ارشيف من :آراء وتحليلات
وثائق ويكيلكس السعودية وما خفي أخطر!
"لا جديد ولا غريب في الوثائق السعودية التي كشف عنها موقع ويكيلكس"..
هكذا يقول ويردد ساسة ومواطنون عراقيون من اتجاهات ومستويات وانتماءات مختلفة، وهم يعلقون على ما يسمعونه ويقرأونه ويشاهدونه من أخبار وتقارير عن عشرات الآلاف من الوثائق التي نشرها موقع ويكيلكس، ومن المنتظر ان ينشر المزيد والمزيد لاحقا، والتي كان للعراق حصة لا بأس بها من تلك الوثائق.
فعلا، حينما نجري مقاربة بسيطة وسريعة بين مجمل التوجهات والمواقف السعودية، ومحتوى الوثائق، لا نجد ما هو جديد ولا غريب، بيد ان الحديث في العموميات يختلف كثيرا حينما يكون مستندا على أرقام وحقائق دامغة مصدرها جهات سياسية وامنية عليا، مثل وزارة الخارجية، ووزارة الداخلية، وجهاز المخابرات، والديوان الملكي.
وثائق ويكيلكس السعودية عرضت صورة واضحة للغاية عن منظومة الحكم في الرياض، وطبيعة وحقيقة توجهاتها، وكذلك عرضت صورة واضحة لقوى وشخصيات سياسية وغير سياسية، بعضها عراقية، وبعضها الآخر عربية، لم يكن همّها سوى الحصول على المال مقابل تقديم خدماتها بلا شروط ولا قيود.
بعبارة أخرى، من يطلع على وثائق ويكيلكس الاخيرة، يمكن له ان يخلص الى التالي:
-ان المملكة العربية السعودية تبنَّت سياسات تقوم على التمدد والانتشار لإحداث اضطرابات وقلاقل في دول عديدة، من بينها العراق وسوريا ومصر واليمن، ومحاولة فرض نماذج حكم تنسجم مع مصالحها وتوجهاتها، واكثر من ذلك تكون بطريقة او بأخرى تابعة لها.
-وظفت امكانياتها المالية الهائلة لشراء ذمم مؤسسات اعلامية واحزاب سياسية وساسة وإعلاميين، ناهيك عن مد خيوطها المخابراتية تحت لافتات منظمات المجتمع المدني، والمؤسسات الخيرية-الانسانية، والمراكز الدينية، والشركات التجارية.
ويكيليكس
-المملكة السعودية لا يهمها استقرار المنطقة، بل على عكس ذلك، إنها تسعى لإثارة المشاكل والازمات، لتحتفظ بدور محوري في توجيهها من جانب، ومن جانب لكي تشغل الاخرين بتلك المشاكل والازمات وتبقى هي بمنأى عنها.
-من الواضح جدا ان التوجهات والاجندات السعودية التي عكستها وثائق ويكيلكس، تمثل بشكل او بآخر السياسيات والمصالح الغربية، وتحديدا الاميركية والصهيونية في المنطقة، والتي تقوم على اثارة الصراعات والحروب الداخلية على اسس طائفية ومذهبية، وتكريس صورة سلبية عن الاسلام من خلال دعم وتمويل الجماعات الارهابية المسلحة التي ترتكب ابشع الجرائم تحت شعار حماية الاسلام والمسلمين.
أما فيما يتعلق بالشق العراقي من الوثائق التي تتحدث عن اتصالات بين جهات سعودية وشخصيات سياسية وعشائرية واعلامية ودينية عراقية، فإن تلك الوثائق تشير الى:
-ان المال السعودي لعب دورا سلبيا وخطيرا في العملية السياسية العراقية، بل وفي مجمل المشهد العراقي العام، وما دوامة المشاكل والازمات السياسية والامنية التي لم يخرج منها العراق رغم مرور اثني عشر عاما على سقوط نظام صدام، الا نتيجة طبيعية للتدخلات السلبية من قبل السعودية وقوى اقليمية ودولية عديدة في الشأن العراقي.
