ارشيف من :مقاومة
من الوعد الصادق الى الانتصار الالهي 3/1
ما فعلناه غير موجود في كل المدارس العسكرية
أجرى الحوار: أمير قانصوه
"الاسابيع الاولى من الحرب انتهت الى: فشل سلاح الجو في تدمير القوة الصاروخية للمقاومة، وإبعاد سلاح البحر عن الأراضي اللبنانية بعد ضرب البارجة، شل القوة البرية ومنعها من السيطرة على جنوبي الليطاني (الدبابات)".
خلاصة انتهت اليها المقاومة الاسلامية في الفترة الاولى من الحرب الاسرائيلية ضد لبنان في تموز من العام 2006، وأظهرت لها الضعف الاستراتيجي عند العدو، وبالتالي خسارته للحرب.
يدوّن القيادي البارز في المقاومة الاسلامية على ورقة أمامه هذه العبارات مؤكداً أن "مجرد التأثير في هذه الأذرع من قبل المقاومة في بداية الحرب بانت معالمها وصار العدو بلا أفق، وبات يفتش عن مخرج مناسب من هذه الأزمة".
القيادي في المقاومة الاسلامية الذي خاض المواجهات مع العدو في الميدان وأدارها من غرفة العمليات، يدرك أدق التفاصيل عن سيرها لحظة بلحظة، يذكر اسماء الشهداء ومواقع استشهادهم، يشير الى المنزل الذي حوصرت فيه القوة الصهيونية في أي بلدة يقع وفي أي حي منها، كيف سقط جنود العدو وكيف فرّ رفاقهم؟ وكيف قاتل المجاهدون ببسالة وسط 40 ألف جندي صهيوني وبتغطية من كل الاذرع العسكرية.
القيادي الذي يعرف كل هذه التفاصيل يقرأ الحرب من زاوية استراتيجية، يراها من منظار مفتوح على كل الجبهة (غير المنظار المشهور لوزير حرب العدو عمير بيرتس).
بين خط الجبهة وبين الأودية والهضاب.. بين 12 تموز و14 آب.. بين الوعد الصادق والنصر الالهي الاستراتيجي، أسرار كثيرة هي ما زالت حتى اللحظة في جعبة المقاومة سلاحاً لم تنفذ ذخيرته، شباباً كالسيوف في ميدان القتال، وأرضاً وناساً وعزة وكرامة.. وعدواً غارقاً في وحل هزيمته.
من عملية الوعد الصادق (الاسيرين) التي هزت فيها المقاومة مشهد الكيان الصهيوني، الى دبابة الراهب التي بشرت بالهزيمة الى المواجهات التي خاضتها المقاومة من البارجة التي احترقت قبالة بيروت، الى مارون الراس وعيتا الشعب وبنت جبيل ووادي الحجير ومرجعيون.. الى الشهداء والجرحى الى الناس الطيبين الذين احتضنوا المجاهدين.
"الانتقاد" تنشر وعلى حلقات المقابلة مع القيادي البارز في المقاومة الاسلامية، وفي الحلقة الاولى يتحدث عن عملية الوعد الصادق ومواجهة المقاومة لقرار الحرب، الى تدمير البارجة..
* أين تقع عملية الوعد الصادق (الأسيرين) في استراتيجية المقاومة الإسلامية؟
نحن نواجه عدواً خطيراً يمتلك قدرات مادية مهمة جداً ومهارات عالية ووسائل متطورة ودعماً مادياً ومعنوياً كبيراً على المستوى الدولي، إضافة الى تراكم الخبرة لديه.. واستراتيجيتنا في مواجهته تستند الى مجموعة من الأعمال النوعية والمركزة والمشروعة في آن، الى جانب التنوع في الأسلوب والزمان والحجم بما يضمن استمرارية التأثير المادي والمعنوي في صراعنا معه.
وأحد هذه الأساليب الموجعة للعدو والضرورية من قبلنا في مسارنا العملياتي هو عمليات الأسر التي تشكل مقتلاً معنوياً لدى العدو وعملياتياً، وضرورة إنسانية على صعيد المقاومة لجهة تحرير أسرانا في سجونه.
