ارشيف من :ترجمات ودراسات
بعد الانسحاب من المدن: مهام الجيش الأميركي في العراق
إعداد: علي شهاب
مع استكمال الانسحاب من المدن العراقية في 30 حزيران، وفقاً لاتفاقية وضع القوات "سوفا"، بدأ الجيش الأميركي عملية إعادة انتشار واسعة في إطار الالتزام بسياسة خفض عديد القوات التي وضعتها إدارة الرئيس باراك أوباما، من دون ان تعني عملية إعادة الانتشار هذه تراجعا في الدور الأميركي في العراق.
معهد واشنطن بحث المهام المنوطة بالقوات بعيد الانسحاب من المدن في تقرير وضعه الخبير في الشؤون العسكرية والأمنية في الخليج مايكل نايتس، استهله بتسليط الضوء على اتفاقية وضع القوات "سوفا"، بالإشارة الى أن مجلس الوزراء والبرلمان العراقيين إضافة إلى مجلس الرئاسة، كانوا استعرضوا اتفاقية "سوفا" في شهري تشرين الثاني/ نوفمبر وكانون الأول/ ديسمبر 2008، ويفترض أن يتم التصديق عليها في استفتاء وطني قبل 30 تموز/ يوليو 2009، وهو التاريخ الذي يمكن أن يُسمح بـ"غيابه عن الذاكرة" ليتزامن مع انتخابات كانون الثاني/ يناير 2010.
ويتابع نايتس: إن "الجدول الزمني للاتفاقية ينكشف بسهولة. فمنذ تصديقها بدأت القوات الأميركية تمتثل لشروطها في ما يتعلق بالحصول على تفويض من القوات العراقية للقيام باقتحامات ومداهمات عسكرية وتسليم المعتقلين العراقيين الجدد لقوات الأمن في البلاد في غضون أربع وعشرين ساعة. وقد أعيدت المنطقة الدولية ـ "المنطقة الخضراء" ـ ومعظم المجال الجوي العراقي إلى السيادة العراقية في 1 كانون الثاني/ يناير 2009.
وتُلزم المادة 24 من اتفاقية "سوفا"، بالمرحلة المقبلة من سحب القوات الأميركية. ويتطلب البند الثاني "انسحاب" جميع القوات الأميركية "من المدن والقرى والبلدات العراقية" قبل 30 حزيران/ يونيو 2009.
ويوضح البند الثالث بأن تقوم "لجنة تنسيق العمليات العسكرية المشتركة" بين الولايات المتحدة والعراق بتحديد القواعد التي ستوجد فيها القوات الأميركية. ويسمح البند الثاني من المادة الخامسة باستمرار الجيش الأميركي في استخدام أي مرفق تسمح به الحكومة العراقية.
ويُنظر إلى الموعد النهائي 30 حزيران/ يونيو، على أنه "نقطة الطريق" نحو انسحاب كامل للقوات الأميركية. وقد أشارت إدارة أوباما الى عزمها سحب المزيد من القوات، بحيث لن "تبقى" في العراق في آب/ أغسطس 2010، سوى قوة قوامها بين خمسة وثلاثين ألفا وخمسين ألفاً، وإن لم يكن ذلك مطلوباً بموجب اتفاقية "سوفا".
ستواصل خدمات نقل الأصول اللوجستية والاستخبارية والطبية والمراقبة التابعة للقوات الأميركية، القيام بدعم القوات العراقية في المناطق الحضرية
|
تغيير رمزي أم جوهري؟
قامت "القوات المتعددة الجنسيات في العراق" بقيادة الولايات المتحدة بالتفاوض على اتفاقية "سوفا"، وهي تعمل أيضاً مخططة رئيسية لإنجاز المهمة المنوطة بها من قبل إدارة أوباما لتخفيض عدد القوات العسكرية في العراق. وبرغم أنه قد تم الوفاء بالكثير من متطلبات الانسحاب من "المدن والقرى والبلدات" في البلاد قبل عدة أسابيع أو حتى عدة أشهر من الموعد المقرر، إلا أن الأثر الحقيقي للموعد النهائي (للانسحاب) يمكن الشعور به في أحياء المدن العراقية، حيث سيتوقف الوجود الأميركي الروتيني القائم في نقاط تفتيش المركبات. وسوف تعمل القوات العراقية في هذه المواقع دون إشراف أميركي وثيق، كما كانت الحال عبر مساحات واسعة في جميع أنحاء العراق طوال عام 2008. كما ستتوقف الدوريات الأميركية "من جانب واحد" في هذه المناطق البلدية، على الرغم من أنه بإمكان القادة العراقيين المحليين الموافقة على تسيير دوريات مشتركة في "كل حال على حدة". وقد اتخذت القوات الأميركية بالفعل خطوات لخفض بصماتها داخل المجتمعات العراقية في أماكن كثيرة من البلاد، بما في ذلك التحول إلى مهمات للتموين الليلي، بحيث يتم تقييد استخدام المركبات الثقيلة خلال النهار، والتنازل عن حق المرور في الطرق للسيارات المدنية العراقية.
