ارشيف من :آراء وتحليلات

مواجهة الإرهاب.. من الرتابة إلى الحلول الإبداعية

مواجهة الإرهاب.. من الرتابة  إلى الحلول الإبداعية

"الحياة تنتظر دوما تأزم الأوضاع لكي تظهر براعتها"

(باولو كويلو –مؤلف وشاعربرازيلي)
         

        
تأخذ التنظيمات الإرهابية سواء في التكتيك القتالي أو في التعبئة أساليب غير  تقليدية. فيما لم يجر في المقابل ابتداع آليات غير تقليدية في مواجهتها. وإذا ما تركنا المسائل ذات الطابع العسكري البحت لأهل الاختصاص يجولون بها. يبقى أمامنا أمران في غاية الأهمية. الأول يتعلق بالتعبئة. إذ لو نظرنا إلى الضفة الأخرى حيث كلا التنظيمين "داعش"  و"النصرة"، سنجد أن زادهما من المقاتلين يتم عبر تعبئة اممية تغطي قرابة 60 دولة من شتى أصقاع الأرض. أما الأمر الثاني فيتعلق برقعة ساحة العمليات فهي عند "داعش" على امتداد العراق وسوريا . وعند "النصرة" على امتداد الساحة السورية تقريباً من الشمال إلى الجنوب، مع وجود جزر إسناد في دمشق وحمص تنتظر التوقيت المناسب.

الثنائية السورية-العراقية

ماذا على المقلب الآخر؟.. في سوريا نجد قواتها المسلحة مضطرة إلى ان تكون في أكثر من منطقة لأن وحدة الأراضي السورية وربطها بالمركز هو من ابرز الأهداف في سلة مهامها الاستراتيجية. وهذا يقودنا للحاجة إلى منظومات تعبئة لتوسيع قاعدة مشاركة وحدات الدفاع الشعبي والتي أثبت العديد منها فاعلياته كما في نبل والزهراء وفي كل محافظة السويداء المحاصرة بين "داعش" و"النصرة"، حيث يلتحم الأهلون مع الجيش العربي السوري، وقد تجلى هذا مؤخراً في القتال الملحمي الذي خاضته وحدات الدفاع الشعبي جنباً إلى جنب مع الجيش العربي السوري دفاعاً عن مطار الثعلة.أما في العراق فالملاحظ هو تنامي قوات الحشد الشعبي في الكم والكيف، لكن ساحة عملياتها مقتصرة على العراق. فيما تقاتل "داعش" على رقعة واسعة من العراق وسوريا وبقيادة مركزية واحدة . وبالتالي فإن الحاجة باتت اعظم ليكون الرد السوري والعراقي بالكيفية نفسها متحدين متضامنين؛  إذ في استراتيجيات المشاريع الكبيرة لا توجد حدود بين الأحداث ولا بين الحرائق.  وهذا يستدعي وجوب التصدي المشترك تحت قيادة عمليات واحدة لا تقيم للحدود وزناً.

مواجهة الإرهاب.. من الرتابة  إلى الحلول الإبداعية
الارهاب

وللوصول إلى هذا المستوى من الرؤية الشمولية ينبغي أن يسبقه شرط أساس، وهو أن لا يتوقع أحد في العراق خيراً يأتي من امريكا في مواجهة الإرهاب. فيما كل الوثائق التي جرى ويجري نشرها تشير إلى ان "داعش"  قامت بمعرفة ودعم امريكي،كان منها على سبيل المثال لا الحصر ما كشفته "جوديشيال واتش"، وهي مجموعة حقوقية يمينية أميركية أجبرت الحكومة الأميركية مؤخراً على رفع السرية عن مجموعة وثائق ورسائل من أرشيف وزارتي الخارجية والدفاع .وبالتالي فإن أي مسعى عراقي  لاستدراج امريكا " لاستراتيجية مشتركة للقضاء على "داعش"" هو وهم . والدليل أن واشنطن لم توفِ في التزاماتها من صفقات السلاح المبرمة مع العراق مما اضطره إلى التوجه نحو روسيا والتي بسلاحها يقاتل جيش العراق الآن.  والخلاصة أنه من غير الممكن دحر هذا السرطان التكفيري المدعوم من كل القوى الاستعمارية العالمية والممولة بالبترودولار إلا متى رأينا قراراً سياسياً إقليمياً كبيراً  يجعل من الساحة في سوريا والساحة في العراق ميداناً واحداً لمعركة واحدة وبتنسيق كامل مع ايران. يوازيه تنسيق سياسي على أعلى المستويات. فيما الحاضر يشي بعكس ذلك. هل يعقل وفي هذه الحرب الممتدة على مساحة البلدين ان لا نرى زيارات متبادلة بين وزراء خارجية البلدين للتنسيق، أو للمشورة بالحد الأدنى !! .إن أي جهد خارج الثنائية السورية العراقية حصراً وبالتنسيق مع الحليفين الأساسين: روسيا وايران هو مضيعة للوقت وللجهد. أو لعلها أوراق تقدم مجاناً من غير اية نتيجة.

