ارشيف من :آراء وتحليلات
من تدمر إلى صنعاء والقدس ... وتشارلستون: قتل التاريخ كأولوية
مشروع الإبادة الذي ترعاه الدوائر الأميركية والصهيونية في المنطقة وخارج المنطقة يولي أهمية خاصة لتدمير التراث الديني والثقافي لشعوب المنطقة بما هو شكل من أشكال استئصال الأبعاد الثقافية والتاريخية والمعرفية في شخصية الإنسان.
هنالك القتل، ذبحاً أو رمياً بالرصاص، أو بقنبلة عنقودية أو نووية، أو تجويعاً، أو بسم مدسوس في الماء والغذاء والهواء. وكل ذلك وغيره من أشكال القتل هو وسائل للسيطرة من خلال إزالة الآخر، المنافس، من الوجود.
وهنالك اشكال أخرى من القتل لا تقل ناجعية في إزالة الآخر أو في إعطائه وجوداً لا يختلف في الكثير من الحالات عن وجود شر البهائم أو أضعف الحشرات وأقلها حيلة وقيمة. فالتهجير القسري والهجرة الطوعية هما في أحسن الحالات رمي للآخر في مجال غير مجاله الحيوي. وتدمير الاقتصاد هو عبارة عن تعريض الآخر للموت جوعاً. وتدمير اللغة هو عودة بها إلى حالة البلبلة "البابلية" المانعة للتعارف والتفاهم ولتكوين ذات جماعية تتمتع بالقوة اللازمة للدفاع عن الوجود. وتدمير التراث الديني والثقافي بما هو امتداد للشخص وللجماعة البشرية في أعماق التاريخ : أن تعرف ما جرى قبل ألف عام مثلاً، فإنك تكون كمن عاش ألف عام على مستوى المعرفة.
إن مشروع الهيمنة الذي انخرطت فيه، بنسب مختلفة كل من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين والصهاينة وأدواتهم المتمثلة بقوى إقليمية كالسعودية وتركيا إردوغان والجماعات الإرهابية التكفيرية، يمر عبر استخدام كل أشكال القتل المذكورة وغيرها، ويولي أهمية خاصة لتدمير التراث الديني والثقافي لشعوب المنطقة.
والأكيد أن اختلاف التظر إلى التاريخ والتراث، وهو اختلاف ناشىء عن تحريفهما وتشويه معطياتهما، يلعب دوراً أساسياً في تغذية الفتن الحالية التي تشهدها الساحة العربية والإسلامية.
وثائق
والأكيد أيضاً أن أماكن العبادة والأضرحة والمخطوطات والقلاع وغيرها من مظاهر العمران وآثار الأجيال السابقة التي تتعرض للتخريب والتدمير من قبل قوى الشر، إنما تتعرض لذلك لأنها "وثائق" تسهم في التعريف بأحداث الماضي على حقيقتها وفي تشكيل الهوية لشعب ما. وإسهامها هذا هو ما يفسر الأحداث التالية :
داعش يدمر الاثار
- تدمير تمثالي بوذا في أفغانستان من قبل طالبان وتنظيم القاعدة، علماً بأن قيمتهما كانت تاريخية بعد أن كانت وظيفتهما كأصنام وعبادتهما في البلاد قد توقفتا منذ قرون طويلة.
- عندما احتل الجيش الأميركي بغداد عام 2003، كان قد هيأ مسبقاً فرقاً من اللصوص مهمتها سرقة وإخفاء محتويات متحف المدينة الغني بآثار فريدة تعود إلى حضارات ما بين النهرين العريقة.
- لجوء آل سعود منذ استيلائهم على القسم الأكبر من شبه جزيرة العرب إلى التدمير المنهجي للكثير من المعالم الأثرية في مكة والمدينة بما فيها تلك التي تعود إلى كبار الصحابة والتابعين. وكانوا على وشك تدمير ضريح رسول الله (ص) في المدينة، عام 1925، ولكن حملة الاستنكار الواسعة التي عمت العالم الإسلامي يوم ذلك هي ما حال بينهم وبين اقتراف هذه الجريمة.
