ارشيف من :نقاط على الحروف
في تحليل الخطاب: الجولاني ’نبيٌّ’
"أستطيع من خلال الإعلام تحويل الذئب (من قصة ليلى والذئب) إلى حملٍ وديع، فضلاً عن تحويل ليلى إلى المجرمة في القصة، حتى ولو أكلها الذئب في النهاية".
روبرت مردوخ (أحد أقطاب الإعلامي في العالم)
استضافت قناة الجزيرة ضمن برنامجها "بلا حدود" مع المقدّم المحنّك أحمد منصور، أمير جماعة النصرة (أو جبهة النصرة كما يحلو للبعض تسميتها).
تمتاز النصرة عن غيرها - وتحديداً عن داعش - بأنّها تنظيمٌ "محلي" أي أنّ الفارق الوحيد بينها وبين "قتلة" "داعش" هو كونها تتكون بمعظمها من السوريين، لذلك تأتي من هنا محاولات "الجزيرة" ومذيعها "الهمام" منصور تقديم الجماعة على أساس كونها "الوريث" الشرعي لجميع التنظيمات الإسلامية السورية فضلاً عن تحويلها إلى "نسخةٍ" مقبولةٍ غربياً عما كان يسمّى "الجيش الحر". ولكي يحدث ذلك لا بدَّ إذاً من تحويل الرجل، أي الأمير إلى شخصيةٍ "يمكن تقديمها للغرب بصفتها "وسطية، معتدلة" وفوق كل هذا "يمكن التفاهم معها".
هي المرة الثانية التي يتم فيها استضافة الرجل(كانت أول مرة في العام 2013)، الذي يبدو أقرب إلى الملائكة منه إلى رجلٍ يقتل أتباعه كل يومٍ المئات من الناس لاختلافهم العقائدي(وأحياناً النظري فحسب) معهم.
ماذا عن الأخطاء؟ يسأل أحمد منصور، هنا يعتقد المشاهد بأنه سيشهد إشكالاً من تلك الإشكاليات التي عرف منصور بها، وحققت شيئاً من شهرته، لكن تلك الأسئلة كان يطرحها على البعثيين والشيوعيين وأتباع الأنظمة، أما مع "الإسلاميين" فهو يجيد حرفة "تمسيح الجوخ" واللعب حولها وعليها. يجيب الجولاني على السؤال: "ما حدث قد حدث لضرورة المعارك وقسوتها". إذاً كل هذا القتل والذبح وتقطيع الرؤوس هو "لقساوة المعركة وضرواتها"، إذ لا مشكلة، تقطيع الرؤوس والذبح ليسا من أصل الجماعة التي وضعت الجولاني أميراً لها. ماذا عن "الشيعة"؟ هؤلاء يستحقون الموت، لا يقولها "الأمير" مباشرةً، لكنه يشير إلى أن هذه القرى "كنبّل والزهراء مثلاً" هي "مراكز" عسكرية نازعاً أية صفةٍ "مدنيةٍ" عن سكانها، هنا تكمن لعبة الإعلام "بقذارتها"، لا يستحق سكان تلك القرية أي تعاطفٍ من قبل المقدّم أو القناة، لا يسأل عنهم، لا يسأل عن الأطفال في تلك القرى، لا يسأل عن النساء، الشيوخ، أو عن أي شيءٍ آخر، يكتفي بإجابة الأمير، ويمضي إلى سؤالٍ آخر: هنا لا يستحق الناس إلا أن يموتوا بيد الأمير المقدام الشجاع!
