ارشيف من :نقاط على الحروف
في وداعكم ... دمعتان وبسمة!
بعيداً هذه المرة عن السياسة وحبرها الملوث بطمع البعض وحقد البعض الآخر، وبعيداً عن ضجيج الحياة وهمها وثقل أوزارها، عن متاعب الأيام وضيق الحال والأحوال، سأسعى لأن أغوص في ضحكاتهم الملونة بأريج البارود وعبق السلاح العازف على وتر الحرية والكرامة، فما ألحان ساعاتنا إلا أنين شهيد جل ألمه أن اللقاء طال.
كيف أحبك الكلمات أو أي حرف من شعاع الشمس وهُيام القمر سأختار، فمن كثرة الغبار والرماد ما استطعت أن أقرأ من تلك السطور سوى هذه الجملة العابقة بقطرات الدماء: " ... هذه الروح لك، فما العشق إلا غفوة ... ، هذه الروح لك تمضي في أنين الهوى ... ، هذه الروح لك أحرفها حفرت شوقاً على خلايا الروح وما تبقى من قلادة ..".
سطور وصية تلخص بأن خير الكلام ما قل ودل، إذ انهم في الميدان عشاق حياة وطلاب مستقبل يزهو بأسمائهم التي نقشت على جدران القلب وصفحات الذاكرة، فهم كثر من بين الذين استطاعوا أن ينزعوا أنفسهم من سجلات النفوس الدنيوية المريضة، وعبروا الى طريق الخلاص حيث البصيرة تسابق البصر.
لأول مرة تقف عقارب الساعة عن عملها، وإذ بي أراها تقترب من ثغره فتقلب بأناملها رقة بسمته التي غفت باكراً ربما، وربما نحن من بقيَ غافياً، ومن ثم تعود تلك العقارب لتنبض بين أرواح الحاضرين لتعلن إياه شهيد، إنه وبكل فخر الدكتور محمد حسين جوني، ذاك الشاب الذي ما عرفته يوماً إلا باسم الوجه رقيق القلب، كيف لا!... ووضوء الطهر من عينيه مهد لروايات العشق الآتية على عزم البطولات، عرفته منذ عدة سنوات إلا أن الدنيا وهمها أبعداني عنه، لتدور الأيام وأسمع باسمه مجدداً، فالصدفة دائما لها حيز في أيامنا، فـ"زهراء جوني" الإعلامية الواعدة هي أخت الشهيد محمد، زميلة لي في العمل وفي إحدى المرات وفي أروقة الإذاعة تحدثنا عنه، فابتسمت وقلت لها: "عندي صور كتير لمحمد، وما رح اعطيكي هني، هول للأرشيف" ، وعند سماعي خبر استشهاده أول شيء بحثت عنه هو تلك الصور فما وجدت منها إلا بسمة ورسمة وبضع كلمات تقول لنا "هذا شهيد في رحبكم"، لم أصدق للوهلة الأولى أن "محمد" قد استشهد ولكن بعد عدة دقائق سألت نفسي إن لم يكن محمد جوني شهيدا، فمن يستحق الشهادة، وبعد ذاك الصمت إذ بي أسمع صوت يسألني: " هل أنا مخطئة عندما أباغتك في مجلس شهدائك؟"، فنظرت إليها واذ بها دمعة سقطت عمداً، فابتسمت وقلت لها: يا ليتكِ باغتني في حضرة أنفاسهم، فكان لحضورك لذة أخرى....".
تودعك اليوم بلدتك وأحباؤك وعائلتك التي علمت بعض الناس معنى الصبر، وأنا كالعادة مقصر وبعيد وغائب، إن لم يكن بحجة العمل فاعلم أنه بكامل الإرادة، فما عهدتك الا ضحوك الوجه والكل من حول يتبسم، وبعد طول الغياب ذاك ما أريد أن أراك ضحوك الوجه والكل من حولك باكٍ، ولا أريد لدمعتي تلك أن تحضر بيننا هذه المرة كذباً، يا من علمنا أن لا نبقى مجرد صورة على حائط رمادي مع أول صفعة رياح تتبعثر أجزاؤنا ذرات في الهواء، يا من صنع من صورة الحياة كلمة، وكغيرك من الذين سبقوك في ركب الشهادة علمتنا ان الحياة لا تنتهي بمجرد قطعة قماش ودموع وبعض رثاء تزين السطور، وليست صورة فوق إحدى القبور، بل إن الدنيا طريق حياة نحن من يعبدها...
