ارشيف من :نقاط على الحروف
في حرفة الإعلام: النكسة نموذجاً -2-
"المعارك لا تخاض دفعةً واحدة، كما أن الحروب الكبرى لا يمكن الفوز بها مرة واحدة فحسب!".
لاو تشوي (قائد صيني عسكري شهير)
حدثت في العام 1967 معركةٌ كبرى بين العرب والعدو الصهيوني، حملت أسماء كثيرة، لكن وسائل الإعلام العربية "المدفوعة الأجر" أطلقت عليها مسماً ذو طابعٍ "ملحمي" وهو: النكسة. خسر العرب تلك المعركة، لكنهم لم يخسروا الحرب، ومع ذلك فإنَّ إصرار وسائل الإعلام (كما أشرت وأعيد مدفوعة الأجر) أصرت على تحويل الأمر إلى "أكبر" هزيمة ممكن أن تحيق بأمةٍ بأكملها، لقد تم تحويل هزيمةٍ يمكن "احتمالها" إلى عبءٍ ثقافي وأخلاقي وانكسارٍ أكبر من الاحتمال. وكي يتم تحويل تلك المعركة التي كان من الممكن "تفادي" تأثيراتها استغلت الثقافة والفنون لتعميق "جرح" الإنكسار هذا، فنشأ جيلٌ "متكامل" من الفنانين: الشعراء، المغنين، الكتّاب والصحافيين همه الأول والأخير: التغني بالهزيمة، شتم أي محاربٍ للصهاينة، وفوق كل هذا "كسر" الروح المعنوية لشعبٍ بأكمله.
كسرٌ في الروح
ولئن الشعوب العربية "مسكونةٌ" بالحزن في بنياها التقليدي النفسي، فلم يكن غريباً أن تشتهر الفنون العربية بالحزن أكثر من اهتمامها بالفنون "الفرحة" ومن هنا كانت لـ"الهزيمة" طعمٌ مختلفٌ عن الإنتصار.
كان الشاعر المصري الكبير صلاح جاهين(1930-1986) واحداً من أكثر الشعراء والفنانين المصريين الموهوبين في جيله، كان الرجل واحداً ممن تغنوا بحركة الضباط الأحرار المصرية (له قصيدة "على اسم مصر" الشهيرة)، ولازمها خطوةً بخطوةٍ كفنانٍ متألق، لكن لحظة الإنكسار "كسرته" من الداخل، فوقع في فخٍ نصب له "إعلامياً" وتم "مظهرة" جميع ما كتبه بعد ما سمي "النكسة" على أنّه أعظم ما كتب، فكتب قصيدة: "تراب دخان" بعد "النكسة مباشرةً . بالإضافة إلى هذا لم يمر الأمر بهذه البساطة إذ أن الفنان الكبير كسر لدرجة أنه حينما سئل لماذا قام بكتابة فيلم من نوعية "خلي بالك من زوزو"(للمخرج حسن الإمام) قال بأنّ هذا العصر هو "عصر زوزو النوزو كوانوزو" في إشارة إلى "إفيه"(أو قفلة مضحكة) من الفيلم في محاولة لوسم العصر بأكمله أنه: "عصر هزيمة وتفاهة ورياء".
كانت الهزيمة حديث الشارع "العربي" لذلك لم يكن غريباً أن يهرع "أديب نوبل" نجيب محفوظ(1911-2006) إلى "التغني" بالهزيمة هو الآخر فأطلق كتبه المعروفة: السمان والخريف"، "ميرامار"، "الحب تحت المطر"، وبالتأكيد مجموعته القصصية "تحت المظلة". عرف عن محفوظ انتقادته العلنية لنظام الضباط الأحرار، مع العلم أن كتبه ظلت تباع وظل شخصيةً محترمةً و"مقدّرة" من النظام المصري رغم "تظلمه" الدائم وحديثه عن "ظلمٍ" كبيرٍ تعرض له وقتها. مسرحياً كان لافتاً وللغاية أن يخرج بعض "ممثلي" الصف الثاني في مصر ليهتفوا بإسم حزب "الوفد" (الحزب ذو البعد التاريخي المصري، وإن كان غاب كلياً عن المشهد "التحرري" للشعب المصري فيما بعد) مشيرين أن الضباط الأحرار اغتصبوا السلطة التي هي في الأصل من حق الوفد، كما لو أن السلطة "تورث" أو "تعطى لأحد"!