* كما هو معلوم الإسرائيلي كان يتوقع عملية من هذا النوع.. إذاً كيف جرت المفاجأة؟
ـ صحيح، لكن يبقى: ما هي قدرة الإسرائيلي على ترجمة هذا الحذر أو هذه المعرفة إلى حذر ميداني؟ وكما ان الله أعلمنا أننا سنموت جميعا، لكن ما هي قدرة كل واحد منا على التعايش مع هذا العنوان، إن على المستوى النفسي أو الميداني أو المعنوي، لدرجة ان الواحد منا قد يتحسس متى ستوافيه المنية، لكن لا يستطيع أن يتجنبها.. وهذه قصة معقدة كثيرا وصعبة وليست بهذه البساطة. صحيح أن الإسرائيلي يعرف ان هناك عملية أسر، ولكن الخبرة الميدانية التي نمتلكها بشكل كبير جعلتنا نتصرف في هذه العملية بحرية تامة أمام عيون اليهود وأمام كل منظومة المراقبة المعقدة على الحدود التي هي عملياًً لها قدرة عالية جداً في التحكم بأي شاردة وواردة.. ولكن معنا فقدت قيمتها كلياً. وهنا لا بد من الإشارة إلى ان عملية الأسر تطلبت منا فترة زمنية طويلة من التحضير ونفَسا طويلا جداً ومملا، ومستوى عاليا جداً من الصبر. بتقديري من الصعب على أي قوة خاصة أن تصبر على ما صبرنا عليه، إن على مستوى الهدوء والسكينة والتحكم بأنفاسنا وتحركنا، إلى جانب التحضيرات اللوجستية المعقدة التي كنا نمارسها لخدمة هذا المطلب، بمعنى اننا بقينا فترات طويلة جالسين تحت أنف العدو برغم كل وسائل المراقبة والحذر وتوجيهات العدو لجنوده وإرشاداته المختلفة.. برغم كل ذلك لم يستطيعوا أن يفعلوا شيئاً معنا، فبقينا فترة طويلة ننتظرهم إلى أن تمكنا منهم في اللحظة المناسبة.
*هل شعرتم لحظة بأن عملية الأسر قد تبوء بالفشل، أم كان لديكم الثقة الكاملة بنجاحها؟
ـ سماحة السيد عندما ينطلق من موضوع الربح في مسيرتنا ينطلق من أمرين: توقّع الرضا الإلهي من جانب، وطريقتنا في دراسة الأمور، حيث إننا عندما نخطو الى أي عملية نفترض كل الفرضيات، باعتبار أننا نضع أسوأ السيناريوهات التي يمكن أن تعترضنا، وكل سيناريو مفترض نضع له علاجات معينة، لدرجة نصل الى مرحلة لا يعود الفشل وارداً على الإطلاق.. هذه طبيعة عملنا، نضع كل السيناريوهات وكل الفرضيات لكي لا نتفاجأ، وأهم شيء بالنسبة الينا عندما نذهب لتنفيذ اي عملية، أن نضع أمام أعيننا أمراً أساسياً، يجب أن لا نتفاجأ بشيء. أما اذا طرأت متغيرات في الميدان أثناء التنفيذ فيكون هذا الأمر مفترضا وله خطط بديلة من جانبنا، وبالتالي لا يصبح مفاجئاً، وعليه أجزم بأننا لم نذهب مرة واحدة الى تنفيذ عملية إلا وكنا متوقعين الربح.
*هل يمكن القول ان ما خُطط له في عملية الوعد الصادق نُفذ؟
ـ بالضبط.
