ارشيف من :آراء وتحليلات
روسيا توسع علاقاتها مع بلدان أميركا اللاتينية
في ظل سياسة الحصار والمقاطعة والعقوبات التي تنتهجها الكتلة الغربية ضد روسيا، تنشط الدبلوماسية الروسية لتكثيف وتوسيع وتطوير علاقات روسيا، على كل الأصعدة، مع بلدان اميركا اللاتينية، التي كانت تعتبر حتى الامس القريب "الحوش الخلفي" و"جمهوريات موز" للولايات المتحدة الأميركية. وفي الأشهر الأخيرة قام الرئيس الروسي بوتين، برفقة وفد كبير من الوزراء والاختصاصيين ورجال الاعمال الروس، بجولة في عدد من بلدان اميركا اللاتينية، كانت ابرزها زيارته الى البرازيل. وقد شملت الزيارة الارجنتين، حيث وجه بوتين دعوة للرئيسة الأرجنتينية كريستينا فرناندز دي كيرشنر لزيارة روسيا. ثم قام كل من وزير الخارجية سيرغيي لافروف ووزير الدفاع سيرغيي شويغو، بجولة مماثلة.
ومنذ أيام معدودة قامت الرئيسة الأرجنتينية بتلبية الدعوة لزيارة روسيا، برفقة وفد كبير شمل وزراء الخارجية والدفاع والمالية والتعليم والصناعة والزراعة ومسؤولين واختصاصيين ورجال اعمال في قطاعات الطاقة والمفاعلات النووية والصناعة والزراعة والتجارة. ويقول المراقبون ان التقارب بين روسيا والارجنيتن قد دخل في مرحلة جديدة، بعد ان وقع رئيسا الدولتين بيانا مشتركا حول إقامة "شراكة ستراتيجية شاملة" بين البلدين. وبالإضافة الى ذلك اعلن قادة البلدين أنه ستتم دراسة إمكانية التخلي عن التعامل بالدولار، والشروع بالتعامل بالروبل الروسي والبيسو الارجنيتني في الحسابات المتبادلة بين البلدين.
وقد عقد الطرفان عدة اجتماعات ضيقة وتخصصية وموسعة. كما عقد مؤتمر صحفي مشترك صرح فيه الرئيس الروسي انه سعيد جدا باستقبال نظيرته الارجنتينية في الكرملين، لا سيما في هذه السنة التي يتم فيها الاحتفال بالذكرى السنوية الـ130 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين روسيا والأرجنتين. واكد بوتين "انه خلال هذه المرحلة فإن العالم بأسره وبلدينا تغيروا بشدة. ولكن شيئا واحدا بقي ثابتا هو رغبة شعبينا في تطوير العلاقات المتبادلة". ولاحظ انه في المدة الأخيرة نمت بقوة الاتصالات السياسية، وتوطدت العلاقات الاقتصادية بين البلدين. وان الارجنتين تحتل، بعد البرازيل والمكسيك والاكوادور، المركز الرابع في اميركا اللاتينية في حجم التجارة مع روسيا (في السنة الماضية بلغ حجم التجارة بين البلدين 1،4 مليار دولار). وأضاف بوتين "أن هناك العديد من القضايا التي ينبغي بحثها، وبعضها يتعلق بتطوير الاتجاهات الإيجابية في العلاقات، وبعضها يتعلق ببعض التعقيدات".
اما الرئيسة الأرجنتينية فقالت انها "تفضل ترك الحديث في القضايا المطروحة كي تبحث في الاجتماعات الضيقة والتخصصية"، وانها ستتحدث عن انطباعاتها عن تفاصيل زيارتها لروسيا.
