ارشيف من :مقاومة

من الوعد الصادق الى الانتصار الإلهي 3/3

من الوعد الصادق الى الانتصار الإلهي 3/3
المقاومة بعد حرب تموز أصبحت أكثر كفاءة وخبرة
المقاوم خلال عدوان تموز صقلت خبرته وشخصيته القتالية، وبالتالي أصبح أكثر كفاءة وقدرة على المواجهة


أجرى الحوار: أمير قانصوه

"الانتقاد" وفي الحلقة الثالثة والاخيرة من مقابلتها مع القيادي في المقاومة الاسلامية تتناول موضوع الانزالات التي نفذها العدو، وتمكن المقاومة من اسقاط طائرة اليسعور في وادي مريمين قرب بلدة ياطر، تدرج المقاومة في قصف المستوطنات وصولاً الى نظرة المقاومة الى العدو والناس الصامدين ومجاهديها وشهدائها.

* .. ما معنى أن يقوم الإسرائيلي بإنزالات (انزال بوداي) بعد صدور قرار وقف الاعمال الحربية (1701)؟

 ـ صواريخ المقاومة تحاكي الأهداف الإسرائيلية على مستوى كيانه ككل بحيث لا يبقى أحد في منأى عنها
ـ للمسألة بعدان: الأول سياسي، والثاني عسكري، فالإسرائيلي حاول في 14 آب أن يُفهمنا أن وقف إطلاق النار إنما جاء كنتيجة حتمية للضغط الدولي ليس إلا، وبالتالي فالحرب بالنسبة إليه ما زالت قائمة لكونه هو الخاسر، وإن مصلحته تقضي أن لا يوقف العدوان، وإلا يعتبر الأمر بمثابة الاعتراف بالهزيمة.. أمر آخر يجب أن نسلط الضوء عليه، وهو أن حجم الانزالات الإسرائيلية على الجبهة الجنوبية كان كبيراً جداً، وتم كشفها من قبل المقاومين، وهي امور شكلت صدمة حقيقية للإسرائيلي، خصوصاً أنها بينت له حجم انتشارنا وبراعتنا في أعمال الرصد، وأُورد مثالا على ذلك، ذات ليلة تسللت قوة إسرائيلية تحت جنح الظلام إلى بيت مهجور، فتم كشفها على الفور دون الاستعانة بأي وسائل مراقبة ليلية (في بعض الأحيان) وتم التعامل معها بما هو مناسب.. ثم إن هناك أمرا آخر أفقد العدو صوابه، وهو مقدرتنا على إشغاله في كل أنحاء الأرض بحيث لا يمر إسرائيلي في أي مكان إلا ويتعرض لنيران المقاومين.

* المقاومة حققت إنجازات عديدة من خلال إصابة وإسقاط عدد من الطائرات المروحية كان آخرها "اليسعور" في وادي مريمين، هل كانت بداية تحول في مسار المواجهة وتدخل الطائرات المروحية؟
ـ للدقة.. السلاح المروحي الذي هو أساسي في الحرب البرية عند العدو الإسرائيلي لم يستفد منه في وضح النهار، جل حركته كانت في الليل، علماً أن لدينا قدرة في مواجهة المروحي، لكن لم نعمل عليها لكوننا لم نكن مضطرين، لماذا؟ لان هذه المروحيات تأثيرها غير مجد في تحركاتنا الليلية، ومع كل هذا اتخذنا قرارا بإسقاطها من باب سير العمليات الذي كنا نتحكم به. ففي كل مرحلة نحاول أن نقدم شيئاً جديداً، فتم إسقاط هذه المروحية من وحي المرحلة التي كانت فيها الحرب.

.. ماذا في نتائجها الاستراتيجية؟
ـ بالتأكيد هناك أثر كبير في استراتيجية العدو عندما تحد من حركة ذراع أساسي من أذرعه العملياتية، ما يفقده القدرة على الهجوم.