ـ نحن في خبرتنا العسكرية بتنا نعرف ما معنى كلمة مفاجأة وآثارها وتداعياتها، وأي قوة عسكرية بدءاً من القيادة إلى الفرد عندما تتعرض للمفاجأة تكون بمثابة صدمة على كل المستويات، وبالتالي عندما نقول صدمة لا يعود هناك مبادرة ولا حركة أو دينامية معينة من جانب العدو. ففي ما يتعلق بعملية الأسر نفسها وتداعياتها نحن كنا توقعنا المفاجأة بالنسبة الى العدو، برغم أنه كان يفترضها مسبقاً، وعزمنا على القيام بعملية أسر، وسماحة الأمين العام لحزب الله أشار الى ذلك أكثر من مرة. وضعنا أمامنا المشهد الإسرائيلي برمته، وكل تحرك في هذا المشهد له تدبير خاص من قبلنا، فالشلل الإسرائيلي كان حتمياً على المستوى الميداني، وبالتالي الصدمة حاصلة، وأي مبادرة من طرفهم باتجاهنا واضحة المعالم، وبأي قدر.. وكل الموضوع قد يتجلى بأمرين: الأمر الأول قيام سلاح الجو بعدد معين من الغارات بعمق معين، لكونهم لا يستطيعون تحمل مشهد الأسر، وخصوصاً ان منطقة "زرعيت" التي حصلت فيها عملية الأسر تعني كثيراً للإسرائيلي، بخلاف مناطق أخرى مثل مزارع شبعا، فهذه فيها جرأة عالية عند أخذ القرار السياسي بتنفيذ هذه العملية، فمسألة موقع العملية تمس أصل هذا الكيان، خاصة ما يعني الدفاع عن المستوطنات.. وبالتالي ما كنت أقوله عن التداعيات كنا نتوقعها. أما الأمر الثاني: فتوقعنا تعقبا محدودا جدا من جانب العدو، وكنا قد وضعنا خططاً لمواجهة هذا التعقب، وهذا ما حصل بالفعل، فما ان خرجت دبابة "الراهب" من موقعها حتى عالجها المقاومون فدمروها بالكامل، وقتلوا طاقمها المؤلف من أربعة جنود وتناثرت أشلاؤهم. هذا ما كان متوقعا من قبلنا، أما في ما بعد حيث أخذ العدو قراراً بالحرب، فهذا أمر آخر..
* ذكرت أن المقاومة لم تتفاجأ بالرد، وكانت تتوقع ردا قاسيا.. ولكن سماحة السيد في مؤتمره الصحافي عقب أسر الجنديين (مقاطعاً).
ـ انتبه.. كنا متوقعين أن يرد الإسرائيلي على مراكزنا ووجودنا بعمق معين في منطقة جنوب نهر الليطاني، وكنا بصورة هذا المستوى من الرد على قاعدة ان الموضوع لا يتحمل أكثر من ذلك، لأنه ماضياً كان يُرد على الحافة الأمامية (خط الجبهة) حصراً، وربما قد يغير الإسرائيلي على موقع معين كرسالة، أما في هذه العملية فكنا قد توقعنا غارات أكثر كثافة في دائرة جنوب النهر.
* تحدثت عن عملية تدمير دبابة "الراهب"، هل تضعنا في روايتها؟
ـ هذه العملية هي استكمال لعملية الأسر، فالصدمة التي تعرضت لها البنية الدفاعية الإسرائيلية بدءا من لحظة الأسر وصولاً إلى اشتباك "الراهب" مسألة غير عادية، فالعدو في اللحظة الأولى، أي في نصف الساعة الأولى من عملية الأسر بدا كأنه في عالم آخر، فاقدا للسيطرة على قواته، لا يدري ما يحصل على الأرض.. أما في نصف الساعة الثانية فقد كان في حالة ارتباك.. وفي الثالثة كان الوضع أسوأ بكثير، فحاول الوصول إلى منطقة عملية الأسر.. طبعاً الوصول إلى هذه المنطقة لم يكن ليحصل دونما تأمينات معينة، فكلما كانوا يتحركون باتجاهها كانوا يتعرضون لنيران من جانب المقاومة، على اعتبار ان موقع "زرعيت" وموقع الراهب مشرفان على منطقة التنفيذ (الدائرة الصغيرة)، وبالتالي صار عندهم شلل غير عادي، إلا أنه في النهاية تجرأوا جرأة غير عادية نسميها جرأة الضرورة، وظهرت هذه الدبابة فقط لتعويض مشهد الخسارة التي وقعوا فيها ولرفع المعنويات في صفوف جنودهم، غير ان الدبابة ما ان تحركت حتى انفجرت فيها عبوة ناسفة زرعها المقاومون فدُمرت تدميرا غير عادي وتمزقت وتناثر فيها القتلى، وحصلت حينها مواجهات. هنا ماذا حصل؟ كما تعلمون الإسرائيلي همه الأساس أن لا تقع أشلاء قتلى الدبابة في أيدي المقاومين، ولهذه الغاية استقدم قوات جديدة عبارة عن آليات ودبابات وناقلات جند، غير أنها تلقت بدورها نيرانا إضافية من جانب المقاومين فانكفأت. ثم استقدم قوات مشاة، وهذه القوة أخذت دور الحراسة في محيط الدبابة حتى لا يقترب أحد منها ويأخذ منها الأشلاء، فبقي الإخوان عدة أيام يواجهون العدو في محيط الدبابة. وللأمانة أقول، لكوني كنت مسؤولاً عن الموضوع، لو اتخذت قراراً حينها بجلب أشلاء الجنود لكنا قادرين على فعل ذلك، لكن لم نعطِ الأوامر للإخوة لاعتبارات خاصة بنا.