فلادمير بوتين
وقالت انها قامت بزيارة منتدى البيزنس، واجتمعت مع مديري الشركات الروسية الرئيسة. كما زارت المتحف الوطني التاريخي، حيث افتتحت بالاشتراك مع وزير الثقافة الروسي فلاديمير ميدينسكي معرض "ايفا بيرون، رسول السلام"، المخصص لتكريم هذه الشخصية الأرجنتينية المشهورة. وقد نظم هذا المعرض بمناسبة زيارة الرئيسة الأرجنتينية لموسكو. وقالت دي كيرشنر "اريد ان اشكر ليس فقط الحكومة، بل وكل الشعب الروسي على التكريم الذي أحطنا به. وهو ما تم التعبير عنه في افتتاح معرض ايفا بيرون، التي ستعيش الى الابد في قلوبنا". (كانت ايفا بيرون فتاة فقيرة تنشط في الاعمال الخيرية لصالح الفقراء، وتزوجت الرئيس الارجنتيني الأسبق خوان بيرون، الذي كان يدعو الى إصلاحات لصالح العمال، وقد نشطت ايفا بيرون الى جانبه بشكل مميز، وكانت صلة الوصل بينه وبين النقابات، واسست الحزب النسائي الارجنتيني سنة 1947 وترأسته، وكانت نصيرة شديدة للفقراء. ماتت سنة 1952 بالسرطان عن عمر 33 عاما. واحبها الشعب الارجنيتني حبا كبيرا. ولا تزال "البيرونية" الى اليوم تشكل تيارا سياسيا قويا في الارجنتين).
وأضافت دي كيرشنر انه بمناسبة ذكرى النصر على النازية، الذي ستحتفل به روسيا في 9 أيار القادم، فقد قامت بزيارة المعرض الخاص بالنصر - الذي لم يفتتح بعد - المقام في المتحف التاريخي. وقالت "يوجد في المعرض أشياء مثيرة للاهتمام، مثل شارات ورايات النصر للقوات السوفياتية. وانا كنت اول زائرة".
وفي سلسلة الاجتماعات على نطاق ضيق وعلى نطاق واسع، التي جرت بعد المؤتمر الصحفي المشترك، تم البحث في علاقات التعاون بين البلدين، وفي القضايا المعقدة المطروحة على الساحة الدولية.
وبنتيجة المحادثات المكثفة بين الطرفين، تم التوقيع على 20 وثيقة واتفاق، أهمها البيان المشترك الذي وقعه الرئيسان حول إقامة الشراكة الستراتيجية الشاملة بين روسيا والأرجنتين. "والى جانب العلاقات الثنائية، تضمنت هذه الوثيقة إشارة الى تفاهم البلدين حول اهم المسائل الإقليمية والدولية المطروحة، وبالأخص التعاون في اطار الأمم المتحدة، و"مجموعة العشرين الكبار"، والوضع في أوكرانيا وتسوية النزاع في جزر مالفيناس"، حسب التصريح الذي أدلى به للصحفيين يوري اوشاكوف، مساعد الرئيس بوتين (جزر مالفيناس ـ وتسميها بريطانيا: جزر فوكلاند ـ هي أرخبيل جزر يفصل بين جنوب المحيط الأطلسي والمحيط الهندي، وتبعد عن الساحل الارجنتيني حوالى 400 كلم، وتعتبرها الارجنتين ملكا لها لانها امتداد لمياهها الإقليمية، ولكن بريطانيا تعتبرها من ضمن "الأراضي البريطانية ما وراء البحار". وهناك نزاع دائم بين الارجنتين وبريطانيا حول ملكية الارخبيل. ونشبت بينهما في 1982 حرب، عرفت باسم "حرب الفوكلاند"، انتهت بهزيمة القوات الأرجنتينية بسبب عدم تكافؤ القوى). وتضمنت الاتفاقات: اتفاقا خاصا بالتعاون العسكري بين وزارتي الدفاع في البلدين، واتفاقا حول حماية البيئة، ومكافحة تجارة المخدرات، ومذكرة خاصة بالتعاون بين وزارتي الزراعة، وأخرى خاصة بالتعاون بين وزارتي الصناعة. كما صدرت مذكرات حول التعاون في حقول الفضاء والطاقة النووية والنفط والغاز، وقعتها كل من وكالة الفضاء الروسية "روسكوسموس"، وشركتي "روسآتوم" و"غازبروم". وستقوم "روسآتوم" ببناء محطة نووية لتوليد الكهرباء في الارجنتين. كما ستقوم شركة "غازبروم" بالمشاركة في عمليات التنقيب واستخراج النفط والغاز في الارجنتين.
هذا وقد نوه الرئيس بوتين بموقف الارجنتين المعارض للعقوبات ضد روسيا، وعبر عن دعم جهود الارجنتين لإيجاد حل سلمي لمشكلة جزر مالفيناس. وقال "لقد اتفقنا أيضا على إجراء محادثات معمقة للتوصل الى صيغة اتفاق لاستخدام العملتين الوطنيتين في عمليات التبادل التجاري بين البلدين".