وللسينما الحصة الأكبر:
سينمائياً ونظراً لقيمة "القاهرة" كعاصمة للسينما العربية كان من الطبيعي أن تحظى لحظةٌ تاريخيةٌ مؤاتية مثل "النكسة" بكوكبةٍ من الأفلام تؤرخ لما حدث، بعضها كان جاداً في طرحه السؤال التالي : لِمَ وصلنا إلى هذه اللحظة؟ وماذا كانت النتائج.في المقابل جهد البعض بكل ما أوتي من قوة "لجلد" الذات وجلد مجتمعٍ بأكمله، مع التأكيد على أهمية "أن نعيش بحرية" و "أن نحب الحياة" والتركيز على فكرة "السلام" وأن "الحروب لا تنفع" وسواها من مقولات التطبيع التي كان الغرب والصهاينة يعتمدون عليها في تلك المرحلة، وهي التي أدت بشكلٍ أو بآخر لقبول جزء كبير من الشارع المصري لإتفاقية كامب ديفيد التي وقعها أنور السادات بعد ذلك بسنين قليلة.
الخطوة الأولى لنقد "المرحلة" بدت أنها فعلاً ذات أهداف "تصويبية" فتم التصويب على شخصياتٍ إنتهازئية استغلت الثورة كي تحقق مآربها، فضلاً عن المثقفين الجالسين على المقاهي والذين لا يفعلون أي شيء سوى التنظير فيما يموت الشعب بكل الطرق والوسائل. فمرت هذه الشخصيات في أفلامٍ من قبيل: "ميرامار"(1969 للمخرج كمال الشيخ)، القضية (1968 للمخرج صلاح أبو سيف)، "المتمردون" (للمخرج توفيق صالح) والذي صنع في العام 1966 ولكنه لم يعرض إلا في العام 1968 (وقد أصرت الرقابة على نهاية ينتصر فيها النظام لذلك لم يعرض الفيلم إلا بعد "النكسة" بسنة)، "العيب"(1967 مع المخرج جلال الشرقاوي). جاء فيلم "شيء من الخوف"(للمخرج حسين كمال 1969) كواحدٍ من أبرز أفلام المرحلة حيث بدأت "سياط" النقد ترتفع وتصخب، فقدم المخرج نقاشاً حول "الديمقراطية في مقابل "الديكتاتورية" وكيف أنه في لحظةٍ واحدة تقطع تلك الشعرة الهشة بينهما ويبدأ "البطش والظلم" بالحدوث. ويذكر أن الفيلم قد منع بدايةً من العرض لكن تدخل السادات شخصياً سمح للفيلم بالعرض، وكان السادات مراقباً جيداً للحالة الشعبية وتأثير الفنون عليها (بحسب كتاب سنوات الغليان لمحمد حسنين هيكل) لذلك كان من المنطقي أن يسمح بعرض هكذا فيلم خصوصاً أنه كان يريد أن يتخلص تماماً من "وطأة" شخصية عبدالناصر وعلاقته الكاريزماتية مع الشعب المصري (أيضاً بحسب هيكل).
في نفس الإطار برز إطار "الهروب إلى الأمام وبعيداً"(up up and away كما يسمى تقنياً في السينما الغربية) في السينما المصرية، أي من خلال ايجاد عدد كبير من الأفلام التي لا تتحدث في أي أمرٍ "مفيد" أو مهم، سوى أمورٍ تافهة/مسلية تهدف إلى إبعاد الجمهور المباشر عن الأحداث السياسية الجلل فظهرت أفلام مثل: شنبو في المصيدة، مراتي مجنونة، غازية من سنباط، أخطر رجل في العالم، نشال رغم أنفه، حواء والقرد، شارع الملاهي، مطاردة غرامية، بابا عايز كدة، كيف تسرق مليونيراً، للمتزوجين فقط (يمكن الاستدلال من نوعية الأسماء على "مضامين" هذه الأفلام). وكان غريباً مثلاً أن هذا النوع من الأفلام انتشر كالنار في الهشيم فشهد مثلاً العام 1968 إنتاج أكثر من 40 فيلماً مصرياً، كان من بينها فقط أربعة أفلام يمكن اعتبارها "جادة" وتحمل "رسالة" وقيمة معنوية وهي بالضبط: البوسطجي للمخرج حسين كمال، القضية لصلاح أبو سيف، قنديل أم هاشم لكمال عطية، والرجل الذي فقد ظله لكمال الشيخ.
