ارشيف من :مقاومة

حكايا عدوان تموز: دمعة.. على فراق الوالدة

حكايا عدوان تموز: دمعة.. على فراق الوالدة
بقلم: فاطمة شعيب
خنقتني العبرة.. وضاعت مني الكلمات.. واغرورقت عيناي بالدموع عندما نظرتُ الى طفلتيها.. التي كان من المفترض ان تخيط لهما ثوب الزفاف.. فكان عرس شهادتها.. وزفوها شهيدة الى جوار الله. 

"ولاء" و "زهراء" ابنتا "فاطمة عبد الحليم شعيب" إحدى شهيدات عدوان تموز.

قبل أسبوع من بدء العدوان جاءت فاطمة بزيارة عائلية من "دبعال" بلدة زوجها.. الى بلدة "الشرقية" مسقط رأسها.

عن هذه الزيارة تقول أختها "إحسان":  "كانت زيارتها الأخيرة تحوي الكثير من المواقف المحيّرة والتي لم أدرك معناها الا بعد استشهادها.. كنّا في البيت.. وكنت اعمل في المطبخ وهي جالسة الى جانبي.. وفجأة قالت لي.. برأيك ان متّ أين يجب أن أدفن؟؟ في الشرقية ام في دبعال؟.. شعرت بأن قلبي انتزع من مكانه.. ففاطمة تحب الحياة.. والبسمة لا تفارق وجهها برغم كل مصاعب الحياة والظروف القاسية التي مرّت بها، حاولت أن أداري خوفي من كلامها فابتسمتُ وقلت لها إن دفنتِ في دبعال (راحت عليك) سنستصعب المشوار وسنزورك في الأعياد فقط، أما هنا فلن نفارقك صباحاً ومساءً.. ثم صبرت "فاطمة" قليلاً وقالت أريد منك شيئاً.. فأجبتها على عيني.. فقالت إن متّ.. أنت من يربي بناتي وأنا سأرحل مطمئنة البال فلم أترك عليَّ شيئاً من واجباتي الدينية فقد قضيت ما عليّ من صوم وصلاة.. وفي نيتي أن أصوم "رجب" و"شعبان" إن أعانني الله تعالى".

هكذا استعدت فاطمة لملاقاة الله وللفوز بالشهادة.. وتكمل الحاجة "إحسان" قصة استشهاد أختها وتقول: "كانت في دبعال عند بدأ العدوان وأبلغوا بأن عليهم مغادرة المنزل، وأن يتوجهوا الى مكان أكثر امناً، سبقنها بناتها كي يحضّروا المكان ومعهم بعض الأقارب.. بقيت هي في منزلها مع زوجها الذي طلب منها إعداد  كوب شاي، وهكذا فعلت الزوجة المؤمنة.. وفجأة وهي جالسة أحست بأن أحداً أوقفها.. استغرب "ابو علي" وقال: ما بالك ولِمَ وقفت؟ اجابت: سألحق بأولادي انا خائفة عليهم.. قال انتظريني سأذهب معك بعد ان انهي شرب الشاي.. رفضت الانتظار.. تناولت عباءتها وانطلقت مسرعة نحو قدرها.. وكأنها قامت لتلبي النداء.

 لم تصل "فاطمة" الى ابنتيها التي كانت تفصلها عنهما بضعة امتار.. لم يسمح لها طيران العدو بذلك.. حين اغار على معمل كانت تمر بجانبه وانهار حائطه عليها ودفنت تحته، حتى ابنتاها لم تسلما فقد أصيبتا بتلك الغارة التي اودت بحياة امهما..

جاء المسعفون ونقلوا الجرحى الى المستشفيات ولم يعثروا على فاطمة، بحثوا طويلاً لكن دون جدوى..

وبعد ثلاثة أيام مرّ احدهم بجانب المكان فشاهد قدما تحت الحجارة فأخبر العائلة فحضروا ورفعوا الأنقاض ليجدوا "فاطمة"  تسترها عباءتها التي كانت كفناً لها.

ابنتاها في المستشفى سألا عنها قالوا لهما إنها جريحة وإصابتها خطيرة.. لكن قلبا ولاء وزهراء لم يطمئنا ولم يجرؤ احد ان يخبرهما إلا أختها إحسان لأنها هي من سيحلُّ مكانها في تربيتهما ورعايتهما.. عندما حضرت قالت لها ولاء لا تقولي لي ان امي مصابة فأجابتها: " بل سأقول بأني منذ اللحظة انا امك".
وحمل نعش "فاطمة" بعد انتهاء العدوان الى بلدتها حيث أوصت أن تدفن وكنت من اللواتي شاركن بالتشييع وبقي ذلك المشهد عالقاً في حنايا قلبي حين وضع نعشها أمام دار أهلها ولم يفتحوه.. فانكبت ولاء وزهراء عليه وضمتاه بحرارة وشوق ونادتا وسمع كل من حضر "امي يا امي، حتى بنظرة اخيرة لم يسمح لنا!! أو بقبلة نطبعها على جبينك او لمسة حنان لخديك... سامحينا فالأمر ليس بأيدينا"..

ومشهد آخر أبكاني حين كنت مارةً على طريق جبانة البلدة.. فشاهدت ابنتي "فاطمة" تحت أشعة الشمس الحارقة.. يحملان الماء ويغسلان قبر أمهما.. تقدمت منهما وقلت ماذا تفعلان هنا؟؟ فأجابتا: "أمي تحب النظافة ويجب ان يبقى قبرها نظيفا".
2009-07-11