يتولى الجولاني تقديم نفسه بطريقة "المجبر على الأمر" لا المبادر له، إنه لا يريد حرباً، بل إن النظام "النصيري" هو الذي قتل أهل السنة، لذلك هو "نهض" للدفاع عنهم وحمايتهم، وإن جماعة "النصرة" ما هي إلا "ردةُ" فعلٍ على كل ذلك. ماذا عن التمويل؟ يسأل منصور بخفر، "نحن نموّل أنفسنا بأنفسنا، كل هذا حصلنا عليه من غنائمنا من النظام، فضلاً عن التبرعات من الإخوة المسلمين الأثرياء". أيضاً هنا لا أسئلة "حادة" من المقدّم الحاد، لا تعليقات "خبيثة" فقط هزةٌ من الرأس إضافة إلى تسريع وتيرة الأسئلة "لأن الوقت يداهمنا". إذاً لا تموَّل جبهة النصرة من أحد، كل هذا العتاد الحربي والعسكري هو فقط من "غنائم النظام"، كل هذه الأموال المصروفة هنا وهناك، هي من "غنائم النظام"، هل يمكن تصديق ذلك؟ أجل بالتأكيد يمكن تصديقه، فأحمد منصور وخلفه قناة الجزيرة يصدقونه!
بعد ذلك وإثره، يسأل منصور سؤالاً أكثر "مباشرةً": ماذا عن العلاقة مع "أجهزة المخابرات" الأجنبية؟ للمرة الثانية يُخدَعُ المشاهد من قبل القناة القطرية شديدة الحرفية؛ "لا علاقات بيننا وبين أي من أجهزة المخابرات". هكذا بكل هدوءٍ وبراءة تكون إجابة الأمير المتحدث بالفصحى بطلاقة، بصوته "الخافت" الدمث. لم يسأل أحمد منصور عن التعامل مع المخابرات التركية، أو مع مخابرات العدو الصهيوني؛ كل هذه الأسئلة تجنبها الرجل كما لو أنّها ليست صحيحة البتة، حتى أنّ مقاتلي النصرة الذين يداوون في الدولة العبرية لا يتحدث الرجل عنهم كما لو أن ذلك لم يحدث أبداً. وفي لحظةٍ ما يؤكد "الرجل" أنه "يرفض بشكلٍ قاطع التعاون مع أي جهةٍ غربية"! ويؤكد منصور ذلك حينما يؤكد زيارته لمناطق تسيطر عليها "النصرة" وهي تعيش "دون أي حاجة لدعمٍ خارجي"!!
يستعمل المقدّم صوته "الحزين" عند الحديث عن "التحالف" بين "حزب الله/ايران/النظام السوري/أميركا" بالإضافة إلى تحالفٍ "خفي" مع داعش كلهم بمواجهة جماعة النصرة؛ فيتحدث عن الطائرات "المتحالفة" لقتل الأطفال والنساء السوريين (النغمة الشهيرة السابقة نفسها)؛ لحظتها يأخذ الجولاني المبادرة من منصور، ليؤكد أن هذه الجماعات تقاتلهم وأنهم لا يستطيعون القضاء على النصرة لأنها الأقوى في الساحة السورية؛ عاطفاً أن "جبهة النصرة" هدفها الوحيد هو "اقامة حكم اسلامي راشد بعد القضاء على النظام السوري وحلفائه". يبدو الرجل "نبياً" للغاية من خلال تلميع صورته بشكلٍ كبير خصوصاً لناحية التأكيد على أنهم "لا يريدون أن تكون سوريا ساحةً أو مركزاً لانطلاق العمليات ضد الغرب أو أمريكا" لكنه حافظ على قليلٍ من ماء وجهه حينما أشار إلى أن الأميركيين لازالوا أعداء، دون أن يعلم ما الذي يقصده بالعدو حين حديثه، هل هو عدوٌ مثل النظام "النصيري" كما يصفه؟ أو حزب الله مثلاً؟
تحاول الجزيرة هذه المرة، كما جهدت منذ بداية ما سمّي بالربيع العربي أن "تصنع" الحدث لا أن "تنقله" فحسب، هي تراقب اللحظة المناسبة كي "تحوّل" شخصاً عادياً إلى زعيمٍ "عالمي"، وتنظيما قاتلا إلى "محررٍ عالمي"؛ نجاحها يكمن في شيءٍ واحدٍ فحسب: مستوى وعي المشاهدين، وهو أمرٌ اختياريٌ بحت!