لكن النقد القاسي للمرحلة لم يأتِ إلا بعد مرحلة ما سمي بالسلام، (أي ما بعد العام 1975) فجاء فيلم "الكرنك" (للمخرج علي بدرخان وللكاتب نجيب محفوظ) الذي تناول "بقسوة" بالغة الظلم الذي تعرض له "المواطن العادي" إبان حكم "عبدالناصر"، فيسخر من كل الأفكار التي جاءت بها الثورة، ويحيلها إلى "الهشيم" متعاملاً مع "النكسة" هذه المرة على أساس أنها "الخلاص" الذي سمح للناس "الأحرار" بالخروج من تحت عباءة الظلم. يشترك في هذا الأمر فيلم "احنا بتوع الأوتوبيس"(1979 للمخرج حسين كمال) ويتناول ذات المرحلة، وبذات اللغة السينمائية/الثقافية في إعطاء "النكسة" بعداً إضافياً هو أنها "نتاج طبيعي للظلم الشديد الذي كان الشعب يعيشه" دون أي إشارة إلى منجزات الثورة المصرية (تأميم قناة السويس، بناء السد العالي، مساعدتها في حروب التحرير العربية في الجزائر مثلاً وسواها).
باختصار لم تحظ لحظةٌ "تاريخية" قط مثلما حصلت "النكسة" على إهتمام، حيث يمكن إجراء دراسة شاملة وملاحقة كل الأعمال الفنية والثقافية التي كتبت حولها فيظن "القارئ/السامع/المشاهد" أن هذه النكسة كانت آخر الكون وأن "مصر" والعالم العربي "قد فنيا" تماماً بعدها، هذا دأب الإعلام "المدفوع الأجر" دوماً: يخلق من اللاشيء شيئاً، يجعله صنماً، ويطلب من الجميع أن يعبدوه.
لاو تشوي (قائد صيني عسكري شهير)
حدثت في العام 1967 معركةٌ كبرى بين العرب والعدو الصهيوني، حملت أسماء كثيرة، لكن وسائل الإعلام العربية "المدفوعة الأجر" أطلقت عليها مسماً ذو طابعٍ "ملحمي" وهو: النكسة. خسر العرب تلك المعركة، لكنهم لم يخسروا الحرب، ومع ذلك فإنَّ إصرار وسائل الإعلام (كما أشرت وأعيد مدفوعة الأجر) أصرت على تحويل الأمر إلى "أكبر" هزيمة ممكن أن تحيق بأمةٍ بأكملها، لقد تم تحويل هزيمةٍ يمكن "احتمالها" إلى عبءٍ ثقافي وأخلاقي وانكسارٍ أكبر من الاحتمال. وكي يتم تحويل تلك المعركة التي كان من الممكن "تفادي" تأثيراتها استغلت الثقافة والفنون لتعميق "جرح" الإنكسار هذا، فنشأ جيلٌ "متكامل" من الفنانين: الشعراء، المغنين، الكتّاب والصحافيين همه الأول والأخير: التغني بالهزيمة، شتم أي محاربٍ للصهاينة، وفوق كل هذا "كسر" الروح المعنوية لشعبٍ بأكمله.
كسرٌ في الروح
ولئن الشعوب العربية "مسكونةٌ" بالحزن في بنياها التقليدي النفسي، فلم يكن غريباً أن تشتهر الفنون العربية بالحزن أكثر من اهتمامها بالفنون "الفرحة" ومن هنا كانت لـ"الهزيمة" طعمٌ مختلفٌ عن الإنتصار.
