ارشيف من :آراء وتحليلات

مخاوف من قواعد عسكرية أجنبية في تونس

مخاوف من قواعد عسكرية أجنبية في تونس

لا يشعر أغلب الطيف السياسي في تونس بالارتياح بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما منح تونس صفة الشريك المميز للولايات المتحدة من خارج الحلف الأطلسي. وجاء هذا الإعلان إثر زيارة أداها الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي إلى واشنطن مطلع هذا الشهر وهي الأولى له منذ أن اعتلى عرش قرطاج بداية هذا العام.


وجاءت زيارة الأمين العام المساعد لمنظمة حلف شمال الأطلسي المكلف بالشؤون السياسية وسياسة الأمن، "تراسيفولوس تاري ستاماتوبولوس"، إلى تونس التي تلت مباشرة زيارة الرئيس التونسي إلى واشنطن لتزيد مخاوف التونسيين. فتاريخ الناتو مع البلدان التي تدخل فيها مباشرة أو التي أقام معها علاقات متطورة لا تبشر بالخير، واهتمام الولايات المتحدة بالخضراء وبالمنطقة المغاربية عموما، التي كانت تعتبر منطقة نفوذ اقتصادي فرنسي، لا تبشر بالخير أيضا.

خطر الإرهاب


لقد اقترن اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية ببلد ما (فيما يتعلق بالبلدان العربية والإسلامية) باستفحال خطر الإرهاب الذي تتخذه واشنطن عادة كذريعة للتدخل في هذا البلد. ولعل ما تعيشه المنطقة المغاربية، وخصوصا ليبيا، من فوضى وهيمنة للجماعات التكفيرية على مساحات شاسعة يؤكد هذا الطرح ناهيك عن العراق وأفغانستان والصومال وغيرها.

ويخشى فعلا من أن يكون الرئيس التونسي بصدد التعرض لضغوط أمريكية من أجل أن يضع الناتو موطئ قدم في الخضراء من خلال استضافة قاعدة الأفريكوم على الأراضي التونسية، المخصصة لمحاربة الإرهاب في القارة السمراء، وهو ما رفضه باستمرار الرئيس الأسبق المطاح به زين العابدين بن علي. كما يخشى التونسيون، الذين استقبلت بلادهم في وقت ما ثوار جبهة التحرير الجزائرية وكانت منطلقا لعمليات هؤلاء لاستهداف الاستعمار الفرنسي، إلى أرض لاستهداف الجارة الغربية الشقيقة التي تمتلك واحدا من أقوى الجيوش العربية.

مخاوف من قواعد عسكرية أجنبية في تونس
 تونس

رفض القواعد الأجنبية


لقد حارب التونسيون تواجد القواعد العسكرية الأجنبية على أرضهم منذ أواخر خمسينات القرن الماضي. حيث رغبت فرنسا في الاحتفاظ ببعض القواعد بعد استقلال البلاد لكن الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة اتخذ قرار الحرب على الجيوش الفرنسية المرابطة في بلاده عامي 1958 و1962 وحرر القواعد التي رغبت فرنسا في الاحتفاظ بها وأجلى الجيوش الفرنسية بالكامل عن بلاده.


ويرى كثير من المفكرين والباحثين التونسيين أنه لولا تلك الخطوات الجريئة من بورقيبة في ذلك الوقت،  رغم عدم التكافئ في موازين القوى بين الجيشين الفرنسي والتونسي، لكانت مدينة بنزرت الشمالية ورمادة الواقعة في الإقليم الصحراوي جنوب البلاد ما زالتا خاضعتين لفرنسا على غرار مدينتي سبتة ومليلية المغربيتين اللتين تخضعان للعرش الإسباني وتعتبرهما مدريد جزءًا من أراضيها.
 فالشعب التونسي شعب مقاوم رافض للاستعمار وللقواعد الأجنبية وتاريخه الحديث يشهد بذلك، ويزعجه بالفعل أن تتحول بلاده إلى أرض للقواعد الأجنبية. لذلك بدأ الحديث من قبل عديد الأطراف للاستعداد لكل طارئ إذا ما ثبت فعلا أن واشنطن راغبة بالفعل في إقامة قاعدة عسكرية تابعة للحلف الأطلسي في تونس.

زوال حاجز الخوف

لذلك يرى البعض أن واشنطن لن تقدم على هذه الخطوة لأنها تدرك أن الميدان غير مهيء وأن ما تقبل به شعوب أخرى لا يمكن أن يقبل به الشعب التونسي الذي بات قادرا على التعبير بحرية والذي زال حاجز الخوف من السلطة الذي كان يكبله في السابق. وسر اهتمام الأميركان بتونس، بحسب هؤلاء، هو رغبتهم في استهداف الجماعات التكفيرية في ليبيا بتعاون تونسي جزائري مصري تمهيدا لاتفاق بين فريقي الصراع قد يحصل بعد ثلاثة أشهر.

كما يذهب البعض إلى اعتبار صفة الشريك المميز لواشنطن من خارج الحلف الأطلسي التي منحت لتونس والتي لم يعلن مجلس النواب التونسي عن موافقته عليها بعد، هي ذر رماد على عيون التونسيين بسبب عدم التزام الثمانية الكبار في العالم ومنهم واشنطن بما وعدوا به التونسيين من مساعدات اقتصادية ومالية. ذلك أن الغرب عموما وصندوق النقد الدولي يشترطون على تونس للاستثمار فيها وإنقاذها إقتصاديا، تغيير قوانينها الحمائية وخصخصة مؤسساتها العمومية ورفع الدعم عن المواد الاستهلاكية وهو ما يرفضه عموم التونسيين.
2015-06-19