* إلى أي مستوى كانت قيادة المقاومة بالتدرج تتحكم بمسار المواجهة؟
 ـ الإسرائيلي لم يستطع أن يخرجنا عن طورنا برغم كل الدمار الذي أحدثه
ـ في الواقع عندما تُسقط هكذا نوع من المروحيات (اليسعور) المتخصصة في عمليات الإنزال، فمن الناحية العسكرية الإنزال يكون قد فشل، لأنه في الحروب عادة العمل الخاص يكون بمثابة ذخيرة احتياط تستخدم في اللحظات الحرجة من اجل زعزعة الوضع النفسي عند الخصم أو من اجل تحصيل مكاسب معينة، معلوماتية، وخلافه.. فما أن تخرج هذا النوع من المروحيات من الخدمة العسكرية، يبقى السؤال من سيقوم بعمليات الإنزال بعد؟

الصواريخ


* تحدثت كثيراً عن الصواريخ .. المقاومة أعلنت عن استخدام مجموعة من الصواريخ للمرة الأولى، رعد، خيبر.. إلى أي عائلة تنتمي هذه الصواريخ؟
ـ صواريخ عادية تقليدية .. ليس هناك من صواريخ فوق العادة.

* هل جرى تطويرها من حيث الانفجار والمدى؟
ـ هي صواريخ متنوعة من حيث المدى والفعالية، وتحاكي الأهداف الإسرائيلية على مستوى كيانه ككل بحيث لا يبقى احداً في منأى عنها.

* ما هو تقويمكم لمستوى الأهداف التي تحققت؟
ـ .. لناحية العمق تم تحقيق الأهداف، وكان بالامكان أن نطال أبعد من ذلك، لكن لم نكن مضطرين للأمر.. ثم إن قيمة قوتك هي أن تستعمل القدر الضروري واللازم في معركتك مع العدو.   

*.. تقصد أن المقاومة ما زالت تحتفظ بأسرارها العسكرية؟
ـ أمر طبيعي.. أي مقاومة تحتفظ بأسرارها وقدراتها العسكرية بما ينسجم مع المستقبل. 

* ما هو الهدف الذي يقع خلف تكتيك القصف المتدرج لمستوطنات على مستوى الجغرافيا، ونوعية الصواريخ؟
ـ هذا الخطاب كان بمثابة خطاب محاججة بيننا وبين العدو.. وتتذكرون معي خطاب سماحة السيد في الأيام الأولى من الحرب، كان يريد أن يُفهم العدو بأن أسر جنوده هو فقط من اجل استرجاع أسرانا، ولكن حذّرهم بقوله إذا أردتم دخول الحرب فنحن جاهزون...

* بالرغم من كل هذا الحجم الهائل من الطلعات الجوية والكثافة النارية من جانب العدو هل كنتم تتحكمون بكل هذا المسار العسكري؟

ـ كان العدو يعلم أننا سنرمي الصواريخ في هذه الساعة ولم يستطع أن يفعل شيئاً 
ـ بالتأكيد .. وهذا ظهر بوضوح من خلال التحكم بتوقيت رمي الصواريخ ونوعها على المستعمرات. فالإسرائيلي لم يستطع أن يخرجنا عن طورنا برغم كل الدمار الذي أحدثه، فبقيت الأمور تسير على ما يرام حتى اللحظة الأخيرة.

* ..كلنا يتذكر اليوم الذي رمت فيه المقاومة أكثر من ثلاثمئة صاروخ دفعة واحدة، هل هذه الصلية الضخمة من الصواريخ تقع في إطار هذه الاستراتيجية المعتمدة من قبلكم؟
ـ العدو حاول أن يستخدم سياسة التيئيس معنا من خلال تدمير ما أمكن من القرى والبلدات، غير أننا أثبتنا له عكس ذلك من خلال رمي كمّ هائل من الصواريخ باتجاه مستوطناته، فأوقعناه في حالة اليأس الشديدة، وظهر ذلك جلياً عندما ألهب الجنوب ـ على ما أذكر ـ بغاراته الجوية ومدفعيته البرية والبحرية.. وبرغم ذلك كان يُطلب من الأخوان في الساعة الفلانية أرموا صليات من الصواريخ، وكان العدو يعلم أننا سنضرب في هذا التوقيت، وبرغم كل الجهوزية البرية والبحرية والجوية التي يتمتع بها لم يستطع فعل شيء، فكنا نرمي هذه الصليات في الوقت المحدد فيصاب الإسرائيلي باليأس، هذا عدا عن أنه يشكل اختبارا حقيقيا للإخوان في اللحظات الأكثر حراجة.  

