ارشيف من :آراء وتحليلات

’الفوضى البناءة’ الاميركية تحط رحالها في مقدونيا

’الفوضى البناءة’ الاميركية تحط رحالها في مقدونيا
في التاسع من أيار/مايو الجاري كانت أنظار العالم كله مشدودة إلى العرض العسكري الاستثنائي في الساحة الحمراء بموسكو، بمناسبة الاحتفال باليوبيل الـ 70 للانتصار على الفاشية. وكان الرئيس المقدوني غيورغي إيفانوف أحد الضيوف المدعوين الى الاحتفال. في هذا الوقت بالذات وقع في بلدة "كومانوفو" المقدونية اشتباك عنيف بين قوات الأمن ومجموعة مسلحة مؤلفة من 70 ـ 80 مقاتلا، وصفتهم المراجع الأمنية بـ"الإرهابيين". وحسبما ذكرت وكالة الأنباء الالكترونية Net Press كان هدف المجموعة مهاجمة خمسة مراكز للشرطة في المنطقة الحدودية في زياس، كيتشيفو، غوستيفار، تيتوفو وكومانوفو. ولكن الشرطة فاجأتهم في كومانوفو، ما عطل تنفيذ المخطط الاولي للمجموعة. الا ان المجموعة ردت على هجوم الشرطة بقوة وكثافة نيران غير متوقعة.

معركة استمرت 28 ساعة

ونتيجة الاشتباك سقط 8 قتلى و37 جريحا من رجال الأمن تم نقلهم الى المستشفيات في العاصمة سكوبيه، التي تبعد قرابة 40 كلم عن كومانوفو. وأعلنت الحكومة الحداد الوطني يومي 10 و11 أيار. وعثر في مكان الاشتباك على كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر وعلى 14 جثة، وبعض الأنباء ذكرت 15 جثة، لـ "الإرهابيين". واستسلم ما يقارب الـ 20 مقاتلا لرجال الامن، واحيلوا الى القضاء. وذكرت انباء أخرى ان عدد القتلى بين المسلحين بلغ 43 قتيلا، واستسلم 27 منهم. وقد استمرت المعركة لـ 28 ساعة. وبعد الاشتباك كانت تسمع طلقات متقطعة في مختلف ارجاء البلدة، ولكن قوات الامن وضعت البلدة في حالة حصار، وسيرت دوريات في مختلف الشوارع ودعت المواطنين الى التزام الهدوء وعدم مغادرة منازلهم. وجرى تفتيش منطقة القتال بيتا بيتا.

’الفوضى البناءة’ الاميركية تحط رحالها في مقدونيا
دول البلقان

البانيا تتوسع على حساب المقدونيين

وحسب إحصاء سنة 2002 بلغ عدد سكان مدينة كومانوفو أكثر من 76 ألف نسمة. منهم قرابة 48 ألفا من المقدونيين الأصليين، وأكثر من 18 ألفا من الوافدين الألبانيين الذين حازوا على الجنسية المقدونية، وأكثر من 5 الاف من الصربيين، وأكثر من 4 الاف من الغجر، وألفا من أصول مختلفة أخرى.
وذكرت وكالة الانباء MIA ان الرئيس المقدوني غيورغي ايفانوف قطع زيارته لموسكو، وعاد الى سكوبيه ودعا فورا الى عقد اجتماع موسع لمجلس الامن الوطني. واتخذ المجلس قرارا بتعزيز قوات الشرطة الحدودية في المناطق الشمالية الغربية المحاذية لألبانيا وكوسوفو. وأرسل 450 عنصرا إضافيا من وحدات مكافحة الإرهاب فورا الى الحدود.

وقالت القناة التلفزيونية المقدونية Alsat-M ان قسما من المسلحين هم من المقدونيين الذين لديهم ملفات ضخمة في الشرطة، وانهم متهمون بالخطف والسلب والنهب، وسبق وشاركوا في الحرب في كوسوفو ضد الصربيين، وفي النزاعات بين المقدونيين والألبان سنة 2001، كما شاركوا أخيرا في الحرب الدائرة في سوريا، في صفوف التنظيمات "الإسلامية!!!". وهم مقاتلون مرتزقة متدربون بشكل جيد.
ومنذ أكثر من سنة كانت الجريدة المقدونية "أوترينسكي فيستنيك" قد نشرت أن رجال دين مسلمين يجندون مقاتلين من منطقة غوستيفار المقدونية للقتال ضد النظام في سوريا.

