ارشيف من :نقاط على الحروف

آل سعود وصناعة التكفير

آل سعود وصناعة التكفير

لم تكن زيارة وزير الشؤون الدينية السعودي صالح بن عبد العزيز آل الشيخ إلى باكستان زيارة عابرة، فهي جاءت بعد يومين من رفض البرلمان الباكستاني التدخل العسكري في اليمن.

ورغم التصريحات التي أطلقت في أن القرار الذي أصدره البرلمان الباكستاني هو شأن داخلي، الا أنه يصعب فصل الزيارة عن موقف البرلمان، لا سيما وأن اللقاءات التي عقدها الوزير جاءت بمعظمها مع شخصيات سلفية ومدراء مدارس وهابية ناشطة، ما يشير الى مساعٍ وهابية بممارسة الضغوط على الحكومة الباكستانية من أجل الانخراط مع المملكة في عدوانها على اليمن.

تعيد هذه الزيارة تسليط الضوء على العلاقة التي تربط بين السعودية والحركات التكفيرية. ورغم أن التماهي الفكري بين هذه الحركات وبين الوهابية في مرحلتها الأولى ليست محل نقاش بين الباحثين المختصين في هذا الشأن، إلا أن العلاقة اللوجستية بينهما بقيت مثار جدل لا سيما مع محاولات المملكة الحثيثة لنفض غبار هذه التهمة، تذرعاً بان المملكة نفسها كانت ضحية لأعمال هذه الجماعات، ومتسلحة بمجموعة من القرارات التي أُصدرت وتتعلق بمكافحة الإرهاب.

والواقع أن القرارات المزعومة لا تبرئ المملكة من دعم هذه الجماعات خاصة أنها جاءت في سياق حماية نفسها من إمكانية ارتداد هذا الدعم على الداخل، وإنها محاولات تركزت بمجملها على العناصر السعودية.

لقد حفل الإعلام الغربي بعشرات الشواهد على دعم المملكة للإرهاب. منطلقا بداية من تأثير هجمات الحادي عشر من أيلول، وكون معظم المشاركين فيها ممن يحملون الجنسية السعودية (15 من أصل 19). إلا أن هذه الأصوات خفتت الى حد ما تحت تأثير المال السعودي من جهة، وضغوطات الادارة الاميركية في إبعاد التهمة عن شريك أساس في المنطقة.

آل سعود وصناعة التكفير
الملك السعودي

كان الكاتب البريطاني روبرت فيسك صريحا جدا عندما كتب للأندبندنت البريطانية مقالا تحت عنوان: "أنظمة الشرق الاوسط تحارب الآن تنظيم القاعدة"، صرح فيه أن "المال السعودي ما زال يتدفق إلى سوريا لمساعدة الدولة الإسلامية المرتبطة بالقاعدة من العراق وبلاد الشام".
ولم يكن البروفسور جيمس بيتراس أقل صراحة، حيث كتب لموقع «غلوبال ريسيرتش» مقالة تحت عنوان "الارهاب العالمي والمملكة العربية السعودية: شبكة بندر الإرهابية" حيث تحدث فيه أن "النخبة الحاكمة (في المملكة) تمول، منذ زمن، النموذج المتعصب والمتخلف أكثر المتعصبين من الإسلام، اي المذهب الوهابي...كما تقوم بتمويل وتدريب وتسليح شبكة دولية للإرهاب توجهم نحو الهجوم، وغزو وتدمير الأنظمة المعارضة لنظام الملالي الديكتاتوري-السعودي".


ويتابع بيتراس القول بأن "العقل المدبر للشبكات الإرهابية هو السعودي بندر بن سلطان، الذي لديه علاقات قديمة وعميقة مع المسؤولين السياسيين والعسكريين والاستخبارات على مستوى عال في الولايات المتحدة. وتم تدريب بندر وتلقينه في قاعدة ماكسويل الجوية وجامعة جونز هوبكنز".
وختم بيتراس مقالته بالقول: "في الواقع، بندر بن سلطان هو ربيب وخليفة بن لادن، أنه إذا ما تعمقت فيه ستجده المتقن للإرهاب العالمي. وقد قتل بندر بشبكاته الارهابية من الضحايا الأبرياء أكثر بكثير من بن لادن. هذا، بطبيعة الحال، أمر متوقع، نظراً لكل ما لديه من مليارات الدولارات من الخزينة السعودية، والتدريب من وكالة المخابرات المركزية ومصافحة نتنياهو".
وجاءت كلمات بيتراس لتتقاطع مع ما ذكره صدام الجمل، أحد قادة ألوية "أحفاد الرسول" حيث اعترف من داخل أحد مقرات "داعش"، عن اجتماعات قادة الأركان مع ضباط مخابرات أجانب وعرب من السعودية والاردن بحضور الامير سلمان بن سلطان.

