ارشيف من :آراء وتحليلات

ما وراء منح تونس صفة الشريك غير العضو في الحلف الأطلسي

ما وراء منح تونس صفة الشريك غير العضو في الحلف الأطلسي

تشهد الساحة التونسية كثيرا من الجدل حول مسألة عزم الناتو منح تونس صفة الشريك غير العضو في حلف شمال الأطلسي. فقد أعلن عن ذلك الرئيس الأمريكي باراك أوباما أثناء الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي إلى واشنطن والتي رأى كثير من المراقبين والمحللين السياسيين في تونس أن رئيس بلادهم عاد فيها بخفَّي حُنين على غرار زيارته إلى باريس.


وتوجهت أبرز الانتقادات إلى الجانب الأمريكي الذي عاب عليه البعض مبادرته من جانب واحد دون انتظار استفتاء الرئيس التونسي برلمان بلاده، فمن أدرى أوباما بأن التونسيين يرغبون في نيل هذه الصفة التي لن تسمن ولن تغني من جوعهم. كما تساءل البعض الآخر كيف يمكن للولايات المتحدة الأمريكية التي تدعي الديمقراطية أن تبادر إلى منح تونس صفة الشريك للحلف الأطلسي دون العودة إلى باقي أعضاء الحلف من الأوروبيين على وجه الخصوص.

وعود الثمانية الكبار

لذلك يعتقد كثير من الخبراء والمحللين بأن منح تونس صفة "شريك الناتو" هو للتغطية على عدم إيفاء "الثمانية الكبار" وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية بوعودهم التي قطعوها تجاه تونس منذ أربع سنوات للباجي قائد السبسي الذي كان يومها رئيسا للحكومة وحضر قمتهم كضيف شرف. كما أن عدم استعداد واشنطن لتقديم الكثير للخضراء أثناء هذه الزيارة، التي خلفت شعورا عاما بعدم جدواها لدى التونسيين، جعلت الجانب الأمريكي يطلق "زوبعة في فنجان" لخلق هذا الجدل العقيم في تونس وإلهاء الرأي العام هناك.

ما وراء منح تونس صفة الشريك غير العضو في الحلف الأطلسي
تونس والحلف الاطلسي

فالشراكة بين حلف ضخم وعملاق على غرار الحلف الأطلسي وتونس هي شراكة غير متكافئة وغير منطقية وغير معقولة، وهي شبيهة بالشراكات التي أنجزتها بعض البلدان العربية ومنها تونس بصورة منفردة مع الاتحاد الأوروبي والتي تحولت إلى جملة من الإملاءات فرضها الأوروبيون على البلدان العربية واستفادوا منها أن يفيدوا. لقد تحولت تونس إلى سوق استهلاكية ضخمة للأوروبيين وحارسة لحدودهم الجنوبية المتوسطية في حين تفرض تأشيرات الدخول إلى أوروبا على التونسيين.

شروط مجحفة

إن شروط الغربيين وصندوق النقد الدولي للاستثمار في تونس واضحة وجلية وعبَّر عنها أكثر من مسؤول رفيع المستوى زار تونس، وهي التخلي عن القوانين الحمائية وعن دور الدولة في دعم وتوجيه الاقتصاد الوطني، أي الذهاب نحو سياسة ليبرالية مطلقة والتخلي نهائيا عن مخلفات الحقبة الاشتراكية. ومن بين مطالب صندوق النقد الدولي التي يتبناها الأمريكان تخلي الدولة عن دعم المواد الاستهلاكية وعن المكاسب الاجتماعية للتونسيين والمتمثلة في مجانية الصحة والتعليم.

ولا يبدو أن التونسيين بطبقتهم السياسية الحالية قادرون على الاستجابة إلى هذه المطالب على الأقل في الوقت الراهن نظرا للصبغة الاجتماعية لأحزابهم السياسية بما فيها الأحزاب الليبرالية التي تتبنى أيضا التوجه الاجتماعي. كما أن ذهنية الشعب التونسي، الذي تربت قواه الفاعلة ونشأت في ظل دولة الاستقلال التي أرساها الحبيب بورقيبة، لا يمكن أن تتقبل بالسهولة التي يتصورها البعض غياب الدولة عن لعب دورها الاجتماعي الذي اعتادت عليه. لذلك، لا يبدو وأن الخضراء ستتحول في الوقت الراهن إلى بلد ليبرالي يتبنى اقتصاد السوق ويستقطب الاستثمارات الأجنبية، ومنحها صفة الشريك في الحلف الأطلسي لن يضيف لها شيئا ذا بال لأنه زوبعة في فنجان لا أكثر ولا أقل.
2015-06-02