ارشيف من :نقاط على الحروف
المحكمة العسكرية في مرمى ’حزب المستقبل’.. فماذا عن شبطيني والعملاء؟
مَن يذكر اسم العميل الاسرائيلي شربل قزّي؟ صاحب التاريخ الحافل في تقديم الخدمات الجمّة للعدو، المعروف بعميل الاتصالات.
كان الرجل رئيس قسم الصيانة في شركة الاتصالات "ألفا". اعترف أنه بدأ تعامله مع الاستخبارات الإسرائيلية منذ عام 1996. وقبل نهاية العام التالي، قتلت المقاومة صديقه العميل الذي جنّده، فدبّ في قلبه الرعب، وقطع اتصالاته بالإسرائيليين. إلا أنهم تمسّكوا به إلى أن عاد للتعامل معهم. وحسب صحيفة "الأخبار"، كان قزي منذ بدء "تعاونه" مع الاستخبارات الإسرائيلية، عينهم الساهرة على قطاع الاتصالات. زوّدهم بالكثير من التفاصيل والمعلومات عن الشركة التي عمل فيها، وعن فريق عمله وزملائه البارزين. وبواسطته، حصلت "إسرائيل" على خريطة شبكة الاتصالات اللبنانية، منذ عام 1997.
العميل قزي تم توقيفه في ٢٤ حزيران ٢٠١٠. حكمت عليه المحكمة العسكرية بالسجن لمدة ٧ سنوات في العام 2011. وفي ١٣ كانون الأول ٢٠١٢ وافقت المحكمة العسكرية التمييزية برئاسة أليس الشبطيني (وزيرة المهجّرين حالياً) على طلب إخلاء سبيله.
القاضية التي أفرجت عن عدد كبير من العملاء
ليس العميل قزّي وحده من أخلي سبيله. في ذلك العام، أخلت الشبطيني سبيل الكثير من المتهمين بالعمالة ومنهم طوني بطرس وبطرس سليمان وحنا عيسى وغيرهم، وقبل إخلاء سبيل شربل القزي بأسبوع أخلت المرأة سبيل علي ملاح وهو كان محكوما بالسجن لعشرة سنوات، وأخلت سبيل جان زنقول الذي حكم عليه العميد الطيار خليل إبراهيم بالسجن لمدة خمس سنوات.
ماذا عن المقاومة وجمهورها؟ لم يصدر في ذلك الوقت عن جمهور المقاومة ونوابها ما يسيء الى القضاء. أقسى المواقف في حينها طالبت بتشديد الأحكام على عملاء "اسرائيل" ولامست حدود انتقاد قرارات شبطيني المتساهلة إلى حدّ الرّيبة مع العملاء الخطيرين. عندها، ثارت ثائرة "السياديين الجدد" في "14 آذار". ملؤوا الفضاء الاعلامي بالتصريحات المنادية بحرّية القضاء وضرورة عدم المساس به، حتى أن رئيس الجمهورية ميشال سليمان نفسه، في ذلك الوقت، استقبل شبطيني منوّهاً بإنجازاتها ومطالباً بعدم الضغط على القضاء.
حسناً، لقد مرّت على الرواية أعوام، وطوتها صفحات الأحداث المتتالية على الساحة اللبنانية، تماماً كما طوت صفحة الأحكام المخففة عن العملاء بعد التحرير عام 2000، حيث لم تتجاوز بعضها بضعة أشهر. فما هي مناسبة إعادة استذكار هذه الوقائع في هذا الوقت؟
تبدو المناسبة مستفِزّةً بالفعل. تصريحٌ لوزير العدل أشرف ريفي ينعى فيه المحكمة العسكرية ويطالب بحلّها من أساسها. أمّا السبب، فهو قرار قضائي بحق الوزير السابق ميشال سماحة لم يأت على هواه! نعم. هكذا يتصرّف وزير العدل في الدولة التي ينادي فريقه بضرورة العبور إليها.
بغض النظر عن رأي أيّ كان بالحكم الذي صدر وما إذا كان مخففاً أو مشدداً. فالمعضلة اليوم تتمثل بفريق سياسي يزعم مناداته ببناء الدولة، وهو لا يترك مناسبة إلا وينقضّ فيها على مؤسساتها. فإما أن يكون القضاء والمحاكم والأحكام القضائية بأمر معالي وزير العدل وفريقه الأزرق، وإما فـ"بلا المحكمة أحسن".
ريفي يدوّن موقفه من المحكمة العسكرية على ورقة
يكفي أن لا يعجب "التيار الأزرق" حكما من المحكمة العسكرية، حتى يفتح عليها أبواب حروبه الاعلامية. يقول وزير العدل - الذي رفض حين كان مديراً عاماً لقوى الأمن الامتثال لقرار رئيسه حينذاك وزير الداخلية زياد بارود وأعلن العصيان ضدّه - "أنعى للشعب اللبناني المحكمة العسكرية وإنه يوم أسود إضافي في تاريخ هذه المحكمة" و"سنعمل بكلّ الوسائل القانونية لتمييز هذا الحكم الذي يدين كلّ من شارك به وسنعمل بكل الوسائل لتعديل قانون المحكمة العسكرية". ويقول أيضاً "هذا ما أملاه علي ضميري الوطني". ضمير بحث عنه اللبنانيون طويلاً لدى هذا الرجل ونهج تياره السياسي، عندما خرج عملاء "اسرائيل" من السجن. حينها، بلع "الآذاريون" ألسنتهم. أمّا اليوم فهم لا يجدون حرجاً بإدانة القضاة التعرّض لهم، وتعريض حياتهم للخطر أيضاَ.
ويضيف مصدر بارز في تيار المستقبل للـ"السفير" لقد "انفتح ملف المحكمة العسكرية ككل". هل يذكر أحدٌ سيمفونية "الآذاريين" حول أسلوب "فتح الملفات" التي لطالما اتُّهم فريق "8 آذار" سابقاً به؟
أمّا الصحافي صاحب الآراء المتطرفة في صحيفة "النهار" علي حمادة، فيصف المحكمة في تغريدة له على موقع "تويتر" بـ"فرع المخابرات السورية الجديد في بيروت". فهل يذكرُ أحدٌ معزوفة "الآذاريين" أيضاً حول اتهام فريق "8 آذار" سابقاً بالتخوين كلّما "دق الكوز بالجرّة"؟
جوقة "النشر المستقبليّ" للمحكمة العسكرية لا تكتمل فصولها إلا مع افتتاحية صحيفة "المستقبل"، التي وصفت الحكم على سماحة بـ"الفضيحة التامّة والمُنجزة". الأمين العام لـ"تيار المستقبل" أحمد الحريري لم يفوّت فرصته أيضاً، فدعا في تغريدة له على "تويتر" "بعد صدور مهزلة حكم ميشال سماحة"، الى "إقفال المحكمة العسكرية بالشمع الأحمر".
تغريدة أحمد الحريري على "تويتر"
هكذا يسمح تيار سياسي لنفسه بشن حملة عنيفة على المحكمة العسكرية وإصدار التهم بحقها والتهجّم عليها والمطالبة بإلغائها بسبب حكم لم "يُعجبه". هذه هي الدولة التي ينادي بها تيار "العلم والقلم" في أيام الرئيس الرفيق.. وتيار "الجهل والتعصّب" في أيام نجل الرفيق المغترب.