل سعود، طالما أن المسعى غير الخفي لإمبراطورية الخراب هو عدم فقدان السيطرة على باب المندب وخليج عدن وجزيرة سقطرة.
فمضيق باب المندب هو جزء مما يمكن أن نسميه بـ "خنقستان". هناك حروب تستعر حول وغير بعيد عن ممر الطاقة هذا، وهذه الحروب تدخل حتماً في نطاق الكلام الخبيث المرتبط بالحرب العالمية على الإرهاب.
مراكز الأبحاث التي تتشكل منها مملكة الخداع في الولايات المتحدة تنظر إلى الموضوع من زاوية أكثر تحديداً من خلال المتابعة الدقيقة لانتشار القوات البحرية الأميركية. لأن الرهان الحقيقي هو التالي: استراتيجية سيطرة شاملة تكمن خلف ستار حرية الملاحة، هدفها إبعاد العدو الجيو-سياسي سواء كان إيرانياً أو روسياً أو صينيا، أو الثلاثة معاً.
ويتفشى "خنقستان" في كل مكان من العالم تقريباً. وما الحرب ومناورات الانتشار الاستباقية في مضيق باب المندب (وتداعيات ذلك على اليمن والصومال وإريتريا وإثيوبيا وجيبوتي) غير مثال صارخ على ذلك. وهو يمتد أيضاً إلى خليج هرمز (لاستهداف إيران) وخليج ملقة (لاستهداف الصين) وبنما (لاستهداف فنزويلا) والقناة التي سيتم حفرها في نيكاراغوا (لاستهداف الصين) ومضيقي كوريا وتايوان وجزر الكوريل. وأخيراً، ودون أن يكون ذلك أقل أهمية، إلى بحر البلطيق.
الآرمادا الهستيرية الكبيرة
تعلم الاستخبارات السعودية جيداً أن الحوثيين غير قادرين على السيطرة على باب المندب خصوصاً وأن واشنطن لن تسمح بذلك على الإطلاق. فما يخشاه السعوديون أكثر من أي شيء آخر هو أن "يبث الحوثيون المدعومون من إيران أفكاراً تمردية داخل صفوف الأكثرية الشيعية في المناطق السعودية الشرقية حيث يوجد القسم الأكبر من النفط"، وفق ما ذكر الكاتب.
وفي هذه النقطة بالذات يكمن الارتباط بين ذريعة السعوديين في حربهم على اليمن وبين هوس الإمبراطورية الجنوني بمنع إيران وروسيا والصين من اقتطاع وجود استراتيجي لهم في اليمن على ضفاف باب المندب وغير بعيد عن خليج عدن.
وهذا ما يعطي الفرصة مجدداً لسيد البنتاغون، آش كارتر، ليصر على القول بأن الولايات المتحدة تدعم الخطط العربية لإنشاء قوة مسلحة تقف في وجه التهديدات المتصاعدة التي يتعرض لها الأمن في الشرق الأوسط، وبأن البنتاغون سيتعاون مع هذه القوة العربية عندما تلتقي مصالح الولايات المتحدة بمصالح البلدان العربية. ما يعني، بكلام آخر، أن واشنطن تعطي الضوء الأخضر لأتباعها الأوباش لحفظ الاستقرار في الشرق الأوسط.
غير أن هنالك عصا تعيق حركة الدواليب: التقارب الممكن بين واشنطن وطهران، فيما لو تم توقيع اتفاق حول النووي. فإدارة أوباما - التي تعمل على تحقق هدف معلن من جانب واحد هو عدم ارتكاب أية حماقات - تتصرف على أساس أن الاتفاق حول النووي سيكون النجاح الوحيد لسياستها الخارجية. كما لن يكون من الممكن وضع مكافحة "داعش" في العراق والشام موضع التطبيق دون المشاركة الإيرانية.
وكل ذلك لا يفعل غير مفاقمة الهلوسات المريعة عند السعوديين الذين جردوا بطرفة عين حملة عسكرية هستيرية كبرى من مئة طائرة مقاتلة و150 ألف جندي يصفها الناطق باسم المملكة في واشنطن بكامل الاحترام بأنها تحالف من عشر دول.
ودون أي احترام لمعايير الأمم المتحدة، سارع السعوديون إلى اتخاذ قرار أصبح بموجبه اليمن بأكمله منطقة حظر جوي.
