ارشيف من :آراء وتحليلات
الجولاني يغازل واشنطن: هدفنا اسقاط الاسد وتحييد الغرب
للوهلة الأولى توحي بعض المواقف التي أوردها "أمير تنظيم القاعدة في سوريا – جبهة النصرة"، خلال مقابلته الأخيرة على قناة "الجزيرة"، كما لو أنه يتحرك خارج المخطط الأميركي في الساحة السورية. خاصة عندما أعلن أنه في حال استمر التحالف الدولي في استهداف "النصرة"، فإن "الخيارات مفتوحة"، معقباً بأن حق كل انسان الدفاع عن نفسه. لكن التدقيق في مجمل مواقف "أمير القاعدة" في سوريا، ابو محمد الجولاني، يكشف حقيقة مغايرة بل معاكسة على الاطلاق.
تشي الرسائل التي صاغها الجولاني بشكل مدروس، أنه كان يدعو الولايات المتحدة إلى مزيد من التناغم والتكامل مع الأميركي، انطلاقا من التعهد العلني بعدم توجيه ضربات ضد أهداف غربية تتخذ من سوريا قاعدة لها. والتأكيد على أن هدفه الحصري هو إسقاط النظام السوري، ورموزه وحلفائه كحزب الله.
وأكد الجولاني، أن هذه المواقف هي بناء على توجيهات زعيم "القاعدة" أيمن الظواهري الذي حدَّد أن مهمة جبهة "النصرة" في الشام "اسقاط النظام ورموزه وحلفائه كحزب الله والتفاهم مع الفصائل لإقامة حكم اسلامي راشد". مضيفا أن "الارشادات التي أتتنا هي بعدم استخدام الشام (سوريا) كقاعدة انطلاق لهجمات غربية او اوروبية لكي لا نشوش على المعركة الموجودة".
جبهة النصرة
الواضح من خلال عبارات الجولاني التي تمت صياغتها بشكل هادف، أنه اراد تبديد مخاوف الاميركيين والغربيين عموما من سيطرة "النصرة". ولعل ما جعل هذه الخطوة أمراً مطلوباً وملحاً في هذه المرحلة، ارتفاع الرهانات لدى القاعدة والعديد من القوى المعادية بقرب سقوط النظام السوري. وعلى قاعدة تجاوز الخلافات لمصلحة الهدف المشترك، انطوت مواقف الجولاني على دعوة مباشرة لتحييد سوريا عن الصراع والمطاردة التي تقوم بها واشنطن تجاه رجال القاعدة في العديد من الساحات الاخرى. وما ذلك إلا محاولة لتجاوز التباينات لمصلحة التركيز على الهدف المشترك بين الطرفين وهو اسقاط الرئيس بشار الاسد، والمقاومة. ولم يُخفِ الجولاني هدفه بإحكام السيطرة على سوريا لكن بتعابيره "التفاهم مع الفصائل لإقامة حكم اسلامي راشد". أي تحكيم العقيدة التكفيرية التي ستضع كل الاخرين امام خيارين: إما الفناء وإما الفناء.
ما كانت دعوة الجولاني، ومن ورائه الظواهري، الذي يفترض أنه مُطارد من الطائرات الاميركية، لولا إدراكهما المساحة المشتركة الواسعة بين القاعدة والولايات المتحدة في سوريا وانطلاقا منها. وتقوم هذه المساحة على الأولوية المشتركة المتمثلة باسقاط النظام الداعم للمقاومة في دمشق، وعلى رأسه الرئيس الاسد. ولو كانت مكافحة الارهاب تحتل أولوية لدى واشنطن لما كان لهذه الدعوة من معنى. وفي كل الاحوال فإن الاداء السياسي والعملاني الاميركي يؤكد على هذه الحقيقة.
ويبدو أن الجولاني أراد تقديم المزيد من الاغراءات للاميركي بالتأكيد على أن من أهدافه التي تحتل أولوية ايضا، إسقاط حزب الله.
الدعم المالي والعسكري!
شدد الجولاني على عدم تلقيه اي دعم مالي، فضلا عن انه لم يشارك في أية جلسة استخبارية. اذا ما تجاوزنا التدقيق في مدى مطابقة هذا الكلام للواقع. السؤال الاساسي، بماذا يفسر الجولاني فتح حدود الدولة العضو في حلف الناتو، تركيا، امام تدفق مقاتلي القاعدة من كافة انحاء العالم إلى سوريا. وهل يمكن لعاقل أن يقبل مقولة أن كل السلاح الذي هو بحوزة القاعدة في سوريا، هو من الغنائم. ومع عدم انكار وجود أسلحة غنمتها القاعدة، ومنها الدبابات، لكن السؤال من أين تأتي القاعدة بالذخائر لهذه الدبابات والمدافع التي يقول أنه غنمها. واذا كان الجيش العربي السوري، يحتاج إلى دول تمده بالذخائر والصواريخ، أو إلى مصانع ضخمة لإنتاجها، فكيف لتنظيم أن يوفر ما يكفي لحرب مضى عليها أكثر من اربع سنوات، وهو يخوض حربا على مساحة واسعة من الاراضي السورية. وبماذا يسمى السماح بعبور هذا الكم الهائل من الاسلحة التي تتدفق عبر حدود الناتو في شمال سوريا.
صورة التكفيري "المعتدل"!
رغم أن من الاهداف الاساس، ايضا، لمقابلة الجولاني على قناة الجزيرة محاولة انتاج صورة "التكفيري المعتدل"، الخلاصة النهائية للمقابلة أثبتت عجز القاعدة عن اجراء تغيير بنيوي، الا في الهوامش، يظهر اختلاف حقيقي عن نظيرتها "داعش"، وبطبيعة الحال عن القاعدة التي اكد الجولاني أن الخيارات والاستراتيجية التي يعتمدها ليست سوى املاءات زعيم القاعدة ايمن الظواهري.
لذلك، ما ميزه عن "داعش"، أنه تعهد بأنه لن يستهدف المخالفين للقاعدة، "الان" وبشروط تغيير العقائد والتخلي عما يسميه شركاً. وشدد الجولاني على أن مقاربته "المعتدلة" هي مقاربة ظرفية وطارئة تفرضها الظروف. وهو ما برز بتكراره كلمة "حتى الان" في تناوله للدروز والعلويين. وهو أمر يعكس أن الاختلاف بين "داعش" و"النصرة"، ليس خلافا ايديولوجيا، وانما هو خلاف تنظيمي بالدرجة الاولى يتمحور حول هوية من تعود له ولاية الامر. ومن جهة اخرى يتباين الطرفان حول رؤيته للمرحلة ومتطلباتها، قبل الوصول الى الهدف المشترك النهائي.
وبالتالي، اذا ما لمسنا امتناعا من قبل "القاعدة – النصرة" عن ممارسة بعض الاداء المشابه بتفاصيله لاداء "داعش" فهو في أحسن الاحوال، يعود كما أقر أميرها الجولاني، إلى التزامه قاعدة "حتى الان" لن نقتلكم. أما لاحقاً فبحسب ظروفنا ونجاحنا في تمكين سيطرتنا في سوريا.