* هل استخدمت المقاومة سلاح المدفعية في قصف المستوطنات؟
ـ بالقدر القليل ولأهداف عسكرية.

* أعلن العدو عن تحقيق إنجازات في تدمير عدد من قواعد الصواريخ، هل هذا صحيح؟
ـ مثلما تفاجأنا بقدراتنا ومعنوياتنا، وعلى مستوى ناسنا وأهلنا كيف صمدوا، تفاجأنا بحجم الأضرار في صفوفنا وعتادنا، فقد كانت الاضرار متدنية جداً بالرغم من كل هذه الآلة التدميرية التي استخدمها العدو الإسرائيلي.. نحن بقينا نتحكم برميات صواريخنا حتى الساعة الثامنة صباحاً موعد وقف إطلاق النار، وبمستوى عال من التنسيق. فنحن على مدى 33 يوما كنا نرمي على خط المستوطنات والتجمعات العسكرية البعيدة والمتوسطة، فيما المستوطنات القريبة من الحدود غدا استهدافها سهلا جداً بالنسبة لنا، كل هذا يحصل في الوقت الذي كان هناك إنزالات وتدخل بري من جانب العدو.

*.. وميض الصواريخ في الليل واضح، كيف لم يتم كشفها واستهدافها؟
ـ لدى المقاومين خبرة عالية في التخفي والاحتماء والرمي بالسرعة المطلوبة  
ـ صحيح، لان لدى المقاومة تكتيك معقد وغير سهل، وحتى لو دللتك على مكان رمي الصواريخ فأنت لن تعرف أين وكيف يتم إطلاقها، لان لدى المقاومين خبرة عالية في التخفي والاحتماء والرمي بالسرعة المطلوبة من دون أن يصار إلى كشفهم من جانب العدو.

* ..  تقصد أن المقاومين يتخفون مع "قطعهم" أم لوحدهم؟
ـ  بحسب المقتضى المطلوب.

* كيف شعرتم أن الله إلى جانبكم في هذه الحرب؟
ـ (يبتسم) متى غاب الله عنا حتى نشعر انه الى جانبنا.. هذا الشعور لمسناه لمس اليد من خلال فشل الإسرائيلي في استهداف منصات صواريخنا، ومن خلال تحرك شبابنا تحت أعين طائرات الاستطلاع (أم. كا) لتقديم الدعم اللوجستي إلى المقاومين في مناطق وقرى مثل رب ثلاثين، الطيبة، حولا، مركبا، وميس الجبل، وبنت جبيل، وغيرها من القرى الأمامية والخلفية، إضافة إلى بقاء الأخوان طيلة 33 يوماً من دون ان يغمض لهم جفن، وأيضا لمسنا العناية الإلهية من خلال البسالة التي خاضها شبابنا في وجه العدو حيث كانت المواجهة تتم بين مجموعة صغيرة مؤلفة من خمسة مقاومين بالحد الأقصى ومجموعة إسرائيلية تتراوح بين الـ15 جنديا و500 جندي (كتيبتين).

* كيف تنظرون الى مشهد الناس الذين اضطروا إلى النزوح ولم يهتموا لمشهد منازلهم، والذين كانوا الأسرع في العودة إلى قراهم على الرغم من كل المعوّقات التي اعترضتهم؟
ـ  كما تعلم الإنسان بلا معنويات لا يمكن أن يستمر.. والناس الذين صمدوا طوال هذه الحرب وقبلها على مر السنوات الطويلة قبلوا هذا التحدي (تحدي العدوان)، وبالتالي لم يسألوا عن أي شيء سوى كرامتهم وعزتهم وعنفوانهم، وهذا ما جرى ملاحظته من خلال العودة المظفرة لناسنا إلى قراهم وبلداتهم غير آبهين بما حل بمنازلهم وبممتلكاتهم.

* كيف قرأت مشهد المقاومة وهي تحقق الانتصار مجدداً؟
 ـ بقي المجاهدون 33 يوماً يواجهون العدو من دون ان يغمض لهم جفن
ـ الكرامة هي بمثابة الأوكسجين للإنسان، وكما أن الأخير لا يمكن أن يستمر من دونه على قيد الحياة، أيضاً المقاومة هي بالمستوى عينه بالنسبة لشعبنا.