وبالإضافة إلى أعمال القصف الروتيني الذي استهدف، في جملة ما استهدفه، مباني سكنية ومخيماً للاجئين في حجة ومصنعاً للألبان في الحديدة، نشهد داخل السعودية نفسها قمعاً وحشياً واستهدافاً بالدبابات والقصف العشوائي للعوامية في المنطقة الشرقية حيث لا يسمح للشيعة هناك حتى بالخروج في تظاهرة استنكار لحمام الدم في اليمن.
وباختصار، فإن النظام القروسطي الفاسد الذي يحكم السعودية منهمك بشن الحرب على شعبه. أما الفقهاء الوهابيون المعروفون بأنهم يدعون إلى التشدد الشديد، فمنهمكون من جهتهم في كل مكان ببث حمى العداء للشيعة الذين يصفونهم وفقاً لعقيدتهم التكفيرية بالمرتدين، وللإيرانيين الذين يصفونهم بأنهم صفويون ملاعين، وهي صفة تحقيرية تشير إلى الصفويين الذين حكموا إيران في القرن السادس عشر. وهنا، لا ينبغي أن ننسى أن داعش تعامل الشيعة والإيرانيين بالطريقة ذاتها. ولكن، لا تنتظروا من وسائل الإعلام الرسمية في الغرب أن تأتي على ذكر ذلك.
الجنرال والسيد حسن نصر الله
ويصر آل سعود على القول بأنهم يريدون إعادة حكومة الرئيس اليمني في المنفى عبد ربه منصور هادي إلى الحكم، أو على ما قاله السفير السعودي في واشنطن، عادل الجبير، أن يوفروا الحماية للحكومة اليمنية الشرعية.
أما كتبة اللوبي السعودي الذين يحصلون على أجور دسمة فلا يتوانون عن الضرب بيد من حديد. فهم يطلقون صراخهم الطائفي حول الخلاف بين السنة والشيعة ويتجاهلون بشكل تام التعقيد الفريد من نوعه للمجتمع اليمني بتعددية طبقاته وقبائله. وباختصار، فإن دفاعهم المضحك عن الديموقراطية التي يتحفنا بها السعوديون يفتح الباب واسعاً أمام حرب برية طويلة الأمد ودامية ومرعبة ومرتفعة التكلفة.
وكما كنا ننتظر، فإن الأمور تأخذ وجهة أكثر عبثية مع الجنرال مارتن ديمبسي، قائد هيئة أركان الجيوش الأميركية. فعلى سؤال وجه إليه مؤخراً خلال جلسة استماع أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، حول ما إذا كان يعرف حلفاء عرباً مهمين للولايات المتحدة يقدمون الدعم لداعش، أجاب الجنرال : "أعرف حلفاء عرباً يقومون بتمويلها".
بكلام آخر، وبعيداً عن معاقبة هؤلاء الحلفاء (معاقبة روسيا أهم من ذلك)، تقوم الولايات المتحدة بتقديم مساعدات لوجستية متعددة وغير فتاكة إلى التحاف الذي يفترض به أنه يحارب داعش نفسها بينما يقوم بتمويلها. وهنا، لا أقدم شيئاً جديداً، لأن ذلك هو ما يفسر هذه الديمومة الدائمة للحرب على الإرهاب الني يفرضونها علينا.
والأكثر غرابة من ذلك أن ديمبسي لا يقول كلاماً مختلفاً عن كلام السيد نصر الله في خطابه الحاسم الذي قدم فيه عرضاً هو أكثر ما يمكن شمولاً ودقة حول أصول داعش وإيديولوجيتها. وهو يتكلم في الخطاب نفسه عن اليمن والمملكة السعودية وإيران.
إمبراطورية الخراب هي التي تقود الحرب على اليمن من الخلف. وفي الوقت نفسه تقود الحرب على داعش من الخلف. أما الغرض الخفي فهو لا شيء غير تعميم الخراب إن في العراق والشام وإن في اليمن. كما أن واشنطن المنشغلة بعقد اتفاق حول النووي مع طهران تسعى، في الوقت نفسه، إلى إطلاق تحالف مضاد لطهران عن طريق آل سعود.
فييتنام الصحراء
ويلح آل سعود على باكستان كي لا تبقى بعيدة عن المعترك. يريدون منها أن ترسل طائرات مقاتلة وسفناً حربية وجيشاً برياً للمشاركة في الحرب. وعليه، فإن السعودية تتعامل مع باكستان كدولة تابعة. أما القرار فسيتخذ في جلسة مشتركة لغرفتي البرلمان الباكستاني.
