ارشيف من :ترجمات ودراسات

منذ متى بدأت الولايات المتحدة والناتو باستخدام الإرهاب

منذ متى بدأت الولايات المتحدة والناتو باستخدام الإرهاب

الكاتب :  Alberto Rabilotta
عن موقع   Le-Blog-Sam-La-Touch.over-blog.com
         نقلاً عن صحيفة  El Correo  الإسبانية
10 نيسان / أبريل 2015

بث الفرقة والكراهية، وتسميم التمايزات الدينية واللغوية والثقافية والقومية، وتشجيع العنصرية بكل أشكالها، كل ذلك يشكل وصفة قديمة أثبتت فعاليتها في مجال الهيمنة على الشعوب واستغلالها. فالواقع أن ذلك هو الوسيلة الفضلى لدفع الشعوب نحو الخراب عبر إضعافها وشق صفوفها بهدف إخضاعها واستعبادها أو، ببساطة، بهدف شطبها من الخارطة خدمة للمصالح الاستعمارية والإمبريالية.  
فقد مورست هذه السياسة خلال الحرب الباردة في الصراع مع الاتحاد السوفياتي والصين وغيرهما من البلدان الاشتراكية. وهي ما تزال نشطة رغم سقوط الاتحاد السوفياتي والكتلة الاشتراكية الأوروبية.
إن الحرب الإيديولوجية والممارسات التخريبية في فترة الحرب الباردة قد اعتمدتا منذ أكثر من أربعين عاماً خدمة لأغراض السيطرة التي تسعى إليها كل من الإمبريالية الأميركية وحلفاؤها في الناتو، والرأسمالية التي نسميها اليوم نيوليبرالية، والتي تطال اليوم كل ما في العالم من بلدان ومناطق تعارض الهيمنة الإمبريالية.

من هنا، وفي هذا السياق بالذات، ينبغي علينا أن ننظر إلى الإرهاب سواء كان متحدراً من التعصب الديني أو من الإيديولوجيا النازية، ونبين أنه أسهم وما زال في بث الخراب والدمار اللذين تحتاج إليهما الإمبريالية من أجل توسعها. وهذا بالفعل ما يحصل عندما يلجأ الإرهاب إلى قتل الأبرياء في العراق وسوريا وليبيا وباكستان واليمن، أو عندما ينقلب على صانعيه في واشنطن أو لندن أو باريس.
هذا، وسيستمر الإرهاب في خدمة الأغراض السياسية للإمبريالية، لأن تسطيح النقاش، والتضخيم الإعلامي، والارتدادات العالمية على بلدان الغرب لهذه الأفعال الوحشية التي يرتكبها الإرهاب، كما في حالة العمليات التي نفذت مؤخراً في فرنسا، تؤدي بشكل شبه دائم إلى تبرير الإجراءات السياسية والاجتماعية القمعية المنافية للديموقراطية والتي تجلت في الولايات المتحدة مع "قانون مكافحة الإرهاب" (Patriot Act)، وهو القانون الذي يرجح أن يتدامج مضمونه مع مشاريع هي قيد الدرس حالياً في الاتحاد الأوروبي.
وما نقوله هنا لا يهدف إلى تقديم عرض ينسجم مع نظرية المؤامرة، بل إلى تلخيص واحدة من تجاربي الصحفية الطليعية الأولى في بداية السبعينات، والتي لم أتحدث عنها إلا مرة واحدة، لكنها بقيت طيلة تلك السنوات واحداً من المفاتيح الهامة التي تمكنت بفضلها من فهم وتحليل بروباغندا الإمبريالية وأهدافها السياسية.
وسأعتمد هنا على ذكرياتي لأن الأرشيف الخاص بي قد ضاع منذ مدة طويلة ولا أستطيع الذهاب، لعدم توفري على ما يكفي من وسائل، إلى موسكو أو هافانا لأبحث في محفوظات صحيفتي "برافدا" أو "غرانما" حيث كنت أنشر المعلومات الأصلية.

اجتماع سري لجهاز البروباغندا التابع للناتو في مونتريال


كنت قد بدأت، عام 1972، بالتعاون مع "برنزا لاتينا" بكتابة بعض المقالات لصحف مكسيكية مثل "إيل ديا" أو "إكسلسيور"، أعلمني صديق كندي بأن لقاءً سرياً سيعقد في فندق بمونتريال بين مسؤولي السياسات الإعلامية في إذاعات تابعة للناتو تبث على الموجات القصيرة (راديو أوروبا الحرة، راديو ليبرتاد، صوت أميركاس، ألخ).       
    