كان الشاعر المصري الكبير صلاح جاهين(1930-1986) واحداً من أكثر الشعراء والفنانين المصريين الموهوبين في جيله، كان الرجل واحداً ممن تغنوا بحركة الضباط الأحرار المصرية (له قصيدة "على اسم مصر" الشهيرة)، ولازمها خطوةً بخطوةٍ كفنانٍ متألق، لكن لحظة الإنكسار "كسرته" من الداخل، فوقع في فخٍ نصب له "إعلامياً" وتم "مظهرة" جميع ما كتبه بعد ما سمي "النكسة" على أنّه أعظم ما كتب، فكتب قصيدة: "تراب دخان" بعد "النكسة مباشرةً . بالإضافة إلى هذا لم يمر الأمر بهذه البساطة إذ أن الفنان الكبير كسر لدرجة أنه حينما سئل لماذا قام بكتابة فيلم من نوعية "خلي بالك من زوزو"(للمخرج حسن الإمام) قال بأنّ هذا العصر هو "عصر زوزو النوزو كوانوزو" في إشارة إلى "إفيه"(أو قفلة مضحكة) من الفيلم في محاولة لوسم العصر بأكمله أنه: "عصر هزيمة وتفاهة ورياء".
كانت الهزيمة حديث الشارع "العربي" لذلك لم يكن غريباً أن يهرع "أديب نوبل" نجيب محفوظ(1911-2006) إلى "التغني" بالهزيمة هو الآخر فأطلق كتبه المعروفة: السمان والخريف"، "ميرامار"، "الحب تحت المطر"، وبالتأكيد مجموعته القصصية "تحت المظلة". عرف عن محفوظ انتقادته العلنية لنظام الضباط الأحرار، مع العلم أن كتبه ظلت تباع وظل شخصيةً محترمةً و"مقدّرة" من النظام المصري رغم "تظلمه" الدائم وحديثه عن "ظلمٍ" كبيرٍ تعرض له وقتها. مسرحياً كان لافتاً وللغاية أن يخرج بعض "ممثلي" الصف الثاني في مصر ليهتفوا بإسم حزب "الوفد" (الحزب ذو البعد التاريخي المصري، وإن كان غاب كلياً عن المشهد "التحرري" للشعب المصري فيما بعد) مشيرين أن الضباط الأحرار اغتصبوا السلطة التي هي في الأصل من حق الوفد، كما لو أن السلطة "تورث" أو "تعطى لأحد"!
انكار الهزيمة في الصحف المصرية
وللسينما الحصة الأكبر:
سينمائياً ونظراً لقيمة "القاهرة" كعاصمة للسينما العربية كان من الطبيعي أن تحظى لحظةٌ تاريخيةٌ مؤاتية مثل "النكسة" بكوكبةٍ من الأفلام تؤرخ لما حدث، بعضها كان جاداً في طرحه السؤال التالي : لِمَ وصلنا إلى هذه اللحظة؟ وماذا كانت النتائج.في المقابل جهد البعض بكل ما أوتي من قوة "لجلد" الذات وجلد مجتمعٍ بأكمله، مع التأكيد على أهمية "أن نعيش بحرية" و "أن نحب الحياة" والتركيز على فكرة "السلام" وأن "الحروب لا تنفع" وسواها من مقولات التطبيع التي كان الغرب والصهاينة يعتمدون عليها في تلك المرحلة، وهي التي أدت بشكلٍ أو بآخر لقبول جزء كبير من الشارع المصري لإتفاقية كامب ديفيد التي وقعها أنور السادات بعد ذلك بسنين قليلة.