الرد المضاد

أما في الجانب السوري فإن دبلوماسيته ما زالت مقتصرة على نافذة وزارة الخارجية، وهي دبلوماسية مطوقة بطبيعة الحال بسبب الضغوط الغربية مع عرب النفط مجتمعين؛ غير ان هذا لا ينبغي ان يكون نهاية المطاف حيث يجب تجاوز هذا الطوق بما يمكن تسميته (الدبلوماسية غير الرسمية). اي التي تتوخى التواصل مع القوى الشعبية في العالمين العربي والإسلامي بشكل خاص وغيرهما بشكل عام. وهذا بالتأكيد يحتاج إلى نافذة أو نوافذ أخرى، ما يستدعي البحث عن صيغ على سبيل المثال: هيئة عربية مستقلة لمكافحة الإرهاب، تتوخى التواصل مع الأحزاب الوطنية والتقدمية وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني، لفضح ما تتعرض له سوريا والعراق وليبيا، ولا شك ان العالم العربي بقواه الشعبيه بات اكثر استعدادًا ليتلقى برضىً اي رد مضاد يدحض اكاذيب الأقنية الفضائية التي تبث دعاويها الفتنوية بإيعاز من اطراف المؤامرة الدولية. بعد ان ادرك زيف دعاوي ما يسمى "ثورات" ومدى الضرر الذي ألحقه الإرهاب في الكيانات وفي بنية مجتمعاتها. فضلاً عن ممارساته الوحشية المنفرة والتي زادت من الكراهية ضد هذه التنظيمات الإرهابية.

وكما يلجأ عدونا للتعبئة الأممية لاستجلاب قوى الإرهاب التكفيري يلقيها في وجهنا، فإن الواجب أن يأتي الرد بالكيفية نفسها ولأسباب ارقى واسما هدفاً بالنظر لما تكتنزه سوريا والعراق من قيمةٍ قومية؛ وإنسانية حضارية. ما يستحق تعصيباً قومياً بالدرجة الأولى. وهذا يستدعي بالضرورة جهداً ابداعياً لا بد وأن تتولاه شرائح شبابية على مستوى الوطن العربي. تتجاوز الأطر التقليدية ذات الطابع الخطابي والتي انتهجتها بعض التشكيلات مثل" المؤتمر القومي العربي". والخلاصة هي أنه لا بد من أن ينخرط الشارع العربي في المواجهة إلى مستوى يصبح فيه الدفاع عن سوريا والعراق قضية قومية وانسانية تستنفر القوى الثورية للقتال حفاظا على الوجود والتراث والقيم الإنسانية على حدٍ سواء. والشارع العربي يكتنز هذه الأمكانية إذا احسن التوجه إليها.            

حرب الأنصار

لقد كانت نظرية "إدارة التوحش" التي تبنتها "القاعدة" مبنية على "أن الجهاد ما هو إلا شدة وغلظة وإرهاب وتشريد وإثخان"!.  غير أن "فلسفة" القتل الوحشي والتعذيب التي تعمدتها "داعش" او "النصرة" وسيلة  للأخذ بتلابيب الأفئدة والعقول قد أنقلب عليهما، الأمر الذي رفع من منسوب الكراهية لهما. بل انقلب إلى ردات فعل عكسية رافضة عند غالبية من أخذته العاطف الدينية وبريق شعارات "دولة الخلافة". وهذا التحول لمسناه من خلال احتكاكنا المباشر ببعض القادمين السوريين الهاربين إلى لبنان وقد كانوا بدايةً في عداد "المعارضة" . وفيهم ايضاً من  عاد مؤخراً إلى لبنان قادماً من مناطق تسيطر عليها التنظيمات الإرهابية يرون العجب العجاب عن الجحيم الذي يعاني منه الأهلون في محافظات مثل الرقة ودير الزور وغيرهما. إلا أن هذه الظاهرة لم يجرِ الانتباه لها كمدخلٍ لتعبئة الناس في المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيمات القاعدة وتأطيرها في خلايا قتاليه للشروع في "حرب أنصار" خلف خطوط داعش او النصرة .وسيكون من الخطأ الجسيم ترك هذه الناس المصادرة والمقموعة وهي تختزن كتلة من الغضب والحقد على الإرهاب لا سيما بعد ما أصاب الكثير منهم  الضرر إذ قلما تجد بيتا في المناطق الواقعة تحت سيطرة الأرهابيين لم يفجع بعزيز على أيديهم أو أذية بالغة.

إن هذه الحرب التي استنفر لها أعداؤنا العقول مطوعين هذه القوى البربرية في خدمة أهدافهم، يلزمها جهد ابداعي مقابل ..وإلا  فسنظل امام رتابة: حريق ينطفئ هنا، ليظهر حريق آخر هناك!.


*عضو الأمانة العامة للحركة الوطنية للتغير الديمقراطي
2015-06-17