* هل تمكن الإسرائيليون من سحب الدبابة فيما بعد؟
ـ لا.. في البداية عملوا على سحب الأشلاء لا الدبابة التي أصبحت قطعاً متناثرة.. مرت عدة أيام حتى تمكنوا من سحب الجنود.
* في أي لحظة أدركت المقاومة ان العدو يتجه إلى حرب كبيرة، وسيتخطى رد الفعل على العملية؟
ـ برزت الإشارة الأولى في لحظة اتخاذ قرار المجلس الوزاري المصغر.. ثم الإشارة الثانية كانت عبر استهداف بنية المقاومة عامة في جنوبي النهر. والمحطة الأبرز أننا أدركنا ان العدو سيتجه نحو الحرب بعدما أدرك فشله في تدمير القدرة الصاروخية، ما استفزه وفرض عليه ضرورة الإمعان أكثر في المغامرة. واستمرت الإخفاقات عبر ضرب البارجة والمواجهات تباعاً.
* في اللحظة التي أدركتم أن العدو ذاهب باتجاه حرب واسعة، هل كانت المقاومة على جاهزية كاملة؟
ـ منذ العام 2000 ونحن نعمل على جاهزية كاملة عدة وعديداً على قاعدة "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة".. فمثلا في عملية أسر الجنديين الإسرائيليين عملنا في دائرة معينة، وكنا نتوقع كما ذكرت ردا إسرائيليا محدودا، إلا انه عندما استشعرنا بأن المسألة راحت باتجاه الحرب، استنفرنا كل قوانا المحلية والاحتياط لمواجهة هذه المعركة. في حقيقة الأمر ما شهدته أثناء الحرب فاجأني بالحجم الإيجابي الذي حققناه من ربح على الإسرائيلي، نظرا لكونه عدوا مقتدرا على المستوى المادي وعلى مستوى القدرة العسكرية التي يمتلكها مقابل القدرة التي نمتلكها نحن كمقاومين.. وبسير العمليات العسكرية التي خضناها وما آلت إليه على مستوى سقوط العدد القليل من الشهداء والجرحى، وعلى مستوى صمود الإخوة في القرى والخطوط الأمامية. أستطيع أن أدعي أن حزب الله منذ الأيام الأولى للحرب حتى اللحظة الأخيرة كان موجوداً بشكل فعال، كطاقة بشرية وكقوة صاروخية، حتى انه في الأيام الأخيرة من العدوان كنا نرمي صليات الصواريخ من قرى الشريط وبأداء مهم جداً ومنسق، هذا فضلاً عن الروح القتالية العالية لدى الأفراد.
* هل يمكن القول إنكم تفاجأتم بقدراتكم كمقاومة؟
ـ بصراحة نعم، فحينما ترى أننا في الجغرافيا صامدون، والسلاح متوافر في أيدينا بمختلف أنواعه، والمبادرة ما زالت بأيدينا، فهذا الأمر غير طبيعي. يدخل الإسرائيلي إلى القرية فأطلق النار عليه، أتخذ قرارا برمي المستعمرة فأرمي، على الأطراف أرمي، أينما أرد أرمِ بحرية كبيرة.. هذا المستوى من الحرية في التحرك فاجأنا. بصراحة هذا كان يجري في وقت كان هناك ما يزيد على أربعين ألف جندي إسرائيلي بيننا! لذا علينا ان نأخذ الأمور بهذا المستوى، لا تنظر إلى الإسرائيلي أين وطئت قدماه، أنظر إلى ما فعلته المقاومة التي خاضت أهم حرب عصابات في العالم، وأهم تجليات هذه المعركة أن ما فعلته المقاومة غير موجود في أي مدرسة عسكرية على وجه البسيطة.
