ارشيف من :آراء وتحليلات
إعادة الانتشار في جسر الشغور... معان وَعِبَرْ (1/2)
دائماً، وَعبْر الأراضي التركيّة وفي سيناريو مُشابه لعمليّة مُهاجمة مدينة إدلب الشهر الفائت، تُهاجم وتُسيطر مجموعة كبيرة من مُسلّحي تنظيم القاعدة في بلاد الشام على مدينة جسر الشغور الحدوديّة السّوريّة في عمليّة (مُحكمة ومدروسة)، حيث يعمد الجيش السّوري إلى تنفيذ إعادة انتشار لوحداته في سياق فكرة مُناورة جاءت لمُواجهة الوضع العسكريّ المُستجدّ، وهدفت إلى تحسين الموقف الدّفاعي كسباً للوقت وللمُحافظة على القوى، بغية استعادة المُبادرة والقيام بعمليّة هجوميّة مُعاكسة يتمّ التّحضير لها حاليّاً لطرد المُسلّحين وتدميرهم.
سنستعرض في لمحة موجزة الأهمّيّة الجغرافيّة والاستراتيجيّة لمدينة جسر الشغور، وكيف تمّ تنفيذ العمليّة في جزء أوّل ليتمّ بعدها إجراء دراسة مقتضبة عن آفاق ومعان لهذه العمليّة في أكثر من ناحية ونتطرّق إلى بعض الدّروس والعِبَر العسكريّة التي يُمكن استخلاصها في جزء ثان.
مدينة جسر الشغور هي ثاني أكبر مدينة حدوديّة في المُحافظة بعد مدينة إدلب من حيث عدد السكّان والمساحة، يخرقها نهر العاصي فيقسمها إلى قسمين متساويين تقريباً، تُلامس الطريق الرئيس بين اللاذقيّة وإدلب، والسيطرة العسكريّة عليها مع مُحيطها القريب تؤمن:
- السيطرة على جنوب سهل الغاب، المدخل الجنوبي لخطّ الإمداد الرئيس للجيش السّوري بين مدينة حماه وريف اللاذقيّة الشرقي ووحداته المُنتشرة في محيط إدلب.
- السيطرة على تخوم ريف اللاذقيّة الشمالي الشرقي والضّروري لحماية السّاحل السّوري ومدينة اللاذقيّة ضمناً، أو لمُهاجمة هذا السّاحل والمدينة المذكورتين.
- الإمساك بخط استراتيجي يربط البحر المتوسّط مع معبر باب الهوى مع مدينة جسر الشغور، فطريق (اللّاذقيّة - إدلب - حلب) الرئيس مع الحدود السوريّة التركيّة.
الجيش السوري
بالعودة للعمليّة، فقد نفّذتها مجموعة كبيرة من مسلّحي تنظيم "القاعدة" في بلاد الشام وتحديداً من "الجبهة الإسلاميّة" ومن "جبهة النّصرة"، فالأولى أصبحت بعد تأسيس مجلس قيادة الثورة السوريّة - حسب تسمية الإرهابيّين له - بتاريخ 29/11/2014 والذي يتمركز في مدينة غازي عنتاب التركيّة، كبرى فصائل المُعارضة في شمال سوريا، والثانية (جبهة النّصرة) باتت حسب ما يخطّط لها التّحالف التركي – السعودي – القطري في ابتعادها عن تنظيم "القاعدة" (إعلاميّاً طبعاً وليس عقائديا والتزاماً وفعليّاً) على الطريق نحو السيطرة على إقليم جغرافي من الشمال السّوري يكون نواة ومدخلا لمنطقة فيها حكومة سوريّة مؤقّتة تستلم الحكم بعد التغلّب على نظام الرئيس الأسد، وذلك دائماً حسب تسمية وأهداف الإرهابيّين.
ومن هُنا نستطيع أن نفهم هذا المُستوى العسكري اللافت الذي ميّز الإرهابيّين المُهاجمين، حيث تمّت العمليّة وحسب ما ذُكر في مقدّمة العرض من خِلال سيناريو مُشابه لمُهاجمة مدينة إدلب، إنّما بتقنيّةً عسكريّة أكبر، فبعد تدفّق الحشود المُسلّحة بكثافة عبر الحدود التركيّة، تمّت المُهاجمة الأساس، عبر محورين، الأوّل شمالي جنوبي (دركوش - قنية - الجانوديّة - جنوب جسر الشغور) والثاني غربي شرقي (معبر باب الهوى - غرب جسر الشغور) وتحت ستار من الدّعم المدفعي المُركّز على مراكز وحواجز الجيش السّوري في المدينة ومحيطها، تمّ التقدّم بسرعة لافتة وبآليّات أميركيّة ويابانيّة حديثة تولّت مجموعات انتحاريّة بأكثر من عشر سيارات مفخّخة تفجير حواجز الجيش السوري الأماميّة بطريقة شبه مُتزامنة فخلّفت ثغرات كانت كافية للسّماح لمجموعات المُسلّحين بالتدفّق عِبرها وبأعداد كبيرة لتنتشر وتُسيطر على نقاط أساس في المُدافعة وذلك بعد أن تمّ تنفيذ رمايات ناجحة على دبّابات وآليّات الجيش السّوري بواسطة صواريخ تاو الأميركيّة الصنع من الجّيل الأكثر تطوّراً حيث تمّ رصد أكثر من 20 قاعدة أمطرت هذه الآليّات بصواريخها الموجّهة حراريا، كلّ ذلك بإشراف غرفة عمليّات متطوّرة تعمل من الأراضي التركيّة القريبة أمّنت منظومة فعّالة في القيادة والسّيطرة.