ارشيف من :آراء وتحليلات

أحقية وضرورة محـاربــة الإرهـــاب خــارج الحــدود

أحقية وضرورة محـاربــة الإرهـــاب خــارج الحــدود

يضجّ الإعلام حاليّاً، كما المواقف السياسيّة المختلفة، بأحقّيّة أو عدم أحقّيّة المقاومة بمواجهة العناصر الإرهابيّة خارج الحدود اللّبنانيّة وتحديداً في الأراضي السّوريّة ومنها أخيراً في جبال القلمون المحاذية لجرود عرسال ، ويحتدم الخلاف بين فريقين، يدّعي الأوّل وهو المُعارض لمواجهتهم خارج لبنان، مُبرّراته أنّ ذلك يستجلب الإرهاب إلى الدّاخل مع كافّة تداعياته التي تصيب معظم اللّبنانيّين بشكل عام، كما ويعتبر ذلك شانا" سوريا" داخليا" بين نظام "جائر" وثوار يناضلون في وجهه، اما الثّاني فيعتبر أن هذه المواجهة ولو كانت خارج الحدود هي حقّ وواجب ويصنّفها في خانة الصّراع الوجودي الذي تبرّره كافّة الأعراف والمواثيق في إبعاد الخطر المحدّق لا محالة والقادم آجلاً أمْ عاجلاً إلى داخل الأراضي اللّبنانيّة، والذي تمثلت طلائعه سابقا" بعمليات ارهابية متعددة ضربت العمق الداخلي اللبناني حاصدة الشهداء والدمار.


إنّ هذا الإرهاب الذي يضرب كافّة الدّول بشكل عام وخاصّةً مناطق الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، والمتمثّل بشكل رئيس بتنظيم "القاعدة" في بلاد الشّام مع ما يشتقّ من رحمه من حركات وتنظيمات إرهابيّة متعدّدة كـ"داعش" وجبهة "النّصرة" واغلب الحركات الإسلاميّة المتشدّدة، قد اتّخذ من كافّة هذه المناطق ساحة مفتوحة لا تتقيّد بأيّة حدود جغرافيّة أو إداريّة مُعترف بها دوليّاً أو إقليميّاً، فعمليّاته موزّعة في كلّ مكان وأهدافه تمتدّ إلى أغلب هذه الدّول وعناصره وإرهابيوه يعملون في هذا الفضاء الواسع الذي يتجاوز حدود هويّاتهم أو إنتمائاتهم الأساسية لدول مُعيّنة، كما وان هذا الارهاب قد وجد وفي أكثر من مكان بيئة حاضنة له، عملت عوامل عدّة خارجية وداخلية على تغذيتها وتقويتها فكانت سنداً ودعماً له في حربه الشّاملة الجّارفة.