كيف أحبك الكلمات أو أي حرف من شعاع الشمس وهُيام القمر سأختار، فمن كثرة الغبار والرماد ما استطعت أن أقرأ من تلك السطور سوى هذه الجملة العابقة بقطرات الدماء: " ... هذه الروح لك، فما العشق إلا غفوة ... ، هذه الروح لك تمضي في أنين الهوى ... ، هذه الروح لك أحرفها حفرت شوقاً على خلايا الروح وما تبقى من قلادة ..".
سطور وصية تلخص بأن خير الكلام ما قل ودل، إذ انهم في الميدان عشاق حياة وطلاب مستقبل يزهو بأسمائهم التي نقشت على جدران القلب وصفحات الذاكرة، فهم كثر من بين الذين استطاعوا أن ينزعوا أنفسهم من سجلات النفوس الدنيوية المريضة، وعبروا الى طريق الخلاص حيث البصيرة تسابق البصر.
الشهيد المجاهد محمد جوني
لأول مرة تقف عقارب الساعة عن عملها، وإذ بي أراها تقترب من ثغره فتقلب بأناملها رقة بسمته التي غفت باكراً ربما، وربما نحن من بقيَ غافياً، ومن ثم تعود تلك العقارب لتنبض بين أرواح الحاضرين لتعلن إياه شهيد، إنه وبكل فخر الدكتور محمد حسين جوني، ذاك الشاب الذي ما عرفته يوماً إلا باسم الوجه رقيق القلب، كيف لا!... ووضوء الطهر من عينيه مهد لروايات العشق الآتية على عزم البطولات، عرفته منذ عدة سنوات إلا أن الدنيا وهمها أبعداني عنه، لتدور الأيام وأسمع باسمه مجدداً، فالصدفة دائما لها حيز في أيامنا، فـ"زهراء جوني" الإعلامية الواعدة هي أخت الشهيد محمد، زميلة لي في العمل وفي إحدى المرات وفي أروقة الإذاعة تحدثنا عنه، فابتسمت وقلت لها: "عندي صور كتير لمحمد، وما رح اعطيكي هني، هول للأرشيف" ، وعند سماعي خبر استشهاده أول شيء بحثت عنه هو تلك الصور فما وجدت منها إلا بسمة ورسمة وبضع كلمات تقول لنا "هذا شهيد في رحبكم"، لم أصدق للوهلة الأولى أن "محمد" قد استشهد ولكن بعد عدة دقائق سألت نفسي إن لم يكن محمد جوني شهيدا، فمن يستحق الشهادة، وبعد ذاك الصمت إذ بي أسمع صوت يسألني: " هل أنا مخطئة عندما أباغتك في مجلس شهدائك؟"، فنظرت إليها واذ بها دمعة سقطت عمداً، فابتسمت وقلت لها: يا ليتكِ باغتني في حضرة أنفاسهم، فكان لحضورك لذة أخرى....".
تودعك اليوم بلدتك وأحباؤك وعائلتك التي علمت بعض الناس معنى الصبر، وأنا كالعادة مقصر وبعيد وغائب، إن لم يكن بحجة العمل فاعلم أنه بكامل الإرادة، فما عهدتك الا ضحوك الوجه والكل من حول يتبسم، وبعد طول الغياب ذاك ما أريد أن أراك ضحوك الوجه والكل من حولك باكٍ، ولا أريد لدمعتي تلك أن تحضر بيننا هذه المرة كذباً، يا من علمنا أن لا نبقى مجرد صورة على حائط رمادي مع أول صفعة رياح تتبعثر أجزاؤنا ذرات في الهواء، يا من صنع من صورة الحياة كلمة، وكغيرك من الذين سبقوك في ركب الشهادة علمتنا ان الحياة لا تنتهي بمجرد قطعة قماش ودموع وبعض رثاء تزين السطور، وليست صورة فوق إحدى القبور، بل إن الدنيا طريق حياة نحن من يعبدها...