ارشيف من :آراء وتحليلات
أي دور للاتحاد العام التونسي للشغل بعد رعايته بنجاح للحوار الوطني؟
لا يكاد يمر يوم في تونس حتى تسارع وسائل الإعلام إلى نشر خبر متعلق بإضراب قطاع ما مطالبا بالزيادات في الأجور والرواتب وتحسين الأوضاع الاجتماعية. فلم تكد الدولة تلبي مطالب أساتذة التعليم الثانوي حتى أضرب معلمو الإبتدائي مطالبين أيضا بالزيادات غير عابئين بالوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه الخضراء والذي يضطر الدولة إلى الاستيدان في كثير من الأحيان.
ولعل ما يدفع بهذا الاتجاه هو تعطل الإنتاج في أكثر من قطاع حيوي على غرار الفوسفات الذي تحتل تونس المرتبة الثالثة عالميا في إنتاجه وتقوم بتصدير جانب كبير منه وتحول جانبا آخر في إطار صناعات كيماوية حرصت على تركيزها دولة الإستقلال. فالحوض المنجمي الواقع جنوب غرب البلاد تعطَّل فيه الإنتاج بشكل كلي بسبب إضراب عمال المناجم المنضوين تحت راية الإتحاد العام التونسي للشغل وهو ما يكلف خزينة الدولة مبالغ طائلة.
مسؤولية الاتحاد
ويحمل كثير من التونسيين منظمتهم العمالية العريقة، التي قارعت الاستعمار الفرنسي والاستبداد، المسؤولية عما يحصل من تعطيل لعجلة الاقتصاد. ويذهب البعض إلى حد المطالبة بإجبار الاتحاد على إمضاء هدنة اجتماعية مع الحكومة يلتزم بمقتضاها بالكف على المطالبة والإضراب لثلاث سنوات أو حتى لخمس تستعيد خلالها البلاد عافيتها وتعود عجلة الاقتصاد إلى الدوران.
تونس
لقد اتهم أنصار حركة النهضة الإخوانية اتحاد الشغل في وقت سابق بالتطرف الإيديولوجي ومعاداة الحركات الإسلامية بسبب انتماء أغلب قياداته إلى قوى اليسار التونسي، وذلك بسبب كثرة الإضرابات التي كانت تحصل خلال الفترة الانتقالية التي تسلمت خلالها حركة النهضة السلطة. لكن الاتحاد كذب هذه الاتهامات وواصل السياسة ذاتها حتى بعد مغادرة حركة النهضة للحكم.
منظمة عملاقة
لقد نجح الاتحاد العام التونسي للشغل بمعية منظمة رجال الأعمال التونسيين (اتحاد الصناعة والتجارة) والهيئة الوطنية للمحامين التونسيين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في رعاية الحوار الوطني في ذروة الأزمة التونسية وأوصل البلاد إلى بر الأمان. كما أنه تعامل برصانة وحنكة مع الاستفزازات التي كان أنصار الترويكا الحاكمة السابقة بقيادة حركة النهضة يقومون بها أمام مقره، سواء تعلق الأمر بإلقاء النفايات أو بالاعتداء الجسدي على بعض المنتمين إليه، وساهم هذا السلوك الرصين في خلق جوٍّ من الهدوء في البلاد انعكس إيجابا على نتائج الحوار الوطني.
وقد ساهمت هذه الإنجازات، بحسب البعض، في تزايد طموحات النقابيين للعب دور أكبر في الحياة السياسية التونسية وفي تحول الاتحاد إلى منظمة عملاقة فاقت في حجمها الأحزاب السياسية التونسية. ولعل حل حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم السابق بعد الثورة قد ساهم في تنامي دور المنظمة النقابية العمالية التونسية حيث تعتبر الأحزاب التونسية حديثة عهد بإدارة الشأن السياسي بعد عقود من هيمنة التيار الدستوري على الساحة السياسية.
جماعة ضغط
لذلك يدعو كثير من التونسيين إلى العمل على عودة الاتحاد إلى حجمه الطبيعي ليلعب دوره الاعتيادي كجماعة ضغط لا غير تدافع عن حقوق العمال دون أن يكون شريكا في الحكم. ويتحدث هؤلاء عن ديكتاتورية نقابية بصدد الولادة في تونس لو تواصلت الأمور على هذه الشاكلة خلال السنوات القادمة وترسخت تقاليد سياسية وأعراف تقضي بنيل الاتحاد لحصته في كعكة الحكم.
ولا تبدو الحكومة الجديدة المنبثقة عن برلمان انتخبه التونسيون قوية وقادرة على ضبط الأوضاع مع الاتحاد وإدارة الحوار معه بالشكل الجيد. ففي كل مرة يحصل إضراب ما إلا وتستجيب الحكومة للمطالب ثم يعلن وزير ماليتها لاحقا عن حاجة البلاد إلى التداين.