وبالتأكيد، كان سيتم في ذلك الاجتماع عرض "استراتيجية جديدة" للصراع الإيديولوجي مع الاتحاد السوفياتي والبلدان الاشتراكية الأخرى. وبالتأكيد أيضاً أن المواضيع أو المشاريع التي تم تداولها في ذلك اللقاء قد عززت بشكل كبير على المستوى العالمي، وفي جميع المجالات، الصراع الإيديولوجي الذي طبع بطابعه المواجهة الثنائية خلال الحرب الباردة.

منذ متى بدأت الولايات المتحدة والناتو باستخدام الإرهاب
اميركا والارهاب

ذهبت إذن إلى مونتريال مع شك كبير بإمكانية حصولي على ترخيص صحافي. وبعدما رفض طلبي الأول لذلك الترخيص، كانت مفاجأتي كبيرة عندما منحوني إياه بعدما أبرزت لهم بطاقتي بوصفي مراسلاً لصحيفة "إكسلسيور" المكسيكية.
والحقيقة أن اللقاء المذكور كان عبارة عن عروض مطولة قدمها المسؤولون عن تلك الإذاعات لخطوط الإعلام والافتتاحيات التي كانت تتحدد على أساسها، إذا ما استخدمنا اللغة المعاصرة، كيفية حبك نسيج المصداقية في البروباغندا المعادية للاتحاد السوفياتي والشيوعية وسائر البلدان التي كانت تسعى في تلك الفترة إلى تحقيق استقلال حقيقي، وبناء نظام اقتصادي عالمي، واجتثاث العنصرية وكافة أشكال التمييز العنصري، وتلتزم بمواقف معادية للامبريالية وينظر إليها في الغرب على أنها حليفة للاتحاد السوفياتي.   

كيفية تحويل الديانات والقوميات إلى أسلحة

كان على الهجمة الإيديولوجية الجديدة ومضمون البروباغندا المستخدمة فيها أن تحرك، وفقاً للمسؤولين عن جهاز البروباغندا في حلف الناتو، الجماعات التي تتوجه إليها تلك البروباغندا وأن تتجذر فيها. أما تلك الجماعات فتشتمل على المسلمين والقوميين المتعصبين في بعض مناطق الاتحاد السوفياتي وغيره من البلدان الاشتراكية، والصهاينة اليهود في روسيا ممن يرغبون بالهجرة إلى "إسرائيل"، والكاثوليك المحافظين في بلدان البلطيق كبولندا وغيرها.
أما الهدف المنشود في المجتمعات الاشتراكية العلمانية فكان يتمثل بتشجيع "نهوض" المعتقدات والممارسات الدينية الجذرية عبر تمويلها وتنظيمها بهدف إدخالها في صراع مفتوح مع المجتمع والسلطة السياسية. كما كان يتمثل بطرح مطالب معينة والتركيز على تناقضات قائمة في المجتمعات أو المناطق التي تتواجد فيها جماعات قومية قابلة لاحتضان تحركات انفصالية، وكل ذلك كان يفترض البدء بخلق ظروف ملائمة لحدوث مواجهات مدنية وبوليسية وحتى مسلحة.

صدام الحضارات والنيوليبرالية


بذرة "صدام الحضارات" التي زرعتها بروباغاندا الناتو وغذتها بلا تحفظ أقوى وسائل الإعلام في العالم الرأسمالي، انتهت إلى تبرير ولادة تنظيم القاعدة في أفغانستان، لتستخدم على نطاق أكثر اتساعاً، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والكتلة الاشتراكية الأوروبية، في البلقان من أجل تقسيم يوغوسلافيا السابقة، وكذلك من أجل شن الهجمات الإرهابية وإشعال فتيل الصراع في الشيشان وداغستان ومناطق أخرى من الاتحاد السوفياتي السابق، بما فيها أوكرانيا في الوقت الحالي.