أحقية وضرورة محـاربــة الإرهـــاب خــارج الحــدود
داعش

من هنا يتّخذ هذا الصّراع خارج الحدود اللّبنانيّة السّوريّة ما بين جبال القلمون وجرود عرسال - رأس بعلبك وجهين أساسييّن في هذه المواجهة، الأوّل صراع عسكري أمني بين الارهابيين من جهة ومقاومي حزب الله من جهة اخرى والذي هاجم مؤخّراً متحالفا" مع الجيش العربي السوري مناطق تواجدهم في جرود القلمون وسيطر عليها بشكل كامل مع تدمير كافة القواعد الإرهابيّة التي كانت مصدراً لتجهيزوارسال السيّارات المفخّخة والعبوات النّاسفة الى المناطق الآهلة داخل لبنان وكانت نتائجها كارثية ومؤلمة، كما وحقّق إصابات مهمّة في صفوفهم حيث تقطّعت بأغلبهم السّبل وتجمَّع قسم منهم في جرود عرسال، وحيث يدور الآن نقاشًا سياسيّا  حادًّا حول دور ومسؤوليّة الحكومة في تكليف الجيش اللّبنانيّ مهاجمتهم داخل الأراضي اللّبنانيّة وتدميرهم أو توقيفهم واستعادة السيطرة على هذه البقعة من الأرض واعادتها الى كنف الدولة ، والوجه الثاني من هذه المواجهة هو سياسيّ إعلاميّ تحريضيّ، يقوم به "تيّار المستقبل" بشكل اساسي تساعده مجموعة سياسيّة منضوية تحت جناحه، تربطها به مصالح مادّيّة وسياسيّة واضحة، ومن خلال هذه المواجهة التحريضيّة الواسعة التي يقودها هذا التيّار، يهدّد السّاحة اللّبنانيّة والفرقاء الآخرين بالفتنة وبتحويل الصّراع إلى صراع داخليّ دمويّ في حال تمّت مُهاجمة هؤلاء الإرهابيّين في مناطق تجمّعهم بين بلدة عرسال وجرودها، كما وان دوره معروف في عرقلة استلام الجيش اللبناني للسلاح الفعال الضروري لمواجهة هؤلاء، فهو بذلك يلعب دوراً مشبوهاً في كونه يؤمّن تغطية مباشرة لهؤلاء في مواجهة الجيش السّوري وامتداداً لمواجهة الدولة السورية وهذا ما يشكل هدفًا أساسيًّا في استراتيجيّة دول التّحالف الذي تقوده الولايات المتّحدة ويضم تركيا ودول اقليمية معروفة، يكون بذلك في قلب هذه المواجهة وبامتياز في حين انه، ومن جهة أخرى، يشنّ حرباً إعلاميّة وسياسيّة وشعبية ورسميّة حتى من خلال وزرائه في الحكومة على من يقاتل خارج الأراضي اللّبنانيّة دعماً للجيش السّوري في هذه المعركة مطالباً بتطبيق سياسة النأي بالنفس والتي يبدو انه يفهمها من جهة واحدة وبطريقة واحدة فقط.

إنّ الرّدع التقليديّ لم يعد الصّيغة الأمثل لمحاربة هذا الخطر الكوني الوجودي المتمثّل بالإرهاب التكفيريّ، وخصوصاً عندما يتغيّر هذا الخطر في مصدره وفي طبيعته وفي خطورة أهدافه وأفعاله التي لا يُمكن لعقل بشريّ أن يصف فظاعتها وجنونها، كما أنّ أسلوب مُواجهة وتفادي هذا الخطر يجب أن يتغيّر من خلال عدم التقيّد بحدود ثابتة لمواجهته لا في المكان ولا في الاسلوب ، وحيث يجب القضاء عليه قبل أن تتسنّى له الفرصة للتهديد والإختراق، كما وأنّ القانون الدّولي وبعد هجمات 11 أيلول عام 2001 أصبح وبطريقة ضمنيّة يسمح بالحرب الإستباقيّة على هذا الإرهاب ، وما حملة الولايات المتّحدة في أفغانستان وفي العراق سابقا" إلّا خير مثال على ذلك ، هذا من ناحية النّظرة الدّوليّة لموضوع الإرهاب، أمّا فيما يخصّ معركتنا في لبنان ضدّ هذا الإرهاب والتي للمقاومة الدّور الأكبر في خوضها إلى جانب الجيش اللّبنانيّ الذي يُقاتل باللّحم الحيّ وباسلحة متواضعة هذه المجموعات التكفيرية عسكريّاً وأمنيّاً  بالرّغم من كافّة الضّغوط السياسيّة والإجتماعيّة التي يتعرّض لها، فإنّ مواجهة هؤلاء على الحدود وحتى خارجها على تخوم الأراضي اللّبنانيّة هي مواجهة مشروعة بالكامل وتتمتّع بكامل التغطية القانونيّة والشعبيّة، كما وأنّها واجب وضرورة لا يُمكن التّغاضي عنها والمطلوب من الفريق الذي يؤمّن تغطية لهؤلاء الإرهابيّين الكفّ عن هذا التّصرّف الذي يندرج ضمن خانة الخيانة الوطنيّة للشعب وللجيش، كما ويجب عليه الالتحاق بمن يُدافع عن الوطن وعن كافّة أبنائه ضدّ هذا الإرهاب الذي لن يرحم أحداً في حال سيطر لا سمح الله.
2015-06-01