ارشيف من :مقاومة

بين آب 2006 وآب 2008: مفاجآت ما بعد الحرب

بين آب 2006 وآب 2008: مفاجآت ما بعد الحرب
كتب جهاد حيدر
اعتدنا، واعتاد الكثيرون، الحديث عن المفاجآت التي شهدتها حرب تموز عام 2006، والتي ألف اللبنانيون تعداد الكثير منها. وبقدر ما كان العدو، ومن ورائه الولايات المتحدة وأتباعها في لبنان والمنطقة، واثقين بقدرة "إسرائيل" على تحقيق آمالهم في استئصال المقاومة أو إضعافها إلى المستوى الذي يعبّد الطريق أمام المشروع الأميركي في لبنان والمنطقة، كانت هذه المفاجآت اشد وقعا عليهم. وخاصة أنها لم تقتصر على مجال دون آخر، بل شملت قدرات المقاومة الصاروخية التي واصلت دك العمق الإسرائيلي حتى اليوم الأخير من الحرب حتى بلغت الذروة في اليوم الأخير منه (250 صاروخا)، وثبات المجاهدين في مواجهة أطنان الصواريخ والقذائف التي ألقتها اسلحة الجو والمدفعية والدبابات، وفي مواجهة كثافة نيران لم تستخدمها "إسرائيل" طوال تاريخها. هذا إلى جانب مفاجآت أخرى منها ما يتعلق بإمكانيات وكفاءات المجاهدين القتالية في مواجهة سلاحي المدرعات والمشاة.
وفوق كل ذلك وجه جمهور المقاومة للعدو صفعة قوية عندما فاجأه في قوة صموده والتفافه حول المقاومة في أوج المعركة، وعندما كان يشاهد قراه ومدنه تدمر وفق خطة ممنهجة وهادفة.
ولم تقتصر مفاجأة هذا الجمهور للعدو على خضم المعركة فقط وانما استمرت الى ما بعد توقف القتال، عندما راهنت العديد من القوى في الداخل اللبناني وكل من الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي وبعض العرب، على انقلابه على المقاومة وقيادتها عندما يعود الى قراه ومناطقه ويرى الدمار الذي لحق بها. لكن الذي حصل ان هذا الجمهور عبر في اكثر من مناسبة عن ولائه وتمسكه بخيار المقاومة وقيادتها في العديد من المحطات منها: المشاركة الجماهيرية غير المسبوقة في احتفال النصر في 22 ايلول من العام  2006، وفي التظاهرتين التيين دعت إليهما المعارضة في شهر كانون الأول من العام نفسه، وفي كل المحطات التي تلتها.
ولا يخفى ان موقف جمهور المقاومة في مرحلة ما بعد 14 آب لم يكن اقل أهمية وتأثيراً من صموده خلال القتال، بل يمكن القول ان مفاجأة جمهور المقاومة للقوى المعادية بعد توقف القتال هو الذي حصن انجازات المقاومة خلال الحرب وعزز موقفها داخليا وفي مواجهة الخارج.
مفاجأة ما بعد الحرب
بعدما فشل جيش العدو في تحقيق الأهداف التي حددتها له قيادته السياسية خلال حرب تموز، انعقدت آمال الخائبين على أن تكون قدرات حزب الله العسكرية، التي بناها خلال سنوات المقاومة وتحديدا خلال ست سنوات (2000 – 2006)، قد ضعفت إلى الحد الذي يحتاج معها لسنوات طويلة من اجل ترميمها واستعادة المستوى الذي كانت عليه قبل بدء الحرب. والى ذلك الحين تكون إسرائيل قد أتمت جهوزيتها المفترضة وتغيرت الظروف السياسية التي تسمح لها بتوجيه ضربتها القاضية.
فماذا حصل بين آب 2006 وتموز 2008؟
انطلاقا من الطابع السري لعمل المقاومة وعدم إعلانها عن المرحلة التي بلغتها في استعداداتها وجهوزيتها، سنحاول الاستناد الى تقرير الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الذي تم تقديمه للمجلس الوزاري المصغر قبل عدة أيام، ووصف صورة الوضع المستجد في جنوب لبنان بأنها قاتمة بالنسبة لـ"إسرائيل".
حيث "نجح حزب الله خلال الأشهر الأخيرة في إقامة منظومة عسكرية شمال وجنوب نهر الليطاني، وهي الآن مبنية وجاهزة بقدر كبير، لإمطار شمال إسرائيل ووسطها بالصواريخ - وفي الوقت ذاته صد القوات البرية للجيش الإسرائيلي، التي قد تدخل الى لبنان لشل منظومة حزب الله القتالية".
وقدر التقرير ايضا انه "من حيث المبدأ، يبلغ عدد صواريخ حزب الله حوالى 40 ألفا، على جانبي نهر الليطاني" اضافة الى بضع مئات من الصواريخ الثقيلة البعيدة المدى، التي يحمل كل منها رأسا حربيا يحتوي على مئات الكيلوغرامات من المواد المتفجرة.
ويلفت تقرير الاستخبارات ايضا إلى أن حزب الله بنى شبكة "محميات" محصنة تحت الأرض، سيستخدمها لصد سلاحي المدرعات والمشاة، التي ستتقدم باتجاه منظومة الصواريخ في شمال الليطاني. ويرى التقرير ايضا أن الجهاز اللوجستي لحزب الله وجهاز تدريب وتأهيل المقاتلين التابعين لحزب الله، تم تعزيزه وانضم اليه الاف المقاتلين الجدد".
وهنا تكمن مفاجأة ما بعد الحرب التي أذهلت العدو وأعادت خلط أوراقه وعدلت حساباته واسقطت رهاناته، وهي أن حزب الله استطاع خلال اقل من سنتين بناء منظومة صاروخية اكبر بثلاثة أضعاف، على الأقل وفق تقديرات العدو، مما بناه خلال أكثر من ست سنوات. ويمكن التقدير ايضاً أن حزب الله استخلص الدروس والعبر العسكرية التي شخَّص من خلالها نقاط ضعفه من اجل تقويتها، وحدد ابرز مكامن قوة العدو لتعزيز أساليب مواجهتها، من اجل تحييدها او التغلب عليها.
فأي مفاجآت أخرى يخفيها حزب الله للحظة الحاسمة التي تغير المشهد الاستراتيجي في المنطقة؟
الانتقاد/ العدد1290 ـ 15 آب/ أغسطس 2008
2008-08-15