- الطيارون الإسرائيليون والأميركيون الذين يقودون الطائرات السعودية في عدوانها على اليمن، يحرصون على قصف مساجد وقلاعاً وحصوناً وسدوداً وأحياء سكنية في صنعاء وصعدة وغيرها من المدن اليمنية. وكثير من هذه الآثار هو من النوع المسجل على لوائح التراث العالمي.
- بروز تدمير المعالم الأثرية كأنشطة أساسية في سلوكات داعش والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وبوكو حرام. وقد طالت عمليات التخريب التي تمارسها هذه الجماعات معالم أثرية نادرة وبالغة الأهمية لجهة قيمتها التاريخية والفنية والتراثية في العراق وسوريا وليبيا ومالي ونيجيريا والنيجر وكاميرون...
مشروع صهيو-أميركي
وإذا كان من الصحيح أن اسم داعش قد ارتبط بتدمير آثار بابل وسومر ونينوى وتدمر، فإن قيامها بذلك هو في الحقيقة مظهر من مظاهر توجه شامل ترعاه الدوائر الأميركية والصهيونية. فبالإضافة إلى مشروع إبادة القسم الأكبر من الجنس البشري، تسعى هذه الدوائر فعلاً إلى الاحتفاظ بقسم من البشر كنماذج تصلح لأن تودع في المتاحف أو في محميات كتلك التي يخصصونها لمن تبقى من سكان أميركا الأصليين، ,لكن بعد استئصال البعد الثقافي والتاريخي في شخصيتهم.
وآخر ما تداولته الأخبار في هذا المجال، وبالتوازي مع استمرار الحفريات الإسرائيلية الهادفة إلى تدمير المسجد الأقصى، إقدام مستوطنين يهود على إحراق كنيسة الخبز والسمك الأثرية في فلسطين المحتلة، والتي يرتبط اسمها بإحدى كبريات المعجزات التي جاء بها السيد المسيح (ع).
وفي سياق مشابه، أي في الوقت الذي تتصاعد فيه حدة المواجهات العنصرية في الولايات المتحدة، قام شاب أميركي أبيض البشرة بارتكاب مجزرة راح ضحيتها تسعة أشخاص عندما أطلق النار على المصلين في كنيسة أثرية يؤمها السود في ولاية كارولينا الجنوبية في الولايات المتحدة.
أميركيون من البيض المتعصبين، ومستوطنون صهاينة، ودواعش وهابيون يخوضون المعركة نفسها ضد الجنس البشري ويهتمون بشكل خاص باستئصال البعد التاريخي والثقافي في شخصية الإنسان عبر تدمير كل ما يربطه بالماضي وبالتاريخ.
هنالك القتل، ذبحاً أو رمياً بالرصاص، أو بقنبلة عنقودية أو نووية، أو تجويعاً، أو بسم مدسوس في الماء والغذاء والهواء. وكل ذلك وغيره من أشكال القتل هو وسائل للسيطرة من خلال إزالة الآخر، المنافس، من الوجود.
وهنالك اشكال أخرى من القتل لا تقل ناجعية في إزالة الآخر أو في إعطائه وجوداً لا يختلف في الكثير من الحالات عن وجود شر البهائم أو أضعف الحشرات وأقلها حيلة وقيمة. فالتهجير القسري والهجرة الطوعية هما في أحسن الحالات رمي للآخر في مجال غير مجاله الحيوي. وتدمير الاقتصاد هو عبارة عن تعريض الآخر للموت جوعاً. وتدمير اللغة هو عودة بها إلى حالة البلبلة "البابلية" المانعة للتعارف والتفاهم ولتكوين ذات جماعية تتمتع بالقوة اللازمة للدفاع عن الوجود. وتدمير التراث الديني والثقافي بما هو امتداد للشخص وللجماعة البشرية في أعماق التاريخ : أن تعرف ما جرى قبل ألف عام مثلاً، فإنك تكون كمن عاش ألف عام على مستوى المعرفة.