الخطوة الأولى لنقد "المرحلة" بدت أنها فعلاً ذات أهداف "تصويبية" فتم التصويب على شخصياتٍ إنتهازئية استغلت الثورة كي تحقق مآربها، فضلاً عن المثقفين الجالسين على المقاهي والذين لا يفعلون أي شيء سوى التنظير فيما يموت الشعب بكل الطرق والوسائل. فمرت هذه الشخصيات في أفلامٍ من قبيل: "ميرامار"(1969 للمخرج كمال الشيخ)، القضية (1968 للمخرج صلاح أبو سيف)، "المتمردون" (للمخرج توفيق صالح) والذي صنع في العام 1966 ولكنه لم يعرض إلا في العام 1968 (وقد أصرت الرقابة على نهاية ينتصر فيها النظام لذلك لم يعرض الفيلم إلا بعد "النكسة" بسنة)، "العيب"(1967 مع المخرج جلال الشرقاوي). جاء فيلم "شيء من الخوف"(للمخرج حسين كمال 1969) كواحدٍ من أبرز أفلام المرحلة حيث بدأت "سياط" النقد ترتفع وتصخب، فقدم المخرج نقاشاً حول "الديمقراطية في مقابل "الديكتاتورية" وكيف أنه في لحظةٍ واحدة تقطع تلك الشعرة الهشة بينهما ويبدأ "البطش والظلم" بالحدوث. ويذكر أن الفيلم قد منع بدايةً من العرض لكن تدخل السادات شخصياً سمح للفيلم بالعرض، وكان السادات مراقباً جيداً للحالة الشعبية وتأثير الفنون عليها (بحسب كتاب سنوات الغليان لمحمد حسنين هيكل) لذلك كان من المنطقي أن يسمح بعرض هكذا فيلم خصوصاً أنه كان يريد أن يتخلص تماماً من "وطأة" شخصية عبدالناصر وعلاقته الكاريزماتية مع الشعب المصري (أيضاً بحسب هيكل).
في نفس الإطار برز إطار "الهروب إلى الأمام وبعيداً"(up up and away كما يسمى تقنياً في السينما الغربية) في السينما المصرية، أي من خلال ايجاد عدد كبير من الأفلام التي لا تتحدث في أي أمرٍ "مفيد" أو مهم، سوى أمورٍ تافهة/مسلية تهدف إلى إبعاد الجمهور المباشر عن الأحداث السياسية الجلل فظهرت أفلام مثل: شنبو في المصيدة، مراتي مجنونة، غازية من سنباط، أخطر رجل في العالم، نشال رغم أنفه، حواء والقرد، شارع الملاهي، مطاردة غرامية، بابا عايز كدة، كيف تسرق مليونيراً، للمتزوجين فقط (يمكن الاستدلال من نوعية الأسماء على "مضامين" هذه الأفلام). وكان غريباً مثلاً أن هذا النوع من الأفلام انتشر كالنار في الهشيم فشهد مثلاً العام 1968 إنتاج أكثر من 40 فيلماً مصرياً، كان من بينها فقط أربعة أفلام يمكن اعتبارها "جادة" وتحمل "رسالة" وقيمة معنوية وهي بالضبط: البوسطجي للمخرج حسين كمال، القضية لصلاح أبو سيف، قنديل أم هاشم لكمال عطية، والرجل الذي فقد ظله لكمال الشيخ.
لكن النقد القاسي للمرحلة لم يأتِ إلا بعد مرحلة ما سمي بالسلام، (أي ما بعد العام 1975) فجاء فيلم "الكرنك" (للمخرج علي بدرخان وللكاتب نجيب محفوظ) الذي تناول "بقسوة" بالغة الظلم الذي تعرض له "المواطن العادي" إبان حكم "عبدالناصر"، فيسخر من كل الأفكار التي جاءت بها الثورة، ويحيلها إلى "الهشيم" متعاملاً مع "النكسة" هذه المرة على أساس أنها "الخلاص" الذي سمح للناس "الأحرار" بالخروج من تحت عباءة الظلم. يشترك في هذا الأمر فيلم "احنا بتوع الأوتوبيس"(1979 للمخرج حسين كمال) ويتناول ذات المرحلة، وبذات اللغة السينمائية/الثقافية في إعطاء "النكسة" بعداً إضافياً هو أنها "نتاج طبيعي للظلم الشديد الذي كان الشعب يعيشه" دون أي إشارة إلى منجزات الثورة المصرية (تأميم قناة السويس، بناء السد العالي، مساعدتها في حروب التحرير العربية في الجزائر مثلاً وسواها).
باختصار لم تحظ لحظةٌ "تاريخية" قط مثلما حصلت "النكسة" على إهتمام، حيث يمكن إجراء دراسة شاملة وملاحقة كل الأعمال الفنية والثقافية التي كتبت حولها فيظن "القارئ/السامع/المشاهد" أن هذه النكسة كانت آخر الكون وأن "مصر" والعالم العربي "قد فنيا" تماماً بعدها، هذا دأب الإعلام "المدفوع الأجر" دوماً: يخلق من اللاشيء شيئاً، يجعله صنماً، ويطلب من الجميع أن يعبدوه.