* هل ما كانت تخوضه المقاومة هو خليط من حرب عصابات وحرب كلاسيكية؟
ـ معروف تاريخيا أن الجيش النظامي يثبت وجوده في وجه جيش مماثل، وأن القوي هو من يدافع وليس العكس، لأن الضعيف يبادر إلى الهجوم ليعوض النقص لديه، وأحيانا المدافع القوي يبادر إلى الهجوم.. إذاً معيار القوة هو الدفاع وليس الهجوم.. تاريخياً كيف تشتغل العصابات؟ أذكر أنه لم يسبق أن سُئلت العصابات عن الأرض، أو عن دفاع في وجه جيش نظامي، فالعصابات تترك العدو يدخل ليحتل وتبدأ تمارس ضده حرب استنزاف لفترة معينة حتى يضطر في النهاية الى أن يخرج مطروداً، لأن لا طاقة له على تحمل حرب استنزاف. أما نحن فماذا فعلنا في المقاومة؟ مارسنا حرب عصابات ودفاعا ثابتا، والدفاع الثابت هو من أقوى أنواع الدفاعات، وذلك بهدف منع الإسرائيلي من اختراق أرضنا. بتقديري ما فعلناه غير موجود في كل الموسوعات العسكرية التي قرأتها، ولا في أي مدرسة عسكرية، خاصة لجهة النتائج التي حققناها على العدو الإسرائيلي.
* يفهم من كلامكم ان المقاومة كان بيدها زمام المبادرة من البداية حتى النهاية؟
ـ طبعاً.. فعلى المستوى العسكري كما ذكرت لك لم نكن نتوقع ان الإسرائيلي سيخوض غمار هذه الحرب، غير أننا في الوقت ذاته كنا جاهزين، بدليل ما حصل من نتائج.. وإذا كان هدف الإسرائيلي هو القضاء على حزب الله فبقراءة بسيطة نستخلص نتيجة مفادها هي انه عندما دخل قرى: رب ثلاثين، مركبا، حولا، ميس الجبل، محيبيب، عيترون، وبنت جبيل، كان المقاومون ما زالوا يواجهونه بضراوة. أما بالنسبة الى بلدة مارون الرأس فتركناها عن قصد بعدما نفدت الذخائر لدى المقاومين، وبإمكانك أن تأتي بأي عسكري على وجه الكرة الأرضية وتسأله إذا كان بإمكانه أن يصمد في مارون الرأس وبالإمكانية التي في حوزة المقاومين، فقد صمدنا هناك في وجه كتيبتين إسرائيليتين أياما عدة. ثم لا تنسَ ان هذه البلدة جرداء ومكشوفة من كل الجهات، وبرغم ذلك حققت فيها المقاومة إنجازات مهمة وكبيرة. ما أقصده من كلامي هذا أننا بالفعل مارسنا عملية منع على الإسرائيلي بكل معنى الكلمة، فالعدو لم يستطع أن يدخل القرى إلا بمسافات معينة، إذ عملنا على إفشال تكتيكه العسكري، وفككنا تركيبته البنيوية العسكرية من خلال إبعاد المروحية عن الدبابة، عن المشاة، عن المدفع، فبات العدو في حال ضياع حقيقية.
* كيف ذلك؟
ـ بكل بساطة، في علم الهندسة العسكرية هناك مسألتان اشتغل عليهما رجال المقاومة: في الأولى حاول العدو ان يسلك خيار الطرق الواضحة والمكشوفة، فكانت العبوات تنفجر في دباباته في موقع الراهب وريشا ومارون الراس والعويضة، بحيث تنفجر دباباته الـ(ميركافا) كلما توغل في الطرق الرئيسية، فاضطر عندها العدو لأن يسلك الطرق الوعرة.. وعملياً الأمر مكلف عليه بشرياً وزمنياً، وهذا ظهر جليا في أرض المعركة، لأنه في الطرق الوعرة كان ينتظره سلاح آخر هو صواريخ الـ"م.د" (صواريخ مضادة للدروع)، فهذا السلاح شل حركة دبابته وحولها إلى ناقلة لقتلاه وجرحاه. هذه الـ"ميركافا" التي أعدت لكي تكون الذراع الأساسية لعملية الهجوم البري والاختراق في مناطق العدو حوّلها رجال المقاومة إلى مجرد سيارة إسعاف ونقل تموين. إذاً الإسرائيلي كان همه الأساس على المستوى السياسي والعسكري أن يُحدث اختراقاً ما للوصول إلى منطقة جغرافية محددة ليقول للملأ انه وصل إلى المكان الفلاني، بغية توظيف اختراقه في الإطار السياسي والتفاوضي فيما بعد، غير أنه كان "يشحذ" هذه الاعتبارات المهمة، بحيث كان الجندي الإسرائيلي يتسلل إلى مكان ما فقط ليقول انه وصل إلى هناك، في حين ان هذا الأمر على المستوى العسكري لا يعتبر بلوغ الهدف، بدليل ان هذا الجندي الذي تجده يصرخ في أرض المعركة هو نفسه يحتاج إلى طعام، الى تبديل وإلى إخلاء، وبالتالي الإسرائيلي عجز عن الوصول إليه، فلا الدبابة استطاعت أن تصله، ولا المروحية استطاعت أن تخليه أو تؤمن له المؤونة، وقد فقد بذلك كل أنواع المناورة العسكرية والاستمرارية في أرض المعركة.