أما الباحث الاميركي فريد زكريا فقد ذكر في مقالة له لمجلة التايم الاميركية انه "إذا كانت هناك جائزة للسياسة الخارجية الأكثر لامسؤولية، فبالتأكيد ستمنح إلى المملكة العربية السعودية. فهي من أكثر الدول المسؤولة عن صعود التطرف الإسلامي والتشدد في جميع أنحاء العالم. وعلى مدى العقود الأربعة الماضية، تم استخدام الثروة النفطية الهائلة في المملكة لضمان تصدير الصورة المتطرفة والمتعصبة والعنيفة وغير المتسامحة من الإسلام، من خلال ما بشر به رجال الدين الوهابيون. اذهب إلى أي مكان في العالم - من ألمانيا إلى إندونيسيا - وستجد المراكز الإسلامية المنتعشة بالأموال السعودية، تنفث التعصب والكراهية".

وينقل زكريا عن ستيوارت ليفي، المسؤول السابق للخزانة الأميركية قوله لشبكة ايه بي سي نيوز عام 2007 "لو أن أصابعي ستضغط لقطع التمويل من بلد واحد، فسيكون من المملكة العربية السعودية".

كما تحدث زكريا عن برقية موقعة بتاريخ كانون الاول 2009، سربها موقع ويكيليكس عام 2010 أكدت فيها وزيرة الخارجية الاميركية آنذاك هيلاري كلينتون أن المملكة العربية السعودية ظلت القاعدة المالية الحرجة للإرهاب وانه لم يُتخذ سوى إجراءات محدودة من الرياض لوقف تدفق الاموال الى طالبان وجماعات اخرى من هذا القبيل.
وأشار زكريا الى نقطة هامة أيضا وهي أن المملكة كانت واحدة من دول ثلاث فقط اعترفت بحكومة طالبان في أفغانستان حتى هجمات الحادي عشر من سبتمبر.

لقد جاءت هذه التصريحات لتؤكد ما كانت أعلنته صحيفة "يو أس نيوز أند وورلد ريبورتط في دراسة موسعة عام 2003 بعنوان «العلاقة السعودية»، حيث راجعت الصحيفة آلاف الصفحات من سجلات المحاكم والتقارير الاستخبارية الاميركية والاجنبية وتوصلت الى استنتاجات مفادها ان السعودية، حليفة الولايات المتحدة والدولة الأغنى بالنفط في العالم، أصبحت منذ زمن بعيد «مركزا لتمويل الارهاب في العالم».
ابتعد بندر بن سلطان عن المشهد السعودي، أو أُبعد، إلا أن الاستراتيجية «البندرية» لم تتوقف، مع ورود عشرات التقارير التي تتحدث عن علاقات وطيدة بين الاستخبارات السعودية وتنظيم القاعدة في اليمن، تحدث أحدها عن اجتماعات جرت بين قيادات قاعدية في اليمن مع ضباط سعوديين من بينهم العقيد وليد المطيري، وآخر برتبة مقدم يطلق عليه اسم «العنود».

ورغم هذه التقارير والتصريحات والابحاث التي تربط بين المملكة والحركات التكفيرية، فكرًا وتمويلًا، فإن قلة سلطت الضوء على التماهي بين سلوكيات هذه التنظيمات والحكم داخل المملكة. صحيح أن بعض الأصوات قد ارتفعت من قبل منظمات حقوقية حول وضع حقوق الإنسان والحريات، إلا أن هذه الأصوات لم تلق أذانا صاغية عند الحكومات الغربية لأسباب تتعلق بالمصالح الاقتصادية. ولو أن عُشر ما ينشر عن تردٍّ لحقوق الإنسان والأقليات داخل المملكة، كان يتعلق بنظام يصنفه الغرب على أنه «مارق» لكانت هذه التقارير تشكل ذريعة كافية لشن الحروب عليه.
ومن جهة أخرى، لقد حاول الرئيس الاميركي مقاربة الوضع الداخلي في دول الخليج عامة عندما رد الخطر الاساس الى الاوضاع الداخلية لهذه الممالك والاقطار، لكنها مقاربة اقتصرت على الجانب الاقتصادي والاجتماعي ولم تقارب الافكار الهدامة والتكفيرية التي تحملها الوهابية الجاثية على صدور شعوب المنطقة منذ عقود.

ومهما يكن من أمر، فإن قطع الرؤوس وبتر الأيدي والأرجل، ليس حكرا على "داعش"، فإن في المنطقة أيضاً أنظمة وممالك عربية "داعشية".
2015-04-25