وبرغم هذه التغييرات سيبقى الكثير كما هو. وفي بعض الحالات، يعني تعريف "لجنة تنسيق العمليات العسكرية المشتركة" لـ"المدن والقرى والبلدات" العراقية، أنه يجب على القوات الأميركية أن لا تتحرك إلا مسافة ميل واحد أو ميلين خارج مراكز المدن.. ويتحدد بالفعل موقع الكثير من قواعد العمليات الأميركية الأمامية على الحدود الخارجية للمناطق البلدية العراقية. ونتيجة قيام توافق واسع في الآراء بين المندوبين الأميركيين والعراقيين ضمن "لجنة تنسيق العمليات العسكرية المشتركة"، يمكن أن تستمر القوات الأميركية في إرسال "مدربين مصاحبين" إلى المدن لكي يدعموا القوات العراقية على مستويات الكتيبة واللواء ومقر قيادات الفرق. وستواصل خدمات نقل الأصول اللوجستية والاستخبارية والطبية والمراقبة التابعة للقوات الأميركية، القيام بدعم القوات العراقية في المناطق الحضرية. ووفقاً للبند الخامس من المادة الرابعة من اتفاقية "سوفا"، تتمتع هذه القوات الأميركية الـ"منفصلة" ـ عندما تعمل داخل المدن العراقية ـ بـ"الحق في الدفاع المشروع عن النفس". مما لا شك فيه أنه سيتولد بعض الاحتكاك عندما يقوم مسلحون ـ متمركزون في المناطق الحضرية أو يتراجعون إليها ـ باستهداف القوات الأميركية.
ومن الناحية الرمزية هناك جوانب إيجابية وسلبية على حد سواء في انسحاب القوات الأميركية من العراق. فمن الناحية الإيجابية قد يقل استياء العراقيين من "القوات المتعددة الجنسيات في العراق" عن طريق التخفيف من الوجود الأميركي البارز. ومن الجانب الآخر يقلق الكثير من العراقيين لأنه لا يمكن الوثوق بقوات الأمن في بلادهم حول تقديم الخدمات لجميع الطوائف بشكل متساوٍ، ويرجع ذلك إلى وجود اختلالات عرقية وطائفية داخل صفوف القوات. إن العراقيين بحاجة إلى بعض الوقت ليقتنعوا بأن قوات الأمن العراقية قادرة على القيام بواجباتها بأقصى فعالية، شأنها شأن نظيرتها الأميركية، كما في عملية فحص المفجرين الانتحاريين. وفي كثير من الأحيان كانت القوات الأميركية في المناطق الحضرية بمثابة "اللاصق" الذي يربط معاً مختلف عناصر النظام الأمني، بما فيها قيادة المحافظات والمقاطعات والشرطة والشرطة المساعدة والجيش العراقي، وأبناء العراق (الميليشيات السنية)، وأجهزة المخابرات.
أسفر الدمج السريع للقوات الأميركية مع القوات الكردية والاتحادية بالقرب من كركوك، إلى منع حدوث حادث أكثر خطورة |
ومع ذلك لا يزال يتعين على الجيش الأميركي تحقيق الكثير في محافظات العراق، حيث يلعب دوراً كبيراً لفرض "الهدوء" في الموصل وكركوك وديالى، من خلال قدرته على دمج وحدات كردية وعربية في قوات الأمن، ورصد ونزع فتيل التوتر قبل أن يتحول إلى عنف. ففي أيلول/ سبتمبر 2008، وقعت أعمال عنف بين القوات المتناحرة في خانقين، التي شملت البشمركة الكردية من جهة والجيش العراقي من جهة أخرى، دون وجود مستشارين من قبل الولايات المتحدة. وفي آذار/ مارس 2009 أسفر الدمج السريع للقوات الأميركية مع القوات الكردية والاتحادية بالقرب من كركوك، إلى منع حدوث حادث أكثر خطورة. لذلك سيكون الالتزام المستمر من قبل القوات الأميركية تجاه هذه المناطق وسيلة اقتصادية إلى حد كبير، لمنع تآكل كبير للمكاسب السياسية والأمنية التي تحققت في العراق.
وتتمتع الولايات المتحدة أيضاً بدور رئيسي في ضبط الحدود ومكافحة التمرد في المناطق الريفية، وهما مهمتان حيويتان لا تتمكن القوات العراقية من أخذ زمام المبادرة تجاههما في الوقت الراهن. وبرغم أنه من الصعب مكافحة التمرد في المناطق الحضرية، إلا أنه حالما يتحول السكان في المدن ضد التمرد، فسرعان ما تصبح هذه الكثافة السكانية "شيء ثمين". إن مكافحة التمرد في المناطق الريفية عملية أبطأ من مكافحتها في المناطق الحضرية: فكثافة السكان في هذه المناطق ضئيلة وعرضة للترهيب، ومن الصعب الحفاظ على وجود قوات أمن بصورة دائمية عبر مناطق واسعة ذات تضاريس وعرة. ففي مثل هذه المناطق ـ على سبيل المثال على طول الحدود السورية والإيرانية في المناطق الريفية من محافظات ديالى والأنبار وميسان ـ من المرجح أن تكون القوات الأميركية شريكة كاملة في عمليات الجيش العراقي إلى ما بعد آب/ أغسطس 2010، وربما في عام 2011.
الانتقاد/ العدد 1354 ـ 10 تموز/ يوليو 2009