ولكن ما جرى عندما قامت القناة التلفزيونية الخاصة الأكثر شعبية في باكستان بجمع ممثلين عن جميع الأحزاب السياسية الرئيسة في البلاد لاستطلاع آرائهم في هذا المجال، أمر مشبع بما يكفي من الدلالة: توصلوا بسرعة إلى الاتفاق على أن باكستان يجب أن تتصرف كوسيط وألا ترسل جنوداً، اللهم إلا إذا كان هنالك خطر ملموس يتهدد الأماكن المقدسة في مكة والمدينة. علماً بأن مثل هذا الخطر لا وجود له بالمرة.
ومع هذا يستمر آل سعود في مسعاهم بالسرعة القصوى ويسقطون أطناناً من أوراق النقد على الدعاة السلفيين (بعثة من هؤلاء تقوم حالياً بزيارة للرياض) بقصد استخدامهم كدعاة إلى الحرب. وحتى الآن، حصل آل سعود على مساندة جماعات باكستانية متشددة جرى تدريبها من قبل تنظيم القاعدة وحاربت مع طالبان في أفغانستان. وفي النهاية، ألا يحصل كل هؤلاء على التمويل من قبل المتعصبين الوهابيين؟
في الوقت نفسه، ربما تكون المعطيات قد أخذت بالتغير على مسرح الأحداث، لأن الحوثيين قد بدأوا بإطلاق الصواريخ عبر الحدود على المنشآت النفطية السعودية. وبهذا، تصبح جميع الخيارات مفتوحة ويصبح القول ممكناً بأن الحوثيين قد أعدوا مسبقاً مواقع الصواريخ البعيدة المدى.
مثل هذا السيناريو قد يعني أن أجهزة استخبارات أجنبية تسعى إلى استدراج آل سعود إلى مستنقعهم الفييتنامي في اليمن بعدما أعد لهم سد من الصواريخ القادرة على إصابة محطات الضخ وحقول النفط، الأمر الذي قد يؤدي إلى تداعيات كارثية على مستوى الاقتصاد العالمي. ولا ننسى هنا أن الحملة الهستيرية الكبرى التي قام آل سعود بإعدادها تعرض للخطر ما لا يقل عن 32 بالمئة من الإنتاج النفطي في العالم. إن كل ذلك سيفجر أوضاعاً مؤلمة.
في اليمن بنادق كلاشينكوف تتجاوز العد والحصر، وقاذفات صواريخ وقنابل يدوية، والأرض ملائمة تماماً لحرب العصابات، أما قبائل اليمن التي عركتها الحروب، فتقاتل ضد الغزاة الخارجيين منذ ما يزيد عن ألفي عام. ومعظم اليمنيين يكرهون آل سعود وأكثريتهم انحازوا إلى جانب الحوثيين منذ اللحظة التي أعلنوا فيها، في أواخر شباط / فبراير، أن آل سعود والولايات المتحدة يتهيأون لاجتياح اليمن.
ويضم الحراك الحوثي سنة وشيعة، الأمر الذي يسقط الرواية السعودية بشكل كامل. وعندما قام الحوثيون بمداهمة المكتب اليمني للأمن القومي الذي كان بشكل أساسي مركزاً من مراكز وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية عثروا بداخله على الكثير من الوثائق السرية التي تفضح واشنطن في الملف اليمني المتعلق بمكافحة الإرهاب، وتثبت أن الجيش السعودي ليس غير أضحوكة. فهذا الجيش يضم عدداً كبيراً من الجنود اليمنيين.
إن "عاصفة الحزم"، أي تلك الحرب غير الشرعية التي شنت على طريقة البنتاغون قد أغرقت اليمن حتى الآن في كارثة مزدوجة: حرب أهلية ومشكلة إنسانية. ولا يمكن لأحد أن يكون أكثر ابتهاجاً من داعش وبقايا القاعدة في جزيرة العرب الذين يكرهون الحوثيين والشيعة أجمعين. لكن إمبراطورية الخراب لا تعبأ بكل ذلك، إذ كلما اتسع نطاق الخراب، كلما كان ذلك أفضل للحرب الطويلة الأمد ضد الإرهاب كما يريدها البنتاغون.
كتبت منذ أكثر من خمس سنوات أن اليمن قد تحولت إلى وزيرستان جديدة. وهناك اليوم مساع لتحويلها إلى صومال جديدة. ويمكنها أن تصبح قريباً فييتنام جديدة لآل سعود.