ارشيف من :آراء وتحليلات

حزب المستقبل بين خسارتين

حزب المستقبل بين خسارتين
لم يكن مفاجئاً أن تطلق بعض قيادات حزب المستقبل مواقف هي اقرب إلى محاولة توفير حاجز سياسي – مذهبي يهدف إلى  الحؤول دون استئصال الجماعات التكفيرية في جرود عرسال وتطهير ما تبقى من الاراضي اللبنانية من وجودهم واحتلالهم. بل كانت مواقفهم امتدادا طبيعيا لخياراتهم، والاكثر تعبيرا عن رهاناتهم السياسية وارتباطاتهم الاقليمية.

مع ذلك ينبغي عدم تجاهل حقيقة أنه لم يعد خافياً أن حزب الله استطاع أن يفرض وقائع ميدانية، عبرت عن نفسها على جدول الأعمال السياسي للحكومة، وحشرت قوى 14 آذار الذين لم يعد بإمكانهم تجاهله كما حصل خلال المرحلة الماضية. وبالتالي لم يعد بالإمكان مواصلة سياسة التسويف المفتوح لقضية عرسال وجرودها التي باتت تحتل صدارة المشهد السياسي.
وعلى ذلك يتجاذب حزب المستقبل الاعتبارات والمصالح المتعارضة امام تصميم حزب الله على تحرير جرود عرسال من الاحتلال التكفيري، وهو ما وضعه أمام خسارة من اثنين:

من جهة يخشى حزب "المستقبل" من صورة الانكسار التي سيبدو عليها في حال وفر الغطاء السياسي للجيش لاستئصال التكفيريين. ويعود ذلك إلى أن هذا الغطاء سيشكل اقراراً بفشل رهاناته وخياراته التي عبَّأ جمهوره عليها لسنوات خلت. أضف إلى أن موقفه المذكور سيشكل تخليا، ولو من موقع الإكراه، عن الورقة الوحيدة المتبقية لديه لابتزاز المقاومة والضغط عليها. والطامة الكبرى بالنسبة لحزب المستقبل، أن انسحاب الجماعات التكفيرية من الجرود سيكون امتداداً لسقوط الاوراق السابقة التي شهرها خصوم حزب الله بوجهه، بدءا من ورقة احمد الاسير ومرورا بورقة الصراع في طرابلس والشمال، وصولاً إلى المجموعات الارهابية التي عمل الجيش على تفكيك القسم الأكبر منها. وبفعل ذلك يخشى قادة المستقبل أيضا من انعكاسات فشلهم الجديد وما يمكن أن يترتب عليه وسط جمهورهم، بفعل السقوف المرتفعة التي حلقوا بها بعيدا عن الواقع.

حزب المستقبل بين خسارتين
جرود عرسال : كيف تحرر؟

من جهة أخرى، يدرك حزب المستقبل أن من مفاعيل منع الجيش القيام بواجبه الوطني، أنه سيقدم الدولة عاجزة أو منكفئة عن القيام بمسؤولياتها إزاء السيادة اللبنانية وحماية ارض لبنان وشعبه. ومشكلة حزب المستقبل في هذا الخيار، ان انكفاء الدولة عن القيام بمسؤولياتها يُظهِّر مرة أخرى الحاجة الماسة للمقاومة باعتبارها جزءا اساسيا من استراتيجية لبنان الدفاعية. وعلى ذلك يكون حزب المستقبل، قد وفَّر الشرعية – بشكل غير مباشر – للمقاومة من أجل القيام بالمهمة، خاصة بعدما منحت الحكومة الفرصة التامة لاستعادة دورها.
نتيجة ذلك من الطبيعي أن يشهد حزب المستقبل خاصة، وقوى 14 آذار عامة، اختلافات داخله حول الموقف الواجب اتخاذه. بين من يفضل التمادي في رهاناته وتوفير الغطاء للجماعات التكفيرية، وبين من يذهب في هذه المسألة إلى حد تحويلها إلى صراع مع حزب الله وعدم تقديم أية تنازلات أو البحث عن تسويات، واللجوء إلى خيار التجييش المذهبي بغض النظر عما سيترتب على ذلك من مفاعيل وتداعيات.

ولعل السيناريو الأقل وطأة عليه هو أن يستغل علاقاته مع هذه الجماعات من أجل اقناعها بالانسحاب إلى خارج الاراضي اللبنانية، خاصة أن الخيار البديل هو إفناؤهم أو أن يتيهوا في البراري التي سيتم اصطيادهم فيها، اما بخصوص تفاصيل وجهة هذا الانسحاب وآلياته فهو أمر مرهون بالمفاوضات إن تمت الموافقة على المبدأ. ويمكن للمستقبل في هذا السيناريو أن يروج لمقولة أنه استطاع ان يقطع الطريق على حزب الله ويمنعه من الدخول إلى جرود عرسال وما يقاربها من شعارات فارغة. مع ذلك، لا يعني هذا السيناريو أن المستقبل بالضرورة سيتبناه، مع أنه ممكن. والكلمة الفصل للمستقبل مرتبطة في نهاية المطاف بموقف مرجعيته الإقليمية.
وما دامت الامور مرهونة بخواتيمها، الواضح أن المقاومة حسمت موقفها، بتحرير الاراضي اللبنانية من احتلال الجماعات التكفيرية، وبالتالي لم يعد بإمكان حزب المستقبل الاتكاء إلى المراوغات والمناورات الاعلامية والسياسية التي تسمح له باتخاذ مواقف رمادية. كما لم تعد سياسة التهويل مجدية في ردع المقاومة عن القيام بواجبها.
2015-06-02