* برأيك المقاومة في الـ2006 قاتلت بروح جديدة؟
ـ ليس بالدقة التي يفترضها السؤال.. الأمر اليوم مختلف تماماً، وأصبحت مقاتلة العدو مجدية أكثر وغير متوقعة، وهذا أعطى دفعا قوياً وثقة كبيرة للمقاوم في المستقبل، وخصوصاً أنه في المعركة التي خضناها مع العدو الإسرائيلي كان المقاومون هم من يبادرون إلى مباغتة الخصم وليس العكس، وربما هذا ما دفع رئيس الأركان "دان حالوتس" إلى القول: حزب الله يقاتلنا برجال انتحاريين!.

* كيف تنظر إلى مشهد الجندي الصهيوني الذي يخرج مرة جديدة مهزوماً؟
ـ  مشهد مأساوي .. على اعتبار إن الجندي الإسرائيلي مجرد موظف يؤدي دوره فحسب، ونحن في المقاومة من خلال الحرب التي خضناها معه كرسنا في عقله الباطني "نقزة" سترافقه أينما حل لدرجة انه سيغدو خائفا من أي شيء يصادفه في حياته اليومية.

*..  وكيف بدا في ميدان المواجهة؟
ـ قبل حرب تموز كان يُنظر للإسرائيلي على انه جندي مميز، فجرى تدريبه وتسليحه على أعلى المستويات ما جعله يقاتل ويناور .. لكن ما حصل اليوم جعل كل هذه الأمور مفقودة ومندثرة، وبتعبير آخر الآلة تغطي عيوب الجندي الاسرائيلي، فبمجرد أن تدفعها جانباً تنكشف عيوبه.

* .. ولكن لا تستطيع أن تنكر عليه أداءه؟
 ـ كرّسنا في العقل الباطني للجندي الصهيوني "نقزة" سترافقه أينما حلّ
ـ بصراحة، كفرد لا يساوي شيئاً. الجندي الإسرائيلي عند أول حالة تصادم يبدأ بالصراخ، ويتأزم وضعه أكثر عند أول نقطة دم تسقط منه، فلا يعود يمتلك المبادرة، ويصبح مشلولاً في أرض المعركة، ويغدو جل غايته انتظار قوة تنتشله من مأزقه. فبتقديري الجيش الإسرائيلي وتحديداً القوة التي دخلت لبنان وضعنا لها في "المخيخ" كما قلت سلفاً "نقزة" يصعب التخلص منها على الأقل في المدى القريب.

*.. ماذا عن مشهد المقاوم، مجاهداً وشهيداً؟
ـ ماضياً كنا نراهن على المبادرة الفردية، وفي المرحلة المتقدمة صرنا نعالج موضوع المنظومة العسكرية.. أما اليوم أقول إنه ما بعد الـ2006 أصبح المقاوم يقاتل بكل ثقة وجرأة بخلاف الماضي حيث كانت المعنويات تتفاوت بين مقاوم وآخر، أما اليوم إذا ما جلست مع أي مقاوم فتجده يتشوق لمقاتلة العدو وجهاً لوجه، وهذا سببه يعود إلى أن المقاوم خلال عدوان تموز صُقلت خبرته وشخصيته القتالية، وبالتالي أصبح أكثر كفاءة وقدرة على المواجهة.

* هل من علامات مضيئة في هذا المجاهد لا تغادرك؟
ـ نعم وهي كثيرة، أولها الصبر، وثانيها الشجاعة، ففي مارون الرأس مثلاً اشتبك الأخوة مع عدد من جنود العدو كانوا لجأوا إلى منزل، فهؤلاء كانوا يهاجمون القوة والبسمة تعلو وجوههم، غير آبهين بالجنود الذين اتخذوا من المنزل درعاً لهم! وفي مقدمهم الشهيد (جواد) والشهيد موسى فارس وغيرهما. أما في الصبر فكأن تجد احد المقاومين يضمد جروحه بنفسه إثر انفجار قنبلة عنقودية في رجله دون أن ينبس ببنت شفة، فتحاول نقله خارج منطقة الاشتباك لمعالجته فيرفض خوفاً على زملائه من أن يصيبهم مكروه فيفضل أن يداوي نفسه في إحدى المغارات.

2009-07-11