رسمياً، كان الاتحاد السوفياتي دولة إلحادية. أما في الواقع، فقد كان دولة اشتراكية متعددة القوميات والثقافات تتعايش فيه قوميات وديانات عديدة تمتد من الأرتوذكسية المسيحية إلى الدين الإسلامي، مروراً بالطوائف اليهودية والكاثوليكية وغيرها. وفي هذا التعايش، كانت تكمن القوة الظاهرية للأممية البروليتارية، كما كانوا يقولون في موسكو، كما كانت تكمن أيضاً نقطة الضعف الرئيسية من وجهة نظر أصحاب القرار الامبرياليين.
لكن علينا أن نتذكر أن المواجهة التي نشأت عن الأطماع الإميريالية للولايات المتحدة لم تقتصر على الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن، وأن دولاً علمانية كانت قائمة في الشرق الأوسط وآسيا في بدايات السبعينات، كنتيجة للتحرر من الاستعمار وللقوة التي امتلكتها حركة بلدان عدم الانحياز، حيث كانت تتعايش، في ظل أنظمة سياسية مختلفة، ثقافات وقوميات وديانات متنوعة إلى أبعد الحدود.

بكلام آخر، كان النضال ضد التمييز العنصري بمختلف أشكاله بما فيه نظام الفصل العنصري في إفريقيا الجنوبية ومن قبل الصهيونية في ذروته القصوى. وقد أصبح هذا النظام أكثر قوة بفعل القرار رقم 3379 الذي صوتت عليه الجمعية العمومية للأمم المتحدة في تشرين الثاتي 1975، والذي أُلغي بالقرار رقم 4866 الصادر عن الجمعية العمومية نفسها في 16 كانون الأول / ديسمبر 1991، أي بعد ثمانية أيام من انهيار الاتحاد السوفياتي*. 
وفي الظرف التاريخي نفسه، وبدعم من المعسكر الاشتراكي، طالبت مجموعة البلدان غير المنحازة بإقامة "نظام اقتصادي عالمي جديد" يضع حداً لنظام التبادلات التجارية الظالم ويسمح لهذه البلدان بولوج باب النمو الاجتماعي والاقتصادي. كما طالبت في إطار منظمة الأونسكو بـ "نظام عالمي جديد في مجال الإعلام والاتصالات". وقد تم خنق كل هذه المبادرات من قبل الامبريالية وحلفائها.
واليوم، ومع الابتعاد الزمني عن تلك الفترة، يبدو مؤكداً، والشواهد كثيرة على ذلك، أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين واليابان قد بدأوا في تلك الفترة، وانطلاقاً من الدوائر الحاكمة، بهجومهم الهادف إلى إيجاد المبررات الاقتصادية والسياسية لضرب دولة الرعاية، حيث أن تدخل الدولة في الاقتصاد كان يشكل ضامناً لشيء من النمو الاجتماعي والاقتصادي. أما القصد من ذلك، وهو ما تحوَّل إلى واقع خلال السنوات العشرين الأخيرة، فتمثل بوضع الدولة بشكل كامل في خدمة المصالح الرأسمالية والعودة، بالتالي، إلى ليبرالية القرن التاسع عشر وإلى الممارسات الاستعمارية والامبريالية القديمة.    
وبالنظر إلى الموضوع من زاوية معينة، كان اختيار تلك الفترة مناسباً جداً لقيام الإمبريالية وحلفائها في الناتو بتعزيز سياق الحرب الباردة وتغطيتها الجغرافية، ما شكل ضمانة لمواصلة الانتقال من مواجهة بين النظام الرأسمالي-الإمبريالي وبين النظام الإشتراكي، إلى إطلاق عملية التوسع الامبريالي للنظام النيوليبرالي الذي كان قد وضع على نار حامية.

ولم يأت بمحض الصدفة، إنشاء "اللجنة الثلاثية" عام 1973 برئاسة دايفد روكفلر وبمساعدة من زبغنيو بريجنسكي، مستشار الرئيس الديموقراطي جيمي كارتر للشؤون الخارجية، والذي استخدم كمنصة للهجمة الإيديولوجية الجديدة التي شنت من قبل الهيئات العليا في الإمبراطورية الأميركية وحلف الناتو، أو ظهور صمويل هنتينغتون في المشهد، وهو "المثقف العضوي" في خدمة الإمبرالية ومؤلف الكتاب المشين "صدام الحضارات".
إن من الضروري أن تقرأ وثائق "اللجنة الثلاثية"، وخصوصاً تلك التي تحمل عنوان "أزمة الديموقراطية" الصادرة عام 1975، على ضوء الأحداث الحالية، وذلك للتحقق - بعيداً عن كل نظرية للمؤامرة - من أن تلك الفترة هي التي تم خلالها بشكل مكشوف تحديد محاور الهجمة السياسية والإيديولوجية الإمبريالية الهادفة إلى فرض الهيمنة بصورتها النيوليبرالية، بما في ذلك ضرب الديموقراطية الليبرالية التي تحتفظ بشيء من المضمون الحقيقي في مجتمعات المعسكر الغربي، بالشكل الذي نعيشه الآن.
وكل ذلك هو ما يفسر، في الماضي، استمرار الهجمة الإيديولوجية وسياسات تخريب المجتمعات وتدمير الدول في الاتحاد السوفياتي والبلدان الاشتراكية الأخرى، وفي الحاضر، جميع المحاولات الهادفة إلى ضرب الصين وغيرها من البلدان النامية أو الناهضة التي يمكنها أن تقف عائقاً في وجه الهيمنة النيوليبرالية.