* هذا برغم أن قيادة المقاومة لم تطلب منكم ذلك؟
ـ صحيح، فسماحة السيد كان متساهلا معنا في البداية، لأنه منطلق من مفهوم حرب العصابات. قال لنا أنتم غير مسؤولين عن الأرض، الأصل هو أن تعملوا بما يخدم الدفاع، وبما يتناسب مع استمراريتكم وضمان وجودكم وتأثيركم في الخصم.
* ما هو موقع ضرب البارجة الإسرائيلية في تقويمكم لنتائج الحرب واستمرارها، وخصوصا انها كانت المفاجأة الأولى؟
ـ تستند الاستراتيجية الإسرائيلية الى مجموعة قوى متنوعة يكمل بعضها بعضاً، والبحرية إحدى هذه القوى، وعندما يستطيع حزب الله أن يوجه ضربة مؤثرة في كل قوة على حدة يفقدها عامل التأثير والاستمرارية. على سبيل المثال:
ـ فشل سلاح الجو في تدمير القوة الصاروخية للمقاومة.
ـ إبعاد سلاح البحر عن الأراضي اللبنانية بعد ضرب البارجة.
ـ شل القوة البرية ومنعها من السيطرة على جنوبي الليطاني (الدبابات).. هذه أجوبة واضحة وكافية لإظهار الضعف الاستراتيجي وبالتالي خسارة الحرب.
ولمجرد التأثير في هذه الأذرع من قبل المقاومة في بداية الحرب بانت معالمها وصار العدو بلا أفق، وبات يفتش عن مخرج مناسب من هذه الأزمة.
* كيف جرى التنسيق بين إعلان الأمين العام لحزب الله مباشرة على شاشة تلفزيون المنار وضرب البارجة في اللحظة نفسها؟
ـ في عالم التقنيات هذا الأمر متوافر وممكن، ويعتبر من المسائل التقنية السهلة، غير ان عظمة الأمر تكمن في انه بات في يد المقاومة الإسلامية. فحزب الله بات يمتلك كل هذه التقنيات وكل هذه الدقة وهذا التنسيق العالي، لدرجة ان سماحة السيد يعلن مباشرة على الهواء ضرب البارجة وإصابتها وتدميرها، منطلقاً من ثابتة هي أن لديه كامل الثقة بالقيادة العسكرية التي يعمل معها، وبالسلاح الذي يمتلكه. هذا فضلاً عن الأثر المعنوي والنفسي الذي سيتركه هذا الاعلان في العدو بكل كيانه، وفي الناس الذين كانوا ينتظرون إنجازاً نوعياً للمقاومة، وقد تحقق لهم الأمر ورأينا كيف خرجوا في تلك اللحظة في لبنان وفي الخارج ليعبروا عن فخرهم بهذا الإنجاز حتى قبل أن يعترف العدو بتدمير البارجة، وهذا لثقتهم الكبيرة أيضاً بسماحة السيد وبمقاومتهم.
* ماذا في نتائج تدمير البارجة؟
ـ حاول الإسرائيلي أن يقلل من أهمية الخسارة التي لحقت بالبارجة وبعدد القتلى والجرحى.. لماذا؟ لأن الإسرائيلي عادة ما يتسلح بالآلة العسكرية التي يمتلكها، فحين لا تعود هذه الآلة تحميه فإن ثقته بالمنظومة العسكرية المعقدة تتبدد، وبالتالي تهتز ثقتة أمام جمهوره الذي سيسارع إلى تبديد رأيه بقيام "الدولة الإسرائيلية" وبأصل تركيبة الكيان الإسرائيلي.. فالمسألة ليست مجرد عملية عسكرية فحسب، إنما تتعلق بالتركيبة الداخلية في "إسرائيل"، فلم يعودوا مقتنعين بأن هذه "الدولة" سيُكتب لها العمر.