روبرت مردوخ (أحد أقطاب الإعلامي في العالم)
استضافت قناة الجزيرة ضمن برنامجها "بلا حدود" مع المقدّم المحنّك أحمد منصور، أمير جماعة النصرة (أو جبهة النصرة كما يحلو للبعض تسميتها).
تمتاز النصرة عن غيرها - وتحديداً عن داعش - بأنّها تنظيمٌ "محلي" أي أنّ الفارق الوحيد بينها وبين "قتلة" "داعش" هو كونها تتكون بمعظمها من السوريين، لذلك تأتي من هنا محاولات "الجزيرة" ومذيعها "الهمام" منصور تقديم الجماعة على أساس كونها "الوريث" الشرعي لجميع التنظيمات الإسلامية السورية فضلاً عن تحويلها إلى "نسخةٍ" مقبولةٍ غربياً عما كان يسمّى "الجيش الحر". ولكي يحدث ذلك لا بدَّ إذاً من تحويل الرجل، أي الأمير إلى شخصيةٍ "يمكن تقديمها للغرب بصفتها "وسطية، معتدلة" وفوق كل هذا "يمكن التفاهم معها".
هي المرة الثانية التي يتم فيها استضافة الرجل(كانت أول مرة في العام 2013)، الذي يبدو أقرب إلى الملائكة منه إلى رجلٍ يقتل أتباعه كل يومٍ المئات من الناس لاختلافهم العقائدي(وأحياناً النظري فحسب) معهم.
هل تجمل الجزيرة وجه الاجرام؟
لكن الجزيرة –الأكثر حرفية- حاولت جعل المقدّم يتعامل بكل احترافٍ مع ضيفٍ "صعبٍ" كهذا. لا يخفى على أحد أن منصور يميل بشكلٍ جارف للتيارات الإسلامية كونه من الإخوان المسلمين أصلاً، وإن كانت جماعته لا تميل إلى إظهار مشاعرها علانيةً فهو لا يعتبر ذلك إشكالاً بل ينحو تجاه مظهرة ذلك من خلال دفاعه المستمر والمستميت عن ضيفه في تلك المقابلة. ماذا عن الأخطاء؟ يسأل أحمد منصور، هنا يعتقد المشاهد بأنه سيشهد إشكالاً من تلك الإشكاليات التي عرف منصور بها، وحققت شيئاً من شهرته، لكن تلك الأسئلة كان يطرحها على البعثيين والشيوعيين وأتباع الأنظمة، أما مع "الإسلاميين" فهو يجيد حرفة "تمسيح الجوخ" واللعب حولها وعليها. يجيب الجولاني على السؤال: "ما حدث قد حدث لضرورة المعارك وقسوتها". إذاً كل هذا القتل والذبح وتقطيع الرؤوس هو "لقساوة المعركة وضرواتها"، إذ لا مشكلة، تقطيع الرؤوس والذبح ليسا من أصل الجماعة التي وضعت الجولاني أميراً لها. ماذا عن "الشيعة"؟ هؤلاء يستحقون الموت، لا يقولها "الأمير" مباشرةً، لكنه يشير إلى أن هذه القرى "كنبّل والزهراء مثلاً" هي "مراكز" عسكرية نازعاً أية صفةٍ "مدنيةٍ" عن سكانها، هنا تكمن لعبة الإعلام "بقذارتها"، لا يستحق سكان تلك القرية أي تعاطفٍ من قبل المقدّم أو القناة، لا يسأل عنهم، لا يسأل عن الأطفال في تلك القرى، لا يسأل عن النساء، الشيوخ، أو عن أي شيءٍ آخر، يكتفي بإجابة الأمير، ويمضي إلى سؤالٍ آخر: هنا لا يستحق الناس إلا أن يموتوا بيد الأمير المقدام الشجاع!