-ان الرياض نجحت في مد خيوط تواصل مع قوى وشخصيات نافذة بحكم المواقع الرسمية التي تشغلها، كما بالنسبة لنائب رئيس الجمهورية السابق المحكوم عليه بالاعدام غيابيا طارق الهاشمي، ونائبي رئيس الجمهورية الحاليين أسامة النجيفي واياد علاوي، ووزير المالية الاسبق رافع العيساوي، وغيرهم، او بحكم نفوذها العشائري كما هو الحال مع الشيخ علي حاتم السلمان، او مؤسسات دينية مثل ما يسمى بهيئة علماء المسلمين التي كان يرأسها حارث الضاري، حتى وفاته قبل عدة شهور.
-يبدو واضحا ان السعودية حرصت على التعامل والتواصل وتقديم الدعم المالي وغيره من اشكال الدعم، لشخصيات وقوى تمثل لونا مذهبيا معينا، وهذا يؤشر الى انها ارادت ان تقوي ذلك المكون المذهبي من أجل إضعاف مكون مذهبي آخر، ليتاح لها بالتالي ان تحصل على مواطئ قدم ونفوذ في الساحة العراقية.
-كل، او اغلب، الذين ظهرت اسماؤهم في وثائق ويكيلكس، في الاساس، تحوم حولهم الكثير من الشبهات والشكوك، وغالبا ما اتسمت مواقفهم بالسلبية والابتعاد عن المصالح الحقيقية الوطنية للشعب العراقي.
وايا تكن ظروف وخلفيات وملابسات الاتصالات بين شخصيات وقوى عراقية من جهة، وجهات سياسية ومخابراتية سعودية، فإن ذلك يستدعي من الحكومة العراقية اتخاذ خطوات اجرائية، وعدم ترك الامور تمر مرور الكرام.
ومن بين تلك الخطوات الاجرائية، التحقق من صدقية ودقة الوثائق المتعلقة بالعراق، وتقديم كل من يثبت تورطه بإجراء الاتصالات او الحصول على دعم مالي من السعودية الى المحاكمة.
ومن بين تلك الخطوات ايضا، تجميد العلاقات الدبلوماسية مع السعودية، وإرجاء قبول السفير السعودي الجديد في العراق، الذي أسمته الرياض مؤخرا لهذه المهمة، قبل الحصول على اجابات وتوضيحات مقنعة من قبل الأخيرة، فضلا عن تعهدات وضمانات بالتوقف عن استخدام مثل تلك الأساليب التي لا تعبر عن حسن نوايا، وتوجهات صادقة لبناء علاقات ايجابية مع بغداد.
ومن يقول أن وثائق ويكيلكس السعودية، يفترض أن تصيغ واقعا جديدا، أو بتعبير آخر، تحدد وتصحح بعض المسارات الخاطئة والمنحرفة، فهو قول صحيح ودقيق الى حد كبير.
واذا كانت الرياض ترد في السابق على التقارير التي تتحدث عن دعمها وتمويلها للارهاب في العراق، بأن ذلك لا يتعدى كونه كلاما لا يستند الى ادلة تثبت ذلك، فالوثائق اليوم تمثل ابلغ واقوى ادلة.
ومن يقول انه من غير الصحيح التسرع واتخاذ خطوات وقرارات ارتجالية، في وقت ينتظر نشر المزيد من الوثائق من قبل ويكيلكس، خلال الايام أو الاسابيع المقبلة، فالرد على هذا الطرح، هو أن ما اميط اللثام عنه حتى الآن يكفي ويبرر اتخاذ مواقف وخطوات، وما يظهر لاحقا لن يكون في اطاره العام سوى تحصيل حاصل، فوثائق ويكيلكس تؤكد بما لايقبل الشك ولا الجدل ان العراق كان وما زال في بؤرة التآمر السعودي، وتؤكد ان هناك في العراق قوى وشخصيات تعمل ضده اكثر مما تعمل لصالحه!.