المنظمات الإرهابية الالبانية في كوسوفو ومقدونيا تتبنى العملية

وأعلنت المنظمة العسكرية الألبانية ـ المقدونية الانفصالية المسماة "جيش التحرير الوطني" مسؤوليتها عن العملية. هذا وكان المقاتلون الذين وجدت جثثهم في أرض المعركة يرتدون ألبسة عسكرية ويضعون الشارات العسكرية الخاصة بـ "جيش تحرير كوسوفو" الذي خاض الحرب ضد الصربيين في كوسوفو، وكان يقوده رئيس الوزراء الكوسوفي السابق المافيوز المشهور هاشم تاجي، المتهم الآن بارتكاب جرائم حرب، منها الخطف والمتاجرة بالأعضاء البشرية للمخطوفين والأسرى العسكريين والمدنيين الصربيين. وهذا يدل على العلاقة الوثيقة والتنسيق الكامل بين ما يسمى "جيش التحرير الوطني" الالباني ـ المقدوني وبين العصابات المافيوية ـ الطائفية ـ العنصرية لـ "جيش تحرير كوسوفو" (الذي تحول بعد إعلان "استقلال" كوسوفو في 2008 الى الجيش النظامي الرسمي لـ "دولة كوسوفو" وتولت منذ ذلك الحين القوات الأميركية تدريبه وتسليحه بشتى أنواع الأسلحة). وأكدت منظمة "جيش التحرير الوطني" هذه ان عملياتها القادمة ستكون اشد عنفا. ولكن مصادر الشرطة قالت انها قد قضت على جميع المجموعات التي كانت تتألف منها القوة المهاجمة. وان آخر مجموعة كانت تتألف من تسعة مقاتلين قتل أربعة منهم وانتحر خامس، اما الأربعة الباقون فخرجوا من المنزل الذي كانوا يختبئون فيه رافعين "شراشف" بيضاء واستسلموا. وقال نائب وزير الداخلية المقدوني إيفو كوتيفسكي ان القوة المهاجمة تسللت الى داخل مقدونيا من دولة مجاورة، وبالتعاون مع متعاونين معها في الداخل كانت تنوي القيام بعمليات متعددة. وان الوحدات الخاصة المقدونية كانت لهم بالمرصاد، ولكنها "ووجهت بمقاومة شرسة من قبل الإرهابيين".

"الأممية الارهابية"

وقال رئيس الوزراء نيكولا غرويفسكي: لقد قضينا على إحدى أخطر المجموعات الإرهابية في البلقان. ووجه انتقادات الى بعض الصحفيين والسياسيين الذين عبروا عن التشكيك في قوات الأمن لدى قيامها بعمليتها ضد الإرهابيين وقال: "اريد ان ابعث بالرسالة التالية: كل من يريد ان يتسبب بالأذى للدولة، سوف يكون مصيره كمصير هذه المجموعة الإرهابية". وأشار الى أن قسما من المجموعة كان يقاتل في الشرق الأدنى، وقسما آخر شارك في العملية الإرهابية على الحدود الكوسوفية ـ المقدونية قبل فترة وجيزة، وأن أحد أهدافهم تمثل في زعزعة الاستقرار في مقدونيا، وتجديد النزاع المسلح بين المقدونيين والالبان كما جرى في 2001.

وذكرت وكالة رويترز انه قبل أسبوع من ذلك فإن مجموعة ألبانية مسلحة مؤلفة من نحو 40 عنصرا هاجمت أحد مراكز شرطة الحدود المقدونية مع كوسوفو واخذت 4 رهائن من رجال المركز، ولكنها بعد بضع ساعات، أخلت سبيلهم وتوارت عن الأنظار.
وخلال الاشتباكات أرسلت صربيا تعزيزات عسكرية الى حدودها. وذكرت الانباء ان مجموعات من الشبان في بلغاريا وصربيا تتهيأ للسفر الى مقدونيا للقتال الى جانب المقدونيين.

ألبانيا تهدد وكوسوفو تريد شرعنة المنظمات الارهابية

ومن جهة ثانية دعت وزارة الخارجية الألبانية الى ضبط النفس وقالت في بيانها "ان المزيد من تدهور الوضع لن يكون لمصلحة الاستقرار والخير لمقدونيا". أما وزير الخارجية الكوسوفي فدعا "جميع الأطراف الى إيجاد حل عبر الحوار السياسي". أي عمليا الاعتراف بشرعية وجود المنظمات الانفصالية الألبانية الإرهابية المسلحة في مقدونيا والمرتبطة سياسيا وتنظيميا وعسكريا وتمويليا بكوسوفو والبانيا.

يريدون فدرلة واقعية على "الطريقة العراقية"

ويرجِّح المراقبون المحايدون أن منظمي هذه الاعتداءات الإرهابية يهدفون الى الفدرلة الواقعية لمقدونيا على "الطريقة العراقية" ثم تقسيم مقدونيا وفصل القسم "الالباني" على "الطريقة الكوسوفية"، وأخيرا ضم الأراضي الواقعة غربي نهر فاردار الى كوسوفو.
2015-05-21