يتولى الجولاني تقديم نفسه بطريقة "المجبر على الأمر" لا المبادر له، إنه لا يريد حرباً، بل إن النظام "النصيري" هو الذي قتل أهل السنة، لذلك هو "نهض" للدفاع عنهم وحمايتهم، وإن جماعة "النصرة" ما هي إلا "ردةُ" فعلٍ على كل ذلك. ماذا عن التمويل؟ يسأل منصور بخفر، "نحن نموّل أنفسنا بأنفسنا، كل هذا حصلنا عليه من غنائمنا من النظام، فضلاً عن التبرعات من الإخوة المسلمين الأثرياء". أيضاً هنا لا أسئلة "حادة" من المقدّم الحاد، لا تعليقات "خبيثة" فقط هزةٌ من الرأس إضافة إلى تسريع وتيرة الأسئلة "لأن الوقت يداهمنا". إذاً لا تموَّل جبهة النصرة من أحد، كل هذا العتاد الحربي والعسكري هو فقط من "غنائم النظام"، كل هذه الأموال المصروفة هنا وهناك، هي من "غنائم النظام"، هل يمكن تصديق ذلك؟ أجل بالتأكيد يمكن تصديقه، فأحمد منصور وخلفه قناة الجزيرة يصدقونه!
بعد ذلك وإثره، يسأل منصور سؤالاً أكثر "مباشرةً": ماذا عن العلاقة مع "أجهزة المخابرات" الأجنبية؟ للمرة الثانية يُخدَعُ المشاهد من قبل القناة القطرية شديدة الحرفية؛ "لا علاقات بيننا وبين أي من أجهزة المخابرات". هكذا بكل هدوءٍ وبراءة تكون إجابة الأمير المتحدث بالفصحى بطلاقة، بصوته "الخافت" الدمث. لم يسأل أحمد منصور عن التعامل مع المخابرات التركية، أو مع مخابرات العدو الصهيوني؛ كل هذه الأسئلة تجنبها الرجل كما لو أنّها ليست صحيحة البتة، حتى أنّ مقاتلي النصرة الذين يداوون في الدولة العبرية لا يتحدث الرجل عنهم كما لو أن ذلك لم يحدث أبداً. وفي لحظةٍ ما يؤكد "الرجل" أنه "يرفض بشكلٍ قاطع التعاون مع أي جهةٍ غربية"! ويؤكد منصور ذلك حينما يؤكد زيارته لمناطق تسيطر عليها "النصرة" وهي تعيش "دون أي حاجة لدعمٍ خارجي"!!
يستعمل المقدّم صوته "الحزين" عند الحديث عن "التحالف" بين "حزب الله/ايران/النظام السوري/أميركا" بالإضافة إلى تحالفٍ "خفي" مع داعش كلهم بمواجهة جماعة النصرة؛ فيتحدث عن الطائرات "المتحالفة" لقتل الأطفال والنساء السوريين (النغمة الشهيرة السابقة نفسها)؛ لحظتها يأخذ الجولاني المبادرة من منصور، ليؤكد أن هذه الجماعات تقاتلهم وأنهم لا يستطيعون القضاء على النصرة لأنها الأقوى في الساحة السورية؛ عاطفاً أن "جبهة النصرة" هدفها الوحيد هو "اقامة حكم اسلامي راشد بعد القضاء على النظام السوري وحلفائه". يبدو الرجل "نبياً" للغاية من خلال تلميع صورته بشكلٍ كبير خصوصاً لناحية التأكيد على أنهم "لا يريدون أن تكون سوريا ساحةً أو مركزاً لانطلاق العمليات ضد الغرب أو أمريكا" لكنه حافظ على قليلٍ من ماء وجهه حينما أشار إلى أن الأميركيين لازالوا أعداء، دون أن يعلم ما الذي يقصده بالعدو حين حديثه، هل هو عدوٌ مثل النظام "النصيري" كما يصفه؟ أو حزب الله مثلاً؟
تحاول الجزيرة هذه المرة، كما جهدت منذ بداية ما سمّي بالربيع العربي أن "تصنع" الحدث لا أن "تنقله" فحسب، هي تراقب اللحظة المناسبة كي "تحوّل" شخصاً عادياً إلى زعيمٍ "عالمي"، وتنظيما قاتلا إلى "محررٍ عالمي"؛ نجاحها يكمن في شيءٍ واحدٍ فحسب: مستوى وعي المشاهدين، وهو أمرٌ اختياريٌ بحت!