ارشيف من :آراء وتحليلات
حركة النهضة.. والتطبيع مع نظام ’بن علي’
طالت وثيقتان من وثائق ويكيليكس المفرج عنها والمتعلقة بالسعودية الشأن التونسي، وفجرت قنبلة لم يتوقعها لا القاصي ولا الداني. حيث جاء في مراسلة بعث بها وزير الخارجية السعودي السابق سعود الفيصل إلى ملك بلاده أن الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي تحدث عن أن الحكومة التونسية التي كان يرأسها النهضوي حمادي الجبالي اتصلت بمحاميه اللبناني أكرم عازوري عن طريق المحامي التونسي عبد الستار المسعودي لتبلغه برغبة حكومة حركة النهضة التي كان يرأسها الجبالي في المصالحة معه واحتواء حزبه (التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل).
كما جاء في الوثيقة أن زين العابدين بن علي قد أبدى رغبته في الموافقة على هذا الطلب المقدم من قبل خصومه السابقين. ويرغب سعود الفيصل في التأكد من صحة هذه المعلومات من خلال الإستفسار من رئيس الحكومة التونسية في ذلك الوقت حمادي الجبالي، الذي لم تكن خافية رغبته في التطبيع مع نظام بن علي وذلك من خلال تعيين مستشارين ومسؤولين عملوا مع بن علي وتقلدوا مناصب هامة في عهده.
خطاب مزدوج
ولعل ما يزعج التونسيين في هذه الوثيقة إن صحت هو الخطاب المزدوج لحركة النهضة، فهي من جهة توهم أنصارها وعموم الشعب التونسي بأنها حركة ثورية وراغبة في تتبع ومحاسبة المذنبين في المرحلة السابقة. وتقوم من جهة أخرى بالإتصال بأعلى هرم النظام السابق للتطبيع معه ومع حزبه بعد أن أدركت على ما يبدو أنه يصعب عليها إدارة شؤون البلاد دون الإستعانة بخبرات النظام السابق.
حركة النهضة
كما أن قيادات الحركة وأنصارها كثيرا ما استعملوا تهمة الإنتماء للنظام السابق أو التواصل معه والإتصال به ضد أغلب من خالفهم الرأي في وقت سابق وانتقد أداءهم في الحكم وخارجه. فكان يقال أن فلان من الأزلام (الفلول) وأنه منح في زمن بن علي هذا المنصب أو ذاك أو نال بعض الهبات والمنح لقاء ما أسداه من خدمات خصوصا فيما يتعلق بالصحافيين، أو أنه أرسل لبن علي يطلب شيئا ما أو يلتمس عفوه، وبالتالي فقد كانت هذه التهم تعني القضاء على مستقبل هذا الإعلامي أو ذاك السياسي أو الحقوقي المعارض لحركة النهضة أو المنتقد لأدائها. وتتولى وسائل إعلام أو مواقع إخبارية تابعة للحركة أو موالية لها أو متعاطفة معها فضح هذا الشخص والبحث عن صور له في أماكن تدل على علاقة ما له مع النظام السابق وأحيانا يتم تركيب صور الهدف منها هو إبراز علاقة ما لهذا الشخص المراد القضاء عليه ولجمه عن النقد بنظام بن علي.
في انتظار الرد
وينتظر التونسيون أن ترد الحركة رسميا على ما ورد في هذه الوثيقة المسربة لكنها تلتزم الصمت إلى حد الآن ولم يعلق أي من مسؤوليها على ما ورد من معلومات. وبدوره فإن رئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي لم يعلق على محتوى "نصيب تونس من تسريبات ويكيليكس السعودية" وهو ما يؤكد للبعض صحة هذه الوثيقة التي كان من المفروض المسارعة بتكذيب ما جاء فيها لو كانت غير صحيحة.
ويؤكد بعض المحللين أن التكذيب المتأخر إن حصل فهو لن يقدم ولن يؤخر لأن السلوك الطبيعي يقضي بأن يرد المتضرر من عملية تزوير بسرعة قياسية. كما أن الوثيقة تبدو صحيحة ومرقمة وحاملة لشعار المملكة وللجهة التي أصدرتها أي وزارة الخارجية وهي صادرة مع وثائق أخرى بعضها تم التأكد من صحتها. والحقيقة أن بعض الأطراف التي تشكك اليوم في صحة هذه الوثيقة كانت تمتدح وثائق ويكيليكس وتتغنى بها يوم كشفت أسرارا عن ابن علي وعائلته وعلاقة نظامه بجهات خارجية.