عندما يتحول المتعصبون والمتطرفون إلى "مناضلين من أجل الحرية"

إذا كان العام 1979 قد شهد أول حالة من الحالات التي قامت فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها بتكوين وتدريب وتحويل المتطرفين الإسلاميين إلى "مناضلين من أجل الحرية" بهدف محاربة القوات السوفياتية في أفغانستان والأفغان التقدميين، فإن فترة قصيرة من الوقت انقضت قبل أن يقوم الإمبرياليون بتنظيم عمليات غير شرعية قامت بها عصابات المخدرات في أميركا اللاتينية بهدف تسليح وتمويل "المناضلين من أجل الحرية" الذين كانوا يقاتلون الساندينين في نيكاراغوا. وهذه السياسة هي التي أدت مباشرة إلى تشكل شبكات تهريب المخدرات، وارتفاع معدلات الجريمة والفساد والعنف في المنطقة.
ومنذ ذلك الحين، مورست سياسات مشابهة في عشرات البلدان في آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا، وغالباً ما كان يتم ذلك بمساعدة وتمويل من المملكة السعودية وبدعم من إسرائيل (كما في حالة الفضيحة المعروفة باسم "إيران غيت")، ما يؤكد أن المخطط الشيطاني القائم على فكرة "فرق تسد" والقاضي بتدمير الدول والمجتمعات التي تدافع عن سيادتها الوطنية كان يطبق بشكل منهجي من قبل جهاز البروباغاندا في الولايات المتحدة وحلف الناتو وكل ما يرتبط به من وكالات الزعزعة والتجسس.

ولا نجد في ذلك أي عنصر جديد أو مثير للمفاجأة، إذا ما تذكرنا دائماً أن الولايات المتحدة وحلف الناتو قد استمرا، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وفي إطار "عملية غلاديو" بالتواصل وإقامة العلاقات مع القوى القومية المتطرفة التي ساندت مختلف الأنظمة الفاشية - النازية الأوروبية أو تشاركت معها، والتي تتحرك حالياً في بلدان البلطيق وأوكرانيا حيث يسيطرون على أجهزة أمن الدولة في إطار سياسة المواجهة مع روسيا. 
ويؤكد أندريه فيتشك أن "وجود وشعبية قادة تقدميين، ماركسيين ومسلمين، في الحكم في الشرق الأوسط أو في إندونيسيا الغنية بالموارد، هو أمر غير مقبول بالمرة في نظر الإمبراطورية". إذ ما الذي كان سيبقى للإمبراطورية وشركاتها فيما لو انصرف هؤلاء القادة إلى استخدام تلك الموارد في رفع مستوى معيشة شعوبهم؟ يجب منع ذلك بكل السبل. ولا بد من بث الفرقة بين المسلمين واختراقهم بقادة يمينيين ومعادين للشيوعية ولا يهمهم أمر شعوبهم. 
وقد صرحت فيكتوريا نولاند، مساعدة وزير الخارجية الأميركي، أن خمسة مليارات دولار قد تم "توظيفها" من أجل تغيير النظام في أوكرانيا. ولا شك بأن الفاتورة كانت أكبر بكثير في مسألة تقسيم يوغوسلافيا المتعددة القوميات. وما القول في الدعم والتمويل اللذين تقدمهما بلدان حلف الناتو للمتطرفين والإرهابيين الإسلاميين في الشيشان وداغستان الذين يقيمون الاستعراضات في أنحاء أوروبا بوصفهم "مناضلين من أجل الحرية"؟ أو للمتطرفين الإسلاميين الذين يتم استقبالهم وتمويلهم وتدريبهم من قبل المسؤولين السياسيين الأوروبيين والأميركيين لجهودهم من أجل إسقاط بلدان كليبيا وسوريا أو بلدان كثيرة أخرى يطويها النسيان في القارة الإفريقية؟ 