إن مشروع الهيمنة الذي انخرطت فيه، بنسب مختلفة كل من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين والصهاينة وأدواتهم المتمثلة بقوى إقليمية كالسعودية وتركيا إردوغان والجماعات الإرهابية التكفيرية، يمر عبر استخدام كل أشكال القتل المذكورة وغيرها، ويولي أهمية خاصة لتدمير التراث الديني والثقافي لشعوب المنطقة.
تدمير التراث الإسلامي هدف أساسي من أهداف آل سعود في القديم والحديث |
والأكيد أن اختلاف التظر إلى التاريخ والتراث، وهو اختلاف ناشىء عن تحريفهما وتشويه معطياتهما، يلعب دوراً أساسياً في تغذية الفتن الحالية التي تشهدها الساحة العربية والإسلامية.
وثائق
والأكيد أيضاً أن أماكن العبادة والأضرحة والمخطوطات والقلاع وغيرها من مظاهر العمران وآثار الأجيال السابقة التي تتعرض للتخريب والتدمير من قبل قوى الشر، إنما تتعرض لذلك لأنها "وثائق" تسهم في التعريف بأحداث الماضي على حقيقتها وفي تشكيل الهوية لشعب ما. وإسهامها هذا هو ما يفسر الأحداث التالية :
داعش يدمر الاثار
- عندما احتل الجيش الأميركي بغداد عام 2003، كان قد هيأ مسبقاً فرقاً من اللصوص مهمتها سرقة وإخفاء محتويات متحف المدينة الغني بآثار فريدة تعود إلى حضارات ما بين النهرين العريقة.
- لجوء آل سعود منذ استيلائهم على القسم الأكبر من شبه جزيرة العرب إلى التدمير المنهجي للكثير من المعالم الأثرية في مكة والمدينة بما فيها تلك التي تعود إلى كبار الصحابة والتابعين. وكانوا على وشك تدمير ضريح رسول الله (ص) في المدينة، عام 1925، ولكن حملة الاستنكار الواسعة التي عمت العالم الإسلامي يوم ذلك هي ما حال بينهم وبين اقتراف هذه الجريمة.
- الطيارون الإسرائيليون والأميركيون الذين يقودون الطائرات السعودية في عدوانها على اليمن، يحرصون على قصف مساجد وقلاعاً وحصوناً وسدوداً وأحياء سكنية في صنعاء وصعدة وغيرها من المدن اليمنية. وكثير من هذه الآثار هو من النوع المسجل على لوائح التراث العالمي.
- بروز تدمير المعالم الأثرية كأنشطة أساسية في سلوكات داعش والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وبوكو حرام. وقد طالت عمليات التخريب التي تمارسها هذه الجماعات معالم أثرية نادرة وبالغة الأهمية لجهة قيمتها التاريخية والفنية والتراثية في العراق وسوريا وليبيا ومالي ونيجيريا والنيجر وكاميرون...
مشروع صهيو-أميركي
قيام داعش بتدمير الآثار التاريخية وأمكنة العبادة الأثرية هو جزء من توجه أشمل ترعاه الدوائر الأميركية والصهيونية |
وآخر ما تداولته الأخبار في هذا المجال، وبالتوازي مع استمرار الحفريات الإسرائيلية الهادفة إلى تدمير المسجد الأقصى، إقدام مستوطنين يهود على إحراق كنيسة الخبز والسمك الأثرية في فلسطين المحتلة، والتي يرتبط اسمها بإحدى كبريات المعجزات التي جاء بها السيد المسيح (ع).
وفي سياق مشابه، أي في الوقت الذي تتصاعد فيه حدة المواجهات العنصرية في الولايات المتحدة، قام شاب أميركي أبيض البشرة بارتكاب مجزرة راح ضحيتها تسعة أشخاص عندما أطلق النار على المصلين في كنيسة أثرية يؤمها السود في ولاية كارولينا الجنوبية في الولايات المتحدة.
أميركيون من البيض المتعصبين، ومستوطنون صهاينة، ودواعش وهابيون يخوضون المعركة نفسها ضد الجنس البشري ويهتمون بشكل خاص باستئصال البعد التاريخي والثقافي في شخصية الإنسان عبر تدمير كل ما يربطه بالماضي وبالتاريخ.