لا يمكن الانتصار على الأصولية بالسلاح


في العام 1979، ألقى المفكر الكبير إدوار سعيد محاضرة حول موضوع "صدام الحضارات"، وأنا أسمح لنفسي، بعد أن أوصي بقراءتها وإعادة قراءتها، بأن أعرض هنا نصاً اقتطفته من تلك المحاضرة:
"أخذا بعين الاعتبار للواقع المحزن الذي يحيط بنا ولوجود صراعات بين الثقافات والإتنيات، يبدو لي أنه من غير المسؤول أن نوحي، نحن الأوروبيين والأميركيين، بأن علينا أن نحافظ على حضارتنا، أي على ما يسميه هنتينغتون بـ "الغرب"، وأن نستثني من ذلك بقية العالم عبر تأجيج الصراعات بين الشعوب لهدف وحيد هو ترسيخ سيطرتنا. فالواقع أن هذا الأمر هو عين ما يطرحه هنتنغتون، ومن السهل جداً أن نفهم السبب الذي من أجله قامت وزارة الخارجية بنشر كتابه، وجعل العديد من المسؤولين السياسيين يشعرون بالانجذاب إليه. إنه يسمح للولايات المتحدة الأميركية بتنمية ذهنية الحرب الباردة في سياق مختلف وداخل جمهور مختلف. إنه لمن المفيد أكثر والبناء أكثر أن تكون هنالك ذهنية أو وعي عالمي جديد ينظر إلى الأخطار التي تواجهنا من مجهة نظر الجنس البشري كله. فالأخطار التي تواجهنا تشتمل على إفقار القسم الأكبر من سكان العالم، وعلى إحياء مشاعر العنف القبلي والقومي والإتني والديني في البوسنة ورواندا ولبنان والشيشان وغيرها، وعلى تراجع التعليم وظهور نوع آخر من الأمية التي تنشرها وسائل الإعلام الإلكتروني والتلفزيون وقنوات المعلومات العالمية الجديدة، وعلى تفكيك وتهديد وجود كبريات ملاحم التحرر والتسامح. أن ثروتنا الثمينة جداً في وجه هذا التحول المرعب في التاريخ ليست في انبثاق مشاعر المواجهة بل في الإدراك الجماعي، والفهم، والتضامن، والأمل، وكل ذلك هو على النقيض مما يدعو إليه هنتنغتون".
ونختم هذه المقالة بوجهة نظر عميقة عبر عنها مؤخراً الفيلسوف هنريك دوسيل :

"إن الأصوليات (المسيحية، والبوشية، والإسلامية، والصهيونية) هي إعادة الحياة لمفهوم عن الله (أو عن تعددية للآلهة، بحسب توصيف ماكس فيبر) يبرر سياسة أو اقتصاداً أوثقافة أوعرقاً أوجنساً، إلخ، بشكل مطلق، ويستخدم السلاح بدلاً من الحجج العقلية التي يفهمها المحاور. لا أحد يستخدم السلاح بدلاً من العقل كالأصولي الأميركي. فهو يزعم فرض الديموقراطية عن طريق الحرب بدلاً من الحوار انطلاقاً من تقاليد الآخر، أو من القرآن في حالة المؤمنين بالإسلام، على سبيل المثال. لا يمكن اجتثاث الأصولية بالقوة (لا يجب أن ننسى أن الاستخبارات الأميركية هي التي دربت الأصوليين الإسلاميين على استخدام السلاح لمقاتلة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، وأننا نعاني اليوم من تداعيات مسكوت عن مسبباتها)، بدلاً من التفكير العقلاني والسلوك الحميد (على ما كان يدعو إليه برتولومي دو لاس كازاس في كلامه عن الفتوحات). لكن كل ذلك لا يدخل في اعتبار مصالح الإمبراطورية. فالعنف اللاعقلاني الإسلامي يجري استخدامه لتبرير العنف اللاعقلاني الذي تمارسه النيوليبرالية السياسية-الاقتصادية. أما اليسار الصحيح، فعليه أن يشرع بنقد اللاهوت على طريقة ماركس كجزء من نقد السياسة النيوليبرالية الراسمالية".
----------------------------------

•    تم اعتماد القرار 3379 الذي اعتبر الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري بعد أن صوت عليه بـ "نعم" من قبل 72 بلداً مقابل 35 بلداً صوتت بـ "لا"، وامتناع 32 بلداً عن